46/11/23
تداعيات تداخل الأسباب وتداخل المسببات
الموضوع: تداعيات تداخل الأسباب وتداخل المسببات
كان الكلام في تداخل الأسباب والمسببات ومر ان هذا البحث ثبوتي وهو لا ينافي بأن يستدل له بشواهد اثباتية ولكن اصل البحث ثبوتي. بخلاف تعدد الجملة الشرطية الذي مركز البحث فيه اثباتي.
كما انه مر بنا ان المعنى تداخل الأسباب في مسبباتها يعني هل المسبب عن الأسباب المتعددة واحد او لا. كما ان المعنى تداخل المسببات في امتثالها واداءها.
ومر ان التداخل سواء في الأسباب او المسببات له درجات لا درجة واحدة.
طبعا قد يأتي دليل على تداخل الأسباب او تداخل المسببات فهو واضح لانه في بحث تداخل الأسباب يلاحظ ان المسبب غير قابل للتعدد مثل نقض الطهارة المعنوية فهنا الأسباب من النوم والغائط والبول وما شابه ذلك متعددة بحسب الأدلة ومستقلة ثبوتا ولا كلام فيه لكنها لا تثمر مسببات متعددة فتتداخل هذه الأسباب المتعددة المستقلة في وجود او إيجاد مسبب واحد لان المسبب غير قابل للتعدد وجودا.
هذه صورة هندسية لطيفة ان معنى تداخل الأسباب ليس فقد الأسباب لاستقلاليتها لكن مع ذلك تتداخل. يعني ان البحث في تداخل الأسباب تحققا وتقريرا او نفيا لا يعني رفع اليد عن استقلالية الأسباب. فتداخل الأسباب يختلف عن الجمع بين الجملتين الشرطيتين بالواو او بالأو.
مثل سقف واحد يمكن ان يرتفع ويستقر بعمود واحد وهذا وان كان فيه أعمدة عديدة الان. الان هذا السقف اعتماده على أعمدة كثيرة ولكن هذا لا يستلزم ان الأعمدة شأنيتها انها تستقل في رفع السقف. هذه نكتة هندسية رياضية مختلفة وتفيد في بحث العموم. الاستقلال في حين المجموع من دون ان تفقد الأسباب استقلاليتها وهو نوع من العموم. ولطيف هو عموم مجموعي بشكل معين ليس بنحو الانضمام في سببية الأسباب. مثل صخرة يمكن لكل من الرجال الموجودين رفعها لكن رفعها الكل مجموعا. الرفع مستند الى مجموع الرجال لكن لا يعني ان قدرتهم على ا لرفع غير مستقلة. كل من الأسباب له استقلاليتها في رفع الحجر او رفع السقف او في إيجاد المسبب لكن هذا الوجود للمسبب فعلا يستند الى المجموع والجميع. استنادها الى المجموع لا يعني ان الأسباب فاقد لاستقلاليتها.
البعض في الوجوب الكفائي والمسؤولية العامة هكذا عرف، أنها على عكس ما يتوهم لا تناط مسؤولية كل فرد على مسؤولية الآخر او على طاعة الآخرين او على امتثال الآخرين او على عدم عصيان الآخرين. بل كل فرد مسؤول عن هذا العبأ العام. غاية الامر هو يستند الى المجموع وهذا من باب تقييد الواجب او تقييد الأداء لا من باب تقييد الوجوب. ان كلا من الوجوبات في الحكم الكفائي مستقل تماما عن الطرف الآخر. ربما يقال أنه ليس قيد الواجب بل قيد الأداء.
عندنا قيد الوجوب وعندنا قيد الواجب وهما واضحان. وعندنا قيد الأداء. هناك شرائط يشترطها الشارع في مقام الأداء لا في مقام اصل الماهية. مثل ان المرأة في الصلاة يجب عليها ان تتستر وان كانت صلاتها نيابة عن ميت رجل. لأن التستر ليس قيد الماهية والواجب بل هو قيد الأداء. كذلك الرجل يجب عليه الجهر في صلاة المغرب والعشاء وان كان يصلي نيابة عن المرأة وان لم يجهر لم تصح الصلاة ولم تقع النيابة عن المرأة. كذلك في الحج ان المرأة تستطيع ان تنفر ليلا من المزدلفة والركن يتحقق في المرأة انا ما ليلا. مثل ان الركن في عرفة آنا ما بين الزوال والغروب والباقي واجب غير ركني. لو خالف ونفر قبل الغروب يجب عليه ناقة كفارة لكنه يصح حجه. فالمرأة اذا وقفت في مزدلفة آنا ما، تستطيع ان تنفر الى منا او في جملة من الصور لها الترمية ليلا لجمرات العيد وبقية احكام المرأة وان كان المنوب عنه رجلا ميتا. لان هذه ا لقيود قيد الأداء وليست قيود الماهية في نفسها ذاتا. يذكرونها في باب الصلاة وأكد عليها لا سيما المحقق العراقي رحمه الله. ومراتب هذه القيود في الواجوب والواجب والأداء تختلف. وربما يكون القيد للاداء لكن القيد عقلي وهذه مرتبة انزل.
الحكم الكفاية احد الاقوال فيه عبارة عن توجه الوجوب للكل لكن من دون ان يرتبط الوجوب وقيود الوجوب الى الافراد في الوجوب وفي قيود الوجوب ببعضهم البعض بل حتى ليس قيد الواجب بل قيد الأداء ولعل قيد عقلي وليس قيدا شرعيا. هذه فلسفة مهمة في ماهية الحكم الشرعي. ربما ينسب الى المشهور لكن كثير من الاعلام لما جعلوا الافراد مرتبطين ببعضهم البعض في قيد الوجوب او قيد الواجب ولا وجه له. والا يفتح باب التواكل وما شابه ذلك. هذا بحث حساس في الواجب الكفائي.
تصوير الواجب الكفائي سلمنا انه من العموم المجموعي لكن أي نوع؟ في السبب أي قيد الوجوب؟ هذا البحث في تداخل الأسباب بحث مهم يشرح حقيقة بعض اقسام الوجوب المجموعي بهذا النمط. أسباب مستقلة لكن في حين انها اذا وجدت معا تؤثر معا من دون ان تؤثر في استقلاليتها. ولها ثمرات وليس تصويرا ذهنيا. ان الأسباب المستقلة في حين ان المسبب غير قابل للتعدد وجودا في مقام الأداء ولا تنظيرا. تداخل الأسباب يعني ان المسبب قبل الأداء في مرحلة الذمة ليس الا واحدا. الوجوب الكفائي واحد وهو مثل عمارة المسجد الحرام وعمارة مراقد اهل البيت بأدلة قرآنية قطعية وروائية قطعية. لكن هذا الوجوب لا هو في الوجوب مجموعي ولا هو في قيود الوجوب مجموعي بل هو في قيود المسبب في التنظير مجموعي وقد يكون مجموعيا في مقام الأداء. اذا عندنا وحدة المسبب في مقام الذمة وهو تداخل الأسباب وعندنا وحدة المسبب في مقام الأداء وهو تداخل المسببات. الأسباب مستقلة لكن هذا الوجوب يستند الى المجموع واستناده الى المجموع ليس بمعنى ان كل سبب ناقص في السببية.
شبيه هذا في البحث العقائد. كل حجة في نفسها مستقلة في حين انها مجموعية. مستقلة حجة وحيانية وكل العلم وكل الوحي فيه مثل المعصومين لكن العقيدة مجموعي. من جهة لا نفرق بين احد من رسله ومن جهة كل منهم حجة. هذا تصوير لمجموع استغراقي مزيج بين المجموعية و الاستغراقية. العقل حجة في نفسه والوحي القراني حجة في نفسه وسنة النبي واهل بيته حجة في نفسها والفطرة حجة في نفسها ولكن في حين استقلاليتها لابد من المجموع. «أ تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض»
لا أقول اصل الكتاب بمفرده. ولا الروايات بمفردها. يعني ان النزاع بين الاخباري والاصولي امتد الى نزاع تنظير في الكلام. ليس حسبنا كتاب الله. هذا ليس صحيحا وليس حسبنا العترة. «ما ان تمسكتم بهما معا» قيد المعية. وضم سبابتيه ولم يضم السبابة والوسطى كي لا يتقدم احدهما على الآخر. من حيث القالب الصناعي كلاميا او اصوليا او فقهيا هما اصلان معا. قالب الوحي دائما معصوم. بخلاف قالب العلماء قد يكون فيهم غفلة او اخفاق معين. قالب الوحي سيما في الأمور الضرورية معصوم
مرارا أثير هذا الحديث ان تعابير الوحي في القالب اللفظي سفينة النجاة يعني لا يمكن ان يكون فيها خلل او غفلة او زلة. بينما تعابير الاعلام رحمهم الله اذا استبدلت بتعابير الوحي فيها غفلات كثيرة. بينما قالب الوحي قالب معصوم معنا ولفظا. لا سيما في الاحاديث المتواترة. مرارا حديث الثقلين ليس حديثا نبويا بل هو حديث قرآني وهو القرآن يقول بالمعية. ويقول لي عدل ولست بوحدي. من الذي يستخرج من القرآن؟ ما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم. من الذي يرتبط بالله وحيا «لا يمسه الا المطهرون» القرآن يحدد لنا.
حديث الثقلين في آيات في سور عديدة جدا نبه اهل البيت ان حديث الثقلين اصله قرآني. لان القرآن يقول بالمعية. ولا يفترق احدهما على الاخر. محكمات القرآن مع محكمات السنة المعصومين هي الميزان معا ويعرض عليهما متشابهات الآيات ومتشابهات الروايات معا. هذه هندسة عظيمة. كما ورد لدينا عرض الروايات على القرآن كذلك ورد عرض القرآن على اهل البيت. «ما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم» و«لا يمسه الا المطهرون» انتم علماء الأمة لا تقدرون ان تمسوه بل اعرضه الى المطهرين. هذه هندسة في الحجية ان لم يضبطها الباحث كارثة. لا تسهل في العموم. هل هو استغراقي او مجموعي ومجموعي باي كيفية. بحث حساس جدا.
احد اشتباهات الفلاسفة في ابتعادهم عن الوحي والانبياء وربما في المتكلمين والعرفاء انكفاءهم عن الوحي. ما أقول منكفئين تماما. لكن هذا المقدار الذي هم يتعايشون مع الوحي جواهر عجيبة. بالتالي هندسة مهمة في بحث الأصول تهندس علم الكلام وتهندس علم التفسير وتهندس علم الرجال. هندسة معينة في علم الرجال جعلت السيد الخوئي يبتعد عن المشهور باعترافه نفسه في جملة من القواعد المهمة في علم الرجال التي تحدد مسير علم الرجال. الخدشة في هذه القواعد الرجالية نادر في علماء الأصول او الرجال. حتى عند مسلك السند و الطريق والسيد الخوئي افرط في خلاف المشهور باعترافه نفسه رحمه الله. ربما صاحب المدارك فقط يوافقه.
المقصود هندسة الحجية وقالب الحجية هل هي استغراقية محضة او مجموعية محضة او بدلية محضة او مزيجة بينها. وبأي نحو مزيجة.
لا نستسهل بالعمومات وقوالبها. ايانا ان نقتصر في تطبيقات علم الأصول على فروع فقهية بل في القواعد الفقهية والقواعد الكلامية والقواعد التفسيرية وكذلك في المناهج الكلامية والمناهج التفسيرية و المناهج العقلية والمناهج في الرياضات القلبية. اذا تعرف القالب تعرف على اشتباهات العرفا والفلاسفة والمتكلمين.
اذا تداخل الأسباب المستقلة يعني ان المسبب في الذمة لا يتعدد. وحدة المسبب في الذمة يعبر عنه بالتداخل في الأسباب في التأثير في مسبب واحد.
اما وحدة المسبب في الأداء الخارجي لا يقال له تداخل الأسباب بل يقال له تداخل المسببات. كلها تداخل لكن في أي مرحلة تتداخل؟ هل التداخل في الذمة او التداخل في الأداء الخارجي؟
من البحوث المعقدة في علم القانون الوضعي هو دور السلطات الثلاثة التنفيذية والقضائية والتشريعية. هل مستقلة او مجموعية؟ الوزارات مع بعضهم البعض هل قراراتهم مستقلة او مجموعية وارتباطهم مع رئيس الوزرا. في كل دول معركة بين سلطات ثلاث وبين رئاسة الجمهور وبين غيرهم. هذه الصلاحيات هل مستقلة او معية او كيف؟ الامر صعب. العقول والعقلاء رجالهم تترجل في هذا البحث. كيفية تصوير العموم. كذلك البحث في حجية القرآن وحجية العترة مع انهما حجيتان وحيانيتان. وكذلك حجية الفطرة وحجية العقل. البحث ابدا ليس بسهل. البحث صناعي هندسي في غاية الصعوبة ويحتاج الى الغور والمداقة. أي زلة فيه يصير حسبنا الكتاب او حسبنا العترة او حسبنا العقل او حسبنا المكاشفات.
هذا البحث في الأسباب والمسببات وتداعيات هذا البحث مخرجات هذا البحث. يجب ان نراعي الأصول في اخطر المباحث في العلوم الدينية. لا ان نراعيها في تفاصيل الفروع الفقهية. علم الأصول منطق للعلوم الدينية واستمسك به اعقد المباحث لانه يمنهج لك البحث. واياك ان تغمض عيني عقلك وفكرك. لان ادنى زاوية خطأ يوجب البناء المنحد.