46/07/21
النهي عن العبادات والمعاملات (25)/ مبحث النواهي/الالفاظ
الموضوع: الالفاظ/ مبحث النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات (25)
ثنائية المسألة الأصولية والفقهية (2)
كان الكلام في إجراء الأصل العملي لو شك في اصل هذه المسألة الأصولية في اقتضاء النهي. فمر ان المسألة الأصولية غالبا في أغلب المسائل الأصولية حالة سابقة غير موجودة لان البحث في المسائل الأصولية غالبا في الالفاظ او حتى في كثير الحجج هو بحث عن الثبوت. والبحث الثبوتي يختلف عن الاثباتي.
البحث الثبوتي يعني لوازم الماهية ومعروف في البحوث العقلية ان لوازم الماهية كانما مباحث ازلية مثل علم الله عزوجل بالمخلوقات الحادثة ازلي وان لم يكن ذات المعلوم ازليا لكن علم الله به ازلي. مثلا من هذا القبيل. من ثم فرق في مباحث المعقول سواء كلامية او فلسفية بين ماهية الممكن وبين وجود الممكن او حدوثه او خلقه او ايجاده. بناء على جملة من المباني. فالماهية يعتبرونها ازلية يعني ان علم الله بها ازلي.
المهم من ثم الشيء بما هو شيء او شيئية الشيء بما يرجع الى ماهيته ومفهوم ذاته بما هو، يختلف عن فرض وجوده. على كل هذا باب واسع. «هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا» لم يكن شيئا او لم يكن شيئا مذكورا. على كل هذه بحوث يعبرون عنها انها معلومات ازلية في علم الله تعالى.
اجمالا فليس لها حالة سابقة وليس لها حدوث «امتحنك الله الذي خلقك قبل ان يخلقك» فالامتحان ازلي في عالم العلم. «فوجدك لما امتحنك صابرة» هذه لا ينافي الاختيار.
البحوث الثبوتية في المسائل الأصولية ازلية وليس لها حالة سابقة. هذا دليل على ان علم الأصول نصف مباحثه عن المباحث الثبوتية. ليس البحث في هذه المباحث عن دليلية الدليل. لانه عرف علم الأصول بانه علم عن دليلية الأدلة سواء ادلة الأربعة او مطلق الأدلة. هذا نصف علم الأصول والبحث الاثباتي والكاشفية والطريقية. النصف الاخر من علم الأصول الأصلي هو البحوث الثبوتية و هذان النصفان ليس الترتيب بينهما ذكري ومكاني بل هما متوازيان في كل المسائل. كل مسألة بعد منها ثبوتي وبعد منها اثباتي.
كما في علم البلاغة علوم ثلاثة. علم المعاني عن المعنى بما هو وعلم البيان جسر بين المعنى واللفظ وعلم البديع علم زخرفة اللفظ. فعلم الأصول مشكل من علمين أيضا.
فاذا اريد تحرير الأصل العملي بلحاظ الجانب الثبوتي وليس لها حالة سابقة ولا تترتب عليها آثار في نفسها.
ثم تصل النوبة الى الشك في الأصل العملي في المسألة الفقهية والحكم الفقهي.
طبعا فيه تساؤل من باب الاثارة العلمية: لماذا لا نفكر عن البرائة او الاحتياط؟ لا يمكن تصويرهما في المسألة الأصولية؟ اذكركم بهذا المطلب وان يكون ايهاميا.
في مبحث حجية الظنون كخبر الواحد او الشهرة او القرائات والظنون الكثيرة، في البداية اسسوا هذا التأسيس انه لم يصل الباحث في ظن من الظنون بدليل على الحجية فعند الشك الأصل عدم الحجية. الشك في حجية ظن من الظنون مسألة أصولية وليست مسألة فقهية ومع ذلك اجروا اصل عدم الحجية.
طبعا ذاك البحث اثباتي وليس ازلية فلها حالة سابقة فيستصحب عدم تشريعه واعتباره في الشريعة. انسداديون الأصل العملي والوظيفة عندهم شيء آخر والتفصيل في بحث الحجج. اصالة عدم حجية الظن قاعدة غير صحيحة. لماذا؟ في محلها. بل الأصل الالزام بالظن.
أيضا في مسألة تنبيهات الظنون وتنبيهات الانسداد بحث الاعلام عن امكان العمل بالظن في الاعتقاديات وهي مسألة حساسة وكبيرة وبمناسبة البحث فيها بحثوا عن امكان الاحتياط في المسائل الاحتياط ام لا؟ وكيف يمكن تصوير الاحتياط؟ كما انه في تنبيهات الاستصحاب في احد التنبيهات هو هل يمكن استصحاب الشرائع السابقة؟ بالدقة هذا البحث هل يمكن استصحاب حكم مرتبط بالعقيدة؟ المقصود ان المسألة العقائدية او الحكم العقائدي هل يمكن فيها الاستصحاب او الاحتياط او العمل بالظن؟ العمل بالظن دليل اجتهادي والاستصحاب والبرائة او الاحتياط اصل عملي. وكان في المسائل الاعتقادية مفروغ منه عندهم ان المسائل الاعتقادية لا الدليل الاجتهادي يجري ولا الدليل الفقاهتي. بل في المسائل العقائدية ينحصر الدليل في القطعي. سواء من التواتر او البراهين او الايات. اما الدليل الاجتهادي الظني او الدليل الفقاهتي مقتضى القاعدة عدم حجية الظن فيه. خبر الآحاد ولو كان صحيحا لكن مقتضى القاعدة عدم الحجية فيه بل بتعبير المفيد والمرتضى والطوسي لابد من الخبر العلمي. العلمي يعني خبرا ينضم اليه شواهد ومحكمات وقرائن تفيد العلم لا اقل العلم العرفي ان لم يكن العلم العقلي. وهذا هوا لفرق بين القدماء قبل المفيد وبعد المفيد لا يبنون على حجية خبر الآحاد بل يعتبرون العمل بخبر الواحد في الدين بدعة او مسخرة. ابن قبة كان مبناه هذا لا انه يستشكل في مطلق الظن. هم كانوا يعملون بالخبر العلمي ومقصودهم العلم العرفي لا الوثوق. بل الذي يوجب العلم العرفي بالمتن. المقصود انه هل الحكم الاعتقادي نظير المسألة الأصولية لا يجري فيها الدليل الاجتهادي والفقاهتي؟
فيه ضابطة عند القدماء: في المسألة الأصولية سواء أصول الفقه او أصول الدين لا يجري فيها الدليل الاجتهادي ولا الدليل الفقاهتي. بل حصرا الدليل القطعي. هكذا الادعاء موجود ويعبرون عن المسألة الأصولية بكلا التعبيرين يعني أصول الفقه واصول الدين والاعتقاديات.
اجمالا فقضية تصوير إمكانية الاحتياط في مسألة أصولية من أصول الفقه او من أصول الدين جدل علمي موجود. هل يمكن او لا؟
أيضا في مبحث الانسداد هكذا يمكن الاستظهار من كلمات الاعلام سواء النافين او المثبتين يعني ان النافي للانسداد يبحث عن الانسداد ولو بحثا تعليقيا. هذه نكتة صناعية: هل تنقيح الحال في المسألة الأصولية في أصول الفقه حاكم من تنقيح الحال في المسألة الفقهية المتولدة من تلك المسألة الأصولية؟ المعروف عند الانسداديين ان اعتبار الظن الانسدادي بالطريق مقدم على اعتبار الظن بالحكم الفقهي.
بعبارة اخري: قالوا ان الظن الانسدادي بالطريق «يعني طريقية الطريق وهي مسألة أصولية وبمعنى حجية الطريق» مقدم على الظن الانسدادي بالحكم الفقهي «يعني الظن المتعلق بالواقع» الظن الانسدادي بحث اصولي في الحجية. الحجية في حجية الحجة مقدمة على الحجية في الحكم الفقهي. الطريق الذي يتعلق بطريقية الطريق بشكل طولي مقدم على الطريقية التي يتعلق بالحكم الفقهي والواقع. هذان دليلان اجتهاديان احدهما بالمسألة الأصولية والأخر يتعلق بالحكم الفقهي.
اركز على هذا المبحث والترتب الطولي بينهما لان هذه المباحث حساسة ولها آثار في القضاء والاجتهاد والتقليد وتبدل التقليد. بحث المسائل المعقدة في تصوير مسائل التقليد حلها بهذه الثنائي اذا التفت الانسان الى الرتبة والترتب الثنائي بينهما.
فدليل اجتهادي لكن تارة يتعلق بمسألة أصولية وتارة يتعلق بمسألة فقهية. ايهما مقدم. مر الان في الانسداد بحثوا عن ان الظن بالطريق هل مقدم على الظن بالحكم الفقهي والواقع؟ دليل الانسداد في الحجج والطريق مقدم علي دليل الانسداد في الفقه. اجراء الانسداد في علم الأصول مقدم على اجراء الانسداد في علم الفق. لانه لو لم ينسد الطريق في علم الأصول لا تصل النوبة الانسداد في علم الفقه. هذه المباحث نلتفت اليه. وفي علم الرجال أيضا هكذا. الانسداد في علم الرجال والانسداد في علم الفقه ما هي النسبة بينهما. رتبة الصغير مقدمة على رتبة الكبير. الانسداد في اللغة والانسداد في علم الفقه.
اذا دائما هذه الثنائي ملحوظ عند الاعلام في موارد عديدة. هذه المباحث غالبا لا يسلط عليها الضوء.
عند القدماء منهج صناعي من الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي أن الاحتياط في المسألة الأصولية يعني أصول الفقه يسوغ الفتوى به.
بعبارة أخرى: سبق ان اثرناه في الاجتهاد والتقليد وهو معقد ومبهم. الاستنباط فعل المجتهد. هذا الفعل فقهي او هو فعل علمي؟ يسمونه فعل علمي. هل هو مرتبط بعلم الأصول او علم الفقه؟ ربما عناصر من المواد الفقهية. علم بالفقه وربما عناصر من علم الأصول. الاستنباط شطران: شرط مرتبط بعلم الأصول وشطر مرتبط بعلم الفقه. ليس بالضرورة عمل محض فقهي. الاستنباط عبارة عن قسم طابعه علم الفقه وقسم منه طابعه علم الأصول. هذه الثنائي يجعل الانسان يحلل بالدقة.
الاستنباط ليس بالضرورة فقط في المسألة الأصولية بل العلم بالمسألة الفقهية. العلم بالحكم الفقهي. مر بنا الان ان الظن الانسدادي ليس حكما فقهيا. الظن الانسدادي بالحكم الفقهي. فيه ظن انسدادي بالطريق والطريق حكم اصولي والظن الانسدادي بالحكم الفقهي. الظن الانسدادي حكم اصولي. وان يتعلق بالحكم الفقهي. علم الأصول يتعلق بعلم الأصول وعلم الأصول بعلم الفقه. ترامي الدليل الاجتهادي وترامي الأصول. يقال ان اول من اثار هذا البحث بحر العلوم وذكرها الشيخ الانصاري عن بحر العلوم في تنبيهات القطع.
فهنا فيه مسألة معقدة: هل الاحتياط في الاستنباط (وهو فعل الفقيه التنظيري العلمي) يسوغ الفتوى؟ السيد المرتضى والشيخ الطوسي والمفيد يسوغون. ليس الاحتياط في الحكم الفقهي مثل الجمع بين القصر والتمام. هذا احتياط فقهي في الحكم الفقهي. اما الاحتياط في الأدلة المتضاربة في القصر والتمام في الأماكن الأربعة او كل المعصومين صلوات الله عليهم. وفيه اختلاف قسم يقول تقصير وقسم يقول التخيير وقسم مثل السيد المرتضى يقول بوجوب التمام تعيينا. فهناك احتياط فقهي تجمع بين القصر والتمام وفيه احتياط في نفس عملية الاستنباط. هل يتصور الاحتياط في العمل العلمي؟ كيف يتصور الاحتياط في العقائد؟ طبعا القرآن الكريم وسيد الأنبياء والائمة صلوات الله عليهم احتج على الجاهدين بالاحتياط في العقائد. كي تنجو. فالاحتياط في العقائد منجي اذا كان احتياطا.
هذا التصوير صعب. كيف يتصور الاحتياط في العقائد؟ هكذا في عملية الاستنباط، كيف يمكن الاحتياط في الاستنباط كعمل علمي. اذا انفتح باب الاحتياط سواء في العقائد او في الاستنباط هل الاحتياط مطلق او جزئي او متوسط؟ يمكن ان نحتط في خطوة واحدة من خطوات الاستنباط. مثلا الاستنباط عشر خطوات فلا اقل في خطوة واحدة. الاحتياط باب واسع. التفكير في هذه المسألة جيد.
المسألة الأصولية في الحقيقة هي شطر من الاستنباط وهل يمكن الاحتياط فيها؟ غالبا احتجاجات الشيخ الطوسي والمرتضى يحتجون بالاحتياط في الاستنباط. ما هو معناه؟
ان شاء الله نواصلها.