« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

أنواع التزاحم عند المشهور وندرة التعارض/ النهي عن العبادات (16)/النواهي

الموضوع : النواهي/ النهي عن العبادات (16)/أنواع التزاحم عند المشهور وندرة التعارض

 

كان الكلام في ان النهي يقتضي الفساد هل هو مخصص لأدلة العبادة او المعاملة او انه ليس مخصص بل انما هو ممانعة عن تحقق المأمور به خارجا وليس كل مانع تكويني او غير تكويني عن تحقق الامتثال او المأمور به يصنف انه دليل مخصص وهذا هو الفارق بين مسلك المشهور الى صاحب الكفاية ومسلك الميرزا النائيني رحمة الله عليه.

مثلا نلاحظ ادلة القواعد الثانوية الستة مثل الحرج والضرر والنسيان والخطأ نسبتها مع الأدلة الأولية نسبة عموم وخصوص من وجه وهذا التصادق ليس تصادقا اتفاقيا بل تصادق دائم وتصنف الواجبات الى الحرجية وغير الحرجية وكذلك الضررية وغير الضررية وهذا ليس صدفة. لكن مع ذلك المشهور لا يبنون على ان ادلة الضرر ولسان لا حرج او ما لا يطيقون وهذه القواعد الستة العذرية ادلة مخصصة للادلة الأولية. مع ان التنافي موجود ودائم. بخلاف الميرزا النائيني ومدرسته ومنهم السيد الخوئي. هذه نكتة ثمينة ان المراحل الممانعة او التنافي بين الاحكام ليس بالضرورة حتى لو كان دائميا أن يكون التنافي بين الاحكام ينجر الى التعارض والتكاذب.

من ثم المشهور بالدقة عندهم بين لا ضرر والأدلة الأولية العلاقة والنسبة حقيقتها التزاحم الملاكي وهو نمط من التزاحم يختلف عن التزاحم الامتثالي وعن التزاحم الاقتضائي. من ثم بنى المشهور على ان التزاحم أنواع وليس نوعا واحدا في مراحل عديدة ومعنى التزاحم في مقابل التعارض يعني ليس التكاذب وليس التخصيص وليس التصرف في التشريع. هذا فضلا عن ان المشهور حتى التخصيص عندهم ليس من التعارض والتكاذب ولو هو تصرف في التشريع لكن ليس بمعنى محو العام في منطقة الخاص بل تجميد مثل النسخ عند القدماء. اما التكاذب في اصل الانشاء فمورد نادر وقليل عند المشهور والا هم بالدقة تزاحميون في كل الطبقات طبقات التشريع وطبقات الفعلية وغيرها وكل تزاحم له نمطه وسنخه وتداعياته والجامع بين هذه التزاحمات عدم التكاذب وعدم التشريع بين الأطراف. هذا مبنى قويم ومتين عند المشهور. هذا يرجع في الحقيقة الى بحث أصول القانون. لان طبقات القانون عندما تتشابك لابد من الموازنة إما بحسب التعبد من الشارع او القواعد العامة عند التنافي.

حتى التخصيص عند المشهور ليس من التكاذب بل تزاحم لكن من نمط خاص فيجمد الخاص العام ولا يلغيه من رأس. اذا كان هكذا في التخصيص فكيف بك في البقية. فالتعارض المستقر بمعنى التكاذب نادرا يلتزم به المشهور في حالات نادرة. دائما عندهم الجمع أولى من الطرح.

حتى في مقام الاثبات وتنافي الأدلة الظاهرية بما هي ظاهرية حاكوية وكاشفية أيضا المشهور يتعاملون مع هذه الكواشف انها تزاحم مقتضيات. كيف هي مقتضيات مع انها طريق؟ في ملاكها الحاكوي والكشف فيه اقتضائات وهذا الكشف لا يفرط فيه وكذلك ذاك الكشف فيناسق وينسجم. يعني بحسب الملاك في الاحكام الظاهرية يتعاملون معها معاملة التزاحم بسحب سنخ الملاك الظاهري لان الطريقية أيضا لها نوع من الملاك. انصافا هذا المسلك جدا قويم ومتين للواقعي والظاهري الأدلة والثبوت. فكل هذه التنافيات عندهم لا تسقط الاحكام الظاهرية والواقعية بل يوجب التوليف بينها.

من ثم في باب التزاحم عندهم هذه القاعدة ان الجمع مهما امكن أولى من التفريط وطرح الرعاية. سواء على صعيد الفتوى من ان الفقيه يجب ان يراعي الاحكام في مقام التدبير ومقام تربية المكلفين على رعايتها من دون فتح باب التفريط فيها سواء بعلاج موضوعي او بعلاج محمولي. لانه دائما العوام عندهم هذه الذهنية ان العذر موجود فيفرط في المرجوح مطلقا. اذا يمكن العلاج الموضوعي فلماذا يصير التفريط. لذلك الفقيه يراعي كلا الجانبين على صعيد الفتوى في الشبهة الموضوعية والحكمية فعدم التفريط مهما امكن أولى. كذلك في باب الدلالة انهم كانوا يتعاملون معها معاملة التزاحم بنمط التزاحم بين ملاكات الاحكام الظاهرية. الملاكات التي هي من سنخ الاحكام الظاهرية ولا بأس به.

فالنهي يقتضي الفساد هل يعني التخصيص؟ المشهور لا يلتزمون بالتخصيص خلافا للميرزا النائيني. المخصص يمحو حصة من العام وزيادة على ذلك «هذا محل البحث في العام والخاص» ان المخصص ماذا يصنع بالعام؟ هل يكسب العام قيدا عدميا؟ المعروف هكذا. هذا بحث في التخصيص في باب العام والخاص والتقييد ان المخصص والمقيد بالتخصيص والتقييد يمحو حصة من العام على مستوى التنظير ويكسب العام قيدا عدميا بعدم الخاص. فيكون موضوع العام ومتعلق العام هو الموضوع العام الاولي العام بقيد عدم الخاص.

مثلا جهزوا كل ميت. وخرج منه الكافر. فمعناه ان جهزوا كل ميت غير كافر او بقيد عدم الكافر. هذا ليس محل الاتفاق عند متاخري الاعصار. بل هو مشهور متاخري الاعصار ان الخاص او المقيد يكسب العام قيدا عدميا واختلفوا في عنوان القيد العدمي ان هذا القيد هل بنحو النعت او بنحو الضميمة؟ فاصل انه يكسبه قيدا عدميا محل الخلاف بين متاخري الاعصار وربما بعض القدماء لكن الأشهر عندهم هكذا. ثم هذا العنوان العدمي باي نحو؟ اختلاف آخر.

المحقق العراقي عنده نظرية. طبعا هو رحمه الله في كل باب نظرية لكنه طبيته لا يلتزم بالنظرية التي يبتكره في باب كثيرا ما في كل الأبواب. عكس الميرزا النائيني انه غالبا اذا التزم بشيء التزم به في كل الأبواب ولذلك يقال ان اصوله مرتب. المرحوم الاصفهاني بينا بين.

المحقق العراقي يلتزم بنظرية في العام والخاص مهمة في كتاب المقالات وقلم معقد مع ان بيانه يقال بيان ساحرة وبين لكن في الكتابة جدا معقد. في المقالات هكذا يبني ربما في التقريرات في باب العام والخاص ان الخاص لا يتصرف في العام أصلا ولا يقتطع حصة ولا يكسب العام عنوانا عدميا فضلا عن الخطوة الثالثة العنوان النعتي. هذه التصرفات لا يرتضيها. تصرف الخاص في العام فيه زوايا أخرى لدعوى تصرف الخاص في العام. عند النائيني نظرية أخرى في تصرف الخاص في العام.

المهم تصرف الخاص في العام فيه جهات وزوايا عديدة ويلتزم بها الكثير. المحقق العراقي يقول ان الخاص لا يتصرف في العام. مثلا احد التصرفات يلتزم به النائيني ان بنيان الظهور الاستعمالي يتصرف فيه الخاص حتى المنفصل. اما الآخوند يقول لا. بنية الظهور الاستعمالي بل والتفهيمي بل حتى الجدي بالمعنى الأول باقي على حاله وفي الجدي النهائي الخاص المنفصل له دور. بخلاف الخاص المتصل. على كل الاعلام في تصرف الخاص المتصل والمنفصل عندهم بحث طويل. وبحث حساس وله ثمرات كثيرة لان يوميات الاستنباط ترتبط بها.

احد تلاميذ صاحب الكفاية السيد علي نجف آبادي او تلميذه السيد الفاني وقبله الشيخ الانصاري مثلا في جملة من الموارد الخاص يتصرف في العام تصرفا كبيرا يعني ينوع العام. مثلا اذا جاء دليل «كتب عليكم القتال وهو كره لكم» وجاء دليل آخر ان النساء معفوة. هذا الدليل منوع يعني يقول ان الذي خوطب هو الرجال. يعني قلع موضوع العام ونوعه. هذا تصرف آخر. المهم يجب ان يلاحظ الاخوة ان العام والخاص جرد لقائمة تصرفات الخاص في العام او المقيد في المطلق.

نرجع الى ما كنا فيه. ان المحقق العراقي يقول ان الخاص لا يتصرف بل صنع الخاص في العام شبيه ان احد افراد موضوع العام ينعدم. مثلا الباري تعالى يقول «انما الخمر و الميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان» فاذا تلف خمر من الخمور في الخارج هل هذا التلف الموضوعي الخارجي يسبب تصرفا في القالب الكلي للدليل؟ لا. انما انعدام المصداق ليس الا. كما في الشبهة الموضوعية انعدام المصداق يقول المخصص دوره هكذا انه يعدم المصداق. لا يقتطع ولا يجمد ولا يمحو. على أي حال هل هذا لكل خاص او بعض أنواع الخاص او ليس لدينا خاص من هذا القبيل فيه بحث.

اذاالخاص والعام والمقيد عجيب وفيه أنواع عديدة وهذا هو الذي نبني عليه انه أنواع.

المهم نقول ان المشهور القدماء لا يعطون مجالا للتصرف في التشريعات بسهولة بل يجعلونه في مراحل أخرى وهذا بحث قانوني في منظومة الاحكام ولها ضوابط عديدة متقنة.

نرجع : فصاحب الكفاية والمشهور ان النهي عن العبادة خمسة عبادة. النهي عن جملة العبادة المشهور يقولون ان هذا النهي ليس اقتطاع من العموم. ولا تخصيص ولا تقييد وانما هو مجرد انعدام المصداق. لذلك يعتبرونه غير مخصص. سواء في النهي في القسم الأول النهي عن العبادة برمتها او النهي عن الجزء او النهي عن الشرط وهلم جرا. فاذا على مبنى المشهور هذا التقييد العقلي ليس تخصيصا وانما انعدام الفرد بناءا على كلام المشهور افترض اتيت بسورة فيها آيات السجدة فالنهي عن قراءتها يفسد جزئية هذا الجزء. فالنهي التكليفي المحض اذا ورد عن الجزء غاية الامر يعدم الجزء لا انه يتصرف في التشريع. لابد من التبديل او الشرط كذلك فلابد من التبديل. هذا اذا كان شرطا عباديا. اما اذا كان شرطا توصليا يختلف وسيأتي بحثه. في الشرط فرق عن الجزء من زاوية أخرى يعني ان الشرط اسهل. ففي الجزء العبادي قابل للتدارك فكيف بالشرط.

اما الميرزا النائيني حيث جعل النهي العبادي المحض يتصرف في العام فيقتطع فيأخذ عدم هذا الجزء واذا اخذ عدم هذا الجزء يعني هذا الجزء مانع فيفسد المركب.

هنا السيد الخوئي مع انه غالبا تابع لاستاذه في أبواب أخرى لكن هنا رد على استاذه علميا وما قبله. ان جعله مانعا له مؤونة الجعل والتشريع ا لجديد. من اين اتى بها الميرزا النائيني. هنا تتمة على كل فيها تطويل لا نستعجل ونواصلها غدا.

logo