« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

 مفهوم الوصف/ مبحث المفاهيم/باب الألفاظ

الموضوع: باب الألفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الوصف

 

حقيقة الوصف والمفهوم الصغير والكبير

 

كان الكلام في مفهوم الوصف ومر بنا نقطة ان جميع العناصر المضافة لتركيب الجملة كالحرف والإسم الإضافية إلى أركان الجملة تعد في اصطلاح علم الأصول قيودا فليس القيد محصورا بالوصف. انما مرادهم من القيد كل عنصر ادرج في تركيب الجملة زائدا على اركان واساسيات الجملة فيعبر عنه بالقيد.

صرح الاصوليون ان المفهوم ينشأ من رجوع القيد (بهذا المعنى العام) الى الحكم مباشرة. اذا رجع القيد مباشرة الى الحكم يسمى قيد الحكم اصطلاحا. لكن اذا رجع الى موضوع الحكم فهو وإن كان مآلا ولبا قيد للحكم بالتالي ولكنه حيث انه غير مباشر فلا يترتب عليه هذا الأثر وهو تحقق المفهوم. ينشأ المفهوم حصرا فيما اذا كان القيد يرجع الى الحكم مباشرة. أما قيد الموضوع او قيد المتعلق فلا يترتب عليه المفهوم.

فالجملة الشرطية او الوصفية يترتب عليها المفهوم فيما اذا كان القيد راجعا الى الحكم مباشرة. أما اذا كان راجعا الى المتعلق او الموضوع فلا. هذا التفصيل بالنسبة الى المفهوم الكبير لا الصغير. المفهوم الصغير وهو الذي يعبر عنه باحترازية القيد فيتقرر على كلا الاحتمالات الثلاثة فالمفهوم الصغير يقال به في كل اقسام المفاهيم لان كل اقسام المفاهيم قيود.

بالنسبة الى تنقيح البحث في مفهوم الوصف: فهو في مقابل مفهوم اللقب. ما الفرق بينهما؟

قيل فرق مفهوم الوصف عن اللقب ان مفهوم الوصف اصطلاحا عند الأصوليين والبلاغيين فيما اذا كان الوصف مذكورا في الجملة مع ذكر الموصوف ويعبرون عنه الوصف المعتمد يعني معتمدا على ذكر الموصوف في الجملة. هذا غير الوصف اللغوي او الوصف في علم البلاغة.

أما اذا كان الوصف غير معتمد على ذكر الموصوف ففي اصطلاح الأصوليين يدرجونه في مفهوم اللقب.

طبعا كل من مفهوم الوصف او اللقب له المفهوم الصغير لا محالة وانما الكلام في المفهوم الكبير.

أيا ما كان استدل لتقرر المفهوم الكبير للوصف بأدلة متعددة.

الدليل الأول: قيل: لو لم للوصف مفهوم لكان ذكر الوصف لغوا. فلابد ان يكون له ثمرة وثمرته المفهوم الكبير.

اشكل على هذا الاستدلال بأنه اذا كان الاستدلال بمجرد اللغوية فلا يمكن ان يتم الاستدلال لإثبات المفهوم الكبير لان اللغوية تنحل بالمفهوم الصغير. يمكن ارتفاع لغوية ذكر الوصف بالمفهوم الصغير.

المفهوم الصغير يعني ان الحكم لا يثبت بالطبيعة المجردة عن الوصف. هذا هو المفهوم الصغير وهو ينفي الحكم عن الطبيعة المجردة ولا ينفي الحكم عن الطبيعة المقيدة بقيود أخرى وهو المفهوم الكبير.

قبل ان نتابع الاستدلال فيه نقطة من نقاط تنقيح البحث في مفهوم الوصف ان الوصف على ثلاث او اربع اقسام.

وصف مساوي او متلازم للموصوف وهذا لا معنى للبحث عن المفهوم فيه. لانه اذا انتفى الوصف ينتفي الموصوف.

وصف اعم عن الموصوف وهذا أيضا لا معنى للبحث عن المفهوم. لانه اذا ينتفي الاعم ينتفي الأخص.

فاذا ينحصر البحث في القسم الثالث والرابع.

القسم الثالث: اذا كان الوصف اخص مطلقا والقسم الرابع اذا كان الوصف عام وخاص من وجه بالنسبة الى الموصوف.

هذان القسمان يندرجان في البحث. لانه اذا انتفى الوصف لا ينتفي الموصوف والموضوع فيهما.

نرجع الى تتمة الاستدلال.

الدليل الثاني: ان الوصف مشعر بالعلية.

معناه ان الوصف مشعر بالعلية للحكم. واذا كان مشعرا فيكون قيدا للحكم لا المتعلق ولا الموضوع. فيكون معنى «لا تأكل الرمان الحامض» «لا تأكل الرمان لانه حامض» هذا اخص من وجه من الرمان. كونه قيد الحكم لانه يثبت الحكم حتى في موارد انتفاء الرمان وهو الموضوع. اذا كان شيئ آخر حامضا. وهذا دليل على انه قيد الحكم وعلة الحكم وليس قيد الموضوع ولا الموضوع.

فاذا الوصف مشعر بالعلية للحكم يعني انه قيد الحكم مباشرة.

هذا الاستدلال اشكل عليه بان الاشعار ليس ظهورا. الاشعار نسمة للظهور يعني رائحة منه وليس ظاهرا.

يمكن تأييد الاستدلال ودفع الاشكال.

أولا ليس كل الاوصاف مشعرا بالعلية لكن في كثير من الموارد الاوصاف تشعر بالعلية.

ثانيا: نفترض ان الاشعار لا يعتمد عليه بنفسه وبمفرده للظهور. ولكنه عنصر من عناصر بنية الظهور. اذا تراكمت العناصر الأخرى معه يشكل ظهورا. يعني ان عناصر الظهور ليس من الضروري ان تكون مستقلة بل يمكن متراكمة ومنضمة لبعضها البعض.

مثل ان تقول ان الفاعل مرفوع. هذا جزء الظهور. مفردات الجملة عادة فيها ظهور لكنها ليست ظهورا تاما. أجزاء الظهور صحيح انها ليس ظهورا مستقلا ولا يعتمد عليها بمفردها لكنها بالتالي جزء من أجزاء الظهور.

منهجية الاستقلال في الظهور غير سليمة. المنهج الاوفر هو منهج التراكم والانضمام. على كل سنوضحه بشكل صناعي في مبحث الحجج ان شاء الله.

واحد من المؤاخذات الكبيرة الموجودة على منهج حجية خبر الواحد من السيد الخوئي انه فيه اغفال للنظرة المجموعية والنظرة الانضمامية للحجج وهذه الغفلة خطيرة جدا وفيها تفريط لمواد الاستدلال كثيرا.

ومراد القدماء من الشيخ المفيد الى الصدوق والكليني رحمهم الله من نفي حجية خبر الواحد انه ليس حجة مستقلة. هذه خدعة علمية. خبر الواحد ولو صحيحا اعلائيا ليس حجة مستقلة. دعوى حجيته المستقلة خدعة كبيرة. بل عموما ليس لدينا حجية مستقلة. هذه خدعة كبيرة وقع فيها متأخروا الاعصار. الحجية طبيعتها مجموعية متراكمة انضمامية.

من ثم السيد الخوئي في مبحث علم الرجال فرط في قرائن كثيرة رجالية بسبب هذا المبحث. لا بأس ان اذكر هذا الشيء. قضية نظام الحجج يفرز نفسه في مباحث كثيرة.

علم السيبراني او الرقمي او الالكتروني في الذكاء الصناعي او الالكتروني وهو عبارة عن معلومات هائلة كبيرة. طبعا ليس بنحو ركام وانما طبق نظم وبيانات واستنتاجات. المقصود ان هذا العلم السيبراني الذي لا يكترس به يصادم أدوات علمية. هو علم ضخم مهم. درجة اعتباره بحث آخر لكن بالتالي علم.

احد اشتباهات المنطق الارسطي هو هذا. في المنطق الارسطي واليوناني ان الدليل حجة مستقلة. هذا اشتباه. ما عندنا شيء مستقل. اجمالا هذا العلم السيبراني له نظرية المعرفة وله فلسفة العلم. ليس بشيء سهل. ربما كثير من علم الرجال او علم الحديث سيما عند المتاخرين يجب إعادة النظر فيه لانه يعتمد على الأحادية والاستقلال والتفكيك بين الأدلة وهذا يفندها هذا العلم. القرائن والشواهد ليست مجزئة ومفككة ومبتورة عن بعضها البعض. هذا اكبر خطأ يقع فيه الباحث. دائما المعلومات فيها رابطة منظومية شبكية والدليل تعتمد على المجموع. تقطيع المعلومات مفككة من اكبر الغفلات الخطيرة في العلم. المنطق الارسطي قائم على هذا التفكيك في بعض الجوانب وهذا مؤاخذة على هذا المنطق الذي بنى عليه الفلاسفة والطبقات المتاخرة من الأصوليين.

هذا هو مراد الشيخ المفيد من الخبر العلمي يعني الخبر ضمن المنظومة والرباط. هذه نكتة نفيسة الفارق بين منظومة نظرية المعرفة الحديثة وبين خبر الواحد. حقيقة مراد ابن قبة هو هذا. هو ليس في صدد استحالة التعبد بالخبر الواحد. هو يقول استقلال الخبر خطأ علمي.

الشيخ المفيد هو اكثر الناس تأثرا بابن قبة في علم الكلام. ان علم الكلام يؤثر على مبحث الحجج في علم الأصول. قرائة حقيقة المباني شيء مهم.

قضية ان هذا العنصر بنفسه ايماء ومؤيد وليس بظهور صحيح. لابد ان ينضم اليه عناصر. لكن ليس بمعنى انه لا نكترس به برأس. غاية الامر ينضم.

هذا الامر هو عين ما ابتكر اصطلاح جزء الحجة الشيخ اسد الله التستري صاحب المقابيس من تلاميذ الوحيد البهبهاني من الطبقة الثالثة. وهو تلميذ وصهر والشيخ جعفر كاشف الغطاء. وهو تبنى هذا الرأي في الاجماع. هذا بحث في نظام الحجج يجب الالتفات اليه في علم الدراية والرجال والتفسير والكلام والأصول وكذلك في معية الثقلين.

نرجع الى المفهوم انه يرجع الى العلية. ان الاشعار الى العلية له قيمة اذا انضم اليه قرائن أخرى. كما ان البحث في الايماء دلالة الايماء ودلالة الإشارة ودلالة التنبيه ودلالة الاقتضاء وكذلك الاشعار والتأييد والاستيناس. في التفسير منهج يسمونه التفسير الاشاري.

«بعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه» هنا الله عزوجل أراد ان يوصل معلومة الى قابيل بشكل اشاري. الارشاد أيضا نفس الكلام. «ليريه كيف يواري سوؤة أخيه. قال يا ويلتي» نفس مضمون الرسالة فيه نفسه حجة. الإشارة ليست بحجة لكن المشار اليه حجة. باب الارشاد كذلك هكذا.

من الأمور المغلوطة الان في الجو العلمي ان الدلالة إن لم تكن صريحة فليس بحجة. تعبير صاحب الجواهر يقول اذا كان بناءنا على ان الظهور ما لم يصل الى الصراحة والنصوصية ليس بحجة لازم ان نغلق كل أبواب الفقه. الكناية فيها خفاء. معنى الكناية هو الخفاء وبابها كبير جدا بأنواع كثيرة. المهم ان تكون على موازين في علم اللغة و علومها.

هذه النكات لازم ان نلتفت اليها في علم الأصول والبلاغة والتفسير والعلوم الدينية.

مثلا اذا كانت هناك إشارة او ايماء واذا لم تكتمل لدى الفقيه بقية العناصر كي تكون حجة فتكون رادعة للفقيه عن الإفتاء خلاف الايماء. يقول لا استطيع ان افتي خلاف ما تومئ او تشير اليه الأدلة او خلاف ما فيه تأييد في الأدلة. هذا احد المناشئ للاحتياط في الفتوى.

بالتالي ان الوصف مشعر للعلية كعنصر في قرائن الظهور يكترس به لكن لابد ان ينضم اليه قرائن أخرى كي يكتمل الظهور.

فائدة: من المغالطات والاشتباهات ان المفاد العقائدي ان لم يكن صريحة في القرآن او السنة المتواترة فهو ليس بحجة. هذا اشتباه. تنصيب امير المؤمنين اماما ووليا ووزيرا ومقامات مختلفة بدأ من بداية الرسالة. هو امر مجعول في أساس الدين لكن بيان الله عزوجل اتخذ فيه التدريج. في الغدير وصل الى صراحة جلية بدرجة أن كل شخص يفهمه. بلغه بدرجة الصراحة حتى الابله يفهم. لا ان الحجية منوطة ببلاغ مبين.

البلاغ درجات. والحجية درجات. يقصر كثير من الاذهان عن درجات من البلاغ لكنه لا يخرجه عن الحجية. هذه بنية أخرى خطيرة في نظام الحجج. درجات جلاء وخفاء الحجج.

logo