« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

النهي التشريعي وحقيقة التشريع/ النهي عن العبادات والمعاملات (36)/النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات (36)/ النهي التشريعي وحقيقة التشريع

 

كان الكلام في ما لو كان النهي تشريعيا.

وصلنا الى النهي التشريعي بالنسبة الى جزء العبادة. فالاعلام فصلوا فيه.

ان كان بانيا من بداية الشروع في العبادة والنية الاجمالية لها على ادخال ما ليس في الصلاة مثلا -بحيث نيته متوجهة الى المجموع المتضمن للجزء المتبدع- فهنا يقع الاشكال في النية وقصد التقرب.

فالاشكال ليس من جهة النهي بنفسه بل من جهة القصد بشيء مبتدع باعتبار ان المجموع المتضمن بالجزء المبتدع غير مأمور به وغير ممكن التقرب به فيكون الخلل في النية.

أما إن لم يكن من الأول بانيا بل قصده في الاثناء ففي مبطلية هذا المقدار في الاثناء عند الاعلام تأمل. بل مقتضى القاعدة ان يقال وان ارتكب امرا محرما في نفسه لكن ليس ضروريا ان يخل بالمجموع بل المجموع كان مقصودا بنية سليمة من البداية.

هذا اذا لم يكن فيه محذور من جهة الزيادة او شيء آخر فلا يضر ولا يبطل.

لا سيما في المركبات العبادية التي في هيئتها ووحدتها اقل تماسكا وترابطا من هيئة الصلاة. مثل هيئة الطواف او السعي او رمي الجمرات. مثلا قصد في الاثناء ثمان رميات فلا يخل.

طبعا هذا في ما قصد الجزء المبتدع في الاثناء.

فائدة معترضة فقهية لا بأس وتصب في مباحث سابقة استعرضناها: قالوا ان الزيادة لا تتحقق بمجرد المجيء بالزائد. الزيادة المبطلة هي الزيادة العمدية الا في الأركان. بل الزيادة أيا ما كان لا تصدق الا مع قصد الجزئية.

هناك نقطة جديدة ذكروها في مبحث الخلل في الصلاة كمثال: من اتى بتكرار بقصد الرجاء والاحتياط وليس بقصد الجزئية بتا، أيضا هذا ليس زيادة. فضلا عن ان تكون زيادة عمدية او غير عمدية.

كما لو اتى بالشهادة الثالثة باحتمال انها واجبة او جزء التشهد في الصلاة ولا يقصد الزيادة والجزئية فهذا امر مسلم عندهم ان الاتيان بشيء ضمن الصلاة او غيرها من المركبات العبادية بقصد الرجاء والاحتياط لا تصدق عليه الزيادة.

في الركن فيه دليل على انه لو قصد الركن خارج الصلاة ولو اتى به اثناء الصلاة عندنا دليل خاص على انه يوجب البطلان. ولو بقصد عدم الجزئية. لكن لدي توجيه أن هذا ليس بنحو الاطلاق واستظهرنا انه بلحاظ انه جزء. باعتبار ان سورة آية العزائم الاتيان بها كأداء بسورة العزائم فتبعات آية العزائم من السجدة تكون جزءا بالتالي وبالتالي قصد الجزئية موجود تبعا. هذا توجيه خلاف توجيه السيد الخوئي في هذه المسألة. والا ليس قول مطلق. بدليل انه لو سمع مصلي في الصلاة بآية العزائم فيجب عليه السجدة ولا يكون مبطلا. اذا قرأ في الصلاة آية العزيمة كجزء واجب او جزء مستحب هنا ستكون السجدة جزءا وتابعا والا من سمع من اجنبي آية العزيمة فيجب عليه السجود ولا يخل بالصلاة.

المقصود هذه النكتة لطيفة ان ما قرره الاعلام ان المجيء بنية الاحتياط والرجاء لا تبطل الصلاة ولا تقصد الجزئية ولا الادخال في الصلاة. هذا كلهم اتفقوا عليه حتى السيد الخوئي والشيخ الانصاري في بحث الخلل ونكتة لطيفة من ثم نجزم ان السيد محسن الحكيم وا لسيد الخوئي في المنهاج عندما يفتون ان الشهادة الثالثة يجوز المجيء بها بغير قصد الجزئية والاذان مركب عبادي والزيادة بقصد الزيادة بدعة ويجوز الاتيان به كالصلاة على النبي وآله عند ذكره في الاذان فهذا ليس بقصد الجزئية والزيادة وانما يأتي بها في اثناء الاذان فالمجيء بها اثناء ءالاذان بدون قصد الجزئية ليس محل البحث وليس محل الاشكال. لا هو كلام في الصلاة ولا في الاذان. انما ذكر عبادي لم يأتي بقصد الجزئية. هي مفاد الآية الكريمة وليس مفاد مرسلة الاحتجاج وتسالم عليه الاعلام ان مفاد آية اكمال الدين مفاده المطابقي الصريح هو ان الشهادتين يكملان بالشهادة الثالثة وهذا امر صريح ولا فيه أي محذور ويجزمون بذلك. انما اذا نقل عن بعضهم بالاحتياط فيما قصد الجزئية لا ما لم يقصد الجزئية. هذه نكات صناعية فقهية يجب الالتفات بها ويعززه ما استظهرناه من كلام السيد الخوئي. وهذا ما يجزم كثير من تلامذة السيد الخوئي مع تغيير في العبارة. لا سيما مراجعة كلامهم في باب خلل الصلاة في عنوان الزيادة وهناك يصرحون انه بقصد الجزئية لا يكون شيئا داخل الصلاة بل شيء اجنبي.

هذا فيما قصد الجزئية والشرط أوضح ان التشريع بها اثناء الصلاة لا يخل بالصلاة. هذا كله بلحاظ التشريع في الجزء والشرط.

اما التشريع في المعاملات فمن الواضح كما قالوا انه لا يخل بالمعاملة. وان ارتكب اثما. لان النهي التشريعي في المعاملات لا يفسد المعاملة باعتبار ان المعاملة ملاكها يختلف عن ملاك مفسدة حرمة التشريع. مادام ان المعاملة يصدق عليه المعاملة عرفا. هذا كله في النهي التشريعي.

بقي عبارة من كلام المحقق العراقي: عنده تفصيل آخر في النهي التشريعي. ان التشريع انما يصدق تشريعا محرما اذا قصد من هذا الحكم المبتدع او الشيء المخترع اسناده الى الشارع ونسبته الى الشارع فيكون افتراء. فالتقنين المخترع الذي يسند الى الشارع فهو تشريع محرم. اما لو قصد العقلاء بتوافقات مدنية وما شابه ذلك على تقنينات يستحدثونها في ما بينهم وان لم ينزل الله بها من سلطان. لكن ما يسندونها للشارع ولا ينسبونها للشارع. حينئذ هذه التشريعات والتقنينات لا يصدق عليها انها تشريع محرم. فما الضير في ذلك. كانما قسم التشريع بالتشريع المستند الى الشارع فهو حرام اما لاتشريع المدني العقلائي بهوية العقلاء من دون ان ينسب الى الشارع بل يقر انه ليس من الشارع فهذا ليس تشريعا محرما. فلا يطرء عليه نهي محرم.

تارة يقصد به محق الدين ومعاداة الدين فهذا عنوان آخر. وان لم يكن من عنوان الدين لكن عنوان المواجهة والعداوة فهو حرام. الكلام فيما اذا جاءوا به من دون اسناد الى الشارع ولا من دون عداوة. فلا تتعلق به حرمة تشريعية او نهي تشريعي. هكذا عند المحقق العراقي.

احد الجدليات اوالاثارت في الطرح المدني هو هذا نفسه. الكلام في خصوص الحرمة التشريعية والتشريع المحرم فقد يكون لكلام العراقي وجه. لكن الكلام ليس فقط في خصوص الحرمة التشريعية او التشريع المحرم. بل الكلام في ان هذا العمل جائز او لا؟ قد تكون الحرمة لا من جهة التشريع المحرم. «﴿آلله أذن لكم أم على الله تفترون﴾» من جهة أخرى محرم وهي ان الشارع لم يعطنا صلاحيات ان نشرع احكاما لانفسنا بانفسنا وان لم نسندها الى الشارع. منطقة الفراغ مسامحة ولها معنى آخر ان صح التعبير ولا يصح.

الوقفة التأملية مع المرحوم العراقي او أصحاب الطرح المدني الان عصريا او الحداثويين في ان الكلام ليس في خصوص الحرمة التشريعية وفي خصوص تعلق النهي التشريعي بهذه التقنينات المدنية. بل الكلام في ان التقنين لانفسنا من انفسنا من دون وحي عن الشارع هل سوغه الدين لنا؟ آيات كثيرة في القرآن الكريم تحصر التقنين وصلاحية التشريع به تعالى لا بغيره.

مثل « ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾»

مع ان قوم نوح لم ينسبوها الى الله بل هم قننوا هذه الأمور في ما بينهم وكثير من الأمم او الاقوام التي حلت عليهم النقمة والعقاب في دار الدنيا لا ينسبون تقنيناتهم الى السماء لكن الله يسمي هذا العمل منهم افتراء على الله. يعني نزله بمنزلة الافتراء وهويعني ان هذه الصلاحية لله تعالى لا لكم.

اصل «ان الحكم الا لله» «﴿يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت﴾» لا يريدون ان ينسبوه الى الله تعالى سواء في الفتيا او غيرها حتى في الوالي السياسي. الباري تعالى يقول: «﴿قد امروا ان يكفروا به﴾» هو يأذن ولا يأذن وليس من صلاحية احد. «قل الله يفتيكم» المقصود اذا نتبع الآيات والسور العديدة الكثيرة يحصر الله عزوجل صلاحية السلطة التشريعية والقضائية والسياسية التنفيذية به تعالى.

ان قلت: ماذا عن «﴿اوفوا بالعقود﴾» و«﴿احل الله البيع﴾» والسير التي تمضى والسير التي لا يردع الله عنه و الاعلام اكتفوا بعدم الردع في الامضاء. فكيف؟

الجواب: الامضاء نوع من تحكيم حصر الولاية بالله تعالى. والا لماذا يقولون انه يكفي عدم الردع في الامضاء. قد يعطي الشارع مجالا لتشريع العقلاء. ان العناوين التي رتب الله تعالى عليها آثارا وتلك العناوين من العناوين العقلائية هذا نوع من تأييد الشارع وامضاءه. هذا نوع من إعطاء صلاحية التشريع للعقلاء بحدود وضوابط. كذلك الله يعطي الله عزوجل صلاحية التشريع لاوصياء النبي. هم لا يتخطون الحدود الشرعية والقيود ومن ثم حكمهم يسند الى الله. كذلك يعطي التخويل للفقهاء لكن في طول حكم الله وحكم الرسول والأئمة. سنخ التقنين الدستوري يختلف عن سنخ التقنين البرلماني وعن التقنين الوزاري والبلدي وهلم جرا. الفقهاء يعطون صلاحية التشريع بهذا المعنى يعني الضوابط والقواعد الموجودة يطبقونها بتركيبات موزونة وبصياغات مختلفة. وهذا ليس تشريعا من الفقهاء مبتدأ بل هذا تشريع بمعنى التفعيل. والا الفتيا هي ولاية تشريعية.

سنخ الولايات التشريعية للنبي تختف عن الائمة والولاية التشريعية لهم عليهم السلام تختلف عن ولاية الفقهاء وهم يختلفون عن السيرة العقلائية. بعبارة لما يعطي الشارع للعقلاء ولاية للتشريع لانه يرى في هذا القالب المحدد لهم هو في جادة الشارع نفسه وليس خارجا عن ذلك. فاذا ما هو موجود من تقنيننات العقلاء تخويل من الشارع للولاية التشريعية للعقلاء لا ان التقنينات ا لعقلائية بحيال نفسها برأسها منعزلة عن امضاء الشارع يأخذ بها. ليس لنا رخصة في الاخذ بها من دون امضاء الشارع ولو بعدم الردع. استكشاف الامضاء بعدم الردع لا يعني انه في مناطق عدم الردع للعقلاء صلاحية التشريع من انفسهم. صلاحية التشريع من الله وتعطى للعقلاء بضوابط وحدود.

لذلك ان تقنين العقلاء من دون امضاء الشارع ورخصة الشارع لا يسوغ في الدين ابدا. ولابد لنا ان نأخذ بدين الله وهو يحصر الولاية التشريعية والقضائية والسياسية به تعالى. «﴿الله يخلق ما يشاء ويختار﴾» «﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك﴾» صلاحية القضاء لك يا رسول الله.

اذا الصحيح لابد من رجوع هذه الصلاحيات والولايات الى الله تعالى. «﴿انما وليكم ...﴾» حصر للولاية لله تعالى ثم الرسول ثم اهل البيت عليهم السلام.

اذا دعوى ان التشريع العقلائي فيما بينهم لا مؤاخذة عليه ليس تشريعا محرما وليكن ليس تشريعا محرما لكن هو تشريع محرم من جهة أخرى. يعني تشريعا محرما من جهة اسناده الى الله والكذب على الله ورسوله بل من جهة انه تدخل في صلاحية تشريع الانسان المملوك والمربوب ان يشرع لنفسه ما يشاء ويشتهي.

نعم الشارع اعطى التخويل للعقلاء وافراد العقلاء في التشريع مثل النذر ان يشرع لنفسه والعهد واليمين والشروط والتعاقدات. هذه صلاحيات لتشريع تذييلي تبعي لتشريعات الشارع. مثل قوله تعالى لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله «﴿يا أيها الرسول لم تحرم ما احل الله لك﴾» يعني بالنذر. لا انه ابتدأ بالتحريم. اطلق الله عزوجل على النذر بانه تحريم. المقصود هذه الموارد لا نخلط بينها وبين ان العقلاء برأسهم منحازين عن ترخيص الشارع لهم صلاحية ان يقننوا ويتداينوا فيما بينهم.

logo