47/04/04
مفهوم الغاية/ مبحث المفاهيم/باب الالفاظ
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الغاية
ابعاد في مفهوم الغاية والعدد والحصر
وصل بنا المقام الى مركز البحث في مبحث الغاية وهي ان الغاية هل هي قيد لموضوع الحكم او لمتعلق الحكم او هي قيد للحكم؟
طبعا اذا كانت الغاية قيدا للحكم مباشرة فلا ريب في دلالتها على المفهوم الكبير، بل ذكر بعض الاعلام انه لو كانت تركيب الجملة ودلالتها على رجوع القيد والغاية الى الحكم مباشرة فلا ريب في دلالة الجملة او الغاية على المفهوم الكبير بل لعلها اقوى دلالة من الجملة الشرطية لان الغاية اصرح في المفهوم من الجملة الشرطية لانها تدل على الانتهاء. بالتالي دلالتها واضحة.
اما لو كانت قيدا للمتعلق او الموضوع فالدلالة على المفهوم الصغير فحسب دون المفهوم الكبير.
هذا من جهة الدلالة الثبوتية والاحتمالية اما من جهة الدلالة الظاهرية فهل يرجع القيد والغاية الى الحكم او الى المتعلق او الى الموضوع؟ تفصيلات عند الاعلام بحسب صياغات الجملة المركبة من الغاية.
فإن كان الحكم مدلولا عليه بالهيئة والمعنى الحرفي فالقيد لا يرجع الى الهيئة والحكم لان المعنى الحرفي لا يقيد كما ذهب اليه النائيني على خلاف الاصفهاني. هذا نزاع مر بحثه في المعنى الحرفي وكيفية تقييد المعنى الحرفي. بعضهم يقول لا يمكن تقييد المعنى الحرفي مباشرة بل بواسطة طرفي المعنى الحرفي او طرفه ولكن هذه الاقوال في قبال كلام المرحوم الاصفهاني او العراقي ان المعنى الحرفي قابل للتقييد بمعنى ان المعنى الحرفي كما يتعلق بطرف فيتعلق بالقيد مباشرة.
فمنهم من فصل بين كون الحكم في جملة الغاية مدلول عليه بالهيئة والمعنى الحرفي فلا يقيد وان كان بالمعنى الاسمي ففيه مجال. ولكن هذا التفصيل مبني على مبنى في المعنى الحرفي.
تفصيل آخر: انه ان كان المتعلق كفعل غير مذكور في الجملة وكان الحكم مدلولا عليه بالمادة الاسمية «فرض الله عليكم» «كتب عليكم الصيام» فهنا القيد يكون ظاهرا جدا في رجوع الغاية الى الحكم مباشرة فتدل على المفهوم الكبير.
أما اذا كان المتعلق موجودا ولا سيما الحكم مدلولا بالهيئة والمعنى الحرفي حينئذ مقتضى الظهور رجوعه الى الفعل لان الفعل اقرب للتقييد من الاسم الجامد او المعنى الحرفي. هذا من باب الاظهرية لا من باب ال امتناع. ان القيود اظهر في الرجوع الى المتعلق من الرجوع الى المعنى الجامد كالموضوع او المعنى الحرفي كهيئة.
هذه جملة من التفاصيل. هذا الذي يذكره الاعلام من باب عناصر الظهور العامة والا العناصر الخاصة قد تكون اقوى دلالة في تعيين رجوع القيد الى الحكم او المتعلق او الموضوع. يعني انه عموما ما يذكره علماء العلوم اللغوية او في مباحث الالفاظ في علم الأصول انما يذكرون القرائن العامة ولا تقوى القرائن العامة في مناهضة ظهور القرائن الخاصة فهي اقوى واكثر ظهورا او نصوصية وتعين القيد انه يرجع الى الحكم او المتعلق او الموضوع.
مثلا في الآية الكريمة «اغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق» هنا القيد لا يرجع الى الغسل كفعل مع انه مذكور بل حتى العامة وافقوا الخاصة في كون القيد هنا «الى المرافق» قيد للمغسول أي الموضوع. لا هو يرجع الى الغسل ولا يرجع الى الامر.
كذلك في قوله تعالى «﴿امسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين﴾»
لو كانت الغاية للفعل لوجب غسل اليد من الأصابع الى المرافق لكنها قيد للموضوع ان اليد والرجل هنا موضوع للحكم ومتعلق الحكم فليست قيدا لا للفعل ولا للحكم. هذه النكات جدا مهمة. من ثم يذكر الاعلام وكلامهم صحيح انه يجوز مسح الرجلين من الكعبين الى الأصابع. لان كيفية المسح غير محددة في الآية ولا في الروايات. بل في رواية معتبرة يجوز مسح الرجلين منكوسا. وان كان الأفضل مسحه من رؤوس الأصابع كما هي سيرة ائمتنا عليهم السلام. ولكن هذا ليس بنحو اللزوم. لان المسح في الآية حدد ليس لكيفية المسح والفعل بل حدد للعضو الممسوح. كما انه يجوز مسح الرأس منكوسا.
في غسل الوجه وغسل اليدين وردت النصوص فتقييد الغسل في الوجه من الأعلى الى الأسفل من السنة وليس من فريضة الله تعالى كما ان تحديد الغسل في اليدين الى رؤوس الأصابع تترتب عليه آثار عديدة بناء على قاعدة «لا تنقض الفريضة بالسنة» يعني ان المذكور في القرآن الكريم من القيود والشروط فريضة الله والخلل فيها يخل بالعمل. اما الشروط التي استفيدت من نصوص النبي صلى الله عليه وآله او من ا وصياءه سلام الله عليهم فتلك سنة. ففي باب الخلل فيه ثمرة. فالقيد هنا للعضو المغسول وليس قيدا لفعل الغسل لكي يكون قيدا لكيفية الغسل.
هذه العناصر الجزئية في بحث الظهور يحتاج المستنبط ان يدقق بحسب علم النحو الصرف وعلم المعاني من البلاغة. هذه الأمور جدا مهمة. هذا تدقيق مهم كما سنرى الان في أدوات الحصر كذلك ان التدقيق في كيفية القيود وتركيب القيود.
هذا تمام الكلام في بحث الغاية ومفهومها.
مفهوم أدوات الحصر.
أدوات الحصر كثيرة. الا و انما وبعضها اسمية وبعضها حرفية. فيقع الكلام على ان أدوات الحصر هل دالة على المفهوم ام لا؟
بالتالي الكلام الكلام. ان كان الحصر كقيد يرجع الى الحكم فله مفهوم كبير وان كان الحصر يرجع الى المتعلق والموضوع له المفهوم الصغير لا الكبير. فالضابطة في كل اقسام المفهوم واحدة.
اما تفصيلا؛ فيقع الكلام في أداة «الا»
هي تستعمل بمعنيين؛ بمعنى الاستثناء فتفيد الحصر وتستعمل بمعنى «غير» فحكمها حكم الوصف والتفصيل الذي قد مر. «جاء القوم الا زيد» أي غير زيد.
طبعا «الا» بمعنى الاستثناء تستعمل مع النفي قبلها. والا بدون النفي قد تستعمل بمعنى «غير». وقع الكلام في ان الا بمعنى الاستثناء هل تفيد الحصر او لا؟ نقل عن ابي حنيفة انها لا تفيد الحصر بدليل «لا صلاة الا بطهور» يقول: واضح ان صحة الصلاة ليست محصورة بالطهور. بل الشرائط والاجزاء أيضا دخيلة في صحة الصلاة.
قبل مواصلة البحث في أدوات الحصر الأخرى وهذه النقاشات في «الا» هنا نكتة مهمة. لانه سيأتي نقاشات في «الا» «لا اله الا الله» هل هذه اللفظة والتركيب دال على التوحيد او لا؟ وسيأتي نقاش كثيرة وكذلك نقاشهم في «انما» «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا» «انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون» فناقش الفخر الرازي في افادة «انما» للحصر. لو أفادت الحصر يقبل ان هذا الدليل يفيد الامامة الإلهية لكنه يناقش في افادتها الحصر بأمثلة عديدة «انما الحياة الدنيا لهو ولعب» ومن هذا القبيل مع ان حياة الدنيا ما محصورة في هذه الصفة.
على أي حال في أدوات الحصر نقاشات. مثل هذا التعبير «لا يضر الصائم شيء اذا اجتنب الاكل والشرب» «لا و اذا» اذا اجتمعا من أدوات الحصر. يعني ان تركيب الحصر ليس منحصرا في ادواته الموضوعة لغة. بل قد يستعمل أدوات في الحصر غير موضوعة لغة. لجريان الاستعمال الشائع عند المتكلمين في اللغة في الحصر. نعلم ان الأمور الأخرى أيضا تضر في الصيام فكيف حصر في الاكل والشرب؟ ومن هذا القبيل استعمال الحصر في غير الحصر الحقيقي كثير في الآيات والفروع وغير الفروع.
فالبعض اخذ هذه الموارد في الاستعمالات شاهدا على ان هذه الأدوات لم توضع في الحصر ولم تستعمل في الحصر. فالبحث حساس ليس في المعنى الكلي في الحصر والمفهوم الكبير بل هو حساس في هذه الموارد التفصيلية الجزئية هل يبنى على الحصر او لا؟ فاذا فيه بحث كلي بناء على وجود أدوات الحصر بغض النظر عن الاعتراضات. فتلاحظون ان الحصر معنى اسمي ولفظة الحصر معنى اسمي في نفسه ولكن تستعمل حروف لفظية في معانيها الحرفية في معنى يوازي الحصر الاسمي. غالبا كل معنى اسمي له معنى حرفي موازي له يعني مطابقا له ماهية. هذه نكتة مهمة في علوم اللغة كحروف الجر وحروف القسم وحروف العطف وحروف الاستفهام. حتى قيل ما من معنى اسمي الا ويمكن له معنى حرفي يوازي له. طبعا هناك حرفية في المعنى وهناك حرفية في اللفظ. ولكن المهم هو حرفية المعنى. على أي تقدير الموازاة التي ذكرها اللغويون والاصوليون بين المعاني الاسمية والحرفية المراد منها التطابق الماهوي بينهما. يعني بدل ان تستعمل لفظة الحصر ومعنى الحصر الاسمي تستعمل «ما الا» او «لا الا» او «انما».
الحصر شبيه الغاية. الحصر يعني تحديد الحدود. فيفيد المفهوم الكبير اذا يرجع الحصر والتحديد الى الحكم مباشرة. نعم ، لو كان الحصر والحدود للمتعلق يعني ان يحصر المتعلق او الموضوع يكون بمنزلة الغاية للمتعلق والموضوع ولا يفيد المفهوم الكبير ولكنه يفيد المفهوم الصغير.
هذا خطوط اجمالية في أدوات الحصر. وسيأتي التفاصيل.
انما الكلام ان هذا الحصر الموجود الكثير الاستعمال في بعض الموارد ليس حصرا حقيقيا، فكيف تفسيره؟ هذه نقطة مركزية جدا في بحث مفهوم الحصر اخطر من بحث المفهوم الكبير للحصر. ومحل ابتلاء في كثير من الأبواب الفقهية او أبواب المعارف وكثير ممن اعترض لم يعترض على دلالة الحصر على المفهوم بل اعترض على ان هذه الأدوات والالفاظ لا تدل على الحصر بل تدل على شيء آخر. فلم يناقش في ماهية الحصر وانما ناقشوا في دلالة هذه الالفاظ على ماهية الحصر.
كما مر ليست أدوات الحصر محصورة في الأدوات الموضوعة للحصر بل مثل كلمة «يجزيك كذا» يجزيك في التشهد الشهادتان» وعندنا في النص «يجزيك في التشهد الشهادة الأولى» وأيضا ورد لسان ثالث «يجزيك في التشهد الحمد لله» الاعلام حتى لم يعملوا بالتعبير الأول يعني ان الصلاة على النبي والآل واجبة عندهم ولا تجزي الشهادتان فقط. حتى عند كثير من المذاهب عند اهل السنة انه لابد من ضم الصلاة على النبي والآل. اللهم صل على محمد وآله. فما معنى هذه التعبيرات؟ من هذا القبيل في الأبواب استعمالات كثيرة. ماذا جوابه؟ هل لم يستعمل في الحصر ام ماذا؟
كذلك نقطة أخرى سنتابعها في العدد أيضا ان الشهادتين عدد والمراد منه اثنتان. سيأتي ان أدوات العدد اسمية وحرفية وهنا استعمل اسميا. العدد أيضا شبيه للحصر شيئا ما. فيه تشابه بينهما. ما هو التشابه؟ هذه نقطة مهمة يجب ان نتابعها في ما بعد.
في العدد سقف ادنى وفيه سقف اعلى. وتارة يراد من العدد كل من السقف الأدنى والاعلى. مثلا كون الظهر اربع ركعات يعني لا تنقص منها ولا تزيد. هو سقف ادنى واعلى. كون صلاة الصبح ركعتان يعني لا يزيد ولا ينقص. عدد الركعات ليس سقفا ادنى او سقفا اعلى بل هو سقف اعلى وادنى. بشرط لا عن الزيادة وبشرط لا عن النقيصة.
اما اذا كان سقفا ادنى يعني بشرط لا عن النقيصة. وليس بشرط لا عن الزيادة. السقف الأعلى يعني بشرط لا عن الزيادة ولكن ليس بشرط لا عن النقيصة.
مثلا السيد اليزدي ويظهر من السيد الخوئي رحمهما الله عندهما ان عدد الثلاثة في التسبيحات الأربعة او مرة واحدة ما معنى لهما؟ ماذا لو أتت بها مرتين؟ او أتت بها اربع مرات؟ او خمس مرات؟ ههنا اختلفت افهام الاعلام. سيأتي البحث فيها مفصلا. هذه البحوث اهم في العدد والحصر من اصل المفهوم الكبير و الصغير. يعني ان حقيقة المفهوم الكبير هنا تكون والكثير قد يغفل في الاستظهار. «يجزيك في التشهد الشهادتان» هل المراد منه السقف الأعلى او السقف الأدنى؟ وهلم جرا. او انه لا سقف له الا السقف الأعلى. بحوث تفصيلية دقيقة جدا يجب ان يتنبه الانسان في البحث عنها.