« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 الظهور درجات الدلالة المنطوق والمفهوم/ مبحث المفاهيم (3)/ المفاهیم

الموضوع: المفاهیم/ مبحث المفاهيم (3)/ الظهور درجات الدلالة المنطوق والمفهوم

 

كان الكلام في تعريف دلالة المفهوم الاصطلاحي والمنطوق وفي الدلالة المطابقية والالتزامية.

الاعلام في التعريف بينهم اختلاف كما مر بنا امس. وليس محط الكلام فقط، بل محط الكلام هو التقسيم والتصنيف الذي ذكره الاعلام في هذه الأقسام.

مثلا: الميرزا النائيني رحمة الله عليه وغيره يبنون على ان الدلالة الالتزامية انما تكون دلالة لفظية والمفهوم الاصطلاحي سواء يندرج في الدلالة الالتزامية او المطابقية فالدلالة الالتزامية التي تسمى دلالة لفظية وبالتالي جزء مندرج في بنية الظهور يجب ان تندرج في الدلالة بنحو بيّن والا ليس دلالة لفظية.

ما كملنا المبحث السابق في سلبيات الدلالة الارتكازية والتفصيلية وسنرجع اليها. ونحن الان في هذا الصدد لكن نمهد لها من زاوية أخرى غير الجهات التي امس ذكرناها.

فالدلالة اللفظية في تعبير الاعلام هي ما تكون الدلالة الالتزامية بينة. البينة بالمعنى الأخص عرفوها ما يكفي الملزوم للانتقال الى اللازم والالتفات والتصور للملزوم تلقائيا تنتقل الى اللازم. هذا يسمى البين بالمعنى الأخص.

البين بالمعنى الاعم هو ان الالتفات الى الملزوم لا يكفي بل لابد ان تلتفت أيضا الى اللازم وتلتفت الى النسبة بينهما فيذعن الادراك انها منطلق من دلالة اللفظ.

ندقق في التعريف: في البين بالمعنى الاعم ان الالتفات الى الملزوم -مثل المنطوق والمطابقي- بنفسه لا يكفي بالحكم الى اللازم او انتقال الذهن اليه، بل لابد ان تلتفت. يعني اذا كنت غافلا او ساهيا او جاهلا فلا تلتفت الى اللازم.

فدلالة اللفظ بنحو بيّن بالمعنى الاعم صرف الالتفات الى الملزوم -وهو مثل المعروض واللازم عرض- لا يجعل الذهن ينتقل الى اللازم. سيما اذا كان الانسان غير ملتفت او ساهيا. بل لابد من تصور الملزوم في نفسه واللازم في نفسه والالتفات الى النسبة، فحينئذ يذعن الذهن ان هناك تلازما نابعا من المعنى الموجود للملزوم.

الدلالة الالتزامية البينة بالمعنى الاعم اخفى من الدلالة البينة بالمعنى الأخص. فدرجات في الدلالة.

السامع ان لم يكن له انس باصل معنى اللازم. قد يكون معنى اللازم بالنسبة الى السامع غريبا لان الكلام قد يكون حول موضوع معين في الاختصاصات كالماليات او القضايا الفلكية او الطبية او الحقوقية او الظواهر الاجتماعية. بالتالي اصل الالتفات الى اللازم تصورا يعتمد على المنسوب المعلوماتي لدى السامع. فلا يلتفت الكل. حتى في البين بالمعنى الاعم.

مثلا من باب المثال: عمدا نمشي خطوة خطوة على أساس ان نبين ونصل الى نسف منهج القشريين والحشويي من الأصوليين والاخباريين وان الدلالة درجات وكلها حجة. بخلاف هؤلاء الذين منهجهم جمودي ويريدون الذهن الساكن الابتدائي البدوي وما ينتقل اليه هو حجة وما وراءه ليس بحجة. وهذا ليس مسلك العمالقة من الأصوليين والاخباريين. وهذا خطر على العلوم الدينية.

المهم مثال: في روايات باب صلاة المسافر في تحديد المسافة الشرعية او الضابطة فيها تارة ذكر الزمان وطائفة أخرى ذكرت المسافة وطائفة ذكرت بانه ان زادت السرعة فيقل الزمان وان بطئت السرعة ازداد الزمان. هذه معادلة رياضية وقل من الاعلام التفت الى هذه المعادلة. المشهور شهرة عظيمة بنوا على ان المدار على المسافة لا الزمان. لكن بعض من العلماء بنوا على ان المدار هو الزمان. وفي الروايات السنة مختلفة.

هنا المعصوم لما يجيء بمعادلة رياضية ان كل ما ازداد السرعة قل الزمان او بالعكس. يقول بشيء متغير والثابت هو المسافة. لان المسافة حاصل ضرب السرعة في الزمان. هذا لزوم غير بين للذي ليس لديه المام بالرياضيات. لكن الذي عنده علم بالرياضيات يشم بالبداهة ان مراد الامام هو المسافة. لا السرعة ولا الزمان. حتى يصير بالنسبة اليه بينة بالمعنى الأخص. لا الاعم.

اذا المنصوب والمخزون المعلوماتي لدى السامع مؤثر. سيما ان الامام عليه السلام يستعمل خصائص علمية لكل موضوع.

مثلا: في الكر الى زمان صاحب الجواهر او زمان سيد الخوئي او السيد محسن الحكيم قالوا ان روايات الكر متعارضة. حتى ان صاحب الجواهر في بداية حياته العلمية قبل ان يتلمذ عند الشيخ جعفر كاشف الغطاء في علم الكلام قال ان الائمة عليهم السلام لا علم لهم بالموضوعات. «استغفر الله» لذلك حصل لديهم تعارض في بيان الموضوع. وحملوها على التعارض والترجيح.

بينما من لديه المام بالفيزياء يرى ان روايات الكر معجزة علمية عندهم. ان النكتة هي ان الامام بدل ان يجيء بمعادلة معقدة يأتي ضابطة من علم المكانيكة مثلا بلسان عرفي سهل. لكن المقصود هو المعادلة. لان الائمة عندهم احاطة بكل العلوم. في الكر كذلك. اصل الكر هل هو حجم جغرافي او وزن او شيء آخر؟ وحدة وزنية او وحدة كمية؟ الامام عليه السلام لاحظ كثافة الماء كلما تزيد اذا جعلنا الوزن ثابتا فقل الحجم. مثلا كثافة الحديد اكثر من القطن فوزن واحد بين الحديد والقطن حجمهما يختلف. فالكثافة كلما ازدادت قل الحجم وكلما قلت ازداد الحجم. فالائمة لاحظوا ان كثافة الماء يختلف. فاذا اختلف المياه في الكثافة لا يعقل ان يكون الحجم واحدا اذا كان الوزن ثابتا. فكر الحجاز يختلف حجمه عن الكر في العراق.

الماء الذي يرتبط بالاحجار البركانية خفيف الكثافة وسبب ان ماء زمزم شفاء هو ان كثافته اخف.

المقصود ان الامام لما يغير من الحجم الكمي بسبب تغير الكثافة في البلدان واختلاف الرواة في البلدان وأجاب الامام بلحاظ الوحدة الوزنة الواحدة. هذا الجواب اذا يلتفت اليه العالم الفيزيايي يلتفت اليه بالسرعة.

بين القوسين: هل البديهي و النظري نسبي بسبب الاذهان او هو بسبب حقائق العلوم والأدلة؟ اذا كان بسبب الحقائق والعلوم والأدلة فثابت. اما اذاكان بسبب الاذهان فيتفاوت.

حتى في مسألة من انكر ضروري الدين. هل هو بسبب الاذهان او بسبب الأدلة؟ هذه البحوث أساسية في الظهور والأدلة. عدم السيطرة والالمام يخرب الأدلة. التلاعب في الدين بالجهل لا بالموازين ولو كانت معقدة.

من انكر ضروري الدين بحسب الاذهان والبيئات او بحسب الأدلة؟ يمكن ان يكون واحد بعيدا عن الثقافة الدينية وهو لا يعرف البديهيات والضروريات. حتى أسماء الائمة عليهم السلام ليست بديهية عنده. في مقابل من كان في اسرة دينية.

السيد المرتضى رحمة الله اجوبته للاسئلة وحتى كتاباته ككتاب الشافي في الامامة ردا على قاضي عبد الجبار المعتزلي هو يعالج فقه المتن اكثر مما يعالج الصدور. هناك يطرح تساؤلا مرتبطا ببحثنا. انتم تقولون بان امامة علي بن ابي طالب هو الأصل الثالث في الدين وليس المعاد خلافا بعض المعاصرين. الامامة بحسب كل الأدلة هو الأصل الثالث في الدين. وهي مرتبة لها معنى وآثار. فضلا عن نتساؤل انه من أصول الدين او فروع الدين. وهل كل شيء يرتبط بالفروع هو من فروع الدين؟ اركان الفروع مرتبطة بالفروع لكن ليس من الفروع. مثل أعمدة المبنى من البناء لكن هو الأساس. طبعا أداء الصلاة من الفروع لكن وجوب الصلاة من الأصول. مع ان الصلاة كلها كتلة عقائدية. الصلاة عبارة عن طقوس عقائدية بحطة. اقوالها وافعالها. كلها هوية عقائدية ليست ذرة مرتبطة بأعمال البدن. كذلك أداء الصوم والحج والزكاة ووجوبها.

سؤال يطرح السيد المرتضى مرتبط بالبين عنهم: انتم تكفرون المسلمين؟ قال السيد: لا نكفر بل نحكم بالإسلام الظاهري. قالوا: تدعون انه الأصل الثالث ويجب ان يكون من الضروريات. فيجب ان تكفروا بقية المسلمين.

قال باختصاره: هذا جواب معجز فني ممتاز: قال: نقول ان الامامة من ضروريات الدين من جهة تبدهها قبل المعاد وقبل وجوب الصلاة وهي مبدهة اكثر من الصلاة. السيد المرتضى في فهم متون البحوث صاحب منهج تحليلي عظيم. وانعم بالشيخ المفيد والشيخ الطوسي لكن شمرة السيد تحليلي. حتى في الانتصار يجر البحث من اوله الى اخره الى العقائد. او كتابه الناصريات او الشافي.

يقول: في حين ندعي ان الامامة الإلهية من حيث تضافر الأدلة بعبارة المعصوم عليه السلام لم ينادى في القرآن والسنة النبوية والحديث القدسي بشيء كما نودي بالولاية. ولاية الله وولاية الرسول وولاية امير المؤمنين.

السيد الخوئي يقول ان ادلة المعاد اكثر تضافرا خلافا لمشهور علماء الامامية وهو اصل رابع. السيد المرتضى يقول هو اصل ثالث. ولا يكفر المسلمين مع انه ضروري. كيف تجمع بين الامرين؟

يقول: لما نقول انه ضروري ليس مرادنا من الضروري بحسب الاذهان والادراك. ضروري بحسب واقع الأدلة التي لا تتغير. جهل من جهل وعلم من علم. اقبلت الامة او ادبرت. هذه الحجة البالغة الواصلة الامامة هي الأصل الثالث فيها. ولي المعاد هو رسول الله وامير المؤمنين. النبأ العظيم. القاضي في المعاد هو امير المؤمنين. قسيم النار والجنة وهما من تبعات ولايته. لا يسأل شيء في القبر كالولاية. فيقول ان الضروري بحسب واقع الأدلة وهي لا تتغير.

نعذرهم لان هذه المكنة الإعلامية والدجل من الطرف المقابل اخفى الأدلة. ما من فضيلة عظيمة في طرقنا الا وهي موجودة في طرقهم. فالضرورة بحسب الأدلة لا الاذهان. نعم لو اطلع واحد على الأدلة ويجحد فهو يكفر.

logo