« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الصحة العقلية والشرعية في العبادات والمعاملات/ النهي عن العبادات والمعاملات (7) /النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات (7) / الصحة العقلية والشرعية في العبادات والمعاملات

 

كان الكلام في اقوال الاعلام في الصحة الشرعية المجعولة والصحة العقلية المنتزعة عقلا من الجعل ومر ان بينهما فوارق.

مر ان هناك تفصيلا يذهب اليه صاحب الكفاية ان الصحة في باب المعاملات مجعولة في الحكم الكلي بالصحة وفي العبادات وافراد المعاملات منتزعة عقلية من انطباق المأمور به على المأتي به.

ومر شيء من الفوارق بينهما وسيأتي كثير منها.

بينما السيد الخوئي خالف صاحب الكفاية في الصحة في المعاملات المنحلة أفرادا بأن الصحة أيضا هناك شرعية بمعنى ان الصحة الكلية «احل الله البيع» تنحل للأفراد والبيوع الجزئية. وكذلك «التجارة عن تراض».

لماذا الاعلام ما اختاروا في العبادات الصحة المجعولة وجعلوها من الصحة العقلية المنتزعة؟ كذلك السيد الخوئي وصاحب الكفاية اختاروا الصحة الشرعية في المعاملات بالنسبة الى صحة المسبب وفساده لا السبب والفرق ان الصحة في المسبب وجود وعدم بان ماهية البيع إما موجودة او غير موجودة ومر بنا كرارا ان البيع الجزئي عند المتعاقدين في افق اعتبارهما سبب ومسبب وهو موضوع للبيع العرفي يعني ان البيع الجزئي عند المتعاقدين الشخصين موضوع لكلي البيع العرفي وهو ينحل منه بيع عرفي يرتبط بهذا البيع الجزئي. فالمرتبة الأولى بيع جزئي عند المتعاقدين و المرتبة الثانية بيع جزئي منحل من البيع الكلي العرفي. والمرتبة الثالثة «احل الله البيع» العرفي بمعنى الامضاء والصحة. فالبيع له مراتب بنحو السبب والمسبب.

طبعا النائيني في مورد في المعاملات يذهب الى ما ذهب اليه صاحب الكفاية وهنا ما صرح به وقبل القول الخامس من ان الصحة الواقعية غير مجعولة والصحة المجعولة هي الحكم الظاهري. حتى في أبواب الأصول كرارا يقبل ما يذكره صاحب الكفاية والان لسنا في صدد بيانه.

على أي حال فالبيع عند المتعاقدين جزئي والبيع عند العرف جزئي وكلي والبيع عند الشرع جزئي وكلي والصحة عند صاحب الكفاية صحة المسبب بمعنى وجودها وليس تركبا خارجيا بمعنى التمام والنقص.

احل الله البيع يعني امضى البيع العرفي. لماذا اقتصرت الصحة المجعولة الشرعية على المسبب دون السبب؟ قالوا لأن جعل الصحة في المسبب لابد من فرضها سواء فرضت صحة السبب او لم تفرض. يعني لو اعتبر الشارع صحة السبب فما الفائدة لو لم يعتبر صحة المسبب؟ اذا اعتبر صحة المسبب فلا حاجة لاعتبار صحة السبب لان اعتبار الوجود للمسبب هذا يعني تصحيح أجزاء السبب بالتبع انتزاعا فلا حاجة لجعل الصحة للسبب مستقلا. هذا ذكروه في باب الصحيح والاعم. النائيني أيضا ذكر هذا المطلب فيقولون ان الصحة في المسبب لابد من جعلها واذا جعلها الشارع فلا حاجة لجعل الصحة في المسبب لانه اعتبر وجود المسبب عند وجود سبعة أجزاء من العقد والسبب وهذا كاف في صحة السبب انتزاعا وتبعا. فصحة السبب مجعولة انتزاعا وغير اصالة وهي بادراك العقل فجعل صحة السبب لغو ان جعل صحة السبب فقط لا يكفي بل لابد من جعل صحة المسبب. هذا استدلال متاخري الاعصار على ان المجعول في المعاملات هو صحة المسبب دون السبب.

في باب العبادات هكذا: في باب الصحيح والاعم ذكروا افترض الشارع جعل الصحة للحج والطواف لابد ان يجعل امرا للصلاة امرا تكليفيا او امرا للصوم ندبيا او وجوبيا. اذا جعل الشارع جعلا تكليفيا متعلقا بماهية عبادية فلا حاجة حينئذ لجعل الشارع الصحة لمركب العبادات لانا ننتزع صحة انتزاعيا بإدراك العقل فلا محالة تكون الصحة عقلية بهذا المعنى حكما عقليا غير مستقل ينتزعه من الحكم الشرعي. فاذا في باب العبادات لا محالة لا تجعل للمركب العبادي صحة مستقلة بل المهم ان يجعل له الامر التكليفي. ومع جعل الامر التكليفي والاحكام التكليفية ينتزع العقل ان المركب تام او ناقص أي الصحة او الفساد. فاذا جعل الصحة الشرعية المجعولة في المركبات العبادية لا معنى له لغو ولا يخفى ان الصحة والفساد معنيان غير تكليفيين بل هما حكمان وضعيان.

فمحصل كلام الاعلام ان الصحة في باب المركبات العبادية الخارجية لا تجعل لانه يكفي جعل الامر التكليفي المتعلق بها لان الجعل الشرعي لغو. فالصحة في العبادات طرا صحة عقلية انتزاعية.

وكذلك الحال في السبب والايجاب والقبول في المعاملات ان جعل الصحة لها لا فائدة له لان العقل ينتزع ان السبب تام وصحيح او ناقص وفاسد. اذا في باب المعاملات الصحة المجعولة للمسبب فقط وهي الماهية المعنوية غير المركبة.

ما الثمرة لهذا التدقيق العلمي؟ الصحة العقلية يمكن ان تعالج اما اذا كان الصحة شرعية يصعب علاجها. وغيرها من الآثار. في الوضوء من باب المثال اذا غسلت اليسرة قبل اليمنى ثم غسلت اليمنى ثم تذكرت. هل تعيد الوضوء من الأساس؟ لا فقط تعيد الغسل اليسرى لان الفساد عقلي ولو كانت الفساد شرعية لابد من استئناف الوضوء. وكذلك الغسل وهلم جرا.

لكن لم يتضح لنا هذا الكلام من الاعلام في العبادات او المعاملات. لان جعل الصحة للمسبب لا يغني عن جعل الصحة للسبب بل ضرورة جعل الصحة في السبب قبل جعل الصحة في المسبب وكذلك في العبادات جعل الصحة للماهيات كالصلاة والصوم متقدم رتبة على جعل الامر التكليفي. هم ذكروا في باب قصد الامر وانشاء الامر لابد ان يتصور المولى ماهية العبادة ثم يأمر بها. هل يتصورها تامة او ناقصة؟ هذا معناه جعل الصحة. الصحة والفساد لهما ملاك.

بعبارة أخرى ذكرنا في باب الصحيح والاعم ان في باب المركبات العبادية لابد ان نفرض في رتبة سابقة على الامر بها جعل الصلاة ان تحريمها التكبير وتحليلها التسليم او ان الصلاة ثلثها الطهور وثلثها السجود وثلثها الركوع. ولا يغني هذا عن هذا ولا ذاك عن ذلك. الصحة في الوضع يختلف عن الصحة في التكليفي. السيد الخوئي ظاهرا بنى على هذا المطلب.

في باب المعاملات أيضا هكذا. للشارع أيضا اعتبارات في السبب كما نهى النبي عن بيع الغرر وكذلك. لان السبب مجعول مستقل. كما اذا يمتنع المسبب هل ينافي جعل السبب للمسبب؟ المسببات في المعاملات مترامية ومتعددة. مثلا في البيع مبادلة مال بمال فالمسبب الثاني واللاحق ملكية البايع للثمن وملكية المشتري للمثمن والمسبب الثالث حلية تصرف البايع في الثمن وحلية تصرف المشتري في المبيع والمسبب الرابع الوفاء للعقد. جعل ملكية البايع للثمن لا يغنينا عن جعل المسبب الثالث والرابع. هذه سلسلة الحلقات لابد من جعل كل حلقة وهو الصحيح. كما ان المتعاقدين والعرف يجعل والشارع يجعل ولكل أسباب ومسببات. فالصحيح ان الصحة مجعولة شرعا كما ورد ان الصلاة ثلثها الطهور وثلثها الركوع وثلثها السجود وليست هذه الأدلة ارشادا بل هو جعل. فالصحيح كما ذكرنا في ثلاث دورات ان هذه كلها مجعولات خلافا لكلام المتاخري الاعصار. ولها اثر. فالشارع يمكن ان يتصرف بلاتعاد. وليس تصرفا بالامر المتعلق بالصلاة بل هو تصرف في الصلاة.

يبقى الكلام في الجعل الكلي للمعاملات في السبب والمسبب والعبادات الكلية او هو يشمل الافراد الانحلالية؟ هذا بحث خاض فيه الاصوليون الكثير. انحلال الاحكام وهذه الافراد للحكم التكليفي المنحلة مجعولة او غير مجعولة؟ هذه الافراد للحكم الوضعي المنحلة مجعولة وصحة شرعية او انها انحلال عقلي؟ هذا جدل علمي موجود في الأبواب العديدة والثمرة نفس الكلام ان الشرعي لها آثار والعقلي آثار. الصحيح ما ذكره السيد الخوئي ان الامر من زاويتين. في عملية الانحلال ما يحكم به العقل لكن المنحل عقلي او شرعي؟ ادراك الانحلال والحكم بالانحلال عقلي ويدركه العقل النظري لا ان المنحل عقلي. هذا خلط وهذا يؤيد ما مر بنا ان السبب مجعول والمسبب مجعول والمتألف مجعول وسنتعرض اليه في الجلسة القادمة مفصلا.

logo