46/09/17
ضوابط في تحقق مفهوم الشرط/ مبحث المفاهيم/باب الألفاظ
الموضوع: باب الألفاظ/ مبحث المفاهيم/ ضوابط في تحقق مفهوم الشرط
مر بنا ان التعريف العام للمفهوم المصطلح هو انتفاء الحكم لانتفاء الشرط او الغاية او الوصف مع بقاء الموضوع.
نقطة أخرى لابد من توفرها في الشرط كي يتم دلالته على المفهوم أن الشرط جملة والجزاء جملة ومجموعهما أيضا جملة ثالثة.
لابأس ان أتذكر في تركيب الجمل الذي هو مبحث مهم في النحو والذي يتكفل به هو علم النحو لا الصرف. من ثم يعرف إعراب الجمل. المفردة تعرب وهو واضح اما الجملة كلها محل الإعراب أيضا. يذكر النحويون ان الجملة يؤول بتأويل المفرد يعني ان تدمج عناصرها ويكون منها مفردة ولو بتركيب إضافي مثل المضاف والمضاف اليه. وهذا هو بحث صناعة التحليل والتركيب. ان الذهن عنده قوة ان يدمج ويركب المفردات والجملة تارة بتركيب بين مثل المبتدأ والخبر وتارة يركبها بتركيب مضغوط كان يطوي المعاني في بعضها البعض.
في الحقيقة يقال انه ليس هناك معنى بسيط بقول مطلق الا الباري تعالى والا بقية المخلوقات مركبات. ان الممكن زوج تركيبي. والتركيب نقص بخلاف البساطة انها غنى.
اذا هناك لمصنع العقل قدرة عظيمة ان تدمج المعاني في معنى واحد فهذا نوع من التركيب.
الباب الرابع في المغني اللبيب في اعراب الجمل. هذا معنى تحليلي توصل اليه علماء النحو وليس بالسهل تناوله. معناها ان بنية الظهور بها مطاوي وبها طبقات من المعاني. وبشكل معادلات وضوابط وموازين وهلم جرا وهذه نكتة مهمة. في علم المنطق صناعة التتحليل والتركيب وهي من اهم الصناعات والان صار كانما محچورة. لأنه بتوسط هذه النشاط الذي يقوم به العقل يكتشف العقل قضية البرهان والوسط والارتباط بين الكليات الخمس وباب البرهان قدرته بتوسط صناعة التحليل والتركيب.
من ثم ذكر المناطقة ان الموضوع مفرد لكنه بنوبته جملة أخرى يعني حتى الجملة الاسمية ان المبتدأ هو جملة وفيه موضوع ومحمول والعقل يقدر ان يفكك المبتدأ. مثلا الانسان جسماني. يمكن للعقل ان يفكك الانسان الى الجوهر ذي الابعاد وهكذا. فالجملة في الحقيقة جمل وهذا له تدعيات في العلوم التجريبية او العلوم الدينية او العلوم المختلفة وليست هلوسة كما يقول الجموديون بل هي موازين المعاني وتفكيكها.
مغني اللبيب يتعرض الى ما وراء علم النحو والغوص فيه اكثر بخلاف الالفية انها متوسط علم النحو. أما مغني اللبيب كان يغوص في البطون في المعاني.
احد الفقهاء آغا رضا الهمداني كان مباحثا للسيد الكلبايكاني في درس الشيخ عبد الكريم الحائري. زرناه عدة مرات واستفدنا من توصياته. هو يقول قبل ان أكتب رسالة عملية وابحث هذه الأبواب رأيت من نفسي ان أدرس مغني اللبيب تمام ابوابه كلها مرتين. فأصبحت قوة الاستنباط اكثر مما سبق.
كذلك علم المعاني والبيان له دور كبير في التحليل العقلي والمعنوي في الايات والعقائد والتفسير. فبنية الظهور لها أعماق وبطون والمهم ان يقف الانسان أمام الشواهد والموازين واستنتاج المعاني لا تنتهي. هذا ليس خاصا باللغة العربية بل في جميع اللغات هكذا.
النقطة الثانية ان الشرط جملة والجزاء جملة والتركيب بينهما أيضا جملة ثالثة. هذا التركيب بين الجملتين كانما الشرط مبتدأ والجزاء خبر. هذا حجر الأساس في بحث مفهوم الشرط والان نذكرها بشكل مجمل.
ان الشرط كجملة وكمفردة. كما مر بنا الان. الجملة كيف ترتبط بجملة أخرى بغض النظر عن كونها شرطية او غير شرطية؟ لا ترتبط الا ان تؤول هذه الجملة الى مفرد وترتبط بالجملة الثانية كمفرد. سواء كالارتباط بين الجملة الشرطية او الاتباط بين الجملة الاسمية او الفعلية.
فإذا الشرط كجملة يرتبط بالجزاء. ان الشرط يرتبط بالجزاء يعني يكون قيدا للحكم في الجزاء. وليس قيدا لموضوع الجزاء. هذا بحث دقي مجهري.
هل الشرط قيد لمجموع الجملة الجزاء او للموضوع بمفرده او للحكم بمفرده؟ ثلاث احتمالات. او قيد للمحصل من الموضوع والحكم؟ هنا يقال ان الشرط قيد للحكم وحينئذ يصح البحث ارضيا لبحث مفهوم الشرط. لأن المفهوم يعني انتفاء الحكم لانتفاء الشرط فلابد ان يكون قيد الحكم.
الضابطة الثالثة للمفهوم ان هذا القيد الذي جعل قيدا للحكم مع انه ليس موضوع الحكم كما مر بنا في الضابطة الأولى. ان الارتباط بين الشرط كقيد للحكم في الجزاء هذا الارتباط يجب ان يكون بنحو الترتب او التلازم.
ماذا الفرق بين الترتب والتلازم؟ هل الضابطة هي الترتب او التلازم؟ الترتب تلازم اخص. وسيأتي بحثه.
الضابطة الرابعة: ان يكون هذا الترتب ترتب المعلول على العلة.
الضابطة الخامسة ان يكون الترتب على العلة المنحصرة.
الضابطة السادسة ولو ذكروها في التنبيهات وهي مهمة جدا ان الحكم الذي يترتب على الشرط يجب ان يكون سنخ الطبيعي الكلي للحكم.
بعبارة أخرى ان يكون الحكم الذي قيد بالشرط وترتب على الشرط بترتب المعلول على العلة الانحصارية هذا الحكم سنخ للطبيعي الكلي للحكم. يعني ليس حصة من الحكم بل كل حصص الحكم. والا مفهوم جزئي وسيأتي بحثه في التنبيهات.
عندنا مفهوم جزئي وربما يسمونه المفهوم الصغير وعندنا مفهوم كلي او المفهوم الكبير. أي انتفاء كلي الحكم لا الحصة من الحكم. وان كان انتفاء حصة من الحكم له ثمرة.
فانتفاء حصة من الحكم فائدته اقل وأما انتفاء كلي الحكم فائدته كبيرة.
بدون هذه الضوابط لا يتقرر المفهوم الاصطلاحي وهو الانتفاء الكلي بانتفاء القيد.
هذه الضوابط الستة لمفهوم الشرط هي ضوابط لمفهوم الغاية لو قيل لتقرر المفهوم لها وأيضا تتأتى لمفهوم اللقب والوصف وسيجيء كلها. فهنا بشكل جلي يبحث عنها لان اقوى المفاهيم هو مفهوم الشرط.
طبعا المتأخرون عندهم مفهوم آخر اقوى من مفهوم الشرط وهو مفهوم الحصر والتحديد. او يقال مفهوم التحديد الذي يستفاد من الحصر. اذا كان المتكلم في مقام التحديد وبالتالي الحصر اعتبروها اقوى من مفهوم الشرط. وان شاء الله سيأتي البحث فيه. مثلا صحيحة حماد في بيان الصلاة في مقام التحديد. لما يكون في مقام التحديد يستفاد منه المفهوم الأقوى.
اجمالا القول بتقرير مفهوم الشرط يبتني على هذه الضوابط.
الاقوال في تقرر المفهوم للجملة الشرطية متعددة. يعني ان المثبتين متعددون مبنى ومسلكا. فمن المثبتين من يثبت المفهوم للشرط بتوسط الاطلاق في الشرط. وهو الميرزا النائيني.
منهم من يثبت المفهوم استنادا للاطلاق في الاسناد أي الرابطة بين الشرط والجزاء. باعتبار انه بين الشرط والجزاء تلفيق وهذا الرابط والارتباط يسمونه الاسناد ومنهم من يجري الاطلاق في الاسناد كما سيأتي.
ومنهم من يثبت المفهوم لإجراء الظهور العرفي الاستعمالي.
القول الرابع قول المحقق التقي وهو قول جملة من البلاغيين واستاذنا السيد محمد الروحاني بنى عليه ان دلالة الجملة الشرطية على المفهوم دلالة باصل الوضع يعني في المعنى الوضعي التصوري.
فالمفهوم يستند الى تقرر معنى تصوري ويسمى التعليق وسيأتي شرحه مفصلا. بينما النائيني اجرى الاطلاق في المعنى التفهيمي او الاستعمالي او الجدي. سيما ان الاطلاق قرينة من قرائن الجد.
اذا القائلون بالمفهوم يختلفون في ان المفهوم مدلول وضعي تصوري او استعمالي او تفهيمي او جدي. فالمفهوم معنى تحليلي مستنبط من إما الوضعي او الاستعمالي او التفهميي او الجدي. المهم هذه المجهرية والتدقيق في الاقوال لكي يكون التفسير لبنية الظهور تفسيرا صناعيا موزونا بنظم منتظم. حينئذ يقع الكلام في ان الضوابط متوفرة او لا كي يتقرر المفهوم.
طبعا ليس لدينا النافي بقول مطلق بل ينفي بحسب الوضع او في الجملة والا في الجملة والموجبة الجزئية يمكن القول بان الجملة الشرطية لها مفهوم. حتى النافي كالسيد الخوئي يقبل أنها لها مفهوم في الجملة ويعطي لها ضابطة.
على كل حال ان البحث مهم وخاض فيها علماء النحو وعلماء البلاغة وهذا البحث من بحوث علم المعاني وليس من علم البيان وهناك بحثوها مفصلا.
جوهرة ثمينة: اسرار المعاني العقائدية في الآيات وفي الاحاديث المتواترة تستخرج بهذه المجهرية. يعني ان السيد شرف الدين رحمه الله نقل جوهرة خطيرة من الزمخشري في آية المودة بهذه المجهرية. والمقصود ان هذا التحليل المجهري في القيد والمقيد والتقييد ليس عبطا بل في الأمور العقائدية الخطيرة والقواعد الأساسية في الفقه تستخدم.