« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/14

بسم الله الرحمن الرحيم

تباين تعدد الشرط والأسباب والمسببات

الموضوع: تباين تعدد الشرط والأسباب والمسببات

 

كنا في تنبيه تعدد الشرط ووحدة الجزاء ومثاله «اذا خفي الاذان فقصر» و «اذا خفيت الجدران فقصر»

المهم ان يميز الانسان بين هذا التنبيه وبين التنبيه اللاحق. هذا التنبيه في اصل استكشاف او الاستنباط التنظيري في الشبهة الحكمية للسبب والمسبب. ما هو السبب؟ هل هو خفاء الجدران فقط او الجامع بينهما او كل منهما؟

هذا البحث في اصل التنظير واستكشاف صورة الجعل عند الشارع بين السبب و المسبب. بينما البحث اللاحق بعد الفراغ عن تداخل الأسباب وتداخل المسببات وبعد الفراغ عن استقلال الأسباب في الجعل، هل تتداخل الأسباب ام لا؟ هذا بالنسبة الى الأسباب والقسم اللاحق بعد الفراغ عن تعدد المسببات جعلا وقانونا تأتي نوبة الحديث عن تداخل المسببات. والتعبير بالجمع يعني التعدد جعلا وقانونا هل تتداخل ام لا؟ وماذا معنى التداخل؟

ربما يقع الخلط بين هذه الأبحاث الثلاثة. هنا البحث في اصل تنظير استقلالية الأسباب وتعددها بعد رفع اليد عن عدم الانحصار. هل السبب متعدد او واحد؟ نستكشفه من الدلالة. فاذا البحث في هذا التنبيه والمرحلة الأولى في تعدد السبب.

البحث اللاحق والمرحلة الثانية لا يختص بالجملة الشرطية بل يبحث عنها في الجملة الحملية أيضا ويعتمد على السببية والمسببية وفكرتهما. مثلا الملاقاة سبب للنجاسة او الطهارة. وهذا البحث بعد الفراغ عن تعدد الأسباب ثبوتا وجعلا.

كما ان كثيرا من الاعلام قد يقع في خلط بين المرحلة الثانية والثالثة، ما هو الفرق بين تداخل الأسباب وتداخل المسببات. فيجب ان لا يقع الخلط بين هذه المراحل.

المرحلة الثالثة بعد الفراغ عن تعدد الأسباب والمسببات ثبوتا وجعلا في المرحلة الأولى والمرحلة الثانية. فتأتي نوبة المرحلة الثالثة تداخل المسببات وهو سنخا يختلف ويغاير ويباين تداخل الأسباب. المسببات متعددة وتتداخل في شيء آخر. فهذه ثلاث مراحل كثيرا ما الباحث في الاستنباط يقع الخلط عنده في البحث فيه.

فنحن في المرحلة الأولى وهر مرحلة اثباتية محضة ودلالية محضة. هل الأسباب متعددة ام لا؟ ليس مفروغا عنه بل نريد ان نستكشف من الدلالة التعدد وكثرة الأسباب. البحث ليس سهلا ويقع الخلط من الكبار ويؤاخذون بعضهم بعضا على الخلط بين هذه المراحل. فلابد من النباهة بينها.

المرحلة الأولى في اصل الدلالة والكشف عن تعدد الأسباب. بعد رفع اليد عن الانحصار.

نرجع الى كلام السيد الخوئي وهو كلام ثمين وتشييد لمبنى القدماء المشهور وهو انه عند التعارض والتناقض لا يبنى على سقوط الدليلين لا كليهما ولا احدهما بل يبنى على المعالجة العرفية مهما امكن وهي على مراتب.

كلام السيد الخوئي في بداية التنبيه وفي وسطه فيقول: ان المعالجة للتعارض مراتب وهي مراتب عرفية ومعالجة عرفية ويذكر اربع مراتب من المعالجة كما مر امس وعرفا لا يمكن للباحث يأخذ بالمرحلة الرابعة لكن الابتداء والابتدار به بداية ليس عرفيا. كلها معالجات عرفية لكن تقديم بعضها على البعض من دون انتفاء المتقدم ليس عرفيا. وهذا هو الذي يقوله المشهور.

يقولون ان التأويل الاحتمالي ليس علاجا عرفيا أوليا كما ان الشيخ الطوسي يذكر تأويلات بعيدة ولا يلتزم بالطرح في كل كتابه التهذيب. أصلا قضية السند يأتي بها بعنوان احد القرائن التبعية. أولا يركز على المتن. هذا هو الشيخ الطوسي اصولي ومحدث ورجالي. لطيف أنه يقول انه ديدن استاذي الشيخ المفيد.

يقول السيد الخوئي في هذا التنبيه ان نفس الدلالة لها قيمة في الحجية ولا يلزم ان تكون الحجية فعلية بل يكفي قيمته في الحجية الاقتضائية. وهذا هو كلام المشهور. ويا ليت السيد في كل مبانيه في الحجج في علم الرجال والفقه والتفسير بنى على ان الحجج اقتضائية.

اقتضائي يعني جزء الحجة لا كل الحجة. الحجية الفعلية يعني كل الحجية. الاقتضائية يعني جزء الحجية ولابد ان تنضم اليها أجزاء أخرى وهذا هو فلسفة الحجية عند المشهور حتى في الأدلة اليقينية. الانسان لا يمكن ان يأخذ دينه من حديث متواتر واحد بل لابد من مجموع المتواترات. يعني حتى الخبر المتواتر ليس حجة فعلية بقول مطلق. توهمه توهم عمياوي. آية مقدسة عظيمة من القرآن ليست حجة بقول مطلق بل لابد من ضم باقي الآيات والأدلة. اذا كان في القطعيات هكذا الحال فكيف في الظنيات. هذا المبنى بنيان مشيد وهو مبنى المشهور ومبنى الوحيد البهبهاني وقبله الفاضل التوني وجل علماءنا في الثاني عشر والثالث عشر وهو مبنى الانسداد الى بداية الرابع عشر.

فلابد من مراعاة المراتب للجمع وصحيح ان المرتبة الأخيرة ليست عرفية رتبة وتقدما والا هو عرفية دلالة وقرينة.

قال السيد الخوئي: لو لم يتم العلاج بكل مراتبها عرفا فلا نسير الى سقوط المتعارضين بالمرة وبرمتهما. وهنا صرح ان العلاج العرفي مراتب لو كان العلاج بعيدا لكنه في نفسه عرفي اذا وصل النوبة اليه وهذا معنى قاعدة الجمع. هنا السيد الخوئي يقول اعتراضا على الميرزا النائيني حيث يسقط المنطوق و المفهوم وعلى صاحب الكفاية حيث يحتمل سقوط المفهوم فقط: هب اننا لم نتوصل الى العلاج العرفي بكل مراتبها لاجل خصوصية المورد او كبروية الكبرى أيا ما كان، فالنوبة لا تصل الى التساقط.

هو يعترض على تنظير الميرزا النائيني رحمه الله مع ان الميرزا النائيني ارتكازا في عمليته الاستنباطية يمشي ممشى المشهور ولكن تنظيره أثر في الجيل بعده. كالسيد احمد بن طاووس رحمه الله حيث يقول انا ارتكازا لا اعمل بهذا المبنى في الرجال واصالة السند لكن ذكرت هذا المبنى من باب توازن مع مبنى اصالة المتن والا انا لا اترك كلام المشهور قبلي. هذاالكلام في بداية التحرير الطاووسي ولخصه صاحب المعالم وعرف بالتحرير الطاووسي. كما ان العلامة الحلي أيضا هكذا بين القدماء وبين استاذه سيد بن طاووس. المحقق الحلي كذلك كثيرا ما يمشي ممشى المشهور. وافرط بعدهم الشهيد الثاني واذا وصلت النوبة الى السيد الخوئي افرط ثم افرط في هذا المبنى.

السيد الخوئي يقول: لو افترضنا ان هذه المعالجات العرفية بكل مراتبها ليست صحيحة فلا تصل النوبة الى سقوط الدليلين كليهما من رأس. بل احدهما. بل الضرورات تقدر بقدرها. هذا الدليل او ذاك الدليل او كلاهما يبعضان. هذا مبنى آخر لطيف. لا يسقطان ولا يسقط احدهما لا على التعيين بل يبعض كلا الدليلين وهما باقيان. وهذا صحيح. المقدار الموجود في التناقض والتنافي منهما يسقط وهو غاية الامر مفهوم. بل هذا المفهوم أيضا لا يسقط مطلقا بل يسقط بعضه. فضلا ان يمس التساقط المنطوق.

فلا المنطوق يسقط أصلا ولا يسقط منه شيء لان التنافي ليس بين المنطوقين بل المفهوم لا يسقط بالمرة بل بعضه يسقط. فلاحظ هذا الكلام في التنظير الكلي للتعارض. ان التعارض ليس مقتضاه سقوط الدليلين برمته.

عبارة للشيخ الطوسي رحمه الله في روايات السهو في الصلاة في التهذيب. يأتي يرواية واحدة فيها ان النبي لم يسه قط في الصلاة. لم يأتي النبي صلى الله عليه وآله بسجدتي السهو قط. يعني لم يسه. ولا يأتي بهما فقيه .

الشيخ الطوسي هذه الرواية في قبال روايات صحاح متعددة متكاثرة واردة في سهو النبي صلى الله عليه وآله ويقول نطرح كل هذه الروايات مقابل رواية واحدة مصححة لان متنها قويم ومطابق للادلة اليقينية للمذهب ان النبي لا يسهو في الموضوعات حتى في البعد الفردي فضلا عن البعد السياسي والاجتماعي وادارته القيادة والامامة. هذا ما عليه المذهب الامامية. لذلك هذه الرواية متنا قويمة وتلك الروايات لا نأخذ بها. القضية قضية المتن معية المحكمات.

ثم يقول: تلك الروايات التي لا نعمل بها لا نطرحها بل نبعض مفادها. مفاده ان النبي سها في الصلاة باطل اما الاحكام التي ذكرت فيها للسهو مطلقا يقول لا اشكال فيها. يعني حتى هذه الروايات التي فيها ما يخالف محكمات الثقلين لانطرحها برمتها من رأس بل نبعض المقدار الكذايي نسقطه والمقدار الكذايي نبقيه. هذا على مبنى استاذه الشيخ المفيد والسيد المرتضى ان حجية الطريق تبع ونحن اثبتنا بالبراهين الأصولية والكلامية ان علم الرجال تابع للمتن لا العكس. علم الرجال تابع لعلم الحديث بالبراهين بكل مدارس علم الرجال. أصلا اريكة علم الرجال كلها قائمة على علم الحديث والمتن.

توقفت مليا مع كلام السيد الخوئي رحمه الله لانه كلام ذهب وتشييد لمبنى القدماء في عدم التساقط وقاعدة الجمع. هذا المبنى الذي ذكره السيد الخوئي اشد تحفظا على مبنى الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية ان احد المتعارضين ساقط. يقول كلاهما باقيان لكن نبعض لان الضرورات تقدر بقدرها.

 

logo