« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

طبقات الظهور في كلمات علماء الأصول/ مبحث المفاهيم/الالفاظ

الموضوع: الالفاظ/ مبحث المفاهيم/طبقات الظهور في كلمات علماء الأصول

 

في ختام ما مر بنا من بحث ان الظهور عند الاعلام يطلق على الدلالة الوضعية أي التصورية او الاستعمالية او بالقرائن الداخلية ويطلق على مجموع الظهور بمراحل دلالاته المتعددة المختلفة ويحسن في ذلك إما ملاحظة ما ذكره الاعلام في انقلاب النسبة.

انقلاب النسبة في عدة مراحل من الظهور. مثلا قد تأتي ثلاث طوائف لأنه بين ثلاث السن او ثلاث دلالات او ثلاث طوائف وما هو اكثر. فيعالج الظهور بين اثنتين ثم يعالج بينهما والثالثة. وقد يعالج بين الاثنتين والاثنتين ثم بين المجموع. وأنواع أخرى من المعالجة. ان مراتب القرائن في انقلاب النسبة الذي بنى عليه بعض الاعلام في خمس صور او ست صور واختلفوا فيها ولم يشكل الرافضين لبعض انقلاب النسبة على المثبتين بأنها خلاف الظهور. انقلاب النسبة أي ان نسبة الدلالة ومساحتها تختلف ولم يلاحظوا مجموع الدلالات في عرض واحد. ولم يعالجوا الدلالة فيما بينها ولم يركبوها بدرجة واحدة وفي عرض واحدة. هذا نوع من التركيب في الظهور مما يدل على المراتب.

كما يعترف الميرزا النائيني وصاحب الكفاية ان الدليل المنفصل سواء المخصص او المقيد او الحاكم دوره في المراد الجدي وليس في المراد الاستعمالي غالبا ولا التفهيمي. فإذا كان دور الدليل المنفصل في المراد الجدي فكيف يركب الطائفة الأولى مع الثانية وهذا مراد جدي ثم الاثنتين مع الثالث وهذا مراد جدي ثاني. مما يدل على ان المراد الجدي عندهم طبقات ومراتب. ولا يمكن لقائل ان المجموع اللفظي للادلة ليس دلالة لفظية. انه قطعا دلالة لفظية. أصلا دأب الشارع في ان الدلالة اللفظية ودلالة الظهور ليس في رواية واحدة بل في روايات متعددة.

بل انقلاب النسبة قد يكون في رواية واحدة وآية واحدة. مثلا الجملة الأولى نسبتها مع الجملة التي بعدها والجملتين مع الثالثة. القضية ما مرتبطة بالروايات. كثيرا ما في الآية الواحدة او الرواية الواحدة. المهم انقلاب النسبة يعني ان المراد الجدي ذو مراتب لان التصرف في الظهور من قرينة لفظية او غير لفظية منفصلة تصرف بقرائن يسمونها بقرائن باب الجد. وان يمكن نادرا أن يكون في المراد التفهيمي قرينة منفصلة لكن غالبا بغلبة عظيمة ان القرائن المنفصلة والأدلة المنفصلة للمراد الجدي. فالمراد الجدي عندهم درجات. هذه نكتة جدا ثمينة.

انقلاب النسبة يبحثه الاصوليون في باب التعارض انه معالج للتعارض المستقر ان الحديث يفسر بعضه بعضا. والقرآن يفسر بعضه بعضا والقرآن يفسر الحديث وبالعكس. فالدليل الشرعي يفسر بعضه بعضا.

الكلام في المنهجية اهم من التفاصيل وهذه نكتة ثمينة ان المراد الجدي يمكن ان يتعدد ويتركب ويكون ذو مراتب.

نظير هذا التحليل التفصيلي العميق المعقد الذي يرتكبه الاعلام ولا يستنكفوه ما ذكره أخيرا متاخروا الأصوليين في مأة سنة من طبقات العموم. هذا باب واسع.

طبقات العموم تعني العموم بدرجة أولى ودرجة ثانية. شبيه انقلاب النسبة من ملاحظة النسبة بين الأدلة وهذا نوع من تعدد المراد الجدي ومعالجة المراد الجدي.

فاذا يفتش الانسان في علم الأصول وهو قواعد ينضبط بها الاستنباط يرى قواعد بشكل كلي تراعى. الاستنباط الحرفي الجمودي استنباط سطحي.

كما ان البلاغيين في المطول ومختصر المعاني في باب المعاني عقدوا الأبواب الثمانية من الاسناد والمسند اليه والمسند والحصر وبحوث أخرى. هذه البحوث بحوث تحليلية وعميقة جدا ولا يخرجه عن الظهور والاستنباط وليس هلوسة. بل كلها على الموازين.

لايمكن ان يقال ان الاستظهار المعقد خارج عن الذوق العرفي. طبيعة الاستنباط هكذا. جانب منه تحليلي وجانب منه اجمالي.

الاعلام تعرضوا بشكل مقتضب وبعضهم بشكل متوسط لدلالة الإشارة والتنبيه والاقتضاء والايماء. ما هذه الدلالات؟

طبعا في الروايات المستفيضة لتبين بنية الظهور في روايات اهل البيت كالقرآن أن الدلالة تتصرف على سبعين وجها ومرادهم الكثرة

مثلا الان علماء النحو يعربون الآية بوجوه ويقولون وجوه الاعراب وليس تعارضا. مادام الموازين النحوية تتسع الى مثل هذه الوجوه كثير من المفسيرين يبنون على كل هذه الوجوه صحيحة ويثبتونه من إعجاز القرآن. هذا علم النحو

روايات اهل البيت عليهم السلام كالقرآن لها بطن ولبطنها بطن الى سبعين بطنا. وهذه الروايات مستفيضة. ان الكلام تتصرف الى سبعين وجها. او يقولون انا قوم بلغاء فأعربوا. طبعا ليس المراد صرف وجوه الاعراب من علم النحو بل يعني مطلق الوجوه الدلالية بحسب علوم اللغة كالصرف والنحو والمعاني والبيان والاشتقاق. يعني اظهروه بوجوه متعددة. هذا مستفيض إن لم يكن متواترا.

هذا الكلام قابل لان يتصرف ويتقولب بموازين عديدة حتى في القرآن هكذا. له تأويل وهو يعني ان هذا المعنى يؤول الى معنى وراءه والمعنى الثاني يؤول الى معنى وراءه. هذا متواتر بين الفريقين. ان للقرآن ظهر وبطن ولبطنه بطن. حتى الظهر له درجات.

اذا طريقة استخدام الشارع للكلام منفتح للموازين والقواعد ومادام يتحملها الموازين كلها حق ومستنبط.

ورواية موجودة في الاحتجاج تسمى أسئلة الزنديق وشبهة الزنديق. هذه الرواية عن ا مير المؤمنين ان سائلا يسأل عنه عليه السلام وفيها جل قواعد علم التفسير وقواعد في الحجج.

من ضمن الأمور التي ذكرها امير المؤمنين في هذا الحديث قال ان الأنبياء طرا عدا سيد الأنبياء بعثوا بالتصريح. يعني ان المعاني لا يتحملها الناس بل كان كلامهم صريحا في معنى معين. وبعث سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله بالتعريض.

التعريض في علم اللغة يعني وجوه الدلالة المتعددة سواء من باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى وفي عرض واحد او المعاني طولا.

لما علم الله من العلم الكثير الذي سيحمله سيد الأنبياء وسيتحمله ارثا اصطفائيا اوصياءه. فالكلام الذي يطلقه سيد الأنبياء والقرآن و الأئمة عليهم السلام بطبيعته يتحمل وجوها عديدة. بخلاف سائر الأنبياء حيث ان علمهم اقل منهم بعثوا بالتصريح. يعني المعنى الذي يتحمله الناس.

الان نتعرض لدلالة الإشارة والايماء والتنبيه والاقتضاء.

حتى في علم البلاغة ليس بكثير من البسط. هل هذه الدلالات حجة وماذا قالبها وميزانها؟ مر بنا ان هناك منهج من التفسير يسمونه التفسير الاشاري أي إشارات القرآن. الإشارات ليست في الظاهر البدوي الابتدائي. طبعا يستند الى الموازين لكن يقتنص معاني خفية في دلالات الآيات.

ابن سينا باعتبار ان والده كان اسماعيليا ومذهب الإسماعيلية مبحث التأويل كان قويا عندهم. لكن بالتأويل الباطل. طبعا فيه تأويل باطل وتأويل حق. لكن اصل منهجية التأويل موجودة. فقال ابن سينا بالتنبيهات والاشارات.

هل هذه الدلالات تدخل في بنية الظهور؟ السيد الخوئي يقول ليس في بنية الظهور ومقصوده انها ليست في بنية الظهور وضعا او استعمالا. لانه مر بنا امس انه تندرج في الظهور بالمعنى الاعم أي بالقرائن العقلية. ولم يناقش في حجيتها بل ناقش في كونها بينة بالمعنى الأخص. أي ليست وضعية استعمالية وانما هي تندرج في أنواع الدلالات التفهيمية او الجدية التي ترتبط بالمقدمات الخارجية. لكنها اذا تنضبط بالشواهد والموازين فهي حجة.

مثلا مما قيل في الدلالة الإشارة انها تعتمد على السياق لفهم معناها ومعرفة السياق ويصنفونها إشارة مكانية مثل «هنا وهناك» واشاة زمانية «الان وغدا» واشارة شخصية «انت وانا» ضمير المتكلم في حين انه ضمير فهو إشارة. معروف عن علماء البلاغة ان ابين الكلام ليس العلم بل ضمير المتكلم وفيه إشارة.

قبل ان نواصل الايماء والاشارة. مثال آخر على الغوص التحليلي العميق للأصوليين والفقهاء للظهور ما ذكره في المعاني الحرفية ورتبوا عليه آثار في كل علم الأصول وفي كل علم الفقه وعلم التفسير.

احد النظريات في المعنى الحرفي مقابل المعنى الاسمي قال ان المعنى الحرفي معنى وان كان ماهية مع ماهية المعنى الاسمي واحد لكن هذه الماهية الواحدة اذا لاحظتها فانية في معنى آخر فهذ المعنى الفاني حرفي. والمعنى المفني فيه اسمي. كما يقال: الحرف ما أنبأ عن معنى في غيره. قالوا في المعنى الحرفي ان أسماء الأفعال هي في الأصل والحقيقة معاني مدمجة الى ان تصير الى معنى واحدة وبعدها يفتق الى ان تصير الى معنى مركب. مثل معنى الانسان هو معنى واحد لكن اذا يحلل فهو معنى مركب من معاني كثيرة. يستخرج من صورة واحدة للإنسان عشرين صورة وهذا احد المعنى الحرفي. احد المعاني انه مطوي في معنى آخر. ينطوي معنى في معنى او ينطوي عشرون معنى في معنى واحد. هذا يسمونه صناعة التحليل والتركيب. الفتق والدمج.

فقدرة الذهن هكذا ان يطوي المعاني ويركبها ويجعلها معنى واحدا وله قدرة ان يفصل المعنى الواحد ويفتحه الى ان يصير عدة معاني. هذه هي عملية التحليل والتركيب. وهي أيضا قضية صناعة البرهان ان الذهن يفكك المعنى ويكتشف ان المعنى فيه اجناس وفصول الى ان يصل الى الجنس القريب والفصل القريب. وبالتالي يعرف احكام هذا الشيء الموجود باحكام المعاني المنطوية فيه. هذا ليس خاصا بعلم الفلسفة او الكلام بل هو جاري في كل العلوم. أصلا دأب المحقق الحلي والكركي والعلامة هي هذه. الاجارة ما هي؟ هل هي ترجع الى البيع او الهبة او تركيب مع بعضها البعض. من المعنى التحليلي للمعاملة يغوصون.

السيد الكلبايكاني حاشيته في العروة ممتازة سيما حاشيته على المعاملات. فيرجع فيها المعاملات الى بعضها البعض او ينقل الاقوال الى بعضها البعض. مر بنا الاقتراح ان يتباحث الاخوة في العروة متنا وتعليقا وهي جدا دسمة ومركزة. يمتحن فيها الاعلم.

المهم هناك يبحث الاعلام في ان الجعالة هل هي ماهية معينة او اجارة؟ المضاربة هي الجعالة أي من مواليدها او اختها في عرض واحد ويترتب عليه آثار. الاعلام ذكروا طرقا استثمارية بديل عن الربا غالب الاعلام نسوها في باب المضاربة وباب الشركة والحال انها جدا مهمة. فاذا هذه العملية الغوص التحليلي عملية مهمة جدا. التحليل والتركيب. الدمج يعني التركيب والمزج والتحليل فتق وتفصيل.

logo