46/08/24
تبيان الظهور والدلالة البينة
الموضوع: تبيان الظهور والدلالة البينة
في تعريف المنطوق والمفهوم والدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية ودلالة الإشارة والتنبيه والاقتضاء.
هناك عبارة من الميرزا النائيني او السيد الخوئي قد تكون موهمة. إن الدلالة اللفظية هل هي الدلالة بالمعنى الأخص او تشمل الدلالة البينة بالمعنى الاعم.
الدلالة اللفظية تعني الظهور وهذا كانما محدد من محددات الظهور. الكلام في مباحث الالفاظ في المباحث الصغروية وهي ليست تعني المباحث المصداقي أي الجزئي الحقيقي. بل المراد مصداق كلي لمبحث حجية الظهور.
تحديد الظهور الحجة بالبين بالمعنى الأخص او الاعم هل هو تعريف للظهور؟ يظهر من كلمات الميرزا النائيني والسيد الخوئي وتلاميذهما هكذا.
ام ان الظهور حتى لو لم يكن بيّنا فاذا استند الى اللفظ ولو في مقدمة من مقدماته يعني بنحو ما تكون دلالة لفظية. فيوسع تعريف الظهور وتحديده.
ذكرنا في الدورة الأولى و الثانية وهنا الثالثة ان التأويل يندرج في الظهور بناء على القول الثالث. كيف هو ظاهر وخفي؟ هذا بحث آخر. قد يكون اخفى سنوضحه.
دعونا نستعرض كلام الميرزا النائيني والسيد الخوئي في تحديد الظهور عينوا الظهور إما هو بين بالمعنى الأخص او الاعم.
البين بالمعنى الأخص في الدلالة الالتزامية ان تنتقل من الملزوم المطابقي الى اللازم بمجرد ان تلتفت الي الملزوم. بتصور المفاد المطابقي للملزوم تنتقل الذهن الى اللازم. العناصر الموجودة في المنطوق هي دالة على المفهوم الاصطلاحي. فالمفهوم الاصطلاحي دلالة منطوقية بلحاظ العناصر اللفظية الموجودة في المنطوق الدالة على المفهوم وتستطيع ان تدرجه في الدلالة الالتزامية بلحاظ ان المفهوم لازم تلك العناصر وهي اللازم.
وكذلك بعض موارد دلالات الإشارة وسنخوض فيها. وفي دلالة التنبيه ودلالة الايماء ودلالة الاقتضاء ان شاء الله.
البين بالمعنى الاعم انك اذا التفت الى الملزوم هو المنطوق وتصورته من دون ان تصدّق ثم تصورت اللازم ثم تصورت النسبة بينهما حينئذ تجزم بالملازمة. هذه هي الملازمة البينة بالمعنى الاعم.
هذا التعريف للدلالة الالتزامية بالمعنى الاعم: لو كان السامع او المتكلم غافلا عن اللازم لا تتكون الدلالة لديه. هي موجودة لكنه لم يدركها.
بعبارة أخرى: ان البين بالمعنى الاعم عرفوه من تصور المفاد المطابقي وتصور اللازم وتصور النسبة بينهما يدرك الملازمة. وقيل انه دلالة لفظية. في قبال من يحصر الدلالة اللفظية في البين بالمعنى الأخص.
اذا المتكلم او السامع ان لم يتصور اللازم ولم يتصور النسبة بينهما فلم يدرك الدلالة.
نريد ان نبين ان الدلالات بمعنى مواد الدلالة بشكل مرتب وعناصرها قد تكون موجودة في الدليل المطابقي لكنها خفية لا يلتفت اليها السامع والمتكلم. وهذا لا يخرجها عن الدلالة والظهور.
المدار ليس مدارا نسبيا وشخصيا بل المدار في الحواريات نوعي والظهور يدور مدار قوالب نوعية وليس يدور مدار القوالب الشخصية.
هذه نقطة رئيسية ان الظهور بحسب علوم اللغة غير مرهون بقدرة العرف على استثمار تلك القواعد البنيوية في الظهور. اللغة والادب بحر وسماء ومن ثم يعجز عن بناء هذا البنيان كما بناها القرآن ولكن لا يخرج القرآن في اعجازه عن كونه مبنيا على قواعد على أسس لغوية.
فلا نجعل بنيان الظهور مرتبطا بقوة ادراك العرف. فضلا عن ان نحصر الظهور بشخص السامع او المتكلم. الظهور بنيان قائم بعلوم اللغة يصل الى مداه اللامتناهي من يصل ولا يصل من لا يصل. بالتالي هذه الخطوة التي يعترف بها النائيني او السيد الخوئي وجماعة نادرة من اللغويين تدل على ان الظهور غير مرهون وغير منوط بقدرة العرف في الفهم فضلا عن القدرة الشخصية بل بشواهد لغوية.
هذا البنيان اشبه بالبنيان التكويني ضارب الآفاق.
الاعلام يقولون ان الدلالات درجات: البين بالمعنى الأخص والبين بالمعنى الاعم ومر بنا ان الثاني لا يلزم فيه ان يكون السامع او المتكلم ملتفتا به.
العرف محكّم في العلوم اللغوية التي يخزنها العرف. اما استثمار هذه العلوم ليس المناط فيه قدرة العرف او ممارسة العرف. مثلا العرف محكم في علامات الوضع كالتبادر وصحة السلب والحمل باعتبار انه مؤشر على وجود هذا المخزون في العلوم اللغوية. فيرجع الى العرف باعتبار انه مخزون علمي للعلم. هذا صحيح في باب الظهور. لكنه في أبواب أخرى وزوايا أخرى في الفقه بحث آخر ان الشارع قد يوكل العرف في تشخيص ا لمصداق الجزئي وهذا بحث آخر. انما كلامنا في بنيان الظهور.
في بنيان الظهور العرف هو عبارة عن صندوق وعاء خازن لعلوم اللغة اما استثمار هذا العلم ومديات هذا العلم ليس من شأن العرف. من ثم نفس العرف فيه اديب وفيه اكثر قوة في الادب سواء بلحاظ الممارسة الاجمالية الحدسي الذوقية او بلحاظ الممارسة التفصيلية التحليل الادبي. نقاد الادب والناقد الادبي يختلف عن فرد من أبناء اللسان. الناقد الادبي عنده قدرة التحليل. وهذا أيضا في عصر الجاهلية. كانت من شعراء العرب وناقدة ومحكمة في الاشعار. الوليد بن مغيرة ما كان نفسه اديبا بمعنى القريحة لكنه كان عنده قدرة التحليل.
المعجزة في حين يعجز عنها البشر يدركها البشر. كيف يدركها وكيف يعجز عنها؟ في ادراك المعجزة اجمالا يدرك انها حقيقة وانه فوق قدرته لكنه لا يعرف تفصيلا. الحدس الإجمالي درجات والادراك التفصيلي التحليلي درجات. لذلك سيرة أبناء اللغة منذ أيام الجاهلية في سوق العكاظ انهم يحكمون الناقد الادبي وهو يحل أمور لا يلتفت اليه أبناء اللغة او حتى الشاعر نفسه تفصيلا. هذه السيرة الموجودة ليست فقط عند أبناء العربية بل أبناء اللغات الأخرى. مما يدل على ان علوم اللغة ودلالاتها في الظهور ما محكم فيها العرف. بل المحكم هو نظام علوم اللغة واذا يرجع اليهم يرجع بما هم خزان. والنقاد بينهم درجات وليسوا درجة واحدة. هذا شاهد ثاني وهو النقد الادبي.
الشاهد الثالث هو علوم اللغة ممكن ممارسته واشتباكها بشكل يعجز عنها البشر.
الشاهد الرابع سيرة العقلاءوالفقهاء أيضا. إقرار العقلاء على انفسهم جائز. قد يقر المتكلم بشيء لا يعترف ان اقراره اعتراف بذي الحق بلازمه البعيد. بل الفقهاء عندهم باللازم العاشر او المأة غير البين. كيف يكون إقرار العقلاء من هذا الباب. كذلك سيرة العقلاء هكذا حتى لو كان غير ملتفتا بل حتى لو تنكر.
لذلك مما يدل على ان عالم اللغة وعلم اللغة بنيانه قائم على قواعد علوم اللغة وليس قائما على قدرة العرف في الفهم. والفهم النوعي أيضا مختلف درجاته كما يبين النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الوداع: رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الي من هو افقه منه.
اذا كان الضابطة في الادراك في المدرك لا تنضبط لكن اذا كان الضابطة في المدرَك فهي قواعد العلوم اللغوية كالصرف والنحو والبلاغة فهي تنضبط بنفس العلوم. مفردات ونحت اللغة والمعاني والبيان قواعد ومنضبطة. اما قدرات الأشخاص في الادراك وطبيعة الأشخاص ليست ضابطة. هذا شاهد آخر.
هذه الشواهد يدل على بنيان الظهور غير قائم على فهم العرف وقدرة العرف.
مثلا بحث انقلاب النسبة يذكرونه في التعارض بحث معقد وغامض ومع ذلك جعلوه من مباحث الدلالات وبنية الظهور وله صور متعددة ومن ابتكارات المرحوم النراقي. اذا هناك من بحوث الظهور ودلالات الظهور معقدة مع ذلك لم يخرجوه من دلالات الالفاظ.
هنا لابد ان نحمل كلام الميرزا النائيني والسيد الخوئي ان مقصودهم في الدلالة البينة هي الدلالة اللفظية لهذا الكلام بمفرده والا الدلالة اللفظية بقرينة مخصصة منفصلة وحاكم منفصل مسلم عند الاعلام. انقلاب النسبة نوع من مخصصات متراكمة بنسب خفية.
نحن في صدد حجية الظهور انه لا يقتصر على هذا الدليل اللفظي المجرد المنفرد بل لابد من مجموع الأدلة. فلابد من حمل كلامهم ان الدلالة اللفظية محصورة في البينة بالمعنى الأخص ان المراد منها الدلالة اللفظية للفظ مجردا والا مجموع الدلالة اللفظية تتركب بمجموع الأدلة. بعض المخصصات المنفصلة معقدة ومبهمة ومحل معركة آراء بين الاعلام. لا يمكن ان يقال انها ليست دلالة لفظية. العقل يدرك ويستخدم بعض العناصر لا يخرجها عن الدلالة اللفظية.
مبحث الحكومة من الحكومة الاثباتية والثبوتية فذلكة من علم المعاني لم يكتشفها علماء البلاغة بل اكتشفها الاصوليون ويحتاج الى تحليل دقيق. والى ما شاء الله من ممارسات الأصوليين مثل معنى الصحيح والمشتق انه مركب او بسيط. معاني لغوية معقدة لا يخرج من الدلالات اللفظية.
اذكر شيئا وان شاء الله نواصل النتيجة غدا.
بحوث علماء البلاغة سيما علم المعاني والبيان بحوث معقدة دقيقة رشيقة خطيرة لا يلتفت اليها الباحث في علم البلاغة في المرحلة الأولى. هندسيات مجهرية مارسها علماء البلاغة في علم المعاني. كلها تحليليةو ليست بينة بالمعنى الأخص او الاعم. طبعا هذه النقطة ليست خلطا بين الادراك الإجمالي الحدسي والادراك التفصيلي. قد يشكل واحد ان هذا الذي تقول كلها من باب التحليل التفصيلي لكن الادراك الإجمالي موجود. ان شاء الله غدا نواصل. هذا بحث في بنية الظهور من من اخطر البحوث في العلوم الدينية.