منهجان: الدلالة التفصيلية والاستظهار الحدسي/ / المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ /منهجان: الدلالة التفصيلية والاستظهار الحدسي

كان الكلام في دلالة المفهوم بالاصطلاح الخاص وتمييزها عن بقية الدلالات. باعتبار ان قالب الدلالة يحدد ويقولب ويضبط. لانه كما مر بنا امس دور العلوم اللغة والادب انها تحليل تفصيلي إما للمعنى بما هو هو وهو علم المعاني او بلحاظ دلالة الدال على المعنى وهو علم البيان والنحو والصرف والاشتقاق والعلوم الأخرى.

اذا فيه استظهار اجمالي وهو الحدس. هو مستند الى تراكم معلومات في العقل الباطن للإنسان او الذاكرة الخلفية له والا الحدس ليس من فراغ. هناك من يكتفي بالحدس لشدة اطمئنانه بالمواد.

لكن كما مر ان صاحب الفصول يقول لابد من التحليل التفصيلي والتثبت من مطابقته للدلالة الحدسية الاجمالية سواء هذا الحدس الإجمالي مستند الى علوم اللغة والعارضة الأدبية والذوق الادبي او مستند الى علوم دينية او عقلية.

هذا الاستنتاج الإجمالي اذا اردت ان تقنع الاخرين به لابد ان تأتي بالعلوم التفصيلية والحدس الإجمالي لا يكفي لاجل التخاطب والتفاهم مع الاخرين او تبيين الاخرين. او من جهة ان الانسان كي يتثبت لابد من التحليل التفصيلي، لان الحدس الإجمالي قد يخطأ. مثلا الذوق الادبي او القريحة الأدبية او الذوق العرفي صحيحة وجيد وضروري.

لكن لكل من الاستظهار الحدسي والاستظهار التفصيلي امتياز. ولكل فوائد. فما هي الامتيازات الإيجابية للاستظهار الإجمالي وما هي الفوائد والسلبيات للمنهج التحليلي والتفصيلي؟ كلٌٍٍٍِ يكمّل الآخر.

منهج الحدس الإجمالي او ا لاستنتاج الإجمالي ليس فقط في علوم اللغة بل حتى في علم الفقه. يقال ان لديه ذوقا فقهيا او عارضة فقهية قوية. وكذا بقية العلوم من لديه ذوق عقلي او ذوق قلبي. مع ان هذه المعلومات الحصولية تسمى ذوقا باعتبار باعتبار المعلومات الحاضرة والاستنتاج منها.

فلنستعرض إيجابيات وسلبيات كل منهج وبهذا الاستعراض يتبين معية المنهجين والفقهاء يختلفون امتيازا في احد النهجين. واحد عنده ذوق ادبي قوي لكن الذوق الفقهي ليس لديه. او عارضة أصولية قوية عنده والفقهاء والمجتهدون في المنهجين درجات.

احد فوائد قراءة القرآن كما نحن مقبلين لشهر رمضان والمفروض ان يكون الانسان في كل عمره مدمنا على القرآن والعيش في أجواء القرآن وليس خاصا لشهر رمضان. شهر رمضان تدريب لكي يعيش الانسان شهر رمضان وليلة القدر تدريب لكي يعيش الانسان ليلة القدر على الدوام وهلم جرا. زيارة الغدير تدريب للإنسان لكي يعيش الانسان زيارة الغدير. ان المناسبات من حيث الزمن مناسبة لكن من حيث التدريب وا لتعليم في الحقيقة تدرب الانسان على ان يعيش هذا الجو على الدوام. «الذين هم على صلاتهم دائمون». حتى الصوم الزماني في شهر رمضان لكن الصوم القلبي والصوم النفساني الانسان يستطيع ان يكون دائم الصوم ودائم الصلاة ودائم الطواف حول الكعبة. هذا منصوص في الرسائل. العبادات القلبية والروحية يستطيع ان يكون الانسان دائبا ودائما فيها. هذه فائدة عقلية روحية أخلاقية لشهر رمضان ومفيدة.

القدماء وانا التزم بما التزم به القدماء عندهم الصوم ليس ترك المفطرات المعروفة بل الصوم ترك كل الكبائر من حيث ماهية الصوم. فلو ارتكب الانسان كبيرة مثل الغيبة وان لم يستلزم القضاء عندهم لكنه خدش في صومه خدشة وارتكب احد تروك الصيام. والأدلة مستفيضة في مبنى القدماء وحملها المتاخرون على الجانب الأخلاقي ولا دليل على هذا الحمل.

نعم، ليس كالاكل والجماع لانها توجب القضاء. شبيه تروك الحج انها الزامية ودخيلة في ملاك الحج وان لم تبطل الحج بمعنى وجوب اعادته. هذا المبنى عند القدماء ونحن نفتي عليه ونجدد احياءه بالدقة فيه صوم نفسي وقلبي الزامي دخيل في ماهية الصوم المعروفة. هذه الطبقات حتى الشيخ والشيخة يستطيعون ان يأتوا به. والانسان نفسه يستطيع ان يصوم طيلة سنته بالصوم النفساني والقلبي وعندنا توصية من الروايات ان الانسان المسافر في شهر رمضان يراعي آداب الصيام القلبي والنفسي. المقصود ان هذه الطبقات في الانسان في العبادات.

نرجع: الكلام في المنهج الإجمالي والمنهج التفصيلي. والمنهج الإجمالي درجات وطبقات والمنهج التفصيلي درجات وطبقات. بالمنهجية تلتفت الانسان الى سيره في الاستنباط ويشخص الانسان إيجابيات وسلبيات منهج الآخرين.

ما السر في استحباب ختم القرآن دائما حتى لعوام الناس وادنى الناس ثقافة وعلما. لان هذا يسبب تراكم المعلومات في العقل الباطن لدى الانسان. هذه المعلومات عندما تتراكم تلقائيا تنشط وتعطي الانسان قوة الحدس وقوة المعلومات. هو ليس تكرارا بل هو عبارة عن تخزين المعلومات بشكل اجمالي ومن ثم قراءة الروايات ضروري لكل طبقات المجتمع. الاستنباط من القرآن والروايات للمختصين بالعلم لكن نفس القراءة والتصفح للقرآن والروايات لا يتوهم ذو مسكة انه يمنع عنه عوام المؤمنين. لان هذا سفرة الهية مفتوحة. تحت ذريعة المشتبهات في القرآن والروايات لا يمكن ان يمنع العوام عنه. غاية الامر يجب ان يوصي عموم الناس ان يرجعوا الى المتخصصين. كما ان المتخصص لابد ان يطلع على جهود الاخرين.

المقصود ان تكرار قراءة القرآن والروايات امر بالغة الأهمية لكل طبقات المجتمع حتى عالم الدين ذكرنا ان السيد هادي الميلاني وهو من ابرز تلاميذ النائيني من الطبقة الأولى والعلامة الطباطبايي تباحثا في النجف أيام شبابهما كتاب الوسائل من الأول الى اخره. والعلامة الطباطبايي قام بدراسة بحار الانوار بنفسه وهذه خطوة علمية عظيمة. بل تلميذه الشيخ جعفر السبحاني يدعي او يخبر ان العلامة الطباطبايي قام بمدارسته مرتين. هذا اعلى واعظم. لم هذا العمل والتراكم؟ هذه التراكميات عظيمة. كل معلومات تجمع عند الانسان تكون قوة حدس الانسان اعظم. مثلا كثير من الادباء يقولون انا قرأت نهج البلاغة مأتين مرة. نفس قراءة نهج البلاغة تعطيك قوة وعارضة أدبية وحدسا قويا.

الشيخ جعفر كاشف الغطاء يقولون ان سبب قوة حدسه الفقهي انه كرر الشرائع من المقدمات الى نهايته.الشيخ عبد الحسين شرف الدين كان عنده قوة في تحليل النصوص الأدبية في العقائد والروايات قال سببه تكرار كتاب المطول. التكرار اوجد عنده قوة حدسية في تحليل ادبي للنص. والتحليل الادبي قواعد مشتركة بيننا وبين الجمهور. لذلك قبول استدلالات الشيخ عبد الحسين شرف الدين كان اكثر من علماء آخرين لانه يتمسك اكثر بالجانب الادبي. هم يستؤنسون به اما الغوص في العقليات ما عندهم. فلذلك كان تأثير الشيخ عبد الحسين اكثر من غيره فيهم.

الشيخ حسين الحلي كان معروفا في الحدس في الصناعة الأصولية وسببه انه كان دراسة الكفاية ست مرات. المقصود ان تكرار كل علم يولد للإنسان مخزونا. وينطلق منه الحدس الإجمالي. وهو ليس قبضة للنتيجة من دون الأسباب بل الأسباب موجودة لكن بشكل تراكمي مخفي وسريع.

من ثم يجعل المناطقة احد أسباب اليقين الحدس. طبعا ليس كل حدس حدسا يقينيا. الحدس اليقيني درجات من البديهي وغير البديهي. كما ان الحدس فيه حدس ظني قوي وحدس اطمئناني وهلم جرا. شبيه الحاسوب اذا كان نانو يعتمد على صناعة معينة فنتائجه قوية ونسبة الدقة فيه اكثر من الحاسوبات العادية. هكذا في الحدس الإجمالي في الانسان.

إيجابياته سرعة الاستنتاج وربما يتفطن الى نكات لا تستطيع ان تصل اليها عبر التحليل التفصيلي. اريد ان ابين ا لعلاقة بين الحدس الإجمالي والتفصيلي

العلاقة بين الحدس الإجمالي والعلم التفصيلي: ربما في الحدس الإجمالي يتنبه الى نتائج وتحليلات في الحدس التفصيلي لا يتنبه اليه. في الحدس التفصيلي نوع من التثبت على سلامة الحدس الإجمالي هل هو سليم او فيه مؤاخذات. لانه في الحدس التفصيلي فيه إيجابيات وسلبيات وايجابياته خطوة وخطوة. هذه المعادلة اذا كان تتعرقل مع سير الحدس الإجمالي فيعلم ان الحدس الإجمالي فيه اشكال.

لا باس ان اذكر هذه الضابطة: نستطيع ان نقول ان المنهج التفصيلي ترجمان للحدس الإجمالي. ان الحدس الإجمالي من اين يستنتج ومن أي زاوية واي باب؟ كثير من الادباء يقطر ادبه لكن هو لا يلتفت الى ان هذه القوة الأدبية من اين نشأت وما هي الاوزان و ما هي الاطوار. كل علم فيه علماء تفصيليون وفيه علماء اجماليون حدسيون.

الان ربما ملحن عظيم في العالم لكن هو لا يعرف القوانين والنغمة والطور و المقام والوزن واللحن. هذه كله شيء يختلف عن بعضها البعض. هذا الملحن نظريا تفصيليا اعلم العلماء لكن في الحدس ما عنده قريحة ولا عنده مراس لكن تعطيه هذا الصوت من هذا الملحن او الرادود يحلله تفصيلا بدقة. والعكس قد يكون واحد موهوبا في الاطوار والاوزان والنغمات والنبرة ولكنه لا يدري هذه الأنواع وما يقدر ان يفكك بينها. هو بشكل ارتكازي اجمالي مجبول وموهوب. هذا البحث ليس بحثا طرفا علميا. نريد ان نرتب عليه نتائج كبيرة في قضية حجية الظهور. للأسف هناك لغط في المسلك القشري الحدسي يجمد الاستنباط على السطح النازل القشري. هذا البحث كانما مبحث الحجج. حجية الظهور أي ظهور مراد. هو مربط الفرس سيما مبحث المفاهيم.

في زمن الجاهلية وايام الحج وفي منى التي يقام فيها سوق العكاظ هناك تجري منتديات أدبية للشعراء والنثر يتسابق فيها الشعراء. المعلقات السبع نتيجة تلك. هناك نقاد للادب والشعر ما كانوا شعراء ولا ادباء لكنهم في الجانب التحليلي الادبي كانوا متمكنين جدا. كانوا قاضيا بين الاشعار أي الاشعار كان اكثر ادبا. هذا في لغة الادب الى يومنا هذا سنويا.

السيد مهدي بحر العلوم يوميا يعقد مجلس مشاعرة أدبية في الحوزة. ما كان عطلا بل العارضة الأدبية والتحليل الادبي امر مهم جدا في الاستنباط في العلوم الأدبية.

هذان المنهجان لا نستعجل ونخوض فيهما ان شاء الله تعالى وهذا ليس فقط في علوم الادب والعلوم الدينية بل في كل العلوم. فالعلم التفصيلي ترجمان للشيء الغيبي الحدسي. لان الحدس الإجمالي نستطيع ان نسميه الغيبي لانه غايب مواده.

ان شاء الله نواصل وهذا البحث حساس واعقده الاعلام هنا في مبحث المفاهيم. بنية الظهور التي يستنبط منها أي بنية. نمكث فيه مكثا مليا.