« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الضابطة الأخيرة في مفهوم الشرط/ مبحث المفاهيم /باب الالفاظ

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم /الضابطة الأخيرة في مفهوم الشرط

 

المختار: تارة الأدوات الشرطية موضوعة للتعليق مثل «إن» وما شابه ذلك. حينئذ مفاده التلازم من كلا الطرفين وافادة مفهوم الشرط.

تارة ليست أدوات الشرط موضوعة للتعليق بل لتقدير الثبوت للثبوت. هذه بنفسه لا تدل على المفهوم لكن بضميمة معنى الجملة الشرطية او ضميمة الاطلاق سواء في الشرط او الملازمة في الجملة الثالثة او الاطلاق في الحكم يتركب معنى التعليق.

لكن بالتالي فرق بين النحوين من الاستعمال، النحو الأول معنى استعمالي ورفع اليد عنه يحتاج الى قرينة بينما هذا المعنى تفهيمي جدي يحتاج الى ضمائم وقرائن ويمكن ان ينفيه قرائن أخرى مخالفة متصلة او منفصلة. طبعا في القرائن المنفصلة يقع الكلام في ان القرينة المنفصلة هل هي تقلب ظهور الدليل كما يقوله النائيني ولو لا في كل المواطن او انه لا تقلب الظهور لكن الظهور ليس بحجة وما هو حجة مجموع الأدلة كما يذهب اليه الآخوند وهو الصحيح عند كثير من علماء البلاغة او علماء الأصول. فيكون عندنا معنى جدي اول ومعنى جدي ثاني حسب مجموع الأدلة.

ففيه فرق بين قوة الدلالة بين النحوين ومن ثم نرى كثيرا ما ان أدوات الشرط التي لم توضع في التعليق لكنها استعملت في التعليق ولو بلحاظ المعنى الجدي او التفهيمي.

هذا تمام الكلام في معنى الشرط.

ضابطة أخرى لم تذكر: وهو كون الحكم في الجزاء حكما كليا او يعبر عنه سنخ الحكم وليس حصة خاصة من الحكم.

انتفاء حصة خاصة من الحكم مفهوم صغير ولا يرتبط بانتفاء كلي الحكم بل هو مرتبط بانتفاء حصة خاصة مأخوذة في المفهوم المطابقي المرتبة او المنوطة بالقيد الذي اخذ سواء القيد في الجملة الشرطية او القيد في الجملة الوصفية او الغاية او اللقب او العدد او أي قيد آخر. من ثم المفهوم الصغير مقرر في كل أنواع القيود والتقييدات.

المفهوم الصغير له آثار وتداعيات لان هذه الحصة من الحكم بالتالي تنتفي وهذا القيد احد أسباب الحكم ويسبب نفي هذه الحصة من الحكم وهذا المقدار من المفهوم الصغير النافي لحصة من الحكم بانتفاء الموضوع بامكانه ان يخصص اثبات الحكم في دليل آخر.

اذا كان ذلك الاثبات ظاهره مثلا «لقد كرمنا بني آدم» يعني ان الإنسانية سبب للكرامة والدليل الثاني يقول ان سبب كرامة الانسان رعايته شيئا ما لحقوق الله. حينئذ لا يمكن أن نفترض ان الدليل الدال على كرامة الانسان يعني كل أنواع التكريم. السبب الموجود في التكريم وهو رعاية حقوق الله مثل الصلاح والتقوى لا يمكن ان يثبت بنفسه. هذا حكم وذاك حكم آخر. لابد ان يكون بينونة بين الحكمين. بهذا المقدار من المفهوم الصغير يبين ان الحكم في العام المثبت إما سنخ آخر من الحكم ونوع آخر او يقيد. هذا الدليل مثبت بقيد وذاك مثبت بدون قيد يعني الإنسانية والأول يثبت الكرامة للإنسان الصالح. اذا ثبت من الأدلة الأخرى ان ليس هناك حكمان بل نوع الحكم وسنخه واحد فلامحالة يشتغل المفهوم الصغير يعني انه يضيق العام واذا ضيقه يعبر عنه بحمل العام الموافق على الخاص.

الخاص والعام تارة متخالفان في السلب والايجاب فيسمى التخصيص. اكرم ولا تكرم. او باب التقييد. فالتقييد او التخصيص اذا كان الخاص او المقيد مخالف في الكيف للعام او المطلق. والعلاج بين المفاد المطابقي والمنطوقي بين الاثنين يسمى التخصيص والتقييد.

تارة العام مثبت والخاص أيضا مثبت «اكرم الانسان» و«اكرم الانسان الصالح» او يقول لك «لا تكرم الكافر» و«لاتكرم الكافر الحربي» كلاهما نافيان لكن واحدهما ضيق والآخر وسيع. هذه الموارد لا يعبر عنه بالتخصيص والتقييد الاصطلاحي. لان كليهما متفقان في جهة الحكم. إما نفيا او اثباتا. فهنا اصطلاحا ليس من باب التخصيص والتقييد بل من باب حمل العام على الخاص. نكتة صناعية في تسميته بالحمل.

يعني ان يضيق هذا العام بحمل المعنى المراد به على المعنى الخاص بسبب المفهوم الصغير. يعني هذا الخاص موافق للعام وليس في البين تخصيص او تقييد لكن يسمونه باب الحمل. وفيه شروط. ان الحكم في كليهما واحد سنخا ونوعا، لا ان يكون الاكرام في احدهما من باب الكفارات وفي الآخر من باب المعاوضات. ليس بينهما ربط وكل منهما من نوع. اما اذا كان كلاهما من نوع واحد كما يقول «اعتق رقبة» واعتق رقبة مؤمنة» وسببه إفطار شهر رمضان. فنفس هذا السبب يقتضي كفارة عامة او كفارة خاصة لا يمكن. اذا باب المفهوم الصغير او قل حمل العام على الخاص الموافق او حمل المطلق على المقيد الموافق. النقطة الأساسية هي وحدة الحكم. اذا كان الحكم واحدا لا يمكن ان يكون موضوعه وسيعا وفي عين الحال ضيقا.

اما بقية القيود لا نريد ان نتعرض اليه لانه صناعية ودقيقة وهو من موارد امتحان الاعلمية في الاجتهاد. اين هي موارد حمل العام على الخاص الموافق. فيه ضوابط أخرى ونقاط أخرى لابد ان تنضم كي يتقرر المفهوم الصغير. لكن على أي حال اذا تقرر ضوابطه يعمل به. سبب التضييق بالدقة ليس المنطوق والمنطوق. هذا الدليل الضيق له مفهوم ومفهومه يخالف في الكيف هذا العام فيقيده. فهو تقييد اصطلاحي ليس بين المنطوقين بل بين المفهوم الصغير الخاص الموافق مع العام. بخلاف موارد التخصيص المصطلح المعهود من ان المنطوق يخصص المنطوق و المطابقي يتصرف في المطابقي. هذا هو الفرق بين باب التخصص وباب الحمل.

أيضا فرق بين باب المطلق والمقيد وباب حمل المطلق على المقيد والحمل يحتاج الى ضوابط كي يقرر.

من ثم المفهوم الصغير في كل القيود يقرر وهو انتفاء حصة من الحكم وهذا يسمونه احترازية القيود تعبيرا عن المفهوم الصغير والا يكون القيد لغوا. وله تداعيات وآثار كثيرة في موارد عديدة.

اما المفهوم الكبير فهو كما مر يرتبط بنفي مطلق الحكم وسنخ الحكم عن موارد انتفاء الشرط. يبقى الكلام في انه ما الذي يشهد على ان الجزاء اخذ فيه كلي الحكم وكل اسناخ الحكم؟ لعل سنخ ما من الحكم ونوع ما من الحكم. ما الدليل على دلالته على كل نوع من الوجوب؟ «اذا افطرت فأطعم ستين فقيرا» ما الدليل على ان المفاد المطابقي للمفهوم يتعرض الى كل تداعيات الكفارة. يعني ان الإفطار كل ما يسببه هذا. هو الاطعام. مثلا في القصاص ان من قتل يقتل ولاولياء الدم حق ان يقتصون. هل القتل يسبب القصاص فقط؟ لا، دليل آخر يدل على ان القتل يسبب الكفارة أيضا. فلاحظ القتل لا يسبب القصال بل دليل آخر يجيء ويوجب الكفارة. فالقتل من جهة الحكم الوضعي للناس يقتضي الدية او حق القصاص. ومن جهة الحكم التكليفي يقتضي الكفارة. ما بينه وبين الله عزوجل.

اذا اتي بجملة شرطية في باب القصاص فبأي دليل نقول ليس شيء عليه غير القصاص؟ لان نوع وسنخ الحكم المأخوذ في دليل القصاص في صدد حقوق الناس. نعم يستدل بهذا الدليل بان ولي المقتول ليس له مطالبة زيادة عن القصاص او زيادة عن الدية لو كان خطأ. هذا هو سنخ ونوع الحكم. ولكن هناك تسبيب ثاني في الكفارة. وتسبيب ثالث في باب الإرث وكل منها سنخ مختلف. لا يمكن ان نستدل به. اما لو كان الدليل في هذا الصدد ان من قتل نفسا فعليه كذا فقط وليس على ذمته شيء كما في كثير من كفارات الحج. جملة من الاعلام استدلوا على صحة الحج ان الدليل ذكر الكفارة وقال ليس عليه شيء. نفي الشيء يفيد العموم.

والحال ان الجزاء اذا كان في صدد نفي كل أنواع الحكم فيفيد المفهوم اما اذا لم يكن كذلك لا يدل على المفهوم.

هذه الضابطة لتقرر المفهوم الكبير ركن الأركان وهي نستطيع ان نقول ان المفاد المطابقي بالدقة على درجات. تارة في صدد ا ثبات وتقرير كل اسناخ الحكم فمفهومه ينفي بقية الاسناخ. وتارة في صدد كلي سنخ واحد فمفهومه في صدد نفي باقي افراد هذا السنخ. فبحسبها يثبت المفهوم الكبير. الصحيح ان يقال هكذا. لعله في الفقه هذا المطلب موجود عند الاعلام لا انه اذا قلنا بالمفهوم الكبير فيثبت المفهوم الكبير بقول مطلق.

الضابطة الأخير ذكروا انه لابد الحكم في الجزاء كليا ووسيعا وليس حصة. وهذا صحيح. ثم هذه الكلية من اين تستفاد؟ سيأتي. لكن بالدقة عندنا كلي افرادي وكلي انواعي وكلي اصنافي وكلي اجناسي. حسب ما المس من سيرة الاعلام في أبواب الفقه هم يلتزمون بحسب دائرة الكلية الموجودة في الجزاء. بالتالي لابد ان يكون كليا وان المفهوم الكلي ينتفي بحسب هذه الكلية. هكذا يمكن ان نقرر هذه الضابطة.

اما دليل هذه الضابطة وآلية هذه الضابطة ما هي؟ كل مفهوم بحسب دائرة الجزاء. مثلا «من قتل نفسا فعليه دية» بالنسبة الى هذا الدليل لايمكن ان يقال ان المقتول من الاشراف فلابد ان يعطي القاتل ديتين. بل دية واحدة. هنا نستطيع ان نتمسك بالمفهوم بحسب دائرة الجزاء. اذا كان فقط في صدد الدية المالية وحقوق الناس. وكل حكم بحسبه دائرة ونتمسك بالمفهوم ويجب ان نحدد دائرة كلية في الجزاء. هي دائرة كلية او اجناسية او اصنافية او غيرها من الكلية. هذا هو الذي نجده من السيرة العلمية و العملية من الاعلام. وهذا هو الصحيح.

ما هي الآلية؟ نسب الى الشيخ الانصاري في مطارح الأنظار وهو كتاب قيم في الالفاظ انه اذا كان العموم في الجزاء بلفظة اسم مثل كل او أي فحينئذ عموم الحكم في الجزاء يتقرر فيتقرر المفهوم الاصطلاحي للشرط. اذا كان الدال عليه لفظة اسمية. أما اذا كان الدليل على العموم لفظة حرفية فالحرف جزئي فلا يثبت المفهوم

وفيه: في المعنى الحرفي تقرر ان كلي المعنى وجزئيته ليس بكون المعنى اسميا او حرفيا. وتقرر عند الأصوليين ان الحرفية والاسمية لها ثمان نظريات. مثلا من توهمات الحرف انه لايمكن ان ينظر اليه ولا يمكن ان يقيد ولا يمكن ان يسأل عنه وكل مباني الأصوليين المتاخرين نسفوا هذه النظرية ونسفهم صحيح. وان المعنى الحرفي له خصوصية أخرى في حرفيته وتختلف عن الاسم اما في الكلية لا اختلاف. فمن ثم هذا التفصيل المنسوب للشيخ مرفوض عندهم والكلية يمكن ان تثبت بالمعنى الحرفي او الاسمي وبالتالي يتقرر المفهوم.

لكن كون الدال على العموم حرفا او بعض أنواع الحرف او اسما او اختلاف الحروف في الدلالة على العموم سيأتي في التنبيهات اللاحقة اثره واختلافه. لكن من جهة اصل هذه الضابطة الأخيرة لتقرر اصل المفهوم وهوا لكلية والسعة فلا اختلاف بين أنواع الحروف والاسم. وكثير من النظريات المتاخرة ان المعنى الاسمي والحرفي ماهية واحدة والاختلاف في جهات أخرى لا اريد ان اذكرها. الماهية هي واحدة. اذا الكلية لا ترتبط باسمية الدال او حرفيته.

لكن سنأتي في التنبيهات اللاحقة المعقدة وهي محل الابتلاء اليومي في الجمل الشرطية ان الدال على العموم اذا كان حرفا او اسما يختلف في بعض الاثار.

logo