« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

المفهوم الثاني في الجملة الشرطية

الموضوع: المفهوم الثاني في الجملة الشرطية

 

كان الكلام في المفهوم الثاني في الجملة الشرطية الذي هو بلحاظ المحمول لا بلحاظ مجرد الموضوع وفيما اذا كان المحمول انحلاليا وفي صدد استعراض المؤاخذات والنقود التي اعترض بها السيد الخوئي على الميرزا النائيني.

مر اعتراض منه رحمه الله ان آلية العموم سواء كانت حرفية او اسمية غير مؤثرة في إمكانية ملاحظة معنى العموم.، يعني حتى لو كانت الالية حرفية يمكن ملاحظة العموم كما تقرر في بحوث معاني الحروف واذا امكن ملاحظة المعنى الحرفي للعموم فيمكن جعله المعلق على الشرط وليس الحكم العام. فتفصيل الميرزا النائيني بين الشق الثاني والثالث ليس في محله.

كما ان تعليق الحكم العام نقيضه عرفا موجبة جزئية فلا تفرقة بين النقيض العرفية والمنطقية.

من ثم اصوليا وكبرويا لا يبني السيد الخوئي على وجود المفهوم الثاني للجملة الشرطية علاوة على المفهوم الأول المتولد من الشرط وان كان المحمول والجزاء في الشرطية في مفاده المطابقي متعرض لعموم المحمول. هذه النقطة ممكنة وصحيحة ويقبلها السيد لكنها بمفردها غير كافية بل لابد من النقاط الأخرى كي يتكون المفهوم الثاني للجملة الشرطية. وتلك النقاط غير موجودة.

لا بأس نناقش في الكلام الكبروي للسيد الخوئي ثم نأتي للكلام الفقهي في المقال وهذا البحث الفقهي معركة آراء.

هذا الذي ذكره السيد الخوئي في المفهوم الثاني ينقض عليه بانه يأتي في المفهوم الأول بلحاظ عموم الشرط. يعني نقيض الكلي جزئي وليس كليا عرفا. والحال انه يسلم انه اذا كان المفاد المطابقي عاما فمفهوم الجملة الشرطية عاما بلحاظ الشرط.

مؤاخذة أخرى لكلام السيد الخوئي رحمه الله اننا لا نفصل عكس ما يذكره الميرزا النائيني. سواء عموم الحكم بالآلة الحرفية او الاسمية او الحكم العام مقرر فيه المفهوم وهذا هو الصحيح. كما ذهب اليه الكثير ربما.

والوجه في ذلك وان كان فيه فرق بين عموم الحكم والحكم العام لكن من جهة اثبات المفهوم الثاني يمكن اثباته في العموم الانحلالي في الحكم العام او عموم الحكم غير العموم المجموعي لان فيه تقرر المفهوم الثاني صعب.

بعبارة أخرى ان الامر الذي ذكره السيد الخوئي ان النقيض العرفي عين النقيض المنطقي صحيح اذا كان العموم مجموعيا. لان العموم المجوعي ينفرط بالجزئية وهذا صحيح. اما اذا كان العموم انحلاليا او استغراقيا او بدليا سواء عموم الحكم او الحكم العام فالصحيح اثبات المفهوم.

كانما ربما صار في اذهان الاعلام خلط بين العموم المجموعي وبين التمييز بين عموم الحكم و الحكم العام. لان الحكم العام وعموم الحكم اذا كان العموم انحلاليا لا فرق بينهما وان كان فيهما فرق من جهة أخرى. لكن البيان بانه اذا كان عموم الحكم فالتركيز على العموم واذا كان الحكم العام فالتركيز على الحكم هذا البيان فيما اذا كان العموم مجموعيا اما اذا كان العموم استغراقي فالامر سيان.

لانه في الحقيقة هذا الحكم العام الاستغراقي او العموم الاستغراقي للحكم يستعمل آليا وطريقيا في كل فرد وفرد. ولو ان الاستعمال واحد لكن ينظر به الافراد فردا فردا. واذا نظر الى الافراد تنحل الى قضايا متعددة. فهي تركيبا قضية واحدة لكنها تحليلا قضايا متعددة.

بعبارة أخرى ان المرحلة الثالثة الأخيرة للحكم الانشائي يعبر عنه الميرزا النائيني بالفعلي المقدرة وهذا التعبير صحيح. يعني ليست فعلية خارجية بل فعلية لحاظية يعني يلحظ بها جانب الفعلي الساري. بالاستعمال يلاحظ كل الافراد وبنحو الاستغراق يعني الاستقلال فمثابة استعمال كل فرد مستقلا. فالصحيح اذا مع الأكثر من ان المفهوم الثاني في الجملة الشرطية يتقرر سواء كان عموما استغراقي للحكم او حكما استغراقيا وكلاهما بلحاظ الانحلال في الافراد.

نعم اذا كان العموم مجموعيا فلا يمكن اثبات المفهوم الثاني لان نقيض العام المجموعي بالجزئية. فكبرويا لا نفصل تفصيل الميرزا النائيني بل نعمم ونفصل بين الاستغراقي والمجموعي.

والامثلة التي مرت من السيد الخوئي امثلة مخدوشة لانها فيها قرائن خاصة وكلامنا في عدم القرائن الخاصة.

اما الدخول في البحث الصغروي

في البحث الصغروي سجل السيد الخوئي مؤاخدات على كلام الميرزا النائيني وهذه البحوث معقدة صناعية في باب الطهارة والنجاسة لا بأس ان نتعرض اليها.

طبعا الكلام في ان قاعدة او قانون او المعادلة الكلية «كل متنجس ينجّس» معركة آراء بين الاعلام. أما «كل عين نجس ينجّس» لا كلام فيه.

نذكر مدعى السيد الخوئي في اعتراضه على الميرزا النائيني رحمهما الله:

يقول الميرزا النائيني في احد كلماته ان المفهوم الثاني للجملة الشرطية سواء تقرر او لم يتقرر في خصوص هذا المثال نحن نصل الى هذه النتيجة من دون الاعتماد على الجملة الشرطية في المفهوم الثاني. لعدم القول بالفصل وانه اذا ثبت في مورد ان النجس ينجّس وان المتنجّس ينجّس كافي في اثبات العموم لعدم القول بالفصل. هذه معالجة صغروية لصناعة فقهية لهذه المسألة.

السيد الخوئي يسجل اعتراضات ان عدم القول بالفصل في أعيان النجاسة صحيح. أما عدم القول بالفصل في المتنجس فمعركة آراء وخلافية. وحيث لا دليل من اجماع في المسألة «كل متنجّس ينجس» فلا دليل من الاجماع في المسألة ليقال عدم القول بالفصل.

من ثم يقول السيد الخوئي تقرير المفهوم الثاني للجملة الشرطية جدا مفيد لهذه المسألة والدليل يكون واضحا. وهذا القانون والقاعدة في المفهوم الثاني قاعدة عامة في أبواب كثيرة في الفقه ولا يختص هذه المسألة. وهي اذا كان الحكم في الجزاء عاما انحلاليا. فهنا السيد الخوئي يقول ان اثبات تقرير وتشييد المفهوم الثاني في الجملة الشرطية مؤثر في قاعدة «كل متنجس ينجّس» وحيث لا نبني عليها فلا نقول بمنجّسية كل متنجس.

كل من السيد الخوئي والميرزا النائيني وبقية الاعلام في مبحث النجاسة وهذا المبحث ليس في النجاسة فقط وهذه صناعة فقهية بحتة وتوثر في الأبواب العديدة. المهم هم في مبحث النجاسة تارة البحث في الفاعل وتارة البحث في القابل وتارة في النجاسة كصفة بغض النظر عن الفاعل والقابل. كثيرا ما في الأبواب هذا البحث يأتي البحث في الفاعل والقابل والصفة.

سبق ان تعرضنا اليه في المعاملات عدة مرات. ان الناس مسلطون على أموالهم. جملة من الاعلام قالوا ان مفاده ليس كمفاد «اوفوا بالعقود» والبعض قالوا ان مفاده عين مفاده. لماذا هذا الاختلاف؟

أصحاب القول بانه لا يفيد مفاد «اوفوا بالعقود» يقولون: يمكن التمسك بدليل «الناس مسلطون على أموالهم» لاجل فاعلية الفاعل والعاقد لان له سلطة وليس محجورا واذا شككنا في قيود العاقد والفاعل نتمسك بإطلاقه. السيد الخوئي يبني عليه ويقول ان البيع السفهي (صفة البيع) صحيح اما بيع السفيه باطل. فرقه انه قد يبيع العاقل بحكمة او غير حكمة بيعا سفهيا لكن لا يجعله سفيها بمجرد بيع واحد. فالسفه مانع عن صحة المعاملة والعقود صفة العقد او صفة الفاعل؟ يقول صفة الفاعل. «الناس مسلطون على أموالهم» تحرز شرائط الفاعل والمتعاقدين اما لو شككنا ان البيع السفهي أي البيع الموصوف بالسفاهة باطل او ليس بباطل فلا يمكن ان نتمسك بدليل «الناس مسلطون على أموالهم» لانه في صدد الفاعل. بل لابد من التمسك بعموم «اوفوا بالعقود» لانه متعرض بالعقد. او دليل «احل الله البيع وحرم الربا» هذا الدليل متعرض لنفس الماهية. هذا نمط ثاني من الأدلة.

النمط الأول يتعرض للفاعل والنمط الثاني يتعرض للفعل والنمط الثالث يتعرض للموضوع مثل «كل شيء حلال يحل بيعه او المعاملة عليه» و «كل شيء حرام ثمنه سحت» «ثمن العذرة سحت» هذا نمط ثالث للادلة وهو يتعرض للموضوع. لو شككنا في ان المبيع المعين او عينا معينا لها مالية شرعا او عرفا لا يصح ان نتمسك بدليل «اوفوا بالعقود» لانه بلحاظ الأجزاء وشرائط الفعل في نفسه لا أرضية الفعل وموضوع الفعل. فاذا الأدلة في باب المعاملات حتى النكاح وكذلك القضاء على أنماط متعددة. مثلا «انما اقضي بينكم بالايمان والبينات» هذا يتعرض في فعل القضاء ولا يتعرض لشرائط القاضي. هذا بحث حساس وصناعي فقهي يهيئ للصناعة الأصولية.

«انظر الى رجل منكم روي حديثنا ونظر في احكامنا وعرف حلالنا وحرامنا» هذا الدليل يتعرض الى القاضي. منكم يعني مؤمنا ومواليا لاهل البيت. فاجعلوه حاكما. فهذا ناظر الى الفاعل وشرائط الفاعل.

دليل آخر يقول: البينة على من ادعى و اليمين على من ادعي عليه. هذا الدليل لا يتعرض الى شرائط القضا والقاضي بل يتعرض للمتنازعين.

في كثير من الأبواب الأدلة تتقسم الى ثلاث او اربع ربما خمسة بلحاظ الحيثيات التي ورد لاجلها الدليل. وهذا مطبق في باب العبادات والطهارة والنجاسة والاجتهاد والتقليد وغيرها من الأبواب.

شرائط الشاهد في باب الشهادات لا ترتبط بكيفية الشهادة والتحمل. بل لابد من الأدلة الأخرى. فغالبا الأدلة محيثة بالحيثيات وهي في صدد جانب دون جوانب أخرى. هذا البحث جدا مهم وهذا احد المسائل الامتحانية. هذه المسائل يمتحن بها على صعيد الاعلمية. اذا تمسك بالاطلاق بسرعة يعرف ان صناعته الفقهية ضعيفة.

هنا في باب الطهارة والنجاسة دليل يقول «اعيان معينة نجسة» ولا يدل على منجسيتها. دليل ثاني يقول: «العين النجس ينجس» وهذه مرحلة ثانية. ومرحلة ثالثة «من الذي يتنجس وعنده الانفعال وهذا في القابل. فعملية التنجيس يحتاج الى مجموع ثلاث ادلة. الكلام الكلام في التطهير. «انزل اليكم من السماء ماء طهورا» الطاهر في نفسه شيء ومطهريته شيء ثاني والطهارة وشرائط التطهير شيء ثالث ومن يقبل التطهير رابع. يحتاج الى أربعة أنواع من الأدلة حتى يتم التطهير. قد يكون دليل يتعرض للحيثيتين لقرائن او ثلاث حيثيات او يتعرض لاربع لقرائن لا مانع. مثل دليل يتعرض الى الصحة من الجهات الأربعة وليس ممتنعا عقليا. انما هي بنيويات غالبية في التحاور واذا وجدت القرائن الخاصة فنعم بها. شبيه ما يتعرض بالموضوع والمحمول. هذه ضوابط بنيوية استعمالية غالبية. بدون القرائن الخاصة لا يمكن ان يدعى هذا الشيء. فهنا في باب النجاسة الأدلة التي تثبت عين النجاسة شيء ومنجسيته شيء ثاني وقابلية الشي المقابل للتنجيس شيء ثالث. «اذا بل الماء قدر كر لا ينجسه شيء» يدل على ان هذا القابل عنده وقاية عن النجاسة.

من باب الدقة: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت» .نفس هذه الآية معجزة وتركيبها معجزة. ما الفرق بين «يذهب عنكم» المفعول الأول ليذهب هو الرجس. والمفهوم الثاني «عنكم» تعدى اليه الفعل بحرف الجر. فرق كبير. لو قال: «يذهبكم عن الرجس» معنى هابط. يختلف عن المعنى الأول. علماء المعاني يعرفون هذه التركبيات. يذهب الرجس عنكم. انتم لستم مقبلون على الرجس. بل الرجس يقبل عليكم فيبعده الله عنكم. هذا الرجس من غيركم. «لم تنجسك الجاهلية بانجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها» احد معاجز سيد الأنبياء ذكرها القرآن وذكره سيد الأنبياء انه كيف اطهر المطهرين من الأنبياء والرسل والملائكة وهو ترعرع في انجس بيئة يعني بيئة قريش غير بني هاشم. أربعين سنة لا يرى له خبط ولا زلة. «حجبت عن عينه مدانس الدهر» طبعا ليس جبرا بل امر بين الامرين.

يذهب الرجس عنكم. «ليصرف عنه السوء» زليخا كانت مقبلة عليه وهو طاهر فيبعدها الله. هذه الآية دليل على عصمة يوسف وبشكل اعظم في آية التطهير. فالمقصود ان هذه النكات في الفاعل والقابل والقابلية دقيقة في العقائد والفقه.

هذا دليل على مدى أهمية علم البلاغة. الزمخشري حنفي معتزلي ولكنه في اصل مرامه صوفي يعني في الفكرة التنظيرية. استنبط من آية المودة معنى عظيما واذا نراجع كلامه لا نفهم كلامه. والذي فهم كلامه هو السيد عبدالحسين شرف الدين. معنى عظيم لم يفهمه علماء الفريقين. اكتشفه من الدقة في التركيب.

«قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربى» ليس للقربى وليس مودة القربى. ميزة هذا التركيب عظيم. هذه دقائق تنفجر منها معاني وحقائق. لذلك علم البلاغة ولا سيما علم المعاني علم عظيم في ثمان أبواب. المسند والمسند اليه والاسناد والحصر والاخبار والانشاء وغيرها من الأبواب

logo