47/05/10
حقيقة التخصيص والعام عند أصول القانون والقدماء
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث العام والخاص/ حقيقة التخصيص والعام عند أصول القانون والقدماء
كنا في مبحث التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص سواء كانت شبهة حكمية كلية او شبهة موضوعية للمخصص. ومر من المقدمات لتنقيح هذا البحث كبرى ان حقيقة التخصيص والتقييد ما هي وان المخصص المنفصل والدليل المنفصل كيف يتصرف في الدليل العام او المقيد ومر تفصيل المحقق العراقي انه في العام والخاص يقول بعدم التصرف بينما في المطلق والمقيد يقول بالتصرف وان هذا التصرف هل هو في مرتبة استعمال العام او في مرتبة التفهيم او في مرتبة الجد او في مرتبة الحجية وهي حكم المدلول الجدي.
مر بنا أيضا ان حقيقة التخصيص عند القدماء تصرف في المدلول الجدي في المرحلة الثالثة من الانشاء. يعني ان التخصيص عند القدماء ليس محوا ولا يكشف عن انعدام العام ومحو العام وإزالة العام في منطقة الخاص بل هو تجميد للعام. فالتخصيص عندهم يتصرف في المرحلة الانشائية الثالثة ولا يتصرف في الأولى ولا الثانية. وكذلك التقييد والنسخ الى حد ما عند القدماء.
فعندهم ملاك العام متوفر في منطقة الخاص او المقيد، غاية الامر انه مجمد مثل النسخ انه تخصيص أزماني في قبال التخصيص المصطلح حيث هو تخصيص افرادي.
اذا موطن التصرف وكيفية التصرف مباني مختلفة ومر بنا يوم الأربعاء ان هذه المباحث اهم من العناوين التي عنونها الاعلام في مباحث الالفاظ. يعني ان هذه العناوين وهذه المباحث اهم جدا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية والمفروض ان تذكر كالثمرة. الحري ان يبحث عن حقيقة التخصيص وكيفية التصرف وموطنه. دائما عملية التدوين في علم الأصول والفقه يراد لها التغيير و التصحيح بان تذكر المباحث الأسس الأهم من المباحث الفروع الذيلية وهذا يعطي المجتهد خارطة الطريق الدقيقة بخلاف اذا جعل المحور المباحث الفرعية التحتية النازلة.
المحقق العراقي ذهب الى ان التخصيص حقيقته ليس تصرفا من الخاص في العام. على هذا المبنى كلام القدماء متين. ان العام موجود في منطقة الخاص وانما الخاص يعني اعدم فردا من افراد العام واخرجه. الإخراج يعني الانعدام الخارجي مثل إعدام الفرد. هذا الكلام دعم لكلام القدماء ان التخصيص ليس محوا للعام في منطقة الخاص.
هذا مما ينبه على أن مراد القدماء من المجازية ليس الانكفاء بل لابد من معنى آخر.
هذا البحث في حقيقة التخصيص وحقيقة التقييد في فهمنا القاصر بحث أساسي في باب العام والخاص. وبقية المباحث في التمسك بالعام ثمرات فرعية تبعية.
فيه ظاهرة أخرى نستطيع ان نلاحظها. بل هي سعتها الكلية اكثر مما قالها القدماء. هذه الظاهرة ثبوتية وليس من عالم الدلالة.
لاحظ: ان بحث التخصيص هل هو بحث محض في الدلالة او هو بحث فيه ظاهرة ثبوتية بلحاظ لوح التشريع؟ لابأس ان أذكر هذا الجدل عند الأصوليين قبل بيان الظاهرة.
هناك جدل عند الأصوليين المتاخرين: في عالم اللوح المحفوظ يزعم انه ما عندنا عام وخاص، بل لكل شيء حكم. فظاهرة العام والخاص ظاهرة في عالم الدلالة وعالم الابراز وعالم الاستعمال.
في قباله دعوى ان العام والخاص والمطلق والمقيد ظاهرة في عالم الدلالة وعالم الثبوت.
على مبنى القدماء من ان الخاص يجمد يمكن تصوير ان العام والخاص ظاهرة ثبوتية وليست ظاهرة اثباتية فقط.
أتذكر أحدا من الاعلام الفقهاء وكان فيلسوفا ومفسرا ومتكلما كان يرى ان المعصوم لما يعلم بالاحكام يلاحظ العام والخاص وهكذا.
هل ارادات الله التشريعية بنحو العام والخاص او هي ارادات معينة ومحددة؟ العام والخاص يحتاج اليها الفقهاء والمكلفون او هي عند الله وفي تشريع اللوح المحفوظ هكذا؟ ان الله تعالى يعلم بمبادئ الاحكام لا فقط الاحكام. ليس هو ينتقل من الدلالة الى الاحكام العياذ بالله. علم الله ليس هكذا. المعصوم سلام الله عليه أيضا هكذا. سيد الأنبياء والاوصياء ليس علمهم بالاحكام من جهة الدلالة على المدلول ولو يعبر به بعض الفقهاء وجملة من المفسرين لكنه خطأ.
عالم الدلالة عالم يحتاج له غير الوحي. الوحي نفسه هو منشأ المبادئ وعلمه بمبادئ الاحكام. مثلا علم المعصوم وتدبر المعصوم في الايات هل من جهة انه ينتقل من الدال الى المدلول؟ حالات المعصوم معقدة وليست سهلا. فالمقصود شئون مختلفة وهذه المشكلة تقع في فهم حقيقة المعصوم. يعني ان المعصوم طبقات.
هذا التساؤل ليوقفنا على ان حقيقة العام والخاص في لوح المحفوظ ما هي؟ سيما على تعبير المحقق النهاوندي والمحقق العراقي في بعض مبانيه والسيد الخوئي في بعض المواطن في الأصول والفقه ان الحكم الشرعي حقيقته الارادات التشريعية. «إرادة الرب في مقادير أموره تهبط اليكم وتصدر من بيوتكم ...» طبقة علماء النجف قبل ثمانين سنة او مأة سنة عندهم هذه الزيارة من اهم الزيارات «السلام عليك يا حجة الله وابن حجته» هذه الإرادة ليست إرادة عرضية بل إرادة جوهر. تهبط يعني انها جوهرة. يعني روح امري او كذا. الإرادة ليست دائما عرضا كما قد يتخيل بحسب عبارات الفلاسفة او المتكلمين. البيوت هي الابدان الروحية. عبر في الوحي كثيرا عن البدن اللطيف بيتا انه روح لما دونه و بيت لما فوقه. اشتباك العقائد مع الفقه والأصول.
حقيقة الحكم عند المحقق النهاوندي والسيد الخوئي في بعض الموارد والمحقق العراقي في بعض الأبواب انه الإرادة التشريعية فتكون تفصيلية. فيه إرادة تشريعية عامة لكن ليس معناها الدلالة العامة وفيه إرادة خاصة. لكن هذا العموم والخصوص ليس من سنخ عالم الدلالة. بل من سنخ الثبوت.
مثلا: عندك عزم على زيارة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله والمعصومين عليهم السلام. فعندك إرادة للذهاب للسفر. هذه الإرادة يعبرون عنه الإرادة الاجمالية العامة. يعني ان تنبثق منها إرادة كل خطوة خطوة. هذا الاجمال ليس هو العلم الإجمالي في علم الأصول ولا هو العموم في باب الدلالة. بل اجمال عقلي فلسفي. يعبر عنه في بيان الوحي وجود جملي. فيه جمل حقائل وينبثق منه أمور. هذا سنخ ثالث من الاجمال والعموم ثبوتي.
المقصود هذا عموم ثبوتي وليس عموما اثباتيا. ففي باب اللوح المحفوظ ارادات تشريعية لله تعالى او النبي او اوصياءه لا ان يكتشف الإرادة التشريعية من خلال اللفظ. «نحن مشيئة الله» «اذا شاء الله شئنا» هو في استكشاف المشيئة لا يحتاج الى العام والخاص بل يرى الإرادة الإلهية كيف هي نزولا ويرى تبعات هذه الإرادة في العوالم كلها الى الجنة. وكذلك يعلمون الارادات التشريعية. فمن ثم لا يزلون ولا يخطأون خلافا للفقهاء حيث يخطأون. بحث البداء بحث آخر. هذا فوارق علم المعصوم عن المرجع او الفقيه. قطرة في محيط في كل العلوم. ليس المعصوم يعلم من ورى حجاب الدلالة بل يرى الثبوت. من ثم يقول الامام الباقر «لو شئت لاستخرجت الشرائع والدين والحكم وكل هذه شئون الملل من لفظة «الصمد» في سورة التوحيد». عندهم هذه القدرة في نظام البيان والواقع والأنظمة كلها. انما الذي يفتقرون اليه دائما هو الله تعالى وما يتنزل من البداء الأعظم اللحظة بعد اللحظة.
هناك ظاهرة في غير المعصوم في عالم الفقهاء والمجتهدين: ظاهرة مهمة بحسب علم أصول القانون وهي بغض النظر عن القانون التشريعي السماوي ان التخصيص والتقييد غير موجود في القوانين الدستورية. بينما التقييد في القوانين تبدأ بشكل متوسط في القوانين البرلمانية وبشكل اكثر في القوانين الوزارية وبشكل اكثر فالاكثر في القوانين البلدية.
بعبارة أخرى ان القوانين كلما تتنزل تكثر ظاهرة التخصيص والتقييد وكلما تتصاعد تختفي التخصيص. مثلا من باب التشبيه ان القوانين الفوقانية شبيه بعالم المجردات انه لا تزاحم في المجردات ولا تنافي. التنافي يحدث من عالم الضيق. «اهبطوا للأرض بعضكم لبعض عدو» كلما يتنزل التشريع تخصيص وتقييد وكلما يتصاعد تندر ظاهرة التخصيص والتقييد او تنعدم.
هذا بحث جدا حساس كبروي من علم أصول القانون في باب العام والخاص ومهيمن عليه.
هذه الظاهرة سببها يكشف لنا صحة مبنى القدماء ان في منطقة الخاص لا ينعدم العام.
هذه الظاهرة تفسر بعدة ظواهر قانونية في أصول القانون.
اول تفسير قانوني لهذه الظاهرة ان اصل التشريع واساس التشريع وروحه ومبدأ التقنين بدأ من الفوق ولم يبدأ من تحت. لذلك المحقق الحلي دائما عنده أصول التشريع وقواعد المذهب. حقيقة التقنين من الفوق وليس من التحت.
هذه عبارة قانونية يعني ان أساس التشريع هو الدستور وليس أساسه القوانين الوزارية ولا البلدية ولا البرلمانية. كل هذه القوانين مفسرة للقوانين الدستورية. اصل التشريع هو العمومات وليس الخصوصات والأدلة الخاصة.
ما هو دليل مشروعية زيارة الأربعين؟ هذا دليل على الذهن القشري الحشوي من جماعة الأصوليين والاخباريين. حيث يتشبثون الى الأدلة الخاصة. نسبة الأدلة العامة الى الأدلة الخاصة نسبة الدليل الاجتهادي الى الأصل العملي. يعني ان الأدلة الخاصة من قبيل الأصل العملي. هذه قاعدة أخرى من أصول القانون. سنبين كيف هذا المدعى. اما العمومات الفوقية من قبيل الأدلة الاجتهادية. دائما التشريعات العامة مهيمنة على التشريعات الخاصة ثبوتا. اذا اصل التشريع من العمومات لا من الأدلة الخاصة. بينما الذهنية الموجودة اذا عرفنا علم الأصول دليلية الدليل ويقولون هذه حقيقة علم الأصول فيصير الدليل الخاص ملك الأدلة. هذه نظرة جدا خاطئة. اصل التشريعات فوقانية. التحتانيات المتنزلات بالدقة هي تطبيقات ولو لم تكن تطبيقات ساذجة بل تطبيقات تشريعية متنزلة.
لا يمكن ان يقال اريد دليلا خاصا على هذه الزيارة وهذا الذكر. هذه ذهنية قشرية وجمودي. ما عنده استيعاب للأصول التشريعية. بل عندنا في الأدلة ان أي دليل خاص حتى لو كان صدورها قويا اذا لم يعطيك هوية لنفسه نازلة من الأصول التشريعية شكك فيه. اضربه على الحائط اذا لم يجد لنفسه هوية مفهومية مضمونية لأصول التشريع. ربما يسمى فقه المقاصد.
ان شاء الله نواصل
بحث العام والخاص عبارة عن نظرة منظومية للقوانين بتعبير عصري هو بحث في نظام منظومة للقوانين.
ان شاء الله يستبدل هذه القوانين التقليدية القديمة الى عناوين مستحدثة عظيمة.