« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

أنواع النهي التكليفي والفساد للعبادة/ النهي عن العبادة والمعاملة /النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادة والمعاملة /أنواع النهي التكليفي والفساد للعبادة

 

كان الكلام في النهي عن العبادة او المعاملات هل يقتضي الفساد ام لا؟ ومر ان المراد من النهي هو النهي التكليفي المحض وليس التكليفي والوضعي او الوضعي. لان النهي الوضعي دلالته على الفساد واضحة. وسيأتي معنى الفساد لان له معاني.

وطبعا بحثوا عن النهي التنزيهي التكليفي او النهي الغيري التكليفي وبالنسبة الى النهي الغيري قالوا انه ليس مندرجا في البحث لانه ليس منبعثا عن المبغوضية والمفسدة وانما هو تبع لأمر آخر او نهي آخر اما متعلق النهي الغيري في نفسه ليس مبغوضا للمولى وليس مشتملا على مفسدة وليس هناك موجب لتوهم الفساد اذا تعلق النهي الغيري للعبادة. ولو هذا الامر ليس مسلما لكنه لعل اكثر متاخري هذا العصر ذهبوا اليه والا جملة من القدماء إن لم يكن كثيرهم عندهم تأمل في ان النهي الغيري قد يؤثر في الصحة.

فاذا النهي الغيري خارج ويبقى النهي التنزيهي هل هو داخل ام لا؟ النهي التنزيهي كما مر بنا مبحث اجتماع الامر النهي اقسام وليس قسما واحدا. تارة نهي تنزيهي ليس نهيا عن نفس الطبيعة بل نهي عن خصوصيات مقارنة او مخصصة كما يعبرون ان هناك هوية نوعية للشيء وهناك هوية فردية للشيء والهوية الفردية تعني المشخصات المفردة له. هذا بحث تحليلي في متعلق الاحكام ان له هوية نوعية وله هوية فردية. فعلى أي تقدير النهي التنزيهي تارة يتعلق بمقارنات الطبيعة النوعية وليس عن ذات الطبيعة النوعية فليس له اشكال لانه ليس في ذات الطبيعة.

او مقارنات أخرى ليس مفرّدة وليست من هويته الفردية يعني هي طارئة على هويته الفردية فهذا اوضح او نهي تنزيهي ليس ناشئا عن المبغوضية بل ناشئ عن قلة الثواب كما مر بنا تفسير الكراهة في العبادات في مبحث اجتماع الامر والنهي فاذا لم يكن ناشئا عن المبغوضية ويكون متوجها الى ذات الطبيعة فلا يتوهم منه بطلان العبادة. يبقى فقط النهي التنزيهي الناشئة عن المبغوضية والكراهة الاصطلاحية المتعلقة بذات الطبيعة ولو بلحاظ حصة منها يمكن ان يندرج في محل البحث تبعا للنهي التكليفي التحريمي. باعتبار ان محل الاشكال واحد وهو المبغوضية. غاية الامر المبغوضية هناك الزامية وهنا ليست الزامية.

المهم ان البحث في هذا النهي في القسمين كلا القسمين تكليفيان محضا وليس فيه شائبة الوضع لانه اذا كان فيه شائبة الوضع دال على الفساد بلا كلام فيه.

نقطة أخرى: وهي انه ماذا المراد بالعبادة؟ هل المراد العبادة الفعلية التي يحصل التقرب بها او المراد منها العبادة الشأنية؟ طبعا هذا المبحث يثار في مواطن من مباحث الفقه ومواطن من مباحث الأصول. مثلا ان الحائض منهية عن الصلاة والنفساء وعن الصوم كذلك. هل هذا النهي تحريمي تكليفي او النهي إشارة الى عدم المشروعية؟ كما ان صوم يوم العيدين هل حرمة تكليفية او عدم المشروعية؟

ثم اذا كانت حرمة تكليفية كانما غير معقولة لانه اذا كان حراما تكليفية من الشارع فكيف تقع عبادة واذا لم يتمكن منها فكيف ينهى عنها؟ كانما هو دور. طبعا هذا البحث وهذا الجدلية لا يخلو عن الارتباط ببحث النهي عن العبادة. هل هذا البحث عين ما نحن فيه او غيره؟ ربما غيره. لان ما نحن فيه اذا اقترن النهي التكليفي المحض اتفاقا بالعبادة اما النهي عن الصوم في العيدين نهي دائمي وليس اتفاقيا وكذلك النهي عن الصوم والصلاة من الحائض. أصلا تصور هذا النهي التكليفي ما هو معناه؟ اذا كان النهي تكليفيا يعني انه مقدور واذا كان مقدورا يعني انه يمكن ان تتعبد به؟ يعني ان يمكن ان تتقرب به وكيف يمكن ان تتقرب به وهو منهي عنه؟ فالنهي التكليفي متقوم على التقرب والعبادة والفعلية وهي لا يمكن ان يفرض مع النهي فلم ينهى الشارع عنها؟ فيه جدلية وهذا البحث يثار في عدة أبواب أصولية.

من ثم قالوا ان هذا النهي عن العبادة ليس المراد منها العبادة الفعلية لانها غير مقدورة كي ينهى عنها اذاً يتعلق بالعبادة الشأنية يعني لولا هذا النهي يمكن ان يتقرب بها. فاذا اتت بهذه الصلاة فلو لم تقع فعلية صحيحة الا انه لولا النهي يمكن ان يتقرب بها. اذا الصلاة ليست فعلية بل شأنية. هذه الصلاة الشأنية ينهى عنها الشارع. يحرم عليك الصلاة في أيام الحيض. هذه الصلاة التي تأتي بها في حالة الطهر وإن لا تكون مقدرة لك عبادة لكن صورة مقدورة لك فهذه الصلاة الصورية الشأنية محرمة عليك. هكذا فسر بعض عن النهي التكليفي الدائم عن صلاة الحائض وصومها

قال بعض ان هذا النهي محمول على عدم الامر وعدم شمول عموم الامر بالصلاة و الصيام للحائض. يعني ان هذا النهي ارشاد الى عدم تشريع الصلاة والصوم للحائض او عدم تشريع الصيام في العيدين. فالنهي ارشادي. فالحرمة تشريعية وليست تكليفية والفساد لاجل عدم الامر. المهم ان البحث في ان العبادة التي هي موضع البحث في ان النهي يقتضي الفساد هي العبادة الشأنية.

ههنا نقطة أخرى تتبلور في النقطة السابقة وهي ان ارتكاز الاعلام ان النهي في هذه المسألة ليس مقتصرا على النهي الاتفاقي بل شامل للنهي الدائم. هذه النقطة في نفسه مهمة. يعني كما ذهب اليه صاحب الفصول واصر عليه وجملة من الاعلام.

الكلام في النهي التكليفي المحض ومادام ان النهي تكليفي محض حتى لو كان دائميا مثل النهي عن صوم العيدين ولو كان دائما لكن محل البحث. هل يمكن الشك في الفساد؟ نعم. النهي عن صوم الحائض تارة وضعي كما استفاده المشهور. تارة نستفيد من النهي عن صوم الحائض وصلاتها ان الحدث الأكبر مبطل للصوم كالجنب فيكون قيد الواجب فمفاد وضعي في خلل في الصحة والمتعلق وتارة نستفيد من النهي مفادا آخر وقيد الحكم يعني ان وجوب الصوم لا يتعلق بالحائض اثناء وجود الحيض. فيه حيضان. حيض خبثي يعني الدم الخارج وهذا الحيض الخبثي هو سبب للحيض الحدثي. فعندنا حيضان سبب ومسبب. «يطهرن» في الآية الشريفة «واجتنبوا النساء في المحيض حتى يطهرن» يطهرن بدون التشديد يعني انقطاع الخبث والحيض الخبثي لان هذا الحيض الخبثي سبب للحدث مثل المني اما الجنابة هو نجاسة معنوية. فالحيض الخبثي خبث وسبب للحدث. فالحيض الخبثي هو سبب الحدث ولا بد ان ينقطع. هذا الحيض الخبثي اخذ عدمه في وجوب الصلاة كقيد الوجوب وكذلك في الصوم. اما الحيض الحدثي فاخذ عدمه قيدا في الواجب. حينئذ فساد صوم الحائض من جهتين، من جهة ان موضوع وجوب الصوم لا يتحقق وهو نقاءها من الحيض الخبثي. اذا النهي عن الصوم استفيد منه مفاد وضعي في قيد الوجوب وقيد الواجب وهذا ليس محل البحث وليس مثالا لما نحن فيه. لكن لو افترضنا ان النهي عن صوم وصلاة الحائض ليس وضعيا بل تكليفي ليس له ارتباط وضعي مع العبادة ولو كان النهي دائميا. اذا كان النهي تكليفيا ولو دائما فهو محل البحث.

فاذا الاعلام في بحث النهي عن العبادة هل يقتضي الفساد ارتكازهم ان النهي الدائم مندرج بشرط ان ليس له مفاد وضعي. ان كان له مفاد وضعي من قبيل قيد الحكم او قيد الواجب خارج عن محل البحث. هذه نقطة مركزة مهمة. محل البحث اذا كان النهي تكليفيا محضا ولو كان دائميا.

مثل جماعة التزموا ونميل اليهم ان النهي عن صوم يوم عاشورا نهي دائم وكيف تقريبه بحث آخر. هذا النهي تكليفي محض وهل يستلزم الفساد عقلا؟ هل يستلزم مفادا وضعيا ام لا؟ ليس تناقضا بل بمعنى ان ليس له دلالة لفظية غير عقلية على الفساد والحكم الوضعي. البحث هنا في الدلالة العقلية والمسألة هنا عقلية. انما يراد استكشاف الحكم الوضعي من حكم العقل.

المهم نستخلص هنا في المقام ان الاعلام في النهي الدائم في هذه المسألة لم يقتصروا على النهي الاتفاقي. عكس مسألة اجتماع الامر والنهي قالوه في النهي الاتفاقي. صاحب الكفاية وصاحب الفصول ارادا ان يعمماه الى النهي الدائم.

لقائل ان يتساءل الم يعترف الاعلام ان مسألة اجتماع الامر والنهي صغرى لمسألة النهي عن العبادة؟ صغرى وكبرى يعني اذا كانت كبرى تتحمل النهي الدائم والنهي الاقتراني فلم لا يكون الصغرى تتحمل النهي الدائم؟ لماذا في الصغرى النهي الدائم تعارض وفي الكبرى ليس تعارضا؟ هذا منبه على مبنى الميرزا النائيني في اجتماع الامر والنهي بالتعارض فيه خلل واشتراطه أيضا في النهي الاتفاقي لا وجه فيه. كما ان صاحب الكفاية في اخر مسألة اجتماع الامر والنهي قال اذا امكن تصوير تعدد الإضافة وتعدد الملاك يمكن تصوير اجتماع الامروالنهي وعدم التعارض الاصطلاحي في العموم والخصوص من وجه مطلقا. يعني لا نبني على التكاذب وعدم وجود انشاء وتشريع لااقل لاحد الحكمين بل نقول ان التشريع موجود غاية الامر انه من قبيل التخصيص عند القدماء لا التخصيص عند المتاخرين. بناء على التخصيص عند القدماء ما معنى التعارض في العموم من وجه؟ فيه تعارض بمعنى التكاذب كالمتاخرين وفيه تعارض يوجب التخصيص لكن لا يوجب التكاذب. عند القدماء هناك سنخان من التعارض. سنخ من التعارض كالتعارض عند المتاخرين وفيه تعارض يعني تجميد العام مثل المنسوخ عند القدماء انه ليس بمعنى لا مشروعية المنسوخ بتاتا. بل هو جمد وقد يتفعل يوما ما. خلاف النسخ عند المتاخرين. اذا عند القدماء التنافي في مرحلة الانشاء نمطان و سنخان سنخ تكاذبي وسنخ تجميدي.

بعبارة ثالثة ان التنافي والتعارض عند القدماء منه في مرحلة ثانية او ثالثة وهو تجميد عندهم وليس محوا ومنه التنافي في المرحلة الأولى من الانشاء وهو يعني التكاذب والمحو. فالتنافي والتعارض عند القدماء في ثلاث مراحل. بينما عند المتاخرين التنافي في ثلاث مراحل من الانشاء كله تكاذب وكله محو. نكتة لطيفة جدا. يعني كل ما يتابع المشهور يكتشف دقائق عجيبة عندهم في منظومة أصول القانون عندهم.

logo