الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول
45/11/28
بسم الله الرحمن الرحيم
النواهي الضمنية على اقسام وآثارها/ مبحث النواهي /باب الالفاظ
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث النواهي /النواهي الضمنية على اقسام وآثارها
كان الكلام في النواهي الضمنية انها ناشئة عن مفسدة او حرمة ضمنية. ورد أيضا في باب الصلاة ان التكبير تحريم الصلاة وتحليلها التسليم وورد ان التكبير يحرم الكلام ويسبب حرمة الكلام. طبعا المتقدمون بل المشهور عدا متاخري هذا العصر يحملون هذا التحليل والتحريم على المعنى التكليفي والوضعي معا أي ان التكبير يسبب يحرم الكلام او حرمة الأفعال المناقضة للصلاة التي ارشد اليها الشارع ويوجب حرمتها تكليفا ووضعا مثل ما مر بنا انها كانما صوم كلامي وصوم افعالي في الصلاة كما ان في الحج نوعا من الصوم الافعالي متصور ان الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلارفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» فلابد للحاج ان يصوم عن هذه الأنماط من الكلام..
حينئذ نضم هذا المحور مع المحور السابق وهو كان ان الامر او النهي استقلاليا او ضمنيا على أربعة اقسام؛ إما صرف الوجود او الاستغراقي انحلالي او المجموعي او العنوان المسبب عن المجموع وهذا القسم الرابع بمثابة القسم الثالث.
قبل ان نواصل ضم هذين المحورين و ما ينتج منهما ثبوتا واثباتا هنا نكتة صارت غفلة عن توضيحها دعما للمشهور خلافا للمرحوم الاصفهاني وهي في تقسيمات النهي والطبيعة المنهي عنها عندما يقرر ويقال صرف الوجود فالطبيعة في صرف الوجود تكون متعلقة للنهي وكذلك يمكن ان تكون الطبيعة في صرف الوجود متعلقة للامر لما مر من ان الصحيح عند الاصفهاني ان الاختلاف بين الامر والنهي ليس من ناحية المتعلق وهو الصحيح فكلاهما قد يكون نفس الطبيعة او قد يكون ترك الطبيعة في كليهما. انما الاختلاف من جهة الملاك عند الاصفهاني وهو الصحيح ومن جهة القالب الصوري ان النهي زجر مثل النفي والامر بعث وتحريك. هذا بلاشك اختلاف ذاتي في مقتضى النهي والامر.
هنا المشهور ذكروا ان مقتضى صرف الوجود في جانب النهي يقتضي التعميم وليس البدلي لكن لا نسميه استغراقي لكن كانما يقاربه. فهناك فرق بين القسم الأول من الطبيعة صرف الوجود اذا كان متعلقا للنهي وصرف الوجود اذا كان متعلقا للامر.
الامر يقتضي وجودا واحدا وامتثالا واحدا والنهي الزجر به عن صرف الوجود يقتضي الزجر عن جميع الافراد وهذا ما يختلف فيه الاصفهاني عن المشهور. بدون الانتهاء عن جميع الافراد لن يتم امتثال النهي وان كانت المفسدة تتحقق بفرد لو عصي النهي فالفرد الثاني ليس معصية. الاصفهاني حاول ان يشكل على المشهور انه مادامت المفسدة في فرد فنفس الزجر عن هذه المفسدة لا تقتضي الزجر عن جميع الافراد. فيه مؤاخذة انه زجر عن جميع الافراد لان الفرض ان البدلي يمكن ان يتحقق في أي فرد و الزجر عن البدلي تلقائيا وطبعا يقتضي الزجر عن جميع الافراد كي يمتثل . هذه هي النقطة المفارقة بين المرحوم الاصفهاني والمشهور والحق مع المشهور. صحيح ان النهي لو عصي بإيجاد فرد ما سقط النهي ولم يكن في الوجود الثاني والثالث مفسدة. هذا لو عصي لكن لو يراد ان يمتثل فالامتثال بترك الجميع وهو المرحوم الاصفهاني يقر بترك الجميع. فلا يمكن الزجر عنها الا بعدم ارتكاب جميع الافراد شبيه الاستغراقي.
شبيه ان هذا القسم الأول وصرف الوجود لا يقتضي تكثر الملاك والمفسدة في كل الافراد استقلالا وعرضا او طولا ولكن المفسدة التي هي من قبيل صرف الوجود امتثالها يتوقف على ترك الجميع والا لو لم يترك الجميع فلم يمتثل. فاذا الزجر عن المفسدة بنحو صرف الوجود امتثالا يختلف عن الامر بنحو صرف الوجود والا لا يمكن امتثاله.
اذا فيه فرق بين صرف الوجود الذي يقع موردا للنهي والزجر والنفي وبين ان يقع موردا للامر والتفاوت واضح وان كان الملاك صرف الوجود وليس متكثرا لكن لا يمكن مراعاة تجنبها الا بتنجب جميع الافراد بنحو الاستغراق او المجموع مع انه ليس بمجموعي لان المتعلق بنحو المجموعي يعني ان الملاك قائم بالمجموع او في الاستغراقي كل فرد مستقل في الملاك لكن في المقام الامتثال ان الأول والثاني والثالث والرابع امتثالها سواء في النهي. هذا فارق يدعم المشهور خلافا للمرحوم الاصفهاني.
نذهب الى البحث الثبوتي والفوارق في الاثار بين هذه الأقسام الأربعة لا سيما في النهي الضمني. طبعا ممن غاص في هذا البحث من متاخري الاعصار السيد اليزدي والميرزا النائيني وحواشي العروة.
مثلا في باب الصلاة او باب الطواف او أي باب آخر من المركبات العبادية ان النجاسة الخبثية مانع من الموانع لكن اذا كان المكلف مضطرا ان يصلي بالنجاسة الخبثية سواء في بدنه او في ثوبه وبامكانه ان يقلل النجاسة فهل يلزم ان تقليل النجاسة؟ او يجوز له الصلاة في النجاسة قليلة او كثيرة. بامكانه ان يقلل الكم مثلا بدل ان يكون الثوب ملطخا بدماء القروح او نجاسات أخرى مثل مربية الطفل الرضيع فتستطيع ان يطهر بعض الثوب فهل يلزم عليه او لا؟
اذا كان النهي الضنمي استقلاليا لا شك انه يلزمه تقليل النجاسة طبعا ليس في النجاسة الخبثية فقط بل حتى بالنجاسة الحدثية ان الشخص مبتلى بسلس البول او يكون مبطونا سلس الغائط والريح فالفتوى والنص انه يجب عليه المبادرة بعد الوضوء بالصلاة مع انه بالتالي سيتعقب هذا الوضوء سلس البول او سلس الريح فما الفرق مادام انه تنقض طهارته فما الفرق؟ فهل يعني ان كمية الحدث تختلف؟ مع ان النص والفتوى موجودة ان يبادر. او يعلم من نفسه ان بين الحدين في وقت الصلاة مثلا وسط المدة الزمانية يقل سلس البول فيقولون يؤخر الصلاة الى تلك الوقت ويتوضؤ ثم يصلي مبادرة. لماذا؟ الحدث ناقض ما الفرق في ذلك؟ هذه جملة من الموارد يرى
حتى في الصوم اذا كان مضطرا مثلا لشرب الماء تارة هو شيخ او هي شيخة بحث آخر لكن المضطر بالافطار بسبب ما يقولون يقتصر على قدر اللازم والزائد عليه لا يسوغ مع أن الصوم يقضيه.
الكلام في انه لماذا يقتصر على الأقل فالاقل. نعم تارة مريض بحث آخر انه يرفع الصوم برمته لكنه ليس مريضا لكن اضطر ان يفطر بسبب الحرارة وعمل شاق وان لم يشرب جرعة من الماء يغمى عليه فيشرب جرعة من الماء بقدر الضرورة ثم يقضيه. فلماذا هذا الاقتصار؟ وموارد عديدة كثيرة من هذا القبيل. ما هو الوجه في ذلك في الموانع او النواقض يقتصر فيه على الأقل. لو كانت الموانع او النواقض او القواطع او الماحي لصورة المركب حتى في وجوب رد السلام في الحقيقة شبيه التزاحم اقتصر في وجوب رد السلام ان تجيب بمثل ما حييت في الصلاة ولا تزيد ولا تنقص. اذا قال سلام عليكم فيقول سلام عليكم. لماذا تقتصر على هذا القدر من التكلم. النواهي في المركبات او الموانع تارة مانع وتارة ناقض وتارة قاطع وتارة ماحي. كلها موانع لكن هي تقسيم آخر للنواهي الضمنية. فيه موانع بالمعنى الأخص وموانع بالمعنى الاعم الشامل لاربعة اقسام. القاطع للهيئة الاتصالية والناقض ينقض الماهية برمته والماحي لا هو ناقض ولا هو قاطع وانما هو ماحي يمحو صورة الصلاة مثل ان الانسان يشتغل بالاكل في الصلاة. ان الاكل بدرجة معينة يمحي صورة الصلاة او شرب الماء او الرقص هو هيئة لا تناسب وقار الصلاة او الحركة السريعة الكثيرة تمحو صورة الصلاة والسكوت الطويل ماحي لصورة الصلاة. فعندنا موانع بالمعنى الأخص وعندنا قواطع وعندنا نواقض وعندنا الماحي. في الطواف والسعي وموارد أخرى هكذا.
المهم في هذه الأقسام الأربعة لو اضطر اليها مقتضى القاعدة ثبوتا ان يقتصر على مقدار الضرورة والزائد لا يسوغ في النواهي الضمنية والاستقلالية. مثلا عندنا في حرمة الميتة ان الشارع انما رخص ارتكابها بشروط احدها ان يخاف على بقاء حياته والشرط الثاني ان يقتصر على أربعة لقم وهذا لطيف تحديد صحي من الشارع ان الانسان يمكنه البقاء بأربعة لقم صغيرة وتؤمن بقاء حياة الانسان والشرط الثالث ان لا يكون سفره سفر المعصية «من اضطر الى ذلك غير باغ ولا عاد» يعني لا يكون في المعصية. حينئذ الشارع اكتفى ورخص في خصوص أربعة لقم حتى لو دار الامر بين الميتة والخنزير ان الخنزير اشد حرمة والخمر اشد حرمة من الماء النجس والمتنجس. الشدة والضعف في التكليف ويجب ان يقتصر على الحرمة الأقل دون الحرمة الأكثر.
لذلك عند السيد اليزدي فتوى صحيحة انه لو كان بامكانه ان يغسل ثوب صلاته مرة في موارد من النجاسات التي يحتاج الى غسلتين فهل يجب عليه ان يغسل مرة مع انه لا يطهر؟ هل يجب عليه تخفيف النجاسة؟ السيد اليزدي افتى انه يجب عليه تخفيف النجاسة كما او كيفا سواء في النواهي الضمنية او الاستقلالية يجب ان يقتصر في ارتكاب الاضطرار بقدر الضرورة لان الضرورات تقدر بقدرها كما وكيفا. هذا الامر واضح في النواهي الاستقلالية والضمنية اذا كان النهي استغراقيا. حتى في النهي الضمني الاستغراقي كل نهي مستقل عن نهي آخر حتى لو كان ضمنيا. هذه نكتة لطيفة طبعا معمعة أبحاث ندخل فيه شيئا فشيء.
كيف يمكن تصوير النهي الضمني الاستغراقي؟ الضمني يعني المركب المجموعي في حين انه استغراقي. يمكن تصويره. كيف تجتمع الاستغراقية بمعنى الاستقلال والضمنية بمعنى عدم الاستقلال؟ ليس تناقضا. قالوا ان النهي الاستقلالي الاستغراقي واضح كل نهي برأسه. اما النهي الضمني يعني الارتباطي والاستغراقي يعني المستقل كيف يمكن؟ هذا مسلم عند الكل ان النهي الضمني يمكن ان يكون بدليا ويمكن ان يكون استغراقيا ويمكن ان يكون مجموعيا ويمكن ان يكون عنوانا مسببا عن المجموعي. النائيني في كتاب اللباس المشكوك والصلاة بلورها بشكل مبسوط.
تصويرها هكذا: اجمالا هذا البحث في الحقيقة سبق ان ذكرنا في السنين السابقة نقلا عن الاعلام. ذكرنا ان العمومات او الاطلاقات هل هي أربعة بدلي استغراقي مجموعي عنوان بسيط مسبب؟ فيه قسم من العموم يعبر عنه الامتدادي. هذا غير هذه الأربعة. بل عدد العموم الى ماشاء الله. لانه في علم الرياضيات والهندسية او العددية اذا بدأت بأسس أربعة او ثلاثة او خمسة لما تمازج بين هذه الخيارات تحصل ملايين. من خمسة اشكال يمكن توليد ملايين. لان هذه الخمسة خمسة أعضاء مقارنة والزوجية بين الأول والثاني وبين الثاني والثالث وبين الثالث والرابع وبين الأول والرابع وهلم جرا ثم هذه الازدواجيات تزاوج بينها فتكثر الى ما لا يتناهى. هكذا العمومات العام الخام بدلي او استغراقي مجموعي وامتدادي وبسيط مسبب لكن لما تمازج بينها تكثر الى ما شاء الله فتصير مسدس ومربع ومثلث وتشكل اشكالا عجيبة بديعة. بالضبط علم القانون علم هندسي رياضي. هذه زاوية غامضة في علم القانون الفقهي انه تداخل قوالب تنتج الى ما شاء الله . من الخطأ جدا والسذاجة جدا في استرسال الباحث في الاستنباط ان يتوهم ان العموم على أربعة أنماط او خمسة. بل هو على أنماط متداخلة ومتمازجة ومتوالدة الى ماشاءا لله. سواء عموم الحكم في الحكم نفسه او عموم الحكم في قيود الحكم وقيود الوجوب التي تسمى الموضوع في الاصطلاح. هندسة عجيبة واحد الإشكاليات التي يؤاخذ به الاكابر بعضهم بعضا بهذا المبحث.
هذا المبحث يحتاج الى عدم العجلة. صلاة المسافر معروفة انها باب يتحير فيه اساطين الاكابر والشيخ جعفر كاشف الغطاء جري في الاستنتاج لكن في باب صلاة المسافر يحتاط وأيضا كتاب الجواهر هو جريء في الفتوى لكن في كتاب صلاة المسافر ملأ الكتاب بالاحتياط. بتعبير المرحوم الاصفهاني او السيد هادي الميلاني خمسة عقد في صلاة المسافر لم يقف احد على حل لغزها. نكات صناعية. بحمد الله نحن وصلنا الى حلها ببركات الاعلام انفسهم وكلماتهم. المقصود ان صلاة المسافر معقدة من زاوية ان قيود الوجوب في وجوب القصر يشتمل على ثمان قيود كل قيد له هندسة خاصة وليست على نسق واحد. استغراقي او بدلي او مجموعي ثم بعد ذلك كيف تمزج هذه القيود مع بعضها البعض. كل قيد له مزاج خاص ثم كيف تمزج. سره هذه النكتة ان بحث العام و الخاص ليس بحثا لغويا بل بحث هندسي معقد جدا رياضي في عل القانون. مرارا ذكرنا ويجب الانسان ان يستيقظ في الأبحاث اليومية في هذا المحل الذي يحور فيه الماء. بحث العمومات مثل الاعصار في القالب الثبوتي للاحكام.
تتمة الكلام ان شاء الله نواصلها.