« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

معاني الصحة والفساد وتداعياتها الصناعية/ النهي عن العبادات والمعاملات /النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات /معاني الصحة والفساد وتداعياتها الصناعية

 

كان الكلام في مسألة ان النهي عن العبادات او المعاملات يقتضي الفساد.

ان النهي عن العبادة او المعاملة يقتضي الفساد ام لا؟ ما المراد من الفساد؟

طبعا معاني الصحة وتقابلها معاني الفساد ذكرها الاعلام في مبحث الصحيح والاعم حتى ان جملة من الاعلام هنا في تفسير الصحة والفساد يحيلون بقية البحث على الصحيح والاعم مع ان مبحث معاني الصحة والفساد في هذه المسألة «النهي يقتضي الفساد» هي النقطة المركزية فيه.

هنا عمق البحث في الصحة والفساد وبسط الكلام يحيله جملة من الاعلام حوالة الى بحث الصحيح والاعم وانصافا بسطوا الكلام هناك مفصلا وذكروا خمسة معاني للصحة والفساد او اكثر. وهذا يعزز ان المقدمات التي ذكرها صاحب الكفاية من المقدمات الثلاثة عشر ليست خارجة من علم الأصول فضلا عن ان يقال انها خارجة علم الأصول ومن فضول البحث والكلام. هذا عجيب. غالب تلك المسائل والمقدمات الثلاثة عشر التي مهدها صاحب الكفاية في الحقيقة مرتبطة صميمية باصول القانون. فمن ثم دعوى انها فضول الكلام فيه ما فيه. بل ذكرنا ثمة في تلك الأبحاث انها أولا من علم الأصول وزيادة على ذلك بل هي من صميم ومن المسائل المركزية من علم الأصول واصول القانون ولها تأثير كبير في الدليل الاجتهادي.

فالصحة لها معاني وكل معنى له يقابله معنى من الفساد؛ الصحة العقلية والصحة الشرعية المجعولة بالاصالة والمجعولة بالانتزاع والصحة بلحاظ الملاك والصحة العرفية والصحة بمعنى الوجود والعدم والصحة بمعنى تمام الأجزاء والشرائط وهنا ذكروا معنى للصحة وهو الصحة الناتجة او المتولدة من عدم النهي الذاتي وعدم الحرمة الذاتية وفيه الصحة بمعنى عدم الحرمة التشريعية او قل الفساد بمعنى المحرم ذاتا و الفساد بمعنى المحرم تشريعا.

ونبدأ الان فيه. ما الفرق بين الفساد الناجم المتولد والمسبب من الحرمة الذاتية التكليفية المحضة «كما مر بنا ان البحث ليس في النهي الوضعي لانه افادته للفساد مفروغ منه بل الكلام في النهي التكليفي المحض» وبين الفساد الناجم من الحرمة التشريعية؟ الحرمة التشريعية أيضا حرمة تكليفية محضة. لكن ما الفرق بين الحرمة التكليفية المحضة من النهي التشريعي وبين الحرمة التكليفية المحضة من النهي الذاتي؟

لنذكر بعض الفوارق ولو كامثلة كي نستكشف معنى الصحة في المقامين او الفساد فيهما.

مثال: صلاة الحائض تارة يبنى على انها فيها حرمة ذاتية يعني حرمة ناشئة من مفسدة خاصة فيسار الى الفساد بسبب ان الحرمة الذاتية التكليفية النفسية ذات ملاك تعلقت بصلاة الحائض وبالتالي يستدل على الفساد بوجوه.

التكليفية المحضة تعني ان عمومات الصلاة شاملة لصلاة الحائض مثل صلاة الجنب انه مكلف بالصلاة وان حصل بطلان في صلاته فمن جهة اخلاله بشرط الطهارة. طبعا في الجنب لا نفرض النهي عن صلاته خلافا للقدماء. يعني انه عند المتاخرين صلاة الجنب حرمته تشريعية لان الله لم يأمر بالصلاة بدون الطهارة فاتيانه بالصلاة بدون الطهارة تشريع ويذكرون ان التشريع لا ينحصر في الانشاء والإخبار. خصوص التشريع كإنشاء محرم يحصل بالفعل من ان المكلف اذا مارس فعلا بزعم انه من الدين فهذا الفعل منه تشريع وانشاء للتشريع بالفعل والعمل. من ثم يكون بدعة.

فالجنب لا يقال انه ليس مأمورا بالصلاة لكن صلاته ليس بصحيحة. هنا دقائق بحوث الصحة ومهمة والبحث أخذ طابعا صناعيا. هنا الخلل في صلاة الجنب ليس من جهة وجوب الصلاة. اذا من حيث قيود الوجوب يتوجه الى الجنب وجوب الصلاة. تارة عدم صحة الشيء لعدم الامر «يا أيها المكلف حجك لا تجزئ عن حجة الإسلام لانك لست مستطيعا» تكلفت الحج واغرقت نفسك بالديون وذهبت بحرج شديد لكن حجك ليس حجة الإسلام بناء على مشهور المتاخرين ان الاستطاعة شرط شرعي في مشروعية حجة الإسلام. السيد الخوئي يقول اذا عنده قدرة بالتسديد بالتدريج فالاستطاعة تحققت. لكن ليس عليك واجبا ان تحقق الاستطاعة. اكثر تلاميذ السيد الخوئي وافقوه فيه. اما فيه قول آخر انه حتى لو استطاع ان يسدد تدريجا او ما يستطيع الا ان يستوعب الاخرون دينه فلم تقع الحج صحيحا عن حجة الإسلام لا من جهة شرائط الواجب لانه اتى بكل شرائط الواجب. لذلك الاعلام اجهد انفسهم كالسيد اليزدي في مسائل كثيرة في العروة 110 مسألة وبحثوا عن التدقيقات رعاية لجهود المكلفين. فاذا هناك عدم الصحة من جهة الخلل في قيود الوجوب ولا ننغر انه اذا كان البحث عن الصحة يعني انه فقط في الواجب والمتعلق. بل الأهم أولا ورتبة ان تبحث عن قيود الوجوب. مثلا مسافر صلى قصرا وصلاته باطلة لانه خلل في قيود القصر والوجوب. فالخلل ليس من جهة شرائط الواجب بل من جهة شرائط الوجوب.

اذا عدم الصحة تارة لعدم المشروعية وما اتى به معذور اما معذورا لعدم علمه او غير معذور لعلمه. فاذا عدم الصحة في باب الحرمة التشريعية مع انها حرمة تكليفية محضة لكن عدم الصحة في الرتبة السابقة لعدم الامر وعدم التشريع. فمن الأساس لا امر في البين.

اذا في موارد الحرمة التشريعية عدم الصحة من جهة عدم التشريع وعدم قيود الوجوب واصلا دليل اقتضاء الصحة ما موجود. فالجنب اذا صلى بجنابته فعدم الصحة تستطيع ان تقول من جهة الحدث وتستطيع ان تقول ان الصلاة بلا طهارة لم يأمر بها.

الصلاة بدون الطهارة هل حرمتها من جهة الخلل في الواجب او من جهة الخلل في قيود الوجوب او كليهما؟ من جهة تستطيع ان تقول انه من جهة عدم الامر. فبهذه الحصة التي اتى بها لم يتعلق الامر وتستطيع ان تقول ان الخلل من جهة قيود الواجب. كلاهما صحيحان. والحرمة تشريعية لو تعمد ذلك.

الا ان الفرق بين الجنب والحائض ماهو؟ من هذه الزاوية فيه تشابه بين الجنب والحائض لكن فيه افتراق بينهما. ان الجنب مأمور بالصلاة بحصص أخرى اما الحائض ما مأمورة.

ما الفرق بين صلاة الحائض وصيام الحائض؟ صيام الحائض هي مأمورة به قضاء وان لم تأمر بها أداء. ماذا الفرق؟ بغض النظر عما قاله أئمة الاعجاز عليهم السلام. ان الصلاة اعظم من الصوم فما بال ان الصيام يقضى لكن الصلاة لا تقضى؟ بغض النظر عن ما قالوه عليهم السلام لكن كلامنا في هذا الجانب. هذه الحواريات المروية عندنا بين أئمة اهل البيت عليهم السلام والطرف الاخر واضحة عن انه نقض على مباني ابي حنيفة والمالك وابن حنبل. هو نقض على مبنى السلفية وهم قطعا التزموا به. هذه لم تجمع على حدة. كتاب الاحتجاج للطبرسي عظيم جدا ومضمونه اعظم من وثاقة الرواة. مع احترامنا العظيم للرواة. وثاقة الاحتجاج علميا واعجازيا اعظم من وثاقة زرارة وكل أصحاب الاجماع. وثاقة زرارة عظيمة وهو عالم ومجاهد في سبيل اهل البيت لكن وثاقة كتاب الاحتجاج في الأدلة لا يقاس به وثاقة كل أصحاب الاجماع. كان يقال ان وثاقة الصحابة مع الاعجاز العلمي في القرآن. لا قياس. البراهين الموجودة في الاحتجاج وثاقة الاعلام وعظماء المذهب واجماع الاعلام في طيلة التاريخ لا يقيس بالاعجاز العلمي لتحق العقول والاحتجاج. لسنا في صدد ان نصحح كل صغيرة وكبيرة. بل كلامنا في الكتاب كالتراث. لا يرقى وثاقتهم للعلم الموجود في الكتب وتحف العقول والاحتجاج واصول الكافي والتراث الشيعي. لا يرقون الى العصمة. لا يمكن ان اسدد التراث بالوثاقة في الرواة. حتى الوثاقة والعلم في الاعلام ترجع الى هذا العلم الموجود في التراث. هذا بيان اجمالي. «كفى بالله شهيدا» يعني العلوم القرانية ومن عنده علم الكتاب يعني العصمة وعصمة المعصومين وعلمهم هي الأساس. لا من جهة الصحابة او الرواة والاعلام مع احترامنا العظيم للرواة والاعلام والفقهاء. لا ننسى الموازين.

في كتاب الاحتجاج حجاجات لاهل البيت على رؤساء المذاهب من قبل الأئمة عليهم السلام لو تفرز من الكتب الحديثية شيء مفيد لانه فيه مباحث علمية و اعجازات علمية.

ان شاء الله غدا نواصل الفرق بين صوم الحائض وصلاتها

logo