« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

/ مبحث المفاهيم المنطوق والمفهوم المطابقية والالتزامية/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم / مبحث المفاهيم المنطوق والمفهوم المطابقية والالتزامية/

 

البحث في المفاهيم

يبحث الاعلام قبل البحث في مفهوم الشرط عن مطلق دلالة المفهوم وهو عنوان مشترك عن المفاهيم مطلقا في مقابل دلالة المنطوق.

لدينا تقابل آخر: دلالة مطابقية في مقابل الدلالة الالتزامية. طبعا يقولون هذا التقابل شيء غير التقابل الأول.

ثم يخوضون في ان هذه المسألة صغرى لمباحث الظهور.

نقطة ثالثة في أصولية المسألة او انها من علوم الأدب.

طبعا خاض في مبحث المفهوم علماء البلاغة ويرتبط بعلم البيان.

هذه جملة من مباحث بداية المفاهيم.

تعريف دلالة المفهوم: ذكروا ان المعنى الذي ينطق بلفظه يعبر عنه بالمدلول الذي يدل عليه المنطوق والمفهوم معنى يدل عليه لا بلفظ منطوق وانما يدل عليه بمفهوم والانتقال اليه عبر المفهوم. يعني مفهوما من منطوق بخصوصية فيه يدل على معنى ثانيا يسمى مدلولا بدلالة المفهوم.

اذا دلالة المفهوم يعني ان المفهوم بدلالة المنطوق يدل على مفهوم آخر يسمى المفهوم. وليس بدلالة لفظ ملفوظ. بخلاف المعنى المنطوق وهو مدلول عليه بلفظ ملفوظ.

من ثم قال بعض: لا يبعد اندراج المفهوم في الدلالة المطابقية المقابل للدلالة الالتزامية. يعني ان المطابقية ليست تعني ما دل عليه باللفظ. ففيه فرق بين الدلالة المطابقية والدلالة المنطوقية.

الدلالة المنطوقية تعني الدلالة التي دل عليها اللفظ ام االمطابقية تعني المعاني التي تطابق مجمل ما دل عليه اللفظ وتوابعه التي هي من شئونه.

الفرق بين الدلالة الالتزامية مع الدلالة المطابقية ان الالتزامية جملة أخرى ومعنى آخر وليس معنى مطويا في الالفاظ وهي مستقلة عن الدلالة المطابقية وانما بينهما تلازم عقلي او عرفي او شرعي.

بينما المعنى التصوري للفظ دلالة منطوقية والدلالة الاستعمالية وهي متأخرة رتبة عن المعنى التصوري والمعنى التفهيمي يدل عليه بالمعنى الاستعمالي والمعنى الجدي يدلل بالمعنى التفهيمي. فعندنا لفظ ثم معنى تصوري ومنظومة المعاني التصورية ثم الاستعمالية ثم التفهيمية ثم الجدية والجدي قد يكون مراتب. اذا تطابقت هذه المراتب من المعاني كلها دلالة مطابقية. أما اذا كانت هذه المعاني تختلف مثل ان التفهيمي لا تتطابق مع الاستعمالي والتصوري فهو معنى التزامي. كذلك المعنى الجدي اذا لم يكن مطابقا. هذه بالتالي نحو من الاستعمالات. اذا كان في المراتب الأربع تطابقا دلالة مطابقية واذا كان غير مطابقة فهي دلالة التزامية. البعض يسمون هذه الدلالات مع عدم التطابق بالدلالة الالتزامية. والبعض يسمونها الدلالة المطابقية وان كانت باللازم.

لكن أيا ما كان، هناك مسير للمعنى التصوري والمعنى الاستعمالي والمعنى التفهيمي والمعنى الجدي سواء كان مطابقا او ليس مطابقا. بعضهم يقولون ان المسير الأصلي مطابقي والمسير غير الأصلي دلالات التزامية. ولعل هذا الاستعمال شائع كثيرا. المهم ان الدلالة المطابقية فرقها عن المنطوقية ما هو؟ وما هو فرق الدلالة الالتزامية عن الدلالة المفهومية؟

الدلالة المطابقية هو المسار الأصلي والبعض يدرج دلالة المفهوم الاصلي في الدلالة المطابقية لانه مسير اصلي ونفس شئون المعنى الأصلي وليس بعيدا عنه. فالمفهوم يغاير الدلالة الالتزامية والبعض يقول ان دلالة المفهوم تندرج في الالتزامية الا ان الفرق بين الدلالة الالتزامية والمفهوم انها اعم من الدلالة المفهومية. دلالة المفهوم على هذا الاصطلاح هي دلالة التزامية خاصة تنطلق من خصوصية من معنى تصوري واستعمالي. تلك الخصوصية سيأتي شرحها وتتكون من اربع عناصر او خمسة. كمقدمات الاطلاق. هكذا في المفهوم يعتمد على أربعة عناصر او خمسة. تجعل من دلالة المفهوم دلالة خاصة او قسم خاص من الدلالة الالتزامية. والدلالة الالتزامية فيه عرفية وعقلية وبينة وغير بينة. اما المفهوم هو دلالة التزامية بينة وتنطلق من خصوصيات خاصة.

على الاستعمال الآخر دلالة المفهوم جزء من المطابقية.

حتى بعضهم قال ان الخصوصية الدالة على المفهوم هي مطابقية وهذا صراحة صحيح. الخصوصية في المعنى المنطوق منطوق وليست دلالة التزامية وان كان المفهوم يدل عليه بالالتزام. طبعا هذه الاصطلاحات في التعريفات ليست مجرد طرف علمي لكن لاجل الالتفات الى خصوصيات عناصر الدلالة والمدلول. اين يتواجد ويتوفر.

تقريبا لا كلام فيه بان عناصر الخصوصيات في المنطوق وهي منطوقة باعتبار انها عناصر في المعنى المنطوق ولو هي عناصر جانبية وهامشية في المنطوق لكن هي دالة على المفهوم. لكن المفهوم هل يدرج في المطابقية او الالتزامية الكلام فيه سهل.

الكلام في ان الدلالة على المفهوم من هذه الخصوصيات التفات اجمالي وارتكازي والتزام بين. لكن مع ذلك الاصوليون خاضوا في التحليل المجهري لهذا البحث وهذه المعاني ولهذه الدلالة والمدلول. وليس فقط علماء الأصول بل أيضا علماء البلاغة.

علم البلاغة عبارة عن تحليل وتفصيل المعاني التي يدركها السامع او المتكلم او المتحاورين في الكلام بإدراك إجمالي ارتكازي ويحاول هذا العلم ان يفصل هذا الادراك والمدرك ويضبطه ضمن القواعد مثل علم النحو. علم النحو أيضا علم تحليلي لمعاني مطوية اجمالا في تراكيب الجمل. وعلم الصرف أيضا منطلق من هيئة الالفاظ المفردة وبتعبير آخر كل علوم الادب هي عبارة عن تحليلات تفصيلية لمدركات اجمالية ولكن هذه التحليلات التفصيلية تحاول ان تمنهج وتقعد وتضبط هذا الادراك الإجمالي ضمن القواعد و الضوابط. او تعرض هذا الادراك والمدرك الإجمالي على قواعد سبق ان نقحت في علوم اللغة. حتى علم مفردات اللغة مثل كتاب لسان العرب وكتاب العين للفراهيدي وكتاب قاموس المحيط وتاج العروس والمصباح والصحاح للجوهري وهلم جرا. هذه الكتب في علوم المفردات وهي علم تحليلي لما يدرك اجمالا. لكنه علم تحليل وتفصيل مقتضب في قبال علم النحو الصرف والاشتقاق وعلم المعاني والبيان في البلاغة.

هنا بيت القصيد: فاذاً الظهور والاستظهار يدرك اجمالا بادراك اجمالي لكن لا ينضبط الا بعلوم الادب واللغة بتحليل تفصيلي. وبدون التحليل التفصيلي لا ينضبط. الكثير ربما يكتفي بالادراك الإجمالي ويقولون ان هذا ارتكازي وعرفي وسبق ان نقلنا في السنين السابقة عن صاحب الفصول ان أيا من المهجين امتن. طبعا لابد من معية المنهجين منهج الارتكاز الإجمالي ومنهج الاستظهار التفصيلي.

اثار صاحب الفصول في كتابه تقديم أي من المهجين ونقل من جماعة من الاعلام اختلاف الأنظار واجمالا ذكر ان الجمع بينهما لابد منه. يعني هذا الادراك الإجمالي الارتكازي ذو القريحة مهم وعظيم وشبيه بالحدس والحدس الإجمالي انما يكون لدى صاحب الادراك بالحدس بسبب خزين من المعلومات يستنتج بها العقل بسرعة. وهذا ليس مخصوصا بعلوم اللغة بل بكل علم من العلوم. مثلا علم الفقه الشيخ جعفر كاشف الغطاء انه معروف بسرعة حدسه وسببه تراكم المعلومات الموجودة في خزينة الذاكرة تؤهله ان يستنتج سريعا من دون ان يدرك التفاصيل بهذا الادراك الإجمالي المتراكم للمعلومات يحدس. فالحدس هو الاستنتاج لكن استنتاج اجمالي سريع لا يدرك الانسان تفاصيله. شبيه الحاسوب لما يعمل الرياضيات. فالحدس استنتاج سريع دفعي بسبب وفرة المعلومات وانتظامها في خزانة ذاكرة الباحث.

اما التفصيلي يريد ان يضبط ان هذا الحدس ما حصل فيه الخلل او الاشتباه او الحذف لبعض المراحل والخطوات. هذا يسمونه صناعة التحليل والتركيب.

فالتفصيل انضباط وتثبيت وتدقيق في محاسبة الاستنتاج وهي صناعة التحليل والتركيب. لابد منهما كليهما.

لماذا لا نقتصر على الفتاوى في الفقه بل نخوض في التفاصيل والأدلة وموازنة الأدلة؟ هذا بحث تفصيلي بخلاف الاستنتاج الإجمالي. فهل للفقيه ان يكتفي بالاجمالي او لابد من التفصيلي؟ هناك منحة موجودة لدى بعض المشارب سواء الأصوليين او الاخباريين مسلك يدعو الى عدم التوسع في التحليل التفصيلي. سواء في علم النحو او الصرف او البلاغة او الأصول او الفقه او التفسير والكلام. هذا التوسع عبارة عن استحسانات وذوقيات وظنيات. يدعي هكذا أصحاب هذا المشرب. انما اللازم هو الادراك بنحو اجمالي وحدسي بنتيجة وجود المعلومات.

مر بنا انه لا يمكن الحدس الا باختزان معلومات كثيرة تجتمع بشكل مضبوط والذهن يقوم بعمليات حدس سريع. الحدس له أرضية وهي هذه المعلومات المكدسة. فاذا الادراك الإجمالي والتفصيلي من باب المثال يقول القرآن الكريم: كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم عليم.

لماذا سمى الله عزوجل الوجود المجمع المدمج محكما في مقابل التفصيلي؟ هو الذي انزل على عبده آيات محكمات وأخر متشابهات.

في التفصيلي قال انه يبدأ المتشابه طبعا بسبب العقول لا بسبب القرآن نفسه. والا نفسه يصف الآيات القرآنية كلها بينة لكن في صدور الذين اوتوا العلم.

المهم في التفصيلي الذهن البشري قد يخطأ وحتى الحدسي هكذا. المهم ان التوازن الصحيح المنهجي هو الاعتماد على كلا المسارين مسار الحدس الإجمالي ومسار التفصيلي. فقد يكون اشتباه في التحليل التفصيلي وينبه عليه الحدس الإجمالي وقد يكون اشتباه في الحدس الإجمالي وينبه عليه التحليل التفصيلي. فالتطابق لهذين المنهجين هو السبيل السديد.

المهم هناك منهج سطحي جمودي سواء عند الأصوليين او عند الاخباريين يقول نعتمد على الحدس دون التفصيل والتوغل في التفصيل. لان هذه التوسع في التفصيل ذوقيات وهلوسات. حتى هذا الحدس الإجمالي انما نعتمد عليه في المقدار القريب في المنطوق الالفاظ. يعني نعتمد على الدلالة الصريحة. اذا لم تكن دلالة صريحة او ظهور قوي لا نعتمد عليه. او لا نعتمد على التحليل التفصيلي والظهور التفصيلي. هذا مبنى حشوي من نوع تمام. أصلا علم الأصول عبارة عن تحليل توسعي تفصيلي لمباحث الاحكام والاستنباط وعلم الفقه الاستدلالي أيضا هكذا. ما الفرق بين كتاب استدلالي بخمس مجلدات والجواهر باربعين مجلدا. على هذا المسلك كلام كثير من صاحب الجواهر من الهلوسات. بتعبير صاحب الجواهر اذا لم نعتمد في الظهور الا على النص والظهور القوي جدا لم يستقر حجر على حجر في الفقه. لان كثيرا من الاستنباط الفقهية هو الظهور المتوسطة.

ثم بعض أصحاب هذا المنهج يؤاخذ عليهم انه اذا لم تكن الدلالة التزامية بيّنة فهي حجة عند الكل. لكن عندهم ليس حجة.

logo