46/06/29
العبادة منوطة بالصحة الشرعية والعقلية/النهي عن العبادة والمعاملة (11)/النواهي
الموضوع : النواهي/النهي عن العبادة والمعاملة (11)/العبادة منوطة بالصحة الشرعية والعقلية
كان الكلام عن اقتضاء النهي التكليفي المحض الذي ليس مفاده وضعيا هل يقتضي الفساد الشرعي او العقلي؟
التقريب الذي ذكره الاعلام من ان المبغوض لا يمكن ان يتقرب به، هل هو فساد عقلي او فساد شرعي؟ قالوا انه فساد عقلي. ما الفرق بين الفساد العقلي والشرعي هنا؟
يمكن ان يتصور الصحة الشرعية مع الفساد العقلي. كيف؟ بعبارة أخرى ما الفرق بين الفساد الشرعي والفساد العقلي؟ كما مر ان الفساد الشرعي تقييد تشريعي في مراحل الانشاء او اخذ المانع الشرعي بعبارة أخرى. اما الفساد العقلي فهو محذور او مانع في مقام الامتثال من ان المأتي به لا يطابق المأمور به.
الفساد العقلي المفروض انه لا يكون تصرفا تشريعيا في المركب العبادي او المعاملي وانما هناك شيء دخيل في الصحة عقلا او عدمه موجب للفساد عقلا من دون تصرف في المركب. فكما ذكر الاعلام ان الصحة في العبادة «سيأتي بحث المعاملات» لا يكفي فيها الصحة الشرعية بل لابد زيادة على ذلك حكم العقل بالصحة ولا يكفي في العبادة عدم الفساد الشرعي بل لابد من عدم الفساد العقلي. هذا بحث مهم جدا.
بالضبط نظير ما ذكره الاعلام في التعبدي والتوصلي ان صاحب الكفاية واحد الاقوال التي مقررة في ذاك المبحث وتبناه صاحب الكفاية بجزم ولم يعترض الاعلام على قول صاحب الكفاية في نفسه في ذاك الباب ولكن قالوا ان هناك وجوها أولى او مقدمة في تصوير التعبدي والتوصلي ولا تصل النوبة الى مبناه في تصوير التعبدي.
صاحب الكفاية يرى ان الحكم بقصد امتثال الامر والحكم بالتعبدية حكم بجوهرة وروح العبادات. هذا المبنى شيء عظيم من جهة تصوير دخالة حكم العقل في الصحة والفساد رغم انه لم يرد في الأدلة الخاصة ولا العامة حسب مبنى صاحب الكفاية ولو لا يتبناه الاعلام لكنهم قالوا ان كلامه في نفسه سديد ومتين.
صاحب الكفاية يقول ان التعبدية التي هي جوهرة العبادات وروحها وقوامها ليست بالادلة الشرعية الخاصة ولا العامة وليست بتشريع من الشارع. رغم انه ركن اركان العبادات. العبادية وقصد امتثال الامر ركن الأركان بتعبير كاشف الغطاء وهو صورة نوعية للعبادة. هذا الذي هو ركن الأركان يحكم به العقل وليس به دليل خاص ولا دليل عام. ليس حكما عقليا مستقلا بل من الاحكام العقلية غير المستقلة. هذه ظاهرة صناعية مهمة ان في العبادات الحكم بعبادية العبادة بحكم العقل بالدليل الخاص ولا بالدليل العام وهذا لا ينافي بتوقيفية العبادة وليس بدعة من احكام العقل. حكم عقلي في ركن الأركان وحكم عقلي غير المستقل ويدرك بعض المقدمات ويحكم بذلك. اذا المركبات الشرعية كالعبادات ليس معنى توقيفيتها ان اخذ أي جزء وشرط فيها بالدليل الخاص ولا بالدليل العام ولا دليل تشريعي بل العقل من القرائن والشواهد المعينة يستنتج ويحكم. طبعا الاخباريون يستشكلون في هذا المبنى والحق هنا مع الأصوليين. العقل المستقل او غير المستقل اذا كان متقنا ووفق المقدمات الصحيح يمكن ان يعول عليه. التوقيفية ليست بمعنى لابدية التشريع الخاص او العام والدليل الخاص والعام. فما بالك في الشهادة الثالثة تتلكأ ونفس الكلام. الشواهد كثيرة قد تصل الى مأة وعشرين وجها غير الأدلة الخاصة والعامة. المقصود في باب العبادات عند الاعلام تسالم في التعبدي والتوصلي الذي هو سادسة المسائل العقلية عند صاحب الكفاية واجتماع الامر والنهي يقتضي الفساد ومقدمة الواجب وتجد سابعة وثامنة والضابطة المسائل ا لعقلية غير المستقلة وحصرها مسامحة اذا في باب العبادات علاوة على الصحة الشرعية لابد من الصحة العقلية وهذه الصحة العقلية لم تأت في الأدلة الخاصة والعامة بل العقل تستنتج من الملازمات والمقدمات الشرعية بالصحة والفساد. كما ان العقل تلزم بمقدمة الواجب. اذا باب المركبات العبادية بل المعاملية كما سيأتي لا يكفي فيها الصحة الشرعية والأدلة الخاصة والأدلة العامة بل لابد من الصحة العقلية وعدم الفساد العقلي.
هذا التقريب الذي ذكره الاعلام في القسم الأول من النهي في العبادة الذي يتعلق بجملة العبادة باعتبار ان المبغوض لا يتقرب به ولا يقبل هذا من احكام العقل فهذا فساد عقلي وليس فسادا شرعيا. ونعم التقريب.
من ثم نرجع الى الولاية انها شرط في صحة العبادات وانها غير بحث الشهادة الثالثة ان الولاية شرط في صحة العبادة من خطأ الاعلام انهم بحثوها من جهة الصيغة التشريعية مع انها وجوه ستة او اكثر موجودة في الروايات كما استقصيت في روايات الوسائل وفيه ادلة خاصة وعامة ولكن بغض النظر عن الأدلة العامة والخاصة لكن بالنصوص القرآنية لا يقبل العبادة بدون الولاية وعدم القبول بمعنى الفساد العقلي. فبحث الاعلام المتاخري الاعصار او بعض قليل من طبقات المتقدمة من القرن السابع والثامن ان الأدلة مفادها عدم قبول العبادة بدون الولاية يرد عليه انه من قال ان القبول فقط بالصحة الشرعية بل لابد من الصحة العقلية. ومن قال ان الفساد فقط من جهة التشريع يخل بالعبادة بل الفساد العقلي أيضا يخل بالعبادة.
اذا تمام البحث في الأبواب يجب ان يتناول الشئون العقلية. وهذه نكتة جدا مهمة. ان الاعلام بهذا الدليل الذي اتفقوا عليه في القسم الأول من تعلق النهي بالعبادة هذا وجه ليس للتقييد الشرعي وليس كلا صلاة الا بالطهور ولا صلاة الا بفاتحة الكتاب بل هذا نظير التضاد والتزاحم. وهو يخل بالصحة بالعقلية ولابد في العبادة والمعاملة علاوة على الصحة الشرعية بالصحة العقلية. وما هو الفرق الجوهري بين الصحة العقلية والصحة الشرعية؟ هو ان الفساد والصحة الشرعية تقييد على صعيد المرحلة الانشائية مثل ان الاستدبار مبطل او ان الحدث ناقض للصلاة تشريعا بالدليل الخاص واما الصحة الفساد العقلي ليس بحسب التشريع وانما نوع من التوليف والتناسق العقلي بين الاحكام. قال اذا شيء مبغوض تشريع مستقل وشيء مأمور عبادي له تشريع مستقل واذا اجتمعا لا يتم للمأمور به الصحة ولا تفرغ ذمتك مع ان ليس خلل في أي شرط من الشرائط الشرعية ولا أي جزء من الأجزاء الشرعية ولا اتيت باي مانع من الموانع الشرعية. وهذا المانع العقلي اتى به العقل بمقتضى التنافر الموجود بين الحرمة والوجوب.
بالتالي هذا الوجه الذي ذكره الاعلام يعطينا نظام صناعي في بحث العبادات ان يفتش عن الصحة الشرعية فقط بل لابد من الصحة العقلية والعقل يستفيدها بالموازنة مع الأدلة الأخرى وبالقطع واليقين ذاك الدليل ليس تخصيصا وتقييدا اصطلاحيا الا انه نوع من التضييق في مقام الامتثال.
عندنا تخصيص في مقام التشريع وعندنا تخصيص في مقام الامتثال ان صح التعبير. كيف مر بنا ان التخصيص والتقييد عند القدماء يختلف عن التخصيص والتقييد عند المتاخري الاعصار. التخصيص والتقييد عند القدماء تجميد بعبارة أخرى انه في المرحلة الثانية او الثالثة من الانشاء لا الأولى. ثمرته انه ليس في المرحلة الأولى انه في منطقة الخاص دولة العام لها وجود ملاكي لا انها ازيلت. دولة العام لازال لها جزور. ملاك العام موجود لكنها مجمد.و النسخ عند القدماء أيضا هكذا انه ليس محوا للمنسوخ بل تجميد.
اما عند المتاخرين الاعصار فالتخصيص والتقييد يبدأ من المرحلة الأولى. اذا جمعنا هذين المبنيين يكون مرحلتان من المرحلة الانشائية فيها تخصيص وتقييد وبينهما فرق. التخصيص في المراحل السابقة محو بخلاف المراحل اللاحقة. هنا نستكشف ان الصحة العقلية والفساد العقلية تقييد في المرحلة الفعلية او الامتثال. نوع من التقييد العقلي وفرق بين التخصيص العقلي والتخصيص الشرعي.
على مبنى القدماء التخصيص والتقييد في الانشائيات متأخر يعني بدون اعدام الملاك بل الملاك مجمد اما التقييد والتخصيص عند العاصرين في ثلاث قرون أخيرة محو في مقام الملاكات. اذا عندنا تخصيص وتقيد في المرحلة الأولى والثانية والثالثة وتقييد وتخصيص في المراحل العقلية كالفعلية والامتثال. فالملاك على حاله لكن العقل لا يصحح العمل في فراغ الذمة. فالعقل يحكم بحسب الأدلة.
لو افترضنا مفاد قوله تعالى «اليوم رضيت لكم الإسلام دينا» الإسلام هو الشهادتين؟. فيه تقريبات صناعية دقيقة انه متعرض للتشهد في الصلاة لو غضضنا النظر عن تلك الوجوه لكن «اليوم» يعني الشهادة الثالثة «أكملت لكم دينكم» يعني بدون الشهادة الثالثة الدين محو. هذا الدليل لا اقل في مقام الامتثال يقول لك ان الشهادتين بدون الشهادة الثالثة لا يرضى بهما الله. هذا اقل الأدلة. تصريح الآية الكريمة. الدين بدون الشهادة الثالثة لا يقبل.
البحث كلي وهو اننا لا نكفي في مقام العبادات بالادلة الخاصة او العامة التي تتعرض وضعا الى ماهية العبادات. بل هناك ادلة عقلية تتصرف في الامتثال. وهذا يخل بالصحة لان الصحة لابد فيها بالصحة العقلية أيضا. شبيه ما في العبادات ان العبادات لا يكفي فيها الصحة الشرعية بل الصحة الشرعية موقوفة ومنوطة بالصحة العرفية. هذا ناموس عندهم في باب المعاملات. لابد من الصحة العقلائية ثم تأتي الصحة الشرعية هكذا الحال في العبادات انه لابد من صحتين صحة دينية وصحة عقلية.
هذا البحث عند الاعلام عشرة قرون يعني ان اول من كتب رسالة في علم الأصول قبل الشافعي اولهم زرارة ابن اعين انه كتب مسألة في اقتضاء النهي الفساد او اجتماع الامر والنهي وهشام ابن حكم واسبقهم امير المؤمنين عليه السلام في رواية تفسير النعماني المعروفة بطرق عديدة يقسم العام والخاص والمبين والمجمل والناسخ والمنسوخ والامر والنهي وذكرته الصديقة سلام الله عليها في الخطبة الفدكية «ام انتم اعلم بخصوص القرآن من ابي وابن عمي» يعني الوصاية بعد النبوة وواضحة. تبويب علم الأصول ذكرته سلام الله عليها والتبويب يعني معادلات يرسم عليها الاستنباط. هم سلام الله عليهم دائما يعطون مفاتيح العلم. فتأسيسها في الحقيقة من امير المؤمنين وفاطمة سلام الله عليهما.
اذا هذه المسائل العقلية التي ابتدأها زرارة وهشام بن حكم بالدقة تعني ان الصحة في العبادات والمعاملات لا يكفي فيها الصحة الشرعية بل لابد من الصحة العقلية او العقلائية في المعاملات. اذا المحصل من هذا الدليل الذي اعتمده الاعلام في اصل المسألة نريد ان نقيمها علميا وصناعيا هذا مؤداها فساد عقلي وليس شرعيا.
هذا في كل الأبواب في الاستنباط وهذا العقل في الحقيقة ينظم بين الأدلة المختلة ومؤلف ومنسق قانوني. اذا تنافر الأدلة وتجاذبها او تعارضها بالمعنى اللغوي وتدافع الأدلة في كل مرحلة له اسم واقسام. لذلك عندنا التعارض لها اصطلاحات. فرق بين التعارض عند القدماء والتعارض عند متاخري الاعصار. التعارض عند القدماء يعني التزاحم الاقتضائي ولو في الدلالة بينما التعارض عند متاخري الاعصار تكاذب. عند المتقدمين توليف المقتضيات اما على صعيد الدلالة او على صعيد الواقع. نادرا كانوا يلتزمون بالتكاذب عند القرون المتاخرة او المعاصرة. عادة عندهم التعارض تزاحم المقتضيات.