« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

منهج دراسة متن الخبر مدارا لا الطريق/ النهي عن العبادات والمعاملات (34)/النواهي

الموضوع النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات (34)/منهج دراسة متن الخبر مدارا لا الطريق

 

في النهي عن المعاملات بقي الاستدلال بما ورد في زواج العبد فضولة من دون اذن سيده يعني تزويج نفسه بنفسه هناك من استدل بان هذه الروايات الواردة تدل على ان النهي عن المعاملة لا يوجب الفساد وهناك من استدل على العكس ان النهي في هذه الروايات يقتضي الفساد وهناك من قال ان هذه الروايات لا دلالة لها لا على الفساد ولا على الصحة.

ملخص مفاد هذه الروايات ان عبدا عقد النكاح على امرأة من دون اذن سيده ويسأل الامام عليه السلام ان هذا النكاح صحيح ام لا؟ طبعا النكاح من دون إجازة المولى لا يتم. فاذا أجاز المولى يصح ام لا؟ قال عليه السلام يصح اذا أجاز مولاه لانه انما عصى مولاه ولم يعص الله تعالى.

المفاد الاولي لهذه الروايات انه لو كان عصيان الله لما أمكن تصحيح العقد ولابد من انشاء جديد لكنه عصى مولاه من دون الله فيمكن تصحيح العقد.

فهذه الروايات الشريفة خاصة صحيحة معتبرة في تفسيرها الاعلام لم يعتمدوا عليها واستعانوا بالقواعد الأولية.

هذه المنهجية ان الأصول التشريعية في كل باب محكمات يعرض عليها روايات الباب ولا يعبأون ولا يجعلون المدار على صرف السند بل يجب ملاحظة المتن. كل متن قانوني يعرض على ما فوقه من المتون القانونية المحكمة واشد احكاما منه. هذه سيرة الاعلام حتى سيرة النائيني والسيد الخوئي ارتكازا وهذه سيرة عقلائية ان شاء الله سنذكرها في مبحث حجية الخبر ان السيرة العقلائية ادعيت على حجية الخبر ليس بصحيح بل هناك سيرة عقلائية امتن منها وهي الصحيح ان دراسة المتن على أصول ثابتة بحسب كل علم من العلوم الشرعية وكل باب وكل مسألة عرض المتن على الوارد على الأصول الشرعية الثابتة مع درجاتها هو المدار في التضعيف والتصحيح ثم صحة الكتاب ثم صحة الطريق. صحة الكتاب وصحة الطريق انما هي قرائن ذيلية وليست أعمدة محورية للحجية عند المشهور. هذا مع ما هو موجود من العلم الإجمالي بالتراث. فالمدار على «خذ بما اشتهر بين اصحابك» و«دع الشاذ النادر» و«اعرضه على الكتاب والسنة ودع ما خالفهما» يعني أصولا تشريعية والمحكمات.

العقلاء كما ذكرت في عدة موارد من الاخوة والفضلاء والأساتذة انه لو صدرت قوانين وزارية وصدرت قوانين بلدية رسمية من طرق رسمية ما يعبأون بالصدور الرسمي. هذه كانما وظيفة ظاهرية واذا أرادوا التثبت بشكل واقعي على هذه القوانين فالمحكمة الدستورية تعرض هذه القوانين على متن الدستور وان طابقتها فيقال انها قوانين دستورية وان لم تطابقها يقولون هذه قوانين ملغية. فدور الطريق المتني دور من لا يستطيع ان يفهم المتن ومن يعجز عن دراسة المتن. بتعبير الشيخ الطوسي الذي يجمع بين المبنيين مبنى القدماء وغيرهم ويقول انه هو الأصل والصحيح واعتمد عليه لكن ان عجزنا عن هذا الطريق تأتي نوبة الوظيفة الظاهرية والطريق الرسمي وصحة الكتاب وصحة السند.

فنلتفت اليه ان الصحة والحجية لا تدور مدار الطريق بل العمدة وعمود الخيمة للحجية انما على المتن لا على الطريق. هذا مبنى الشهيد الأول. وكان المحقق الحلي بينا بين وبعض الموارد يبني على الطريق. يسمى اصطلاحا في مبنى القدماء انا نعتمد على الخبر العلمي مع الشواهد والقرائن ولا نعتمد على خبر الآحاد.

المتاخرون لم يكتشفوا لهم حقيقة مراد المتقدمين وقالوا انه عدم العمل بخبر الواحد واذا لم نعمل بخبر الواحد كيف يمكن لنا الاستدلال في كل الأبواب والشريعة. لكن القدماء ليس ينفون بخبر الواحد بل يقولون يجب ان ينضم اليه قواعد فوقية واصول فوقية حينئذ يمكن ان يعتمد عليه. يجب ان يقرأ ويتناسق مع منظومة التشريع. لا يمكن أصلا ان يعمل به وحدها. حتى خبر متواتر من دون ان ينضم اليه بقية المتواترات لا معنى له. فهذا هو المسلك الصحيح عند القدماء وهو الصحيح والمتين.

لاحظوا هنا: كما انه يمكن للرواية وجوه للاعراب هكذا وجوه الاستنباط شبيه وجوه الدلالة المختلفة عبر قواعد الاستنباط لا بحسب القواعد الأدبية فقط. فمن اين يستخلص حصيلة مفاد الروايات المتعددة؟ لابد من ملاحظة الأصول الثابتة والقواعد الثابتة ونعنيها بما ينسجم مع هذه الأصول والقواعد ونعمل بها.

هذه منهجية حتى السيد الخوئي والنائيني لا يقبل ولم يرتضي ان يعمل بظاهرها الاولي بل حاول ان يقرأ ضمن الأصول الثابتة والقواعد الثابتة. ضعف الطريق وصحة الطريق نسبة مأوية تعتبر قرينة للمتن وليس عمودا فقرية. نعم لها دور لكن لا تعتبر الأساس. العلم الإجمالي بالتراث هو مسلك المشهور.

حاولت ان انبه ان متاخري العصر لا مفر لهم عن منهجية القدماء. مع انه ليس في البين تعارض وليس من باب الترجيح بالكتاب والسنة بل من باب اصل حجية هذه الروايات وقرائتها ضمن الأصول الثابتة في كل باب وكل مسألة. لذلك لاحظ الشرائع عندما يقول ان هذا العنصر اشبه باصول المذهب وقواعد المذهب واشبه بالمذهب فيستعين بالاصول التشريعية الثابتة. من الخطأ جدا قرائن أي قوانين تفصيلية من دون طبقات للقوانين الفوقية.

هذا ما يشير اليه كاشف الغطاء في اول منهاج الرشاد في المقدمة يذكر المنهجية في الاستنباط من ان الفقيه اذا ما يراعي هذه الأصول التشريعية يمكنه ان يتلاعب بالفقه. لابد ان يجعل وصاية وقيمومة وهيمنة للأصول الثابتة الشرعية وهي تحفظ هوية الفقه والدين.

من هذا القبيل عشرات موارد التي يذعن الاعلام حتى السيد الخوئي ان السند ليس كل شيء بل كل شيء هو المتن والأصول الثابتة.

نرجع: فسرت هذه الروايات بعدة تفاسير:

احدها: انه لم يعص الله وانما عصى مولاه فعقده صحيح.

قبل التفاسير الصناعية: الفهم له دور في الحجية والافتاء والقضاء. صرف الرواية مع انها عظيم ومجرد التمسك بظاهر الرواية لا يسوغ الإفتاء والافتاء يعتمد على الفقه والفهم والفقه يعني المجموع والمنظومة. تشديد الشيخ المفيد و المرتضى على من يعمل بخبر الآحاد من جهة ان خبر الواحد منفرد عن بقية الأدلة. هذا غير معقول. فلابد ان يكون ضمن المنظومة.

تساؤل موجود في هذه الروايات قبل ان نتعرض التفاسير الصناعية وهو ان عصيان المولى أيضا عصيان الله تعالى. هناك تشريع بلزوم طاعة العبد لمولاه. بالتالي عصيان المولى أيضا عصيان الله تعالى. هذا ابهام في مفاد الروايات حسب القواعد.

اجيب عن هذا التساؤل بتفسيرات. قالوا ان المراد من «لم يعص الله» يعني لم يعص الحكم الوضعي لله. لو كان الله تعالى نهى نهيا تكليفيا ووضعيا عن الشيء فلا يمكن تصحيحه. اما عصى مولاه يعني نهيا تكليفيا محضا. بناء على هذا التفسير ولعله تفسير قريب ومتين فهذه الروايات خارجة عما نحن فيه.

دراسة المتن تجعلك تفهم ان هذه الروايات مربوطة بالبحث او غير مربوطة. دراسة اجتهادية استنباطية بالدليل الاجتهادي لا الطريق.

جملة من الاعلام عاصرناهم وتتلمذنا عندهم لما يقرأ عندهم رواية بالسند كانوا يقولون لا تقرأ السند بل اقرأ الرواية حتى نرى ان الرواية مرتبطة بما نحن فيه او لا. بعد ذلك يأتي دور الطريق. فالارضية والاساس أولا وتصورا لاي مادة استدلالية هو المتن لا الطريق. وهناك شواهد كثيرة احد الاخوة وجد من كلمات الشيخ الطوسي ان جل مبنى الجرح والتعديل في الرجال قائم على المتن الذي يرويه الراوي ويظهر عقيدته لا ان المتن يعتمد على توثيق الرواة. ذكرناه في المجلدات الثلاث في الرجال. توثيق الرواة من ستة عشر طريقا لمعرفة الراوي هو المتون التي يرويها. منهجه اموي او علوي ومنهجه مستقيم او مع الفرقة الفلانية. يعرف من المتون التي يرويها. فهذا التصحيح من الشيخ الطوسي مع انه ابن بجدتها وهذا بغض النظر عن تصحيح الشيخ الطوسي الممارسة العملية لمن يمارس الرجاليين عمدة مسلكهم لمعرفة الراوي هو المتن. نفس تبني الراوي بغض النظر عن ان هذا المتن صدر من الامام او لم يصدر ورواية الراوي لهذا المتن نوع من القبول والتبني سيما في مجموع المتون. يظهر لك ان الراوي ما هي مدرسته. مثلا الرجال العامة عندما يقولون في راو ان فيه الرفض لانه يسب الصحابة. باصطلاحهم والا الصحابة هم الأنصار وقليل من المهاجرين بالهجرة الجغرافية. ان المتن هو الذي يفسح لك عن حال الرواة وهذا له شواهد كثيرة. كما يقول امير المؤمنين ان المرء مخبوء في طي لسانه. وليس بالملبس والثوب. يعني المتن الذي يرويه. هذا هو منهج الرجال عند المشهور.

أتذكر فترة من الفترات كنت اتعجب ان سعيد بن مصيب هذا الفقيه العامي من حواري الامام زين العابدين. هل كان بهذا المقدار من الخفاء والتقية. وجدت ان سعيد بن مصيب يقع راوية للروايات في طعن الصحابة بالمصطلح عندهم لا بالمصطلح الوحياني.

هذه نكتة ان الصحابة بالمصطلح القرآني والوحياني لها معنى غير الصحابة التي مسخت معناها. كل من لاقى النبي وعاشره وشرحت هذا المطلب الصديقة في خطبته. وهذا للأسف مغلوطة دخلت في الحوار المذهبي والحال ان الصحابة لها معنى آخر في القرآن. كما ان بحث الفتوحات أيضا هكذا. والحال انها كلها بإدارة وتدبير من امير المؤمنين عليه السلام في نصوصهم. كثير من المغالطات المعرفية لازالت باقية.

المهم ان دراسة الشخصيات بالمتن. سعيد بن مصيب وجدت انه يروي روايات مهمة في أبواب عديدة ف يالطعن على الصحابة في المصطلح عندهم. في القرآن تأكيد شديد على معنى الصحبة التي لا تنطبق حتى على من كان قريبا جغرافيا من النبي. كل هذه الآيات في الصحبة ما تنطبق على من كان يساور النبي قريبا جغرافيا منه. لكنهم يعممون هذه القيود والحال انها مشددة.

وجدت ان سعيد بن مصيب يروي الروايات بشكل خفي وذكي وحافظ على هذا التراث. ورأيت منه بسمات أخرى في فضائل اهل البيت. ويعرف الانسان من المتون التي يرويها. دراسة المتن هي المحكمة لا ان المحكم هو الطريق في نفسه.

 

logo