« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 أنواع الاطلاق وأدوات العموم ومراتب الدلالة/ مبحث العام والخاص /باب الالفاظ

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث العام والخاص / أنواع الاطلاق وأدوات العموم ومراتب الدلالة

 

كنا في مبحث ان أدوات العموم سواء بالوضع او بالتركيب الاستعمالي او التركيب التفهيمي، هل تحتاج في العموم الى مقدمات الحكمة في مدخولها كما ذهب اليه جماعة كصاحب الكفاية والنائيني او بالتفصيل كما ذهب اليه السيد الخوئي حسب التقريرات.

ثم على كل من القولين، الاحتياج الى مقدمات الحكمة ألا يجعل مستوى الدلالة في العموم هو بعين مستوى الدلالة في الاطلاق من حيث قوة الظهور ودرجته. والحال انهم لا يلتزمون بذلك ويعتبرون دلالة العموم اقوى ظهورا من الاطلاق. فكيف يكون هذه الدلالة اقوى من الاطلاق في الدلالة؟

كيف يفرق السيد الخوئي بين الدلالة بالوضع والدلالة بالتركيب؟

الصحيح ما ذهب اليه الاعلام خلافا للسيد الخوئي لكن بالالتفات الى أنواع الاطلاق. والمراد من انواعه ليس خصوص الاطلاق وانما المراد الجامع المشترك بين العام والمطلق. كما مر بنا مرارا ان المسائل التي تذكر في العام جلها شاملة للمطلق وكذلك في المطلق. بعبارة أخرى ان البحث في العام والمطلق هو بحث في الجامع بينهما.

فرقوا بلحاظ بعض الأبواب الخاصة وبعض الامتيازات الخاصة بهما والا البحث في الجامع لا يستتم بما بحث في العام فقط بل يكمل بما بحث في المطلق. ففي الحقيقة بحث العام وبحث المطلق بحث موحد في جل مباحثه وشطر من تلك المباحث تذكر في العام وتكملتها تذكر في المطلق.

فملاحم البحوث التي تذكر في العام والخاص بعينها في المطلق والمقيد ولا فرق بينهما وكذلك العكس ان الملاحم والمسائل الحساسة التي تذكر في المطلق والمقيد شاملة للعام والخاص. هذا يجب الالتفات اليه والا يقع الانسان في غفلات كثيرة.

مثلا من المباحث المعقدة في العام والخاص التمسك بالعام في الشبهات المفهومية والمصداقية مبحث شامل للمطلق أيضا ولا فرق. وهلم جرا تسعون بالمأة هذه البحوث هي للجامع الموجود في الاثنين وكذلك استصحاب العدم الازلي شامل لكليهما. وأنواع العموم وأنواع الاطلاق كلها بحوث يجري في الجامع بينهما.

قسم من أنواع الشمول كالاستغراقي والبدلي والمجموعي والامتدادي الذي يبحث في العام والخاص جار أيضا في الاطلاق والتقييد وكذلك قسم آخر من أنواع الشمول المسمى بانواع الاطلاق أيضا يجري في العام والخاص أيضا.

نتعرض الان الى أنواع الاطلاق وهو بحث في الشمول والسعة الشامل للعام أيضا.

النوع الأول: الاطلاق في الملاك كمتمم الجعل وما شابه ذلك.

هذه ليست في فقه الفروع فقط بل تجري في علم الكلام والتفسير والأخلاق والعلوم الدينية الكثيرة وليس خاصا بفقه الفروع حتى فكرة متمم الجعل وهي تجري في العلوم الدينية. فأنت أيها الباحث اياك ان تنخدع وتستأنس فرحا واستهاجا بالادلة الخاصة بل لابد ان تضم اليها الأدلة العامة ولابد أيضا ان تلاحظ متمم الجعل وهو دخيل في الصحة ولا جزء ولا شرط. هو جعل مستقل لكنه نابع من ملاك واحد مع جعل آخر. وكل تلاميذ النائيني قبلوا متمم الجعل وفكرته كانت موجودة في القدماء.

اذا كان بناءك ان تحرز صحة الصلاة وصحة التشهد فقط من الشرائط والاجزاء فكرة خطأ. بل لابد من ملاحظة متمم الجعل الذي له ربط ملاكي.

اول أنواع الملاك هو الاطلاق الملاكي وهو مرتبط بالملاك وليس مرتبطا بالجعل والقضية القانونية. قضيتان مستقلتان في القالب ولكن ملاكهما واحد وهو دخيل في الصحة. فهذه النكات لزم ان نلتفت اليها.

نفس الاصوليون بحثوا في الملاك. اذا يجمع واحد مباحث الملاك في الأصول وليس مباحث الجعل والانشاء والفعلية بل مباحث الملاك بدلالة شرعية وميزان شرعي فيجد مباحث كثيرة في علم الأصول بحث عنه الاصوليون منها متمم الجعل ومنها الإطلاق الملاكي.

الميرزا النائيني والمشهور يصححون في موارد عديدة العبادة والمركب بالملاك لا بالادلة. ان الملاك له شمول. ولو لم يقبلها السيد الخوئي. طبعا لابد من دلالة الشرع لا بتحدس الفقهاء. الملاك المدلول عليه بالادلة. ما وراء الأجزاء والشرائط والموانع فيها ادلة تتعرض للملاك وفائدتها شبيه حكمة الحكم ولعل في آخر بحث الصلاة نقلنا من الاعلام ۱۳ فائدة صناعية في حكمة الحكم وهي أيضا مرتبطة بالملاك. فالمقصود لابد ان نلتفت الى هذه النكات المذكورة في عساعس أبحاث الأصول.

فالجعل ليس له سعة والمتعلق ليس له سعة والموضوع ليس له سعة لكن الملاك له سعة أوسع من القضية القانونية الثبوتية.

مثلا في الشهادة الثالثة يقولون لابد من الأدلة الخاصة. مع ان الأدلة الخاصة موجودة وبغض النظر عنها وبغض النظر عن الأدلة العامة متمم الجعل موجود. الأدلة لها صياغات عديدة.

لماذا نذكر أنواع الاطلاق؟

كل من هذه الأنواع له آثار لا يغني عنه الآخر. كل من هذه الأنواع له دور في مقامات عديدة في الاستنباط.

النوع الثاني: يعبرون عنه الاطلاق الذاتي. يعني ان طبيعة الطبيعة لها سعة ذاتية في كل افراده. مثلا الانسان والجسم طبيعته طبعا وماهيته له سعة كامنة اقتضائية تشمل جميع الافراد سواء تكون أدوات العموم او لم تكن. فيها سعة ذاتية. الطبائع الكلية للاجناس او الطبائع الكلية للانواع لها سعة ذاتية.

هذا نوع في العام والمطلق.

النوع الثالث: الاطلاق الدلالي يعني في عالم الدلالة. سواء قرينة وضعية او قرينة استعمالية او قرينة تفهيمية او قرينة جدية ومر بنا ان الجدي مراتب وليس مرتبة واحدة. جمع اقوال الاعلام على ان الجدي مراتب وهذا مفيد في مباحث التعارض ومباحث الالفاظ ومباحث كثيرة.

الاطلاق الدلالي فيها أداة دالة على السعة سواء كانت مقدمات الحكمة او أداة العموم.

النوع الرابع: الاطلاق اللحاظي. وفيه فرق يسير مع النوع الثالث وان كان بينهما ارتباط وتيد. الاطلاق اللحاظي بلحاظ المتكلم.

النوع الخامس: الاطلاق في مقدمات الحكمة. طبعا هذا الاطلاق في الحقيقة نوعان وليس نوعا واحدا ان لم يكن أكثر من النوعين.

مقدمات الحكمة ثلاث مقدمات او أربع. فهي بمثابة الموضوع في الدلالة على الاطلاق والاطلاق المحمول كحكم. نظام مقدمات الحكمة هكذا. او تستطيع ان تقول اطلاق موضوعي في الدلالة. يعني ان الدلالة غير المدلول لها موضوع ولها محمول. «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» هذه الاستطاعة قيد الموضوع وهو في المدلول. «على الناس» قيد في المدلول. والحج متعلق في المدلول.

بحث الدال مثل الجملة الشرطية او الشرط والجزاء في الدال. مثل ان تفك النظارة عن المنظور والمرآة عن المحكي والحاكي عن المحكي. في علم البلاغة يدققون في هذه المباحث. مع ان المدلول والدال مندمجان لنكهما بينهما بالدقة تفكيك. وهذا من اصعب المباحث في التوحيد في عالم الأسماء ومن يتقنه هنا يتقن هناك.

فاذا في عالم الدلالة عندنا موضوع ومحمول والقضية القانونية في عالم المدلول أي الثبوت. لكن عندنا في نفس الدلالة اذا فككتها وجزأتها عن المدلول فالدلالة أيضا فيها موضوع ومحمول. مثل الفرق بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي.

فلا نخلط بين القضية القانونية في الحكم الواقعي والقضية القانونية في الحكم الظاهري. كل خبر واحد حجة وكل ظهور حجة قضية قانونية تشكل البنية في الحكم الظاهري. والحكم الواقعي هو وجوب الحج او وجوب السورة. فعندنا قضية قانونية في المدلول و الثبوت وعندنا قضية قانونية في الدلالة والاثبات.

طبعا بحر العلوم الذي بلور هذه المباحث بالدقة حسب كلام الشيخ الانصاري في الرسائل ربما يترامى الحكم الظاهري فيكون الظاهري فوق الظاهري فتفكك بين الظاهري الأول والثاني والثالث.

فاذا في عالم الدلالة لدينا موضوع ومحمول غير الموضوع والمحمول في القضية المحكي. مثلا دلالة الآية الكريمة «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» ظهور او نص وحجية الظهور وهذه المباحث في بنية الظهور وبنية الدلالة وليست في بنية المدلول. هذه المباحث ضرورية ويسمونها مجهر فوق المجهر.

الاطلاق فيه مقدمات الحكمة ثلاث او اربع حسب اختلاف الاعلام. هذا الاطلاق في بنية الظهور. فيه موضوع وفيه محمول. فالاطلاق في المحمول يختلف عن مقدمات الثلاث. مع ان هذه المقدمات اثنتان منها توصف بالاطلاق من أنواع أخرى. مثلا احد شرائط مقدمات الحكمة ارسال اللفظة. يعني ان اللفظة تطلق وترسل بالصوت والكتابة من دون ان يقترن معها شيء. يسمى الاطلاق الإرسالي في مقدمات الحكمة بلحاظ الموضوع.

نوع آخر من الاطلاق ان لا تكون هناك قرائن حالية ونوع آخر منه في الموضوع وبنية الظهور في الاطلاق يعبر عنه ارسال الاستعمال. يعني ان هذه اللفظة لما تستعمل مرسلة بدون قيد تستعمل في هذا المعنى. كثيرا ما يستعمل الاصوليون ان هذه اللفظة تطلق على كذا. بمعنى استعمال المرسل. هذا معنى من معانيه.

نوع آخر من الاطلاق هو الاطلاق الحكمي. المقصود به في بنية الظهور الاطلاق. مقدمات الحكمة يمهدونها لأجل النتيجة وهي المحمول في بنية الظهور لا المحمول في المدلول. هذه المباحث ستأتي في بحث الاطلاق. لانه بين الاعلام وجهات نظر في سنخ هذا النوع من الاطلاق.

أيضا من الاطلاق الحكمي يقصدون منه غير الاطلاق في مقدمات الحكمة بل يقصدون منه حكم المدلول. يعبرون عنه الاطلاق الحكمي او المحمولي.

أيضا من الاطلاق الاطلاق الموضوعي في القضية القانونية الثبوتية والمدلول.

فيه اطلاق فردي وهذا نوع آخر وفيه اطلاق زماني واطلاق احوالي وهناك أيضا اطلاق مقامي غير الاطلاق اللفظي المعروف. الاطلاق المقامي ظاهره سهل وباطنه من اصعب المباحث. هذا الاطلاق المقامي نوعان وليس نوعا واحدا. الاطلاق المقامي بلحاظ مجموع الأدلة والاطلاق المقامي بلحاظ طائفة من الأدلة او فقرات دليل واحد.

هذه التقسيمات ماذا فائدتها؟ معناها ان هذه الأنواع لا يستغنى باحدها عن الاخر. بل لابد ان تجتمع وتأتلف وكل له ثغر من الثغور.

اصل البحث هذه النكتة ان الاعلام يعترفون ان الاستغراقي والبدلي و المجموعي في عرض بعضها البعض. وان كان هذا ايض ليس صحيحا. لكن المعروف والمشهور انها متباينة واحدها يزيل الاخر. اما في أنواع الاطلاق المذكورة الان لا يغني احدها عن الاخر وليست هي في عرض واحد. أصلا لب البحث هذا. بل لابد من جميعها او مجموعة منها. هب انك ثبتت نوعا او نوعين من الاطلاق هذا لا يفيدك بل لابد من تتبع أنواع الاطلاق والقيود في الأدلة.

المسامحة عند السيد الخوئي رحمه الله انه هنا في اشكاله على الميرزا النائيني وصاحب الكفاية ان السيد الخوئي رحمه الله جعل أداة العموم سواء وضعا او استعمالا تدل على السعة بنفس النوع الذي يتوخى من مقدمات الحكمة. هذه مسامحة عجيبة. لذلك ذكرنا انه كانما يتناقض. في باب الاستعمالي والتفيهيمي يقول يحتاج الى مقدمات الحكمة مع انها من أدوات العموم استعمالا. وفي باب أدوات العموم وضعا يقول لا يحتاج. نوعية السعة تختلف.

هذا الاشكال من أن ادوات العموم موجودة فلا نحتاج الى الاطلاق. يجاب عنه ان أداة العموم في موطن والاطلاق في موطن آخر وما فيه تنافي.

أيضا اشكال اخر ان الاطلاق في مقام الجد كيف يكون مع أداة العموم في الاستعمال والوضع؟ كانما نقول ان الاستعمال والوضع يستعين بالجد والحال ان الامر بالعكس. هذا أيضا سيندفع بهذه الفكرة الرئيسية ان أنواع الاطلاق مواطن. وليس كلها على وتيرة واحدة. هذا لب لباب البحث في أنواع الاطلاق. ليست رتبة واحدة ولا نوعا واحدة ولا سنخ واحد ولا في عرض بعضها البعض.

جوهرة: هذا يبين لنا كما سيأتي ان شاء الله من الاعلام ان الدلالة يجب ان تفكك بين مراتبها والا ما يستقيم عند الاستنباط. لابد ان تفكك بين مراتب الدلالة واحكامها وشئون الدلالة. جهد الاعلام هنا في هذا المطلب ان الدلالة مراتب كما ان الاطلاق والعموم أيضا مراتب وأنواع.

بنية الظهور ليست فوضوية. ليست عشوائية. منهج الارتكاز العرفي العشوائي منهج خطأ في الاستنباط والاستظهار. بل لابد من التدقيق في المراتب والدلالات.

logo