47/03/14
مباحث الالفاظ/ باب المفاهيم/ مفهوم الشرط / قاعدة تداخل الأسباب والمسببات
الموضوع: مباحث الالفاظ/ باب المفاهيم/ مفهوم الشرط / قاعدة تداخل الأسباب والمسببات
تعدد معاني القاعدة
كان الكلام في قاعدة تداخل الأسباب والمسببات وهذه قاعدة مهمة جدا ولها تطبيقات في الأبواب الفقهية الكثيرة ولها معاني عديدة وليس معناها ما يتبادر في الذهن من معنيين في علم الأصول بل هي في الحقيقة في تطبيقات الفقهاء لها معاني عديدة وهي على أنماط وأنواع عديدة.
نهاية العام الماضي اجمالا اشرنا اليها ومن ثم قد تكون هذه القاعدة من جهة لا تتداخل في مورد او باب وتتداخل من جهة أخرى. فما يبحث ويقرر في علم الأصول انما هو على المعنيين البارزين اما المعاني الأخرى التطبيقية الكثيرة ففي الأبواب الفقهية تجري.
مثلا عند الأصوليين يبحث عن قاعدة التداخل او عدمها على صعيد الدلالة اللفظية والذي هو التنبيه السابق وليس هذا التنبيه كما يقال «اذا خفي الجدران فقصر» و «اذا خفي الاذان فقصر» فهذا بحث في تداخل الجملتين الشرطيتين وعدم تداخلهما على صعيد اللفظ والدلالة. هذه مرحلة أولى لهذه القاعدة.
فهل خفاء الجدران وخفاء الاذان هما شيء واحد او شيئان مستقلان او شيء واحد كلي بنحو الطبيعة العامة او شيء واحد مجموعي تركيبي؟ هذا على صعيد اللفظ ومر بنا والاصل فيه ان يجمع بينهما بان كل شرط على حدة مستقل وخلاف ذلك يحتاج الى قرينة فيعني عدم التداخل.
هذه اصطلاحات مهمة في البحوث العلمية وفي لغة الوحي.
مثلا يقال في التداخل وعدمها في المسببات والأسباب: «اتحد الجزاء». ما مقصودهم من اتحاد الجزاء؟ هذه الكلمة «اتحاد الجزاء» قد يعني اتحاد المسبب.
أيضا هذه الكلمة تستعمل بمعاني. احد معانيه البارزة غير مبحث تداخل المسببات بمعنى الجزاء قد يستعمل بمعنى اتحاد الجزاء وليس بمعنى اتحاد المسبب. ابرز معانيها ان تكون الصورة اللفظية للجزاء صورة واحدة. «خفي الاذان فقصر» و«خفي الجدران فقصر» او يقال: «اذا التقى الختانان فاغتسل» و «اذا احتلمت فاغتسل» فكلمة «اغتسل» و «قصر» جزاء متحد لفظا في الصورة اللفظيةو ولكن هل هو في عالم الاعتبار والانشاء في ذمة الانسان غسل واحد او اغسال. فيعبرون عنه اتحاد الجزاء بمعنى الاتحاد في اللفظ على صعيد الدلالة اللفظية. كما ان تداخل الأسباب وعدم تداخل المسببات اول مراحله في التنبيه السابق في الدلالة اللفظية.
لذلك مر بنا في العام الماضي ان بحث تداخل الأسباب والمسببات على اقل تقدير في الأصول اربع مراحل. ويمكن ان يتوسع فيه الفقهاء ويضمون اليه اكثر من أربعة.
اول مرحلة هي الصعيد اللفظي. خفي الاذان وخفيت الجدران فقصر. لانه لابد من تنقيح الحال على الصعيد اللفظي الاستعمالي والجدي أولا ثم بعد ذلك يأتي هذا التنبيه في تداخل الأسباب والمسببات.
فعندما يعبرون باتحاد الجزاء لا يتوهم الباحث ان مرادهم يعني في الذمة والانشاء والحكم و الامتثال بل مرادهم اتحاد الجزاء في اللفظ كاتحاد «قصر» «فاغتسل» ومن هذا القبيل.
المرحلة التي تأتي ما بعدها وهي التنبيه الذي نحن فيه بعد الفراغ عن الدلالة والمدلول هي تداخل الأسباب والمسببات.
مر بنا ان كلمة تداخل الأسباب اسناد لفظة التداخل فيها الى الأسباب مجازي. لانه ليست الأسباب هي ذاتا تندمج. بل المراد من تداخل الأسباب تداخلها في المسببات. مثل تنازع الرجلين في ولديهما. هنا يعني تداخل الأسباب في تأثيرها في المسبب أي الحكم. تداخل الأسباب والشروط والموضوعات يعني تداخلها في اشتغال الذمة بمسبب واحد او عدمه.
هذا شيء مهم ان قاعدة مهمة خطيرة فقهية او عقائدية الاسناد فيها مجازي. والباحث قد يظن ان الاسناد حقيقي ويمشي خطأ. فالاسناد المجازي موجود حتى في القواعد الضرورية. مثلا المقصود من اركان الفروع ليس ان هذا الركن من الفروع. هي اركان للفروع. لا ان الفروع وصف للاركان. الصلاة من اركان الفروع. أداء الصلاة من الفروع. ليس كما يتوهم الوهابية. هم يظنون من دلالة جملة من الأدلة ان الصلاة من الأركان ان أداء الصلاة من الأركان فاذا ترك الصلاة خرج عن الملة. هذا خطأ. ليس أداء الصلاة من الأركان. بل الإقرار بوجوب الصلاة من الأركان وعمود الدين.
فالاسناد حتى في القواعد الخطيرة قد يكون بلحاظ المتعلق. زيد ثري ابوه. زيد قوي ابوه وهو ليس ثريا او قويا. هذا امر حساس. اركان الفروع. هو ركن للفروع. يتنبه الانسان ان لا يحمل الاسناد او الوصف على ظاهره بل يجب التدقيق في هذه المباحث.
فتداخل الأسباب بالدقة هو تداخل الأسباب في المسببات لا في ذاتها. التداخل في تأثيرها لا في نفسها. الأسباب في الجعل والانشاء متعدد لكن تداخلها في الذمة يعبر عنه تداخل الأسباب. سواء في الاحكام التكليفية او الوضعية. ليست هذه القاعدة مختصة بالحكم التكليفي بل تشمل الحكم الوضعي.
فتداخل الأسباب في الأصول والفقه لا يطلق على الحكم بل يطلق على الموضوع او الشرط. ومر ان المراد من قاعدة تداخل الأسباب بحث غير مختص بالجمل الشرطية بل يعم الجمل الحملية. لان الموضوع في الجمل الحملية الاسمية سبب فهو بحث غير مختص بالجمل الشرطية.
فتداخل الأسباب في المسبب والحكم والذمة. هل يتعدد الحكم على الذمة. هل الأسباب تتداخل في مسبب وحكم واحد او لا.
اما تداخل المسببات ففي فرض تعدد المسببات والاحكام في الذمة. تداخلها أي في الامتثال والأداء. لذلك عندنا اربع مراحل. مرحلة الدلالة ومرحلة الموضوع ومرحلة المحمول ومرحلة الأداء. مراحل اجمالية وهي اكثر.
هذا بحث حساس في بحوث العبادات والمعاملات وبحوث عديدة بمعاني عديدة.
شخص لم يعلم انه مستطيع وحج حجة استحبابية وبعده تبين انه مستطيع ونوى الحج كله بنية النيابة، فهل يقع حجا واجبا ام لا؟ السيد اليزدي يجزم ان حجه حجة الإسلام وهو الصحيح. كيف تصوير هذا البحث في تداخل الأسباب والمسببات.
او شخص حج حجة الإسلام وكانت حجته باطلة (القدماء نادرا ما يفسدون الحج كله. بل يعالجونه كيف ما كان بخلاف متأخرين. حيث ان ادنى الاشكال عندهم مبطلة. والصحيح ما عليه المتقدمون ويمكن علاج الحج بأمور عديدة. الركن الأول في الحج هو المزدلفة فقط. اما الباقي فيمكن علاجها كالعرفة والمنى والطواف والقدماء كانت عندهم حلول علاجية والذي لا يعالج هو المزدلفة فقط. لذلك في بيانات اهل البيت عليهم السلام ان الحج مزدلفة. ) فحج الحج الثانية بنية الاستحباب غفلة. فهل يقع حجته الثانية أداء من حجة الإسلام؟ نعم يقع عند السيد اليزدي وكثير من محشي العروة وهو الصحيح.
في أبواب العبادات عند السيد اليزدي نمط معين من تداخل الأسباب لطيف وحلال ومعالج لكثير من الإشكالات.
رجل من عامة الناس ما كان يلتفت ما هي اول الصلاة وآخر الصلاة وربما لا يأتي بتكبير الاحرام سنين من عمره. مع ان التكبيرة هي الركن وبداية الصلاة. هذه المباحث توسعة فقهية لتداخل المسببات. والسيد الخوئي في أواخر حياته بنى على هذه التوسعة.
احد معاني قاعدة تداخل الأسباب والمسببات قاعدة في النية من باب التطبيق او التقييد. وسع السيد الخوئي وصار نوعا من التوسعة في تداخل المسببات وتصحيح وعلاج كثير من خلل العبادات.
هذا المبحث في علم الأصول له اربع معاني بارزة او معنيان بارزان. ولكن هو اكثر منها في التطبيقات الفقهية.
ففي الحقيقة من بداية اللفظ في التعدد في الموضوع والشرط والمسبب انتقل من عالم الدلالة الى عالم المدلول والانشاء والجعل وتعدد القضية الاعتبارية والقانونية. فيه تعدد في الموضوع او ليس فيه التعدد. فيه تعدد في المحمول او ليس فيه التعدد. والتعدد في الأداء وعدمه.
تداخل المسببات أيضا استعمال مجازي. لان المسبب هو الحكم وليس يتداخل. وليس حكما واحدا. بل اسناد مجازي يعني تداخل المسببات بلحاظ الأداء او تداخلها في الامتثال والأداء. فالاسناد لتأثير المسببات. امتثالها شيء ورى ذات المسبب.
ووجدك ضالا فهدى. يقولون ان هذا وصف للنبي وليس هكذا. بل وصف لقوم سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله. وجدك ضالا عند قومك. هم ضلوا عن معرفتك فهداهم الله اليك. وهذا استعمال واسع. قد يبنى نظرية عقائدية وما يلتفت الى قواعد البلاغة والنحو والصرف واذا ضعف العالم فيها قد يضعف في النتائج العقائدية.
جانب آخر في هذا البحث وهو مهم واكد عليه الميرزا النائيني ووافقه السيد الخوئي وغيرهم من الاعلام وهو الصحيح ومهم.
الأسباب تعني الشرط والموضوع. الشرط هو موضوع بمعنى والموضوع هو الشرط بمعنى سواء في الجملة الحملية او الشرطية. فالشرط هو الموضوع وقيود الوجوب والمسبب هو الحكم. عندنا ضلع ثالث في القضية القانونية وهو المتعلق. الزوال هو موضوع وجوب صلاة الظهرين وهو الشرط وهو السبب. «اقم» يعني وجوب الإقامة. الضلع الثالث هو طبيعة الصلاة والمتعلق. ثلاث اضلاع مهمة في القضية القانونية. وقد تكون اربع. لكن أهمها الثلاث. السبب او الموضوع او الشرط والمسبب او المحمول او الحكم والمتعلق وهو الفعل. وقد يكون المتعلق ليس فعلا. في الاحكام الوضعية قد يكون المتعلق ليس فعل الانسان بل قد يكون عينا.
مقام الادااء يعني الفعل والمتعلق. هنا مبحث مهم يذكره الميرزا النائيني في تداخل الأسباب والمسببات او عدمه.
المسبب هو الحكم وبمعنى تستطيع ان تقول هو الامر. فالامر او الحكم يتعلق بالطبيعة والمتعلق. الحكم يتعلق بأي نمط من الطبيعة؟ صرف وجود الطبيعة او الوجود البدلي للطبيعة (هذا اصطلاح منطقي) او بنحو الاستغراق والانحلال والوجود الاستغراقي والانحلالي وفيه احتمالات عديدة أخرى ولابد من الالتفات اليها.
هل الامر والحكم يتعلق بصرف الوجود ومرادهم من صرف الوجود هو اول الوجودات. بحيث الوجود الثاني و الثالث لا يقال له صرف الوجود. فهل الحكم يتعلق بصرف الوجود؟ هذا مبحث حساس في الأوامر او باب العمومات ويترتب عليه احكام كثير في الأبواب الفقهية. هل الحكم يتعلق بصرف الوجود في الامر والنهي؟ مثلا في باب المفطرات ان صرف وجود المفطر هو المفطر وهو اول الوجودات.
الوجود البدلي يصدق على اول الوجود وثاني الوجود واخر الوجود. كل ذلك يصدق عليه الوجود البدلي وهو خيار آخر.
الخيار الثالث الاستغراق والانحلال. كل فرد من الطبيعة يتعلق به الوجود. كل فرد من شرب الخمر يتعلق به حرمة شرب الخمر. هذا استغراق او الانحلال او الامتداد.
اذا عند الأصوليين صرف ا لوجود أي اول الوجود وعندهم الوجود البدلي وعندهم الوجود الانحلالي والاستغراقي.
الحكم يتعلق باي نمط من وجود المتعلق؟ هذا يحدد مسير كثير من القواعد الأصولية. حتى مبحث صلاحية الفقهاء وقضية إقامة الحكومة الإسلامية. هذا مبحث لفظي ولكنه شديد التأثير. فتنقيح هذا البحث شيء مهم حتى في مبحث الحجج سواء على صعيد الأصول او العقائد.