46/10/10
المعنيان للدلالة البينة/ مبحث المفاهيم /الالفاظ
الموضوع: الالفاظ/ مبحث المفاهيم / المعنيان للدلالة البينة
كان الكلام في ضابطة بنية الظهور ودلالة المفهوم باعتبار انها احدى الدلالات الظاهرة.
المفهوم الاصطلاحي مندرج في الدلالة اللفظية وليست دلالة عقلية وان كان البعض مال الى ذلك وحتى من مال ذلك قال يصدق على مبحث المفهوم بالمعنى المصطلح كلا الدلالتين. لكن لابد من تعيين وتشخيص البحث انها دلالة لفظية او دلالة عقلية؟ وما هو الفرق بينهما؟ ربما هناك من لا يسلم بالدلالة العقلية او حجيتها. والبحث له ثمرة.
المفهوم المصطلح ليس مطلق المعنى الذي يدل عليه اللفظ خلافا للمفهوم بالمعنى اللغوي وقد يسمى في اللغة بالفقه لان الفقه بالمعنى الفهم. هذا هو الفهم والمفهوم بالمعنى العام. فيشمل الدلالة الالتزامية والمطابقية والضمنية والمفهومية في مقابل المطابقية والتبعية والاصلية والاقسام المختلفة فيها.
بينما البحث في خصوص المفهوم بنحو يخالف بقية اقسام الدلالة من الدلالة المطابقية. حتى قال بعضهم ان المفهوم الاصطلاحي كمفهوم الشرط والحصر والغاية وغيرها لا يمكن القول بانها دلالة مطابقية ولا يمكن القول بانها دلالة التزامية بل هي برزخ بين الدلالة المطابقية والالتزامية. والكثير يقولون انها من الدلالة الالتزامية وبعضهم جعلوها من توابع الدلالة المطابقية. التوابع تختلف عن الدلالة الالتزامية وسنبين.
يقولون ان المفهوم المصطلح هو تفصيل المعاني المأخوذ من خصوصية معنى مجمل موجود في الدلالة المطابقية. مثلا في الدلالة المطابقية ترتب الجزاء على الشرط بنحو العلة الانحصارية مثلا معنى مطابقي مجمل لازمه الانتفاء عند الانتفاء. وهذا هو المفهوم المصطلح الخاص عن البلاغيين والاصوليين. وكذلك مفهوم الغاية والعدد والحصر وغيرها.
هذا المعنى «الانتفاء عند الانتفاء» مأخوذ من خصوصية موجودة من ترتب الجزاء مثلا في باب الشرط على الشرط كعلة انحصارية. وهذا الترتب معنى مطابقي مجمل ولكنه يتفتق منه او يلازمه الانتفاء عند الانتفاء.
اذا منشأ المفهوم خصوصية في المنطوق. هناك دلالة مطابقية ودلالة منطوقية. عادة يعبرون عن الدلالة المطابقية بالدلالة المنطوقية أي ان المتكلم نطق بها. لكنه هل هما متساويان او يختلفان بحث آخر نبحث عنها في مكانه. لكن المفهوم دلالة التزامية تبعية لما في المنطوق او المطابقية من خصوصية. فليس المفهوم المصطلح بعيدا عن المنطوق او المطابقية.
لاحظوا علماء البلاغة المعاني وعلماء الأصول كيف يقسمون الدلالة الى درجات. درجة من الدلالة منطوقية وكانما نطقت بها والمقصود من المنطوق بها هي الدلالة التصورية الوضعية وما يقرب منها أي الدلالة الاستعمالية.
قد تكون الدلالة التفهيمية مطابقة للاستعمالية لكن بالدقة الدلالة المنطوقية عندهم او المطابقية يطلق على الدلالة التي منشأها الوضع من دون مؤونة التلازم.
الدلالة التفهيمية او الجدية اذا كانت بالتلازم او القرائن او ما شابه ذلك ستكون تبعية. هذا التصنيف والهندسة سنقف فيها كثيرا كي نستحصل بنية الظهور الحجة.
فاذاً عندنا دلالة ومدلول مطابقي ومنطوقي وعندنا دلالة ومدلول تبعي والتزامي في هذا التقسيم.
دعوني اذكر اصطلاحاتهم.
المفروض ان الدلالة التفهيمية والجدية عند البلاغيين من الدلالة اللفظية والاخوان لا يفوتهم ان القرائن تختلف من القرائن الاستعمالية والتفهيمية والجدية. هذه التقسيمات فيها تعدد آراء عجيبة.
طبعا يعتبرون المقارنات من القرينة بمنزلة المنطوقة سواء كانت حالية او عقلية. القرائن العقلية البينة يعتبرونها كانها ملفوظة. فالدلالة اللفظية حسب ما ذكر الميرزا النائيني هنا وبقية الاعلام الدلالة البينة هي الدلالة اللفظية واذا تكون غير بينة تخرج عن اللفظية. لا نسلم بذلك. لكن الان في صدد بيان كلمات الاعلام. هل الدلالة غير البنية ليست من الدلالة اللفظية؟ سنخوض فيها.
المهم ان هناك قرائن استعمالية. إن المعنى التصوري الموضوع له اللفظ مدلول يصل اليه السامع او المتكلم بعد اللفظ او قل المدلول المطابقي والمنطوقي. ثم هذا المعنى المنطوقي الوضعي ينضم اليه قرائن الاستعمال فيدل على المعنى الاستعمالي. فقرائن الاستعمال في مرتبة الدلالة اسبق رتبة من المعنى الاستعمالي وتنضم الى المعنى التصوري.
ثم المعنى الاستعمالي مع قرائن التفهيم في رتبة واحدة ومجموعهما يدل على المعنى التفهيمي. فقرائن التفهيم ليست في رتبة المعنى التفهميي بل في رتبة اسبق. هي مع المعنى الاستعمالي مجموعهما دال على المعنى التفهيمي.
المعنى التفهيمي مع قرائن الجد يكون في رتبة و احدة فقرائن الجد في رتبة المعنى التفهيمي. مجموعهما دال على المعنى الجدي. وهذا الجدي عند الاخوند جدي اول وبعده جدي ثاني وثالث. يظهر من صاحب الكفاية في بداية مباحث الالفاظ في ان القرآن له سبعين بطنا ان الدلالات الباطنة سبعينة كلها لفظية مع انها خفية. خلافا للميرزا النائيني والسيد الخوئي. فإن لم تكن دلالة بينة. راجعوا كلامه في استعمال اللفظ في اكثر من معنى. هو لا يقول بجوازها فهو ينقض عن نفسه باستعمال القرآن في سبعين بطنا او روايات النبي واهل البيت فيقول ان هذا من باب المعنى المتلازم. يظهر منه ان كلها دلالات لفظية. وهذا صحيح. لا نسلم شرطية البينة في الدلالة اللفظية. او نفسر البينة بمعنى آخر.
البينة هل هي عند السامع او عند المتكلم او بحسب واقع معادلات علوم اللغة؟
مثلا ما الفرق بين اليقين والقطع؟ هذا بحث حساس ومهم في عالم المعرفة والعقائد وعلم الأصول والاجتهاد والاستنباط في العلوم الدينية. اليقين غير القطع. ان القطع والجزم فعل الانسان. في الدورات السابقة ذكرنا ان كلام الاعلام في ان القطع حجيته ذاتية تعبير مسامحي. يعني كلمات الاعلام في العلوم الدينية بعضها مسامحية. هم جدا لا يريدونها بل بمثابة التعبير الدارج. يقولون ان استعمال الخطأ المشهور اكثر بلاغة من استعمال صحيح غير مشهور فجملة من كلمات الاعلام مسامحة في الاستعمال سواء في الفتوى او كلماتهم العلمية كما ان كثيرا من كلمات الاعلام تقية. وهذا بحث مهم. اذا لم يتثبت الباحث يصير وبالا كبيرا عليه. وضروري ان يميز بين الكلام غير التقية والكلام الغير المسامحي عند الاعلام. وفيه كلام تورية عند الاعلام حتى في الفتوى. هذه قضايا سر المهنة. وسواء في الكلام العلمي. كلام الاعلام فيه محكم ومتشابه. هي سياسة علمية في البيان او الفتوى. والا هذا ليس خاصا بالأئمة عليهم السلام.
أيا ما كان، ربما أجيال من الاعلام يبنون على ان كلام احد من الاعلام جدي ولكنه ليس جديا بل تسامحي او تقية. المجلسي قال ان الاعلام اخذوا كلام الاعلام انه جدي والحال انه ليس جديا. بل هو تقية لقرائن كثيرة. هذا مبحث حساس كيف نميز كلام الاعلام انه جدي او مسامحي او تقية. سواء في الكلام العلمي او الفتوائي وما اكثره.
أيضا هذا التعبير ان القطع حجيته ذاتية تعبير مسامحي. الشيخ الانصاري في تنبيه قطع القطاع او القطع الناشئ من العقل يصرح. كلهم يصرحون. عنوان القطع مسامحة. العنوان الذي يريده الاعلام هو عنوان اليقين. القطع فعل النفس واليقين لا صلة له بفعل الانسان. ولو هو حالة يوجدها الدليل في الانسان.
اليقين صفة ذاتية او موضوعية لنفس الصغرى والكبرى والدليل الموجود. اذا تنتج النتيجة بتلازم تكويني عقلي يعبر عنه باليقين. سواء عن طريق الصغرى والكبرى او الاستقراء او غير ذلك. اذا كان اليقين هذا اسمه وصفته سواء ادركه المدرك او لم يدركه سواء جزم به المدرك او لم يجزم عندما عنده مرض الوسوسة او كثرة التشكيك او مشاغبة الخواطر فلا يسلب صفة اليقين عن الدليل.
لعل هذا التعبير «جحدوا بها واستيقنتها انفسهم» ما قال جزمت بها انفسهم. بل قال «استيقنتها» يعني ادركوا اليقين لكنه لا يولد لهم الجزم. لامراض معينة. «كانت عاقبة الذين اساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله» المهم ان الانسان تعتوره أسباب كثيرة فلا يدرك اليقين. لكن لا بمعنى ان اليقين ليس بواصل اليه. اليقين واصل اليه لكنه لا يجزم إما للوسوسة وإما لضعف ادراكه او الاعمال السوء.
احد التفاسير الدقيقة لهذه الاية الكريمة «جحدوا بها» أنهم ليسوا بجازمين لكن اليقين واصل اليهم. البينات اليقينية واصلة اليهم. الشيخ المفيد في مبحث الإسلام والكفر يقول ان الواجب إيصال البينة اليقينية اليهم. لكنهم اذا لم يجزموا باسباب اختيارية كالذنوب فليسوا بمعذورين. الجحود والاعلان في الخارج درجة والجزم صفة نفسانية واليقين شيء آخر.
مثلا منكر الضروري هل هو مرتد؟ أي ضروري؟ مثلا في المجتمعات المتخلفة في الثقافة الدينية الضروريات عندها هابطة. والمجتعات الحواضر الدينية الضرورات عندهم صاعدة والضرورة الفقهية عند الفقهاء قد لا تكون ضرورة عند المتكلمين. الضرورة الموجودة عند المتكلمين قد لا تكون ضرورة عند الفقهاء. هذه في الضرورات عند النخب والمتخصصين. كذلك الضرورة الفقهية عند الفقهاء أيضا على طبقات. عند الفحول شيء وعند غيرهم شيء آخر. قد يقضي فقيه من الفقهاء سنين من عمره في مسألة خاصة وبالنسبة اليه تختلف ا لضرورة في المسألة عن غيره. فالضرورة ما هي؟
هذا المبحث يدخل في باب الحدود والطهارة والإسلام والايمان وحجية الظهور؟ أي ظهور؟ أي بينة؟ البينة عند من؟ كما قال امير المؤمنين ان الأجوبة عندي كجواب اثنين مضافا الى اثنين عندكم. المقصود فالضرورة والبديهة باي معنى؟ الأثر مترتب على القطع والجزم والضرورة النسبية والبديهة النسبية او مترتب على الضرورة الذاتية بغض النظر عن قدرة ذاك في الفهم؟ كما مر بنا ان الظهور مداره ليس على قدرة العرف في الفهم بل مداره على منظومة المعادلات في علوم اللغة.