« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

 مفهوم الشرط وأضلاع القضية القانونية/ المفاهیم/الالفاظ

الموضوع: الالفاظ/ المفاهیم/ مفهوم الشرط وأضلاع القضية القانونية

 

كان الكلام في التنبيه الثالث وعنوانه ان الحكم في الجزاء تارة يكون انحلالي وتارة لا يكون انحلاليا.

فهنا يقع السؤال: هل دلالة الشرط على المفهوم في الانحلالي ينحل بانحلال الحكم ويتعدد المفهوم؟ نعم في ما اذا كان الحكم ليس انحلاليا فالمفهوم على وتيرة واحدة. لكن اذا كان الحكم انحلاليا فهل المفهوم يتكثر ويتعدد بتعدد الحكم المنحل فلكل حكم من المفاد المطابقي مفهوم يخصه فيكون سالبة كلية.

المنطوق المطابقي في الجزاء في القسم الثاني حكم موجبة كلية فهل يا ترى ان المفهوم يكون سالبة كلية ام لا؟ ام يكون المفهوم سالبة جزئية تناقض الموجبة الكلية. فلا يكون للجملة الشرطية في القسم الثاني مفهوم كلي وانما مفهوم جزئي.

فأصل البحث فيما اذا كان الجزاء اما أن يكون حكما غير منحلا وواحدا فواضح وإما ان يكون حكما انحلاليا في المنطوق فيكون موجبة كلية فهل يا ترى مفهومه سالبة كلية ام لا؟

هذا البحث له امثلة في يوميات الفقه كثيرة جدا ومن امثلته هذا النص الوارد: «اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» فهل المفهوم «اذا لم يبلغ قدر كر ينجسه كل شيء» فعندنا دليل كلي عام دال على تنجس وانفعال الماء القليل. هذه القضية مفهوم موجبة كلية عكس المنطوق سالبة كلية. فهل يا ترى المفهوم هنا موجبة كلية او موجبة جزئية؟

ان الحكم اذا كان انحلاليا هل يتعدد ام لا؟ هذا مثال واقعي ابتلائي في أبواب الطهارة والنجاسة وليس حصرا.

أولا يجب ان نلتفت الى ان القضية القانونية الشرعية او الوضعية سواء التكليفي الوضعي (وإن يكون الاحكام الوضعية تطبيق هذه الاضلع عليها فيه غموض غالبا) تعتمد على أربعة اركان وأضلع او ثلاثة.

الركن الأول: قيود الوجوب وتسمى الموضوع وهو عالم من البحث وهندسة خاصة بها.

الركن الثاني: الحكم سواء التكليفي او الوضعي.

«اقم الصلاة لدلوك الشمس» دلوك الشمس مقدم لبا وهو موضوع.

لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. الاستطاعة مقدم لبا وموضوع.

هذا البحث غير مختص بالاحكام الشرعية بل حتى الاحكام الوضعية القانونية المدنية

الركن الثالث: متعلق الحكم وهو الفعل في الحكم التكليفي غالبا.

والفعل المتعلق هو الصلاة او الحج. في الأمثلة صياغات متعددة لكن الأركان هي هي.

يعتبرون هذا العمود من أجزاء وتوابع المحمول مع انه ضلع مستقل بنفسه لكنه يعتبر من أجزاء المحمول لا من توابع الموضوع. لان شؤون الدلالة في المحمول تختلف عن شؤون الدلالة في الموضوع وقيود الوجوب حتى في علم المعاني والبيان.

الركن الرابع: متعلق المتعلق مثل الكعبة المكرمة او مثل الماء في الوضوء والصلاة او مثل اللباس وثوبي الاحرام. ثوبا الاحرام ليسا من أفعال المكلف وليسا من أفعال الحج بل لبس ثوبي الاحرام من أفعال المكلف لا انفسهما. ففرق بين فعل المكلف وبين ما يتعلق بفعل المكلف.

الاحرام من واجبات الحج او العمرة وهو فعل المكلف ولبس ثوبي الاحرام من فعل ا لمكلف اما نفس ثوبي الاحرام متعلق المتعلق وليسا متعلق الحكم.

هنا وقع بين الاعلام الأصوليين خلاف ان متعلق المتعلق هل هو من شؤون قيود الوجوب وهل هو من القيود الشرعية او القيود العقلية او ان متعلق المتعلق من شؤون المتعلق من قبيل قيد الواجب؟

اذا عندنا أربعة أعمدة.

في هذا المثال: إذا بلغ الماء قدر كر فلا ينجسه شيء.

«الماء الكر» موضوع و «لا ينجسه» حكم وهو الطهارة وعدم التنجيس و «التنجيس والملاقاة» متعلق الحكم و «الشيء الذي ينجّس» متعلق المتعلق. وهذا الأخير محل الخلاف هل هو قيد الحكم العقلي او الشرعي وهل يرجع الى الموضوع او المتعلق؟

«لم ينجسه شي» لا للنفي ومتعلقه التنجيس ومتعلق المتعلق هو الشيء. عندنا الموضوع وهو الماء الكر وعندنا الحكم وهو النفي وعندنا المتعلق وهو التنجيس وعندنا متعلق المتعلق وهو الشيء والاشياء المنجسة.

في المنطوق والمعنى المطابقي لا ريب انه يعني «لا ينجسه كافة الاعيان النجسة» والشيء يصدق عليها. فلا ينجس الكر بصرف الملاقاة. هذه سالبة كلية. وكذلك كل متنجس أيضا لا ينجس الكر فليشمله وهذه سالبة كلية ودائرته كبيرة وهي منحل الى كل نجس وكل متنجس بعدد اعيان النجاسات والمتنجسات.

المفهوم عكسه. هل المفهوم موجبة كلية او جزئية؟ اذا لم يبلغ الماء قد كر يعني الماء القليل فهل ينجسه كل شيء او ينجسه بعض الأشياء مثل النجاسات أما المتجسات فلا يشمله مفهوم هذه الرواية.

فوقع الكلام في ان المفهوم هنا عكس المنطوق موجبة كلية او جزئية؟ الميرزا النائيني اصر على أنه موجبة كلية والسيد الخوئي اصر على انه موجبة جزئية. لانهم في باب الطهارة وراء دليل عام دال على تنجيس المتنجس هل موجود ام لا؟ او ان الأدلة الدالة على تنجيس المتنجس ليس عامة بل خاصة مثلا يشمل المتنجس الأول ثم الثاني والثالث محل معركة الآراء. وان ظاهر عبارة الشرائع انه قائل بمنجسة المتنجس بلغ ما بلغ. وربما التزم به البعض ولكن المتاخرين لا يلتزمون بان كل متنجس ينجس.

المتنجس الثاني لم ينتجس بعين النجاسة بل تنجس بالمتنجس الأول والثالث أيضا تنجس بالمتنجس الثاني بواسطتين بينه وبين عين النجاسة وهلم جرا.

فهل عندنا دليل على ان كل متنجس ينجس؟ وقع الكلام في هذا النص الوارد وهذا له عدة طرق وعدة الفاظ. «اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء»

اصل البحث في ما اذا كان الحكم في الجزاء انحلاليا سواء سالبة كلية او موجبة كلية. فهل المفهوم الذي هو خلاف المنطوق الكلي الانحلالي هو أيضا كلي او جزئي؟ اذا كان كليا فيكون دليلا جيدا في الأبواب الفقهية.

مثلا في باب منجسية المتنجس نستطيع ان نستدل به. هذه الاثارة اثارة أصولية وليست فقهية. لكنها محل الابتلاء وفي أبواب كثيرة نجد هذه الاثارة.

البعض قال: في باب المنطق نقيض السالبة الكلية (مثلا اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء) موجبة جزئية فالمفهوم لابد يكون موجبة جزئية. لكن الكثير قالوا ان هذا بحسب مبنى المناطقة ومبناهم يعتمد على البحث العقلي ليس الا.

هذه نكتة مهمة علم المنطق (من أي مدرسة منطقية أي منهجية التفكير كالمنطق القرآني والوحياني من الثقلين) يعتمد على القوالب العقلية ولا يعتمد على الالفاظ. يعني علم المنطق آلة واداة ومعادلات هي دورها بحث عقلي في المعاني او الوجودات.

بينما علم البلاغة ان البيان واضح انه مرتبط بالالفاظ وكذلك علم المعاني في البلاغة وان كان هو شبيه بالبحوث العقلية ولكنه ينطلق من معاني الالفاظ وان كان ابعد عن الالفاظ من البيان والبديع. لكن علم المنطق او العلوم العقلية الفلسفية متمحضة في المعنى بغض النظر عن الالفاظ. هذا بحث مهم في حيثية كل علم ولا بد ان يضبطها الباحث.

فالتناقض في علم المنطق سالبة كلية نقيضها موجبة جزئية ففي القضايا ان التناقض بالجزئي والكلي. هل يا ترى ان المفهوم مرتبط بالبحوث العقلية المنطقية او هو مرتبط بقوالب الالفاظ وبنيوية الدلالات والظهور؟

فالاكثر قالوا بحث مفهوم الجملة الشرطية غير مرتبط بشئون المنطق بل بالذات مرتبط بشؤون الالفاظ وفيها نقيض السالبة الكلية كما في هذا المثال موجبة كلية والعكس كذلك لو كان المنطوق موجبة كلية فمفهومه السالبة الكلية في العرف.

المهم ان ندخل في شواهد الاقوال شيئا فشيء لكن لاحظوا ان الأساس هو ان لدينا في القضية القانونية الشرعية او الوضعية أربعة أعمدة او ثلاثة

التأكيد على هذه الهندسة لان شؤون كل عمد يختلف عن العمود الآخر. فعندنا عمود الموضوع وقيود الوجوب وعندنا عمود الحكم وعندنا عمود المتعق وعندنا عمود متعلق المتعلق. الضبط في هذه الهندسة موجب في الضبط في ان الاستطاعة في الحج دخيلة في ملاك الحج او في التنجيز؟ فضبط هذه الاعمدة الأربعة جدا مهم.

اذكر نقطة تمهيدية: نقطة مهمة ومرتبطة ببحثنا وسبق ان اشرنا اليه اجمالا ان الأصوليين او حتى البلاغيين يقولون ان المتكلم في صدد بيان شؤون الموضوع وليس في صدد بيان شئون الحكم.

الموضوع بوصف الموضوعية مرتبط بالحكم فاذا كان شيء مرتبط بشؤون الموضوع كيف لا يكون مرتبطا بالحكم؟ فاي معنى للتفكيك بين شؤون الموضوع وشؤون الحكم؟

سبق ان بينا ان مرادهم شؤون الحكم من ناحية الموضوع يتكفل الدليل به والمتكلم يتكفل به. اما شؤون الحكم لا من ناحية الموضوع لا يتكفل به الموضوع وهذه ليست ضابطة عقلية لا تتخلق بل ضابطة عرفية في بنية الظهور ويكون هكذا غالبا. والا بعض الأحيان تأتي قرائن على ان المتكلم في صدد بيان شؤون الحكم. فاذا محصل كلامهم ان المتكلم ليس في صدد بيان شؤون الحكم من كل جهة بل فقط من ناحية الموضوع.

تترتب عليه آثار كثيرة كالتمسك بالاطلاق في المحمول. لان منم شروط الاطلان ان يكون المتكلم في صدد البيان واذا أسست هذه القاعدة وشيدت ان المتكلم ليس في صدد بيان شؤون الحكم فلا نقدر ان نجري الاطلاق فيها. وحينئذ لن تكون للكلام والقضية كلية في الحكم من كل جهة وانما كلية للحكم فقط من جهة شؤون الموضوع.

كل استطاعة او كل مكلف يحصل له الاستطاعة وكل زوال لكل مكلف. هذا دليل عام لا يعني عام المحمول من كل جهة بل يعني عام المحمول من جهة الموضوع. بعمومية الموضوع يكون للمحمول عمومية من هذه الجهة فقط. وليس للمحمول عمومية من جهات أخرى. «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» سيأتي في بحوث الخيار في المعاملات ان عموم اللزوم «اوفوا بالعقود» أي لزوم؟ جهات عديدة موجودة في المحمول ويقولون لا يمكن التمسك بعموم «اوفوا بالعقود» و«البيعان بالخيار» الا من جهة شئون لموضوع. اما التمسك بالاطلاق الاحوالي والازماني لا يمكن. يعني ان كل عقد يلزم اما لزومه ممتد زمانا او احوالا فهو ساكت عنه. لان الزمانية والاحوالية في لزوم العقود شؤون أخرى في المحمول وليس من جهة الموضوع. كل المعاملات مبني على هذا البحث الحساس. في الطهارة هكذا وعندنا دليل على عمومية تنجيس كل متنجس. كثير من الشبهات في لزوم العقود من جهة زمانية ومن جهة احوالية وليس من جهة افراد الموضوع. اذا ما عندنا دليل اجتهادي فلازم ان نتمسك بالاصول العملية.

هذه النكتة جدا ثمينة لو تمت. ان المتكلم في صدد بيان العموم في المحمول من ناحية الموضوع فقط وهذه ضابطة عرفية غالبية. اذا اريد استظهار عمومية الدليل من جهات أخرى لازم ان تكون قرينة خاصة. اما القالب الذي وضع له الكلام فقط من ناحية الموضوع.

على ضوء هذا المطلب لابد من ارتباطه بالمقام ان شاء الله.

logo