« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/20

بسم الله الرحمن الرحيم

مقتضى القاعدة في تعدد الجمل الشرطية

الموضوع: مقتضى القاعدة في تعدد الجمل الشرطية

 

بقي في تحدد الجملة الشرطية مقتضى القاعدة لو لم يتم معالجة الجملتين الشرطيتين. سواء في خصوص مثال التقصير او عموما. هل يمكن الرجوع الى الأصل العملي او لا؟

الميرزا النائيني قرر الرجوع الى الأصول العملية ومقتضاه الجمع بالواو واذا حصل الجمع بالواو يكون متيقنا ان الجزاء يتحقق والا قبله تجري البراءة او اصالة العدم.

اعترض عليه السيد الخوئي ولا بأس به اجمالا في الجملة. وهو انه مادام هناك اصل لفظي لا تصل النوبة الى الأصل العملي والاصل اللفظي في التقصير هو عموم وَ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰة وغاية ما خرج منه ما إذا لم تخف الاذان ولم تخف الجدران وكلاهما مقيد له معا وفي صورة عدم تحقق خفاء الاذان وعدم تحقق خفاء الجدران العموم موجود وفي صورة تحقق احدهما مقتضى عموم الدليل هو القصر. فاذا الصحيح هو الرجوع الى الأصل اللفظي.

طبعا هذا المقدار من الاشكال تام لكن الاشكال صغروي. التحديد من الشارع لحد القصر ذكر في تقريبه انه تحديد شرعي لعنوان السفر.

كما يقول صاحب الجواهر ان جملة من الموضوعات مثل أن إقامة عشرة أيام قاطعة للسفر وهل هي قاطعة لحكم السفر او قاطعة لموضوع السفر؟ هذا البحث مثمر في باب العام والخاص نموذجا في باب صلاة المسافر وكذلك غيره. قاطع موضوعي او قاطع حكمي.

القاطع الموضوعي يعني التخصص والقاطع الحكمي يعني التخصيص. يعني ان الموضوع للعام موجود الا انه يقيد الحكم المحمول. فهذه نكتة جدا مهمة. ان المخصصات ليست طرا مخصصات للمحمول مع بقاء الموضوع وإن يكون غالبا هكذا لكن هناك جملة من الموارد تكون المخصصات قاطعا موضوعيا يعني التعبد بانتفاء الموضوع. قد يعبرون عنه في بعض الموارد بالقاطع الموضوعي.

هذه النكتة مهمة ان في باب العموم والخصوص والاطلاق والتقييد ان المقيدات والمخصصات غالبا قاطع محمولي يعني تخصص المحمول ولا تنفي الموضوع للعام. لكن في جملة من الموارد المخصص بالدقة هو يخصص الموضوع يعني القاطع الموضوعي فينفي موضوع العام ثم يرتفع المحمول وحكم العام.

مثلا المرور في السفر على الوطن كما اذا كان عدة اوطان للمسافر. المرور قاطع موضوعي الا بالتسامح العرفي وهو بحث آخر. فالمرور في السفر على الوطن قاطع موضوعي وليس قاطعا حكميا. هذا في باب صلاة المسافر له اثار كثيرة تترتب عليه. قيد إقامة عشرة أيام في السفر قاطع موضوعي عند الشارع يعني ان الإقامة بمعنى الاستقرار ضد السفر بمعنى الحركة وليس السفر بمعنى البعد عن الوطن. السفر يستعمل عرفا بمعاني ومنها السفر بمعنى الحركة. انقطاع السفر موضوعا فيه مراتب ويحرز بعضها العرف ويشكك في بعضها العرف فالشارع يحدد الموضوع. يعبر عنه صاحب الجواهر انه تحديد في التقريب وتقريب في التحديد يعني التحديد والتقريب. التقريب عرفي والتحديد شرعي لهذه التقريبات العرفية.

فإذاً في موارد السفر بمعنى الحركة لا السفر البعد والنأي عن الأوطان تنقطع بالاستقرار خمسة او عشرة والشارع حدده بالعشرة وهو تحديد شرعي في التقريب العرفي. يعني ان هذا التحديد الشرعي قاطع وكاشف عن انتفاء الموضوع. فيعبر عنه صاحب الجواهر بالتقريب في التحديد والتحديد في التقريب يعني ان التحديد الشرعي ليس تعبدا محضا بل فيه ادراك عرفي قليل.

هذه نكتة جدا مهمة ان التخصيص الاصطلاحي غالبا يعني القاطع المحمولي وغالبا المقيد مقيد محمولي يعني مع وجود موضوع العام يرفع المحمول عن منطقة الخاص. يعبر عنه بالتخصيص الحكمي. ومقابه التخصيص الموضوعي يعني القاطع الموضوعي.

ثمراته انه في منطقة الخاص اذا كان موضوع العام موجودا بأي زعزعة للخاص يتجدد حكم العام. لان المفروض في القاطع المحمولي او التخصيص الحكمي لم ينتف موضوع العام. يعبر عن هذا البحث باصطلاحات متعددة فقهية أصولية.

مثلا صيد المحرم وهو محرم ميتة. بالتالي هو حرام او هو حرام ونجس. هل يخصص عموم التزكية موضوعا او محمولا؟ يعبر البعض عن التخصيص الموضوعي والقاطع الموضوعي بان حكم الشارع هنا بصيد المحرم ليس تنزيلا بل جعل. تجعل الميتة موضوعا. ويقولون انه ليس تنزيلا. التنزيل مثل التشبيه ويكتفى فيه بأبرز وجوه الشبه. لانه في التشبيه كما يقال زيد كأسد ليس المقصود ان زيدا صار اسدا ويأخذ كل آثار اسد. هل ادرج زيد موضوعا او ادرج حكما؟ هذا تعبير آخر. ادراج موضوعي او ادراج محمولي.

التنزيل يعني التشبيه ويعبرون عنهما بالادراج المحمولي وهو يعني ابرز الاثار لا انه ميتة حقيقة فنجس ولا يباع ويترتب عليه كل آثار الميتة. فالشارع لما يقول: صيد المحرم ميتة فما مقصوده؟ هل مقصوده إخراجه عن عموم التزكية موضوعا وادراجه في عموم الميتة موضوعا؟ او هو تخصيص محمولي وحكمي وقاطع محمولي و تنزيل وتشبيه؟ في كل باب اصطلاح معين لكن الفكرة هي هي.

الصيد في الحرم ولو من المحل ميتة. ما المراد من الميتة؟ هل التنزيل والتشبيه والادراج الحكمي؟ او المراد الجعل والادراج الموضوعي وترتب جميع الآثار. التنزيل و التشبيه من شؤون عالم الدلالة اما الجعل من شئون عالم الثبوت والمدلول.

المهم ان التصرف توسعة وتضييقا في الموضوع يختلف عن التوسعة والتضييق في المحمول فقط. من ثم هنا لما يقول الشارع ان حد القصر كيلومتر وثلث كما جرب خفاء الاذان والجدران في المعدل الطبيعي الوسطي فهذا التحديد من الشارع قالوا ان هذا تحديد موضوعي خلافا لما قاله السيد الخوئي يعني حتى العرف اذا كان المتحرك عن وطنه والمنتقل عن وطنه في بدايات ضواحي المدينة يقولون انه لازال في المدينة واذا ابتعد عن المدينة يقولون سافر وانتقل.

طبعا مثل الصدوق والسيد الخميني وجماعة عندهم الحركة من البيت سفر. لكن الصحيح عند المشهور انه ليس سفرا لا ابتداء ولا رجوعا.

كذلك في الرجوع عند العرف تشكيك في المراتب كضواحي المدينة. من ثم الشارع يأتي ويحدد ويقول ان هذه الموضوعات المشكوكة ليست موضوعا للسفر. مثل غسل الوجه لماذا حدده الشارع من منابط الشعر الى الذقن وبين الاذن والاذن. ولماذا لم يوكله الى العرف. حدده لانها من المناطق المتنازعة عليها فحدده الشارع بتعبير صاحب الجوهر انه تحديد في التقريب وتقريب في التحديد.

هكذا في السفر الذي يكون في ضواحي المدينة هل هو سفر او لا وكذلك عند رجوعه هل ينقطع السفر ام لا؟ قد يتساؤل لماذا جعل الشارع المسافة تحسب من سور المدينة؟ لماذا لم يجعل ان تحسب من حد الترخص؟ الجواب ان الشارع عنده تبدأ حساب المسافة من سور المدينة بنصوص الأدلة على ذلك أما في صدق عنوان السفر اخذ الشارع هذا الحد الترخص. وهذا يبين لنا ان قيود الموضوع متنوعة ومختلفة ومتلونة ومن الخطأ ان نحسبها انها على وتيرة واحدة. لكل قيد من قيود موضوع الحكم شأن.

اذا دعوى السيد الخوئي ان هنا السفر صادق محل كلام. الا انه يجزم عرفا بان السفر صادق. اذا كان السفر صادقا عرفا فيتمسك بعموم «اذا ضربتم في الأرض» لكن اذا كان الشك في الموضوع فالتمسك بعمومات السفر محل تأمل.

نعم اذا كان هناك دليل اجتهادي لا تصل النوبة الى الأصل العملي الذي ادعى الميرزا النائيني وهذا صحيح.

في بعض الموارد يتفق السيد الخوئي مثل «اذا خفي الجدران فتصدق» قد يكون حينئذ مقتضى الأصل العملي كما يقول الميرزا النائيني.

اجمالا هذه مؤاخذة أخرى من السيد الخوئي.

هناك مؤاخذة أخرى يذكرها السيد الخوئي. وهذه مؤاخذة كبروية خلافا لما سبق حيث كانت صغروية.

اسقاط ادلة حد الترخص بالمرة في شرطيتين. «اذا خفي الاذان فقصر» و «اذا خفي الجدران فقصر» انما تسقط ادلة حد الترخص بمقدار وحدود التعارض فيما بينها كما مر بنا. هذا مقتضى كلام المشهور. الدليلان المتعارضان انما يسقط منهما بمقدار ما فيه التعارض والتناقض. اما بقية مفاد المتعارضين لا يسقط. هنا كذلك هكذا. اذا خفي الاذان والجدران يقصر قطعا. اذا لم يخف الاذان ولم يخف الجدران فقطعا يتحقق مفهوم الشرطيتين وعدم التقصير. هاتان المنطقتان واضحتان.

المنطقة الرمادية او التي بها ترديد ما اذا تحقق احدهما ولم يتحقق الاخر. السيد الخوئي يقول انه اذا كان الدليلان مقيدان بمقدار المتيقن فنأخذ به. اما المقدار المشكوك في التقييد بالدليل المنفصل فنتمسك بالمنطوق في كل منهما ومقتضى التمسك بالمنطوق في كل منهما هو التقييد بالاو وليس بالواو. لان هذه الجملة الشرطية «اذا خفي الاذان فقصر» تعني «إذا لم يخف الاذان فلا تقصر» هذان المفهوم والمنطوق متى ترفع اليد عنهما؟ في اجتماع الاثنين او ارتفاع الاثنين يرفع اليد عنها لكن الزائد عنها لا يرفع اليد عنها.

ان المنفصل المعارض اذا لم يحرز تقييده للدليل فالدليل يبقى على حاله حجية. المقدار المتيقن من التعارض يرفع اليد عن الدليلين ويقيد كل منهما الاخر مثلا. اما المقدار غير المتيقن من التعارض لماذا نرفع اليد عنه؟ كلام سيد الخوئي هنا على نفس منهاج المشهور ان الأدلة المنفصلة فيها اقتضاء الحجية فنرفع اليد عنها بمقدار المتيقن من التعارض والتناقض والزائد على ذلك لا وجه لرفع اليد عن حجية الأدلة. هي حجية اقتضائية لا وجه لرفع اليد عنها.

ومقتضى ذلك حينئذ الجمع الاوي وليس الجمع الواوي. فاذا الوجوه المتعددة من جهة الأصل اللفظي ما هو مقتضاه وهذه نكات مهمة. ما هو مقتضى الأصل اللفظي وما هو مقتضى الأصل العملي وكذلك الأصل اللفظ الفوقي ومقتضى القاعدة في معالجة الدليل الاجتهادي. هذه مؤاخذات من السيد الخوئي في محله ومتينة. لكنه يا ليت أعمله في كل باب التعارض.

 

أما بحث تداخل الأسباب وتداخل المسببات.

سبق ان مر بنا انما تصل النوبة لبحث تداخل الأسباب وتداخل المسببات إذا تم الفراغ من تعدد الجملة الشرطية منطوقا ومفهوما وكانتا بنحو أو وبنحو الاستقلال. فلا نخلط بين المراحل الثلاث في الجمل الشرطية.

المرحلة الأولى استكشاف تقنين تعدد السبب بتعدد الدال على التقنين. تعدد الجملة الشرطية يعني تعدد الدال الاثباتي. فمبحث تداخل الأسباب مبحث ثبوتي. قد يستعان بادلة اثباتية لكنه بحث ثبوتي. كذلك تداخل المسببات بحث ثبوتي وان يستعان فيه بادلة اثباتية.

هذه اصطلاحات منهجية ضرورية.

بعض القواعد الأصولية والمعالجات الأصولية مرتبطة بعالم الدلالة كالظهور والتصريح والنص. هذه كلها شئون عالم الدلالة. اما الواجب المعلق والمشروط بالشرط المتاخر وقيود الوجوب وقيود الواجب بحث لا صلة له بعالم الدلالة بذاته. القانون يفرض لوح المحفوظ علم التقنين والقانون علم لكن عالم الدلالة شبيه بعلوم اللغة أما البحث الثبوتي مرتبط بنظام منظومة القانون. كانما تفرض عالما ثبوتيا يسمى عالم القانون وعالم التشريع ويعبر عنه عالم الثبوت وبعبارة أخرى علم أصول القانون مبادئ القانون واصول التشريع.

دائما في البحث الثبوتي هناك علمان. علم عالم الاثبات والدلالة وعلم عالم الثبوت والقانون.

تداخل الأسباب و تداخل المسببات مرتبط بالثبوت بنفس النظام القانوني متنا. قد يستدل به بادلة اثباتية لكنه هو بنفسه بحث ثبوتي. كالشرط المتاخر الذي يستدل به بدليل اثباتي او الواجب المعلق والواجب المشروط. صحيح انه يحتاج الى دليل اثباتي لكن نفس الأبحاث قانونية ومتن القانون في واقعه التشريعي.

اما المفهوم والمنطوق وايهما مقدم وايهما يعالج بحث في عالم الاثبات والدلالة. مثل بحث هيئة الامر انها تدل على الوجوب او لا تدل مرتبط بعالم الدلالة وكذلك هيئة النهي ومفاد الدليل الوضعي والتكليفي. والعموم والخصوص في عالم الدلالة وفيه عموم وخصوص مرتبطان بعالم الثبوت.

تداخل الأسباب والمسببات من عالم الثبوت وتعدد الجمل الشرطية يدل على تعدد الشرطين والجزائين بحث اثباتي. ويجب ان لا نخلط بين البحثين. بالعنوان سهل لكن بالتطبيق العملي حتى الكبار يحصل لديهم التباس وحيرة.

تداخل الأسباب والمسببات اسناد مجازي. يعني ان تداخل الأسباب لا يعني انها تتداخل ذاتا. ليس المراد تداخل ذات السبب في ذات السبب الاخر. المراد منه تداخل الأسباب في أثرها. يعني ان أثرها يتداخل. كذلك عندما يقال تداخل المسببات فمجاز. انما يتداخل اثر المسببات.

فالتداخل مع انه ثبوتي فالاسناد الى الأسباب والمسببات مجازي. في الحقيقة تداخل اثر الأسباب والمسببات. هذه النكتة يجب ان لا ننساها. قد يؤاخذ الكبار بعضهم بعضا عن هذه الغفلة في هذا التمييز.

غدا ان شاء الله نبحث اكثر عن الاسناد المجازي. ان تداخل المسببات ليس له مجال للبحث الا بعد عدم تداخل الأسباب. كما ان بحث تداخل الأسباب انما تكون له فرصة البحث بعد فرض تعدد الجملة وتعدد الشرط. فمرحلة بعد مرحلة.

logo