« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الحصر/الكلام في العام والخاص والمطلق والمقيد

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الحصر/ الكلام في العام والخاص والمطلق والمقيد

 

خطورة أنواع العموم في التقنين والتشريع

كنا في صدد الاعتراضات التي وجهت على معنى الحصر وبقي اعتراض اخر في كلمة «التوحيد» والتهليل. ان افادة هذه الجملة الشريفة في التوحيد محل اعتراض دلالي. «لا اله الا الله» فإما نقدر «لا إله موجود» او نقدر «لا إله ممكن الا الله»

فإن قدر «موجود» لا يكون نفيا للإمكان لوجود الإلهة فلا يكون توحيدا. وإن قدر الإمكان فليس فيه اثبات لوجود الله. فإذاً هذه الكلمة في كيفية دلالته على التوحيد تأمل وتدبر بهذا الاشكال.

بغض النظر عن ورود هذا الاشكال نفس هذا التساؤل شيء جيد وهو ان الكلام يجب ان يدقق في جمله مهما كان بديهيا. كلمة التوحيد مع انها أساس الدين لكنه لا يمانع التدقيق في كيفية معناها. ففيها خبر «لا إله» مبتدأ ويحتاج الى الخبر فهل الخبر «ممكن» او «موجود» فهذه التدقيقات مهمة في باب الاستنباط ا لعقائدي او الفقهي او أي مجال من مجالات العلوم الدينية او القانونية.

اجيب عن هذا الاشكال انه سواء قدر «ممكن» او قدر «موجود» يدل على التوحيد. لان الإمكان على صعيد واجب الوجود مساوغ وملازم بعين الوجود. لان هنا المراد من الإمكان ليس الإمكان المقرر في المخلوقات.

الإمكان المقرر في المخلوقات يعني امكان مركب. يعني ان وجودهم بلا مانع وعدمهم بلا مانع فيكون بمعنى الفقر والفاقة في الإمكان المراد في المخلوقات

اما الإمكان المراد في الباري المراد به عدم المانع عن الوجود وليس المراد به ان عدمه ممكن ولا مانع منه. مثل «لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا» المانع من الوجود تعدد الالهة لا امكان تعدده. فبين الباري تعالى انه من وجود تعدد الالهة تلزم المحاذير.

فالامكان المراد في الواجب الوجود او الذات الازلية عدم المحذور والمانع من الوجود لا عدم المانع من العدم كما في المخلوقات. يعبرون عنه الإمكان البسيط وهو يساوغ الوجود ووجوب الوجود.. فالامكان في الباري تعالى بمعنى عدم المانع من الوجود وهو عين وجوب الوجود.

وان قدر أيضا «موجود» فهو أيضا يساوغ الإمكان. فحصر الإمكان العام به تعالى.

خلاصة البحث في بحث مفهوم الحصر هو تعيين جهة الحصر وحيثية الحصر وكما مر ان هذا ليس فقط في باب الحصر بل في باب اصل الاستظهار. ان ناموس الاستظهار ان يدقق المستنبط الباحث عن الحيثية المركزية الأساسية في الاستظهار. ان المتكلم في أي جهة.

مثل هذه الكلمة في التوحيد اذا يدقق فيها ترى ان فيها خفايا عجيبة. مثلا «لا اله الا انت» او «لا هو الا هو» او «لا هو الا الله» هذه الخيارات المتعددة بحر من المعارف والبحوث. كما ان في اية الكرسي «فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى» يكفر يعني «لا اله» فجعل الالهة المنفيين هم الطواغيت. كذلك في هذه الآية جعل في مقابل الله «الذين كفروا اولياءهم الطاغوت» فولي الله ليس الطاغوت لان دوره دور الهداية الى الله ويخرجهم من الظلمات الى النور.

المقصود في المعاني والتدقيقات يوقف الانسان على حقائق كثيرة ولا يمكن ان يسترسل الانسان مع جمود الالفاظ واذا يدقق في تقادير المعاني يرى ان باب المعنى واسع جدا.

 

مفهوم العدد

سبق ان مر بنا ان العدد يذكر في الأدلة تارة بمعنى السقف الأدنى يعني بشرط لا عن النقيصة. وتارة بمعنى السقف الأعلى يعني بشرط لا عن الزيادة وتارة يطلق ويراد به بشرط لا عن النقيصة والزيادة كاربع ركعات للظهر. فالعدد يستعمل في المعاني الثلاثة بل ربما بمعنى رابع كما ان العدد يذكر كنموذج لا بشرط عن النقيصة والزيادة بل ذكر طردا للباب او من باب ابرز الافراد. فالعدد يستخدم في الأدلة والابواب بمعاني اربع او ربما اكثر. فيجب على الباحث والمستنبط ان العدد المستفاد ما هو المفاد المطابقي له وعل ضوء هذا المفاد المطابقي تعين الحدود كالغايات. حينئذ يؤول على بعض المعاني التي يستعمل فيها العدد الى استعمال أداة الغاية.

هذا تمام الكلام في المفاهيم.

 

الكلام في العام والخاص والمطلق والمقيد.

المباحث في هذا الفصل مباحث هامة جدا.

مر بنا ان الأصوليين يستعملون العام في مقابل المطلق يعني أدوات العموم وتارة يريدون من العام ما يشمل المطلق والمراد به الشمول العقلي او اللغوي بغض النظر عن أداة الاستعمال. فما يقال في العام بعينه يراد في المطلق لان المراد منه في بعض الاستعمالات هو الشمول المطلق.

كما ان المطلق في بعض الاستعمالات قسموه الى اقسام ستة او سبعة كما سيأتي. جملة من اقسام المطلق ليس خاصا للمطلق بل شامل للعام يعني العام الجامع والشمولية والسعة.

مثلا احد معاني المطلق هو الاطلاق الذاتي وهو يعني السعة الذاتية والاطلاق الملاكي نفس الكلام والاطلاق في الدال والمدلول. كثير من هذه الموارد ليس المراد منه خصوص المطلق.

انما التقابل بين العام والمطلق في هذا الجانب. اذا كانت الطبيعة حسب اختلاف الأنظار انها اللابشرط القسمي او المقسمي او الطبيعة المهملة، هذه الطبيعة اذا قرنت بها أداة للتعميم زيادة على السعة الذاتية والتكوينة للطبيعة نفسها فهذه الأداة اللفظية تسمى العموم في مقابل الطبيعة على ما هو عليه بدون الأداة اللفظية فتسمى الاطلاق. هذا هو الاختلاف الأصلي بين العام والمطلق. والا بقية المباحث التي تبحث في العام مرتبط بالمطلق وكذلك بقية المباحث التي تبحث في المطلق مرتبطة بالعام. هذه نكتة جدا مهمة. فليس هذه المباحث خاصة بالعام المقابل للمطلق. اكثر مباحث العام هي للعام الجامع.

كما ان اكثر مباحث المطلق أيضا للعام الجامع وليس خاصا للمطلق المقابل للعام. هذه نكتة أساسية في هذا البحث.

مثلا في قول الصديقة سلام الله عليه ذكرت أبواب علم الأصول. «ام انتم اعلم بعموم القرآن وخصوصه من ابي وابن عمي» المراد ليس العموم والخصوص المقابل للمطلق والمقيد بل يشملها.

نقطة أخرى: العام كما مر بنا وان ذكر الاعلام انه مقسّم الى ثلاثة اقسام كالعام البدلي والاستغراقي والمجموعي ولكن هم في الفقه لم يلتزموا بثلاثية الأقسام.

هذا البحث في العام ليس خاصا بالعام بالمعنى المقابل للمطلق بل هو شامل للمطلق. جل المباحث مباحث مشتركة بينهما. إرادة العام بالمعنى الأخص قليل في المباحث وكذلك إرادة المطلق بالمعنى الأخص ويحتاج الى قرينة.

فهذه التقسيمات في العام بالمعنى الاعم اكثر من هذه الثلاثة. اشكال العام الى ما شاء الله. مثلا من باب المثال « الدولة الفدرالية» ليست مجموعية مطلقة وليست استغراقية مطلقة بل هي متشكلة منهما ومن البدلي في بعض الأحيان. وكذلك «الدولة الكنفدرالية» هندسة العام نوع من الهندسة الرياضية للقوانين ولا تقف عند شكل او اطار او قالب محدود بل يمكن تشكيل من الاستغراقي والبدلي والمجموعي الى ما شاء الله من القوالب الهندسية الرياضية.

احد أسباب تعقيد مسائل مهمة او قواعد مهمة في الأبواب المهمة هو هذا. الباحث يبحث عنه مع الاستغراقي بقول مطلق او البدلي بقول مطلق. كثير من المباحث من زاوية استغراقي ومن زاوية بدلي في ضمن قالب واحد وشكل هندسي معين. فالتدقيق في الجهات والزوايا جدا مهمة.

الدولة للولايات المتعددة كل دولة لها ولاية والوزارات كذلك هل هي استغراقية او مجموعية او بدلية. هذه نكتة جدا مهمة يلتفت اليها. في كل الأبواب هندسة العام بحث خطير. العام بالمعنى الاعم الذي يشمل المطلق.

الحجج كالقرآن وفيه كل شيء. لماذا لابد من معية الثقلين؟ هذا الامر يلتبس على ادق العلماء مثل العلامة الطباطبايي رحمه الله كيف يصور حجية القرآن. في قم آنذاك قامت ثورة علمية على العلامة الطباطبايي ان هذه الصياغة العلمية منك خطأ.

«اني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي وان اللطيف الخبير انبأني انهما لن يفترقا» ماذا يعني عدم الافتراق؟ لنا مجلد كامل في معية الثقلين وما وفقنا لطبعه. معاني المعية في القرآن والثقلين من الوحي. هل هي مجموعية او غيرها؟

ماذا يعني قول الله تعالى «لا نفرق بين احد من رسله» ما معنى هذه الحقيقة؟ والحال ان القرآن يقول «وتلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض» هل المعية هرمية؟ هل المعية في عرض؟ الكتب السماوية يصدق بعضها بعضا ومع ذلك يقول القرآن «مصدقا لما بين يديك» مصدق لكل الكتب. «ومهيمنا» والقرآن مهيمن.

صعوبة البحث في تشخيص السنخ الهندسي للشكل العموم ويلتبس على رواد العلم واساطين العلماء. الامر ليس بسهل. بحث العام والخاص ظاهره سهل لكن واقعه صعب مستصعب.

الحجج المعصومون أربعة عشر وسيد الأنبياء اعظم من كلهم ومهيمن عليهم. سيد الاوصياء بعده اعظم من ولده. ما معناه؟ اذا هذه البحوث جدا حساسة في المعارف وكل العلوم.

سيأتي ان شاء الله مبحث نظام الحجية ان المتاخري الاعصار رضوان الله عليهم التبس عليهم الشكل الهندسي لنظام الحجج وادى الى تداعيات ما انزل الله بها من سلطان.

ما هو نظام الحجج؟ هذا هو القلب النابض للبحث وهو انه ما هو هندسة الشكل للعموم للحجج القطعية او الظنية؟ استغراقي او مجموعي؟ فيه استغراقي عرضي وطولي وأنواع عديدة.

مبحث العام والخاص والمطلق والمقيد ظاهره سهل ولكن باطنه جدا صعب مستصعب.

اسم الجلالة «بسم الله الرحمن الرحيم» الذات المستجمعة لجميع الصفات. هل مثل بقية المخلوقات او شيء آخر؟ الأسماء الإلهية استغراقي او مجموعي؟ مع انها ليست بدلية.

هوية العام شيء معقد في العقائد والرجال والأصول والفقه. كن يقظة فيما هو الشكل الهندسي للعموم والمطلق. اذا استرسل ذهن الباحث فينام في البحث. بحث رياضي معقد. ما هو سنخ العموم؟

المجموعية اشكال وأنواع والاستغراقية أنواع والبدلية أنواع. فيه بدلية بمعنى صرف الوجود ويختلف عن البدلي غيره كما مر بنا. الصعوبة هنا تكمن.

كثير من النزاعات في القضاء بين المتنازعين لانهم لا يفتهمون الشكل الهندسي في الحقوق.

هذا البحث الان اشكال وأنواع العموم بحث مرتبط ثبوتا بأصول القانون ومن المباحث الخطيرة فيها في كل العلوم. قد يصير خطأ في عدم معرفة الشكل الهندسي للعموم.

ذكرنا في الدورة الثانية في الاجتهاد والتقليد ان الائمة سلام الله عليهم نصبوا الفقهاء نواب هل بنحو الاستغراق او بنحو المجموع او بنحو البدلي؟ بل بكلا الانحاء الثلاثة في المجالات وان كان الطبيعة الأولية بنحو الاستغراق. ومن المسائل المعقدة قضية كيف رسم النظام بين الفقهاء وهي من البحوث المعقدة في الاجتهاد والتقليد في العروة مرتبط بتشخيص نوع العموم. ليس مبحثا سهلا ابدا. بل صعب مستصعب.

نكتة ثمينة أخرى خاض فيها الاعلام في الفقه. في مقابل هذه الأنواع من العموم بالمعنى الاعم أنواع القيود او الخصوص. الخصوص والتقييد فيها مفادات مختلفة بحسب العام وشكله. فهذا شيء حساس.

الميرزا النائيني كما ذكر المحقق العراقي عنه ان ثلاثين سنة بقي يكتب رسالة اللباس المشكوك. حتى لما انتهى منها ونشرها الميرزا النائيني قال العراقي هذا هو العلم المكنون للميرزا النائيني وكل الاعلام مضطرون ان يسجلوا رسالة فيها. صعوبة هذه الرسالة ان الميرزا النائيني كان يدقق في أنواع القيود في قبال أنواع العموم. تستطيع ان تقول انه هو لب لباب الاستظهار والاستنباط ولب لباب مبحث الالفاظ.

ان شاء الله نتعرض الى كلام صاحب الكفاية في كيفية استكشاف العموم. وربما امتن ما قيل ما قاله المرحوم الكمباني في قبال رأي صاحب الكفاية او رأي السيد الخوئي. هذا المبحث لاحق لهذا المبحث في أنواع العموم. أنواع العموم كيف تستكشف. هذا أيضا خطير. كيف تتصور ثبوتا وكيف تستكشف اثباتا؟

الانتباه الى هذا المبحث على الدوام يوميا الى اخر العمر امر حساس وليس سهلا.

logo