« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

المسائل العقلية الخمس وتاثيرها صناعيا في الصحة/ اجتماع الامر والنهي / النواهي

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /المسائل العقلية الخمس وتاثيرها صناعيا في الصحة

 

انتهينا من مبحث الدوران بين الحرمة والوجوب ووصلنا الى مبحث آخر في اجتماع الامر والنهي وهو انه لم نقف على ترجيح بين الوجوب والحرمة فما هو مقتضى القاعدة؟ هل هي صحة العبادة؟ طبعا هذا يختلف بين القول بالتعارض وبين القول بالتزاحم الاقتضائي الذي ذهب اليه المشهور بناء على الامتناع ولكن التزاحم الاقتضائي وان كان ملاك الوجوب موجودا ولكن الحرمة أيضا مانعة عن صحة العبادة. لو كان الوجوب ارجح وبالتالي يجمد الحرمة الى درجة الفعلية الناقصة وما شابه ذلك فتصح العبادة كما في موارد الاضطرار. فلو شككنا هل تجري البرائة؟ صاحب الكفاية قرر جريان البرائة ولو لم نقل بجريان البرائة في الأقل والأكثر الارتباطيين لان المقام ليس فيه. هذا بحث لطيف ان لدينا موانع تبطل العبادة ولكنها تبطلها بجعل مستقل آخر لا بنحو المركب الارتباطي. شبيه الأجزاء او الوجوب تارة الشيء جزء او شرط بنفس الأدلة الأولية وتارة الشيء بمثابة الجزء و الشرط ولو لم يكن شرطا وجزءا اصطلاحيا وانما هو متمم الجعل دخيل في الصحة. فما هو دخيل في الصحة ليس ضروريا ان يكون بقالب صناعي جزءا او شرطا. بل يمكن ان يكون بدليل آخر مستقل متمم الجعل كما بنى عليه الميرزا النائيني لكنه دخيل وجودا او عدما في الصحة وإن لم يكن جزءا او شرطا.

وكذلك قد يكون مانعا بنحو متمم الجعل وهذا لطيف فالمركبات صحتها ليست محصورة ومقصورة على ارتباط الأجزاء والشرائط والموانع الارتباطية بل قد يكون بنحو متمم الجعل ودخيل في اصل الصحة. فلا يكفي تنقيح المركبات بلحاظ ادلتها الخاصة او العامة اذا كانت تلك الأدلة في صدد بيان الماهية الارتباطية للمركبة بل لابد من الفحص عن عدم وجود متمم الجعل. فاذا وجد متمم الجعل وجودا او مانعا فيخل بالصحة أيضا. فصرف ان يراجع واحد كتاب الرسائل والروايات الواردة في ماهية الصلاة فلا يجد الروايات الناصة فيه لايمكن ان يرد ورود الدليل عليه.

بعبارة أخرى صحة المركبات عبادية او معاملية تارة بالادلة الخاصة الارتباطية وتارة بالادلة العامة الارتباطية مثل شرطية البلوغ وتارة بادلة عامة مستقلة لكنها دالة على انها دخيلة في ملاك الجعل الأول وتارة بحكم العقل وله منشأ وليس جزافا. فاذا المركبات لا نستغرب ان الشيء دخيل في الصحة وليس مفادها ارتباط تركيبي.

مثل ههنا ان اجتماع الامر والنهي ان النهي يفسد العبادة وإن لم يكن ارتباطية مع العبادة ولا ادلة عامة ارتباطية لكنه من باب حكم العقل ان العقل يحكم بان العبادة فاسدة مع وجود المبغوضية. فبالدقة حصيلة مبحث اجتماع الامر والنهي اخذ قيد في الصحة ولكنه ليس ارتباطيا ولا متمم الجعل بل هو حكم العقل.

ربما قالب صناعي خامس او سادس في الصحة. فلذا احد الوجود التي اعتمدناه في الشهادة الثالثة في الصلاة ان آيات الغدير تدل على ان الشهادتين من دون الشهادة الثالثة غير مرضية وغير كاملة ولا يريدها الله. هذا دليل عام حتى لو لم يكن مفادها ارتباطيا. فاذا لا نستغرب رغم انه ليس هناك دليل خاص في اجتماع الامر والنهي لكن مع ذلك العقل يحكم ببطلان العبادة. الفتاوى التي نقلها السيد عبد الرزاق المقرم رحمة الله عليه في الشهادة الثالثة من 100 فتوى ربما فيه تسع وجوه ثمانية مختلفة عن بعضها البعض والتأكيد على ان الشرعية والمشروعية والالزام غير منحصرة بوتيرة معينة من الأدلة.

سيأتي بحث ان النهي عن العبادة او المعاملة يقتضي الفساد وهو أيضا الكلام الكلام ليس النهي ارتباطيا ووضعيا بل النهي اجنبي ومع انه اجنبي دخيل في الصحة. فاذا ما هو دخيل في الصحة لا ينحصر في ادلة المركبات الخاصة او ادلة المركبات العامة. فيه قسم ثالث وهو متمم الجعل وقسم رابع وهو حكم العقل في المباحث العقلية الخمسة. هذه نكتة جدا بديعة في باب المركبات من العبادات والمعاملات انه لا ينحصر البحث في الأدلة عن تلك التي يكون مفادها التعرض لماهية المركب بل يمكن دليل يتعرض لشيء آخر لكنه دخيل في الصحة. هذا لب بحث اجتماع الامر والنهي. كما ان مسألة ان النهي يقتضي الفساد لبها هذا البحث.

صاحب الكفاية يقول لو لم نبني على جريان البرائة في الأقل والأكثر الارتباطية وسياتي بحثه في الأصول العملية يقول هنا في المقام يمكن جريان البرائة لان البراءة عن نهي مستقل غاية الامر ان هذا النهي اذا يصل مراحله التامة سيفسد العبادة فنجري البراءة عنها. فبحث صناعي جيد عند صاحب الكفاية.

يرد عليه السيد الخوئي ويقول ان الذي ذكره جيد ومتين في الفرق بين الأقل والأكثر الارتباطية والمقام صحيح ان المقام مانع ومفسد لكنه ليس ارتباطيا. الا انه يشكل عليه بان البراءة انما ترفع التنجيز ولا ترفع اصل الفعلية التامة او ملاك المبغوضية وحيث لا ترفعه فالمانعية ليست من التنجيز بل المانعية من المبغوضية والفعلية وهذا ما تؤمنه البراءة. فمن ثم لا نستطيع ان نحرز الصحة بتوسط البراءة. هذا الكلام كلام جيد ولا ليته راعاه السيد الخوئي في بقية فقرات حديث الرفع. نفس تمييز السيد الخوئي بين مراحل الحكم واي منها مرفوع شيء متين ودقيق.

لا يمكن ان نتقرب بالمبغوض ولو لم يعاقب له. هذه تدقيقات صناعية لطيفة.

بقي مطلب في اجتماع الامر والنهي وهي ما ذكره صاحب الكفاية ان تعدد الإضافات للعنوان الواحد «اكرم العالم ولا تكرم الفاسق» بمثابة تعدد العناوين. اكرم ولا تكرم عنوان واحد وليس تعدد العنوان. التعدد في ناحية الإضافة إضافة الاكرام الى العالم وعدمه الى الفاسق. فهنا لم يتعدد العنوان وإنما تعددت إضافة العنوان الواحد.

فيقول صاحب الكفاية ان تعدد الإضافة بمثابة تعدد العنوان. بالتالي اذا بنينا على الجواز فهو واذا بنينا على الامتناع فهو.

منه ينطلق صاحب الكفاية ويوسع البحث ويقول ان هذا البحث يجري حتى في باب التعارض في العموم والخصوص من وجه لا التعارض بنحو التباين. مثل ما يقول الدليل ان هذا الشيء جزء والدليل الاخر يقول انه مانع. اما التعارض في العموم والخصوص من وجه لا محالة في تعدد الإضافة وان اتحد العنوان

في مبحث اجتماع الامر والنهي كان تعدد العنوان لكن تعدد العنوان بناء على الامتناع يسبب التعارض عن الميرزا النائيني. مع انه ليس عنوانا واحدا لكنهما تصادقا في مجمع وجودي واحد. اذا لاحظ صور التعارض عجيبة والمفروض ان القالب الاولي للتعارض ان يكون عنوانا واحدا مع تعدد الإضافة في التباين او عدم تعدد الإضافة فيكون من وجه.

صاحب الكفاية ان تعدد الإضافة اذا كان يحل مشكلة اجتماع الامر والنهي فهو سوف يحل مشكلة التعارض والتنافي لان المفروض ان هذا التعدد اما على الجواز فهما وجودا اثنان او على الامتناع فهذا نوع من التقارن فاذا ذهب صاحب الكفاية وصرح ان في موارد التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه يلحقها بمبحث اجتماع الامر والنهي.

لكن السيد الخوئي اشكل عليه بان هذا غريب ان باب التعارض بالعموم والخصوص من وجه تجعلها من اجتماع الامر والنهي. لان باب الاجتماع مع الامتناع على حافة التعارض. عمدة الاشكال الذي اعترض به السيد الخوئي ان تعدد الإضافة لا يعدد العنوان وجودا ولا ماهية. فهو وحدة العنوان وسوف يكون التعارض.

بعبارة أخرى ان الإضافة والاضافات حيثيات تعليلية وليست حيثيات تقييدية. العلم سبب الاكرام حيثية تعليلية والفسق سبب حرمة الاكرام فالمحمول في الحيثية التعليلية يرد على غير الحيثية ويردان على شيء واحد. اذا دعوى صاحب الكفاية غير متينة وهذا تعارض وليس من موارد اجتماع الامر والنهي.

مع ان نفس موارد اجتماع الامر والنهي على مبنى السيد الخوئي والميرزا النائيني قسم من التعارض على الامتناع مع انه تعدد العنوان لكنه لانه في وجود واحد وممتنع فيصر تعارضا. فالتعارض عند السيد الخوئي والنائيني زحف اجتماع الامر والنهي وصاحب الكفاية بالعكس.

بغض النظر عن صحة أي من القولين نريد ان نستفيد ثمرة مهمة صناعية. ان في موارد التعارض من وجه نستطيع ان ندعي انه ليس تكاذبا. انما هو تجاذب بين ملاكين. ان لم نسميه تزاحما اصطلاحيا فنعم لكنه من قبيل تزاحم المقتضيات. لذلك المشهور في علاجهم للتعارض من وجه يختلفون عن علاجهم للتعارض في التباين. التعارض بالتباين كجلسة الاستراحة انها إما جزء او مانع فالمشهور في معالجتهم للتعارض التبايني يختلفون عن علاجهم للتعارض من وجه. او قل بعبارة أخرى ان التخصيص عند القدماء تجميد وهو يعني ان الملاك لازال موجودا ولو بدرجة من الدرجات. صاحب الكفاية يستشعر ان «اكرم العلماء ولا تكرم الفساق» صحيح انه في المصداق من وجه لكن لا تقل ان هذا التنافي محو كذب. بل التجميد له وجه. لا انه تعارض بنحو التكاذب والمحو.

المتاخرون في مقدار الخاص يقولون ان العام في منطقة الخاص لا وجود له لكنه عند المتقدمين مجمّد كما ان مبناهم في النسخ أيضا هكذا. هذه نكتة جدا ثمينة.

دائما نستثمر ما وراد السطور وهذه هي روح علم الأصول والقواعد الأصولية. صاحب الكفاية من مبحث اجتماع الامر والنهي حتى على الامتناع يستثمر في التعارض من وجه مع تعدد الإضافة من دون تعدد العنوان. هذا تمام الكلام في اجتماع الامر و النهي وان شاء الله نبدأ مسألة النهي عن العبادة.

هذه أبحاث يريد الاعلام ان ينبهونا ان هناك تنافيات لكنها لا تدرجها في التعارض بل في جانب آخر. اذا ملازمات الخمس ليس بحثا في الاحكام في مرحلة الانشاء بل بحث الملازمات الخمس بحث في الاحكام في مرحلة الفعلية التامة والفاعلية قبل التنجيز او التضاد والضد في التنجيز.

لب لباب البحث ان المسائل الخمس في المراحل اللاحقة لا مرحلة الانشاء. اذا فرق بين ماهية الأدلة العامة والخاصة وبين شيء اجنبي متمم الجعل وحكم العقل ولا يوجب التصرف في مرحلة الانشاء والجعل. هذا بحث في اطوار وشئون الحكم في مرحلة الفعلية الناقصة والتامة والفاعلية والتنجيز.

logo