« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

عموم الحكم والحكم العام والمفهوم الثاني للشرط

الموضوع: عموم الحكم والحكم العام والمفهوم الثاني للشرط

 

كان الكلام في التنبيه في صياغة مفهوم ثاني للشرط متولد من عمومية المفهوم في الجزاء وكان مختار الميرزا النائيني انه ان كان المعلق في الجزاء هو ا لحكم العام فتقرر المفهوم الثاني ويكون انحلاليا وأما لو كان المعلق عموم الحكم فإن كان أداة العموم من الحروف فسبيله سبيل العام وان كان أداة العموم لفظة اسمية فتحتمل وجهين يمكن ان يكون للقضية مفهوم كلي ويمكن ان يكون المفهوم جزئيا.

في المثال: «اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» النكرة في سياق النفي تركيب وهيئة وحرفية واداة العموم حرف فسواء كان المعلق عموم الحكم او كان المعلق الحكم العام فيتقرر الحكم الانحلالي في جانب المفهوم.

بعد ذلك يذكر الميرزا الناييني معالجة فقهية له وهو دليل على قضية كلية ان كل متنجس ينجّس ام لا. يقول: لو لم نبن على المفهوم الثاني المتولد من الجزاء في خصوص هذا المثال فلدينا قرائن فقهية دالة على العموم لأن البناء على ان الشيء في المنطوق يندرج فيه الاعيان النجاسة ولو عينا واحدا فبعدم الفصل يتم فيه باقي الاعيان النجسة وكذلك المتنجس لو اندرج فيه درجة منه بالتالي يدل بعدم الفصل على منجسية المتنجسات الأخرى.

هذا تقريب فقهي لعمومية المفهوم لكل النجاسات والمتنجسات.

أما السيد الخوئي رحمه الله فيستشكل في القول بالمفهوم الثاني في الجملة الشرطية بلحاظ الجزاء والمفهوم لا بلحاظ عمومية وكلية الشرط. طبعا هو لا يستشكل في ان المفاد المطابقي محمولا عام لقرينية وقوع النكرة في سياق النفي وهي قرينة خاصة على عمومية المنطوق. والا القضايا الكلامية اللفظية غالبا ليس المحمول فيها عام في المطابقي. وهذا ليس بحثا في المفهوم بل مقدمة للمفهوم وسبق ان كررناه. لان القضية اللفظية الكلامية التي يتكلم بها المتكلم ليس في صدد بيان عمومية المحمول. وان كان هو في صدد بيان عمومية الموضوع.

لكن إذا أتت قرينة خاصة لا مانع ان يكون المحمول فيها عاما. مثلا «كل شيء لك طاهر» أي طهارة؟ الطهارة الذاتية والطبعية والواقعية والطهورية وربما تسع أنواع من الطهارات. هذه القضية عموم من حيث الأشياء لكن من حيث المحمول ليس في صدد البيان. لا استطيع ان اتمسك بالعمومية في نفس المحمول. كذلك «كل شيء لك حلال» بالنسبة الى عموم الحلية الحلية الواقعية و الظاهرية والذاتية والعرضية وفيه نقاش بين الاعلام هل اصالة الطهارة والحلية متعرض لكل أنواع الطهارات ام لا. النراقي رحمه الله وافق في الجملة مع صاحب الكفاية ان الجملة الواحدة استعملها الشارع في ثلاث قضايا. في القضية الواقعية والقضية الظاهرية والقضية الاستصحابية والآخوند ناقش في القضية الثالثة ولم يناقش في القضيتين. مع انه في باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى ما قبل لكن هنا قبل. هذه قواعد وليست مسائل. «كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه» في الشبهة الموضوعية والحكمية وحتى تمسكوا بها في باب المعاملات والمكاسب المحرمة. بالتالي هذه المسألة محل الابتلاء.

اذا مبنى الاعلام على ان القضية الكلامية واللفظية لا عموم لها غالبا بحسب نظم التحاور بالنسبة الى المحمول وليس شيئا ممتنع. نعم في موارد ان عمومية الموضوع تلازم عمومية المحمول لا مانع وفي موارد فيها قرينة خاصة لا مانع. لكن يعيبون مجتهدا يتمسك بعموم المحمول من دون قرينة خاصة. اجراء الاطلاق في المحمول خطأ في نفسه. هذا ناموس الاستظهار لديهم الا ان تأتي قرينة خاصة في المحمول.

الان كلامنا في المطابقي فإذا انتفى العموم في المحمول فتلقائيا ينتفي في المفهوم الثاني ومفهوم المحمول لا المفهوم الأول بلحاظ الموضوع. هذا التنبيه معقود بلحاظ المفهوم الثاني أي مفهوم المحمول. الا ان يكون في البين قرينة خاصة. وفي البين هنا قرينة خاصة ان الجزاء نكرة في سياق النفي وتدل على عمومية المحمول.

«الصلاة أولها كذا وآخرها كذا» يمكن ان تتمسك بإطلاق الصلاة أما التمسك بالخبر والمحمول وإطلاقه لا يمكن. «لا صلاة الا بالطهور» لا يمكن ان تتمسك بإطلاق الطهور. لذلك القدر المتيقن فيها هو الطهور الحدثي لا الخبثي. وهلم جرا.

هذا على صعيد المطابقي وينطلقون منها للمفهوم لان المفهوم عندهم ظل وتبع للمنطوق فلابد من تحديد حدود المنطوق وعلى ضوءها يتشكل المفهوم وحدوده. لا سيما هنا في المفهوم الثاني.

مؤاخذات السيد الخوئي على الميرزا النائيني:

لا فرق بين العموم المستفاد من أداة الحرف او العموم المستفاد من أداة اسمية. لانه بينا في المعنى الحرفي ان المعروف عند الأصوليين والبلاغيين ان المعنى الحرفي فاني في غيره فلا يمكن ان يلحظ بالذات لا تنافي كون المعنى الحرفي مركز اللحاظ ومركز البيان للمتكلم.

هذه نكتة نفيسة ذكرها حتى العراقي في ا لمعنى الحرفي. خلاصة هذه الفائدة: ان المعنى الحرفي او المعنى الآلي لا ينافي كونه مركز اللحاظ. كما يقال: زيد في الدار او زيد على الدار؟ السؤال متمركز في الحرف. وليس متمركزا على زيد ولا دار. لاينفون انه متقوم بغيره ولا ينفون فانيا وآليا.

هذه نكتة عقائدية. السيد محمد الروحاني استاذنا رحمه الله كان يقول: ان التحقيقات التي حققها الاصوليون في المعنى الحرفي خدموا مبحث التوحيد في العقائد سواء في الفلسفة او الكلام. لان هذا البحث وتيد الصلة جدا بالخالق و المخلوق وبالتوحيد. يعني ان البحوث المعقدة في المعنى الحرفي تثمر في مباحث العقائد. من المغالطات والشبهات الابليسية التي صارت عند بعض الصوفية وعند الوهابية ان التوسل شرك. يعني لا يفرقون بين الشفيع والشريك. هذا البحث وتيد الصلة بالمعنى الحرفي والاسمي. بحوث معقدة وصعبة. الى الان جملة من الاعلام في الفلسفة والعرفان والفقه هذه الشبهة ما محلولة عندهم في التوسل الحرفي والاسمي.

هنا المحقق العراقي يأتي بهذا المجال وبلوره السيد الخوئي اكثر ويقول ان كون المعنى حرفيا لا يعني انه هباء منثورا. ربما مركز الكلام حوله. «زيد في الدار او زيد على الدار». «زيد ذهب الى السيارة او ذهب من السيارة» مع انه حرفي وفاني ولكن مركز السؤال حول المعنى الحرفي. هذا كيف يجمع بين فناء المعنى الحرفي وبين كونه محط التمركز؟

ذكرت لكم ان بعض العرفاء وعموم الوهابية وبعض الشبهات التي تطرح انه اذا كان حرفيا فكالعدم. ليس كالعدم مع انه حرفي. هذا بحث طويل.

بناء على هذا فإذا لوحظ المعنى بنحو اسمي او حرفي يمكن ان يكون محط النظر. العموم يستفاد من الأداة الحرفية او الاسمية والكلام في زاوية أخرى. انه اذا كان عموما حرفيا فهو فاني في الحكم وأفراد الحكم فيكون من قبيل الحكم العام. العموم الحرفي فاني في سعة الحكم فيكون بمثابة الحكم العام فيتقرر المفهوم له كما يقول الميرزا النائيني. اما عموم الحكم فيه اشكال. لانه اذا كان المعلق هو العموم بما هو العموم فنقيضه رفع العموم بالجزئية ولا يحتاج الى كلية مضادة. وهذا عرفا أيضا هكذا. هذا اذا كان المعلق هو العموم اما اذا كان المعلق الحكم العام فنقيضه يكون نقيض كل فرد من الحكم. فمحط الكلام في الحكم العام او عموم الحكم. المؤاخذة الأولى عند السيد الخوئي ان العموم سواء دلل عليه باداة الحرف او أداة الاسم يمكن ان يكون هو محط النظر بما هو هو. فتفصيل استاذه الميرزا النائيني بين العموم الاسمي والحرفي ليس صحيحا. اذا كان محط التعليق هو ا لعموم الاسمي او العموم الحرفي بالتالي العموم رفعه بالخصوص وبالقضية الجزئية فلا يتقرر المفهوم.

مؤاخذة ثانية يقول السيد الخوئي: حتى في الحكم العام بما هو حكم عام أيضا لا نلتزم بالمفعوم. لان الحكم العام بالتالي نقيضه بالجزئية لا الكلية والعموم. وما قاله الميرزا النائيني من التفرقة بين النقيض المنطقي بين القضايا والنقيض العرفي لا نسلم به. بل النقيض المنطقي هو النقيض العرفي. فلا فرق بين عموم الحكم والحكم العام.

يجيء بالشواهد والأدلة القوية. لانه لا يكفي النقض في السجال العلمي بل يجب ان تفصل حالات النقض والا يصير توقفا اجماليا فقط.

يذكر ثلاثة امثلة ويدل على ان نقيض العموم ليس العموم بل نقيض العموم هو الخصوص.

مثلا اذا لابس زيد لامته لم يخف احد. هل يكون مفهومه «اذا لم يلبس لامته يخاف كل احد»؟ لا، بل بعض الافراد.

أيضا مثال ثاني: «اذا جد زيد في الدراسة لم يسبقه احد» هل يكون مفهومه «اذا لم يجد زيد في الدراسة يسبقه كل الافراد» لا، بل بعض الافراد.

مثال ثالث: «اذا استثرى زيد اكرم كل احد» ليس مفهومه اذا لم يستثر فلا يكرم أحدا.

في هذه الأمثلة واضح ان المنطوق فيه عموم لكن نقيضه ليس فيه عموم. هذا تمام الكلام عند السيد الخوئي.

هذه الأمثلة فيها مغالطة لان فيها قرائن خاصة على انه ليس المراد عمومية في المفهوم. واضح وقرينة عقلية لها. كلامنا اذا لم يكن في البين قرينة خاصة. لابد من تجريد القرائن العقلية والحالية الخاصة. الكلام في القضية القانونية المجردة عن القرائن.

فهذا النقض ليس في محله. اما النقوض الأخرى سنتعرض اليها. لكن قبل ان نتعرض الى الأمثلة الأخرى لابد من التعرض الى كلام دقيق من السيد الخوئي في القضايا الفقهية في المتنجس.

 

logo