« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه

46/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 أقسام التعليق والتنجيز في العقود.

الموضوع: أقسام التعليق والتنجيز في العقود.

 

كان الكلام في شرطية التنجيز في الانشاء يعني أن لا يكون الانشاء معلقاً على شيء، فلابد أن يكون الانشاء منجزاً غير معلق، الآن غير معلق ومنجز هل في الصورة واللّب أو في الصورة دون اللّب أو في اللّب دون الصورة، هذه ثلاثة احتمالات، وهل يوجد تعليق صوري؟ نعم يوجد تعليق صوري ولكن لبّا ليس معلقاً مثلاً إذا علق البيع على شيء قد مضى ومعلوم تحققه ومعلوم أنه معلوم تحققه لدى الكل، فقد يقال هذا تعليق صوري وليس لبياً، وتارة تلعيق في اللّب دون الصورة، مثلاً في صيغة الانشاء صورةً ليس هناك ( إن ) شرطية ولكن يقول مثلاً غداً بعتك هذا بهذا، فهو يقيد البيع بيوم غد، فهنا صورة ليس فيه تعليق ولكنه لبا يوجد تعليق إذا جعلنا القيد قيداً للبيع، وقد يكون صورة ولبا يوجد تعليق يعني بلحاظ صياغة الانشاء توجد أداة شرطية ولبا أيضا معلق على شيء لم يحصل بعد، كما أن من شقوق البحث أيضاً - وهذا أمر دقيقي يلزم أن نلتفت إليه - الكلام في شرطية التنجيز وعدم التعليق لنفس البيع ونفس المعاملة وأصل الماهية أو لمتعلق الماهية؟، مثلاً يقول بعتك هذه العين العام القادم فالعام القادم ليس قيداً للبيع وإنما قيد للمبيع، مثل أن يقول آجرتك الدار الشهر القادم، فمن الشهر القادم شهراً كاملاً فهذا ليس قيدا للإدارة فإن الاجارة من الآن والمعلق والمقيد هو متعلق الاجارة، وهذا غير ما نحن فيه وإن كان هذا يوجد فيه بحث، شبيهه الان - وليس عيناً - مرسوم في بعض البلدان أنه يشتري الشقة لما لها من منافع في الشهر الأول من كل سنة فقط، مثلاً اثنا عشر شخصاً يشترون شقة الشراكة بينهم بهذا النحو وهو أن الشقّة في الشهر الأول للأول وفي الشهر الثاني للثاني وهكذا فهل يصح هذا البيع أو لا يصح؟، وهذا مرسوم عرفاً في جملة من البلاد، وهذا المثال أنا ذكرته من باب أنه هناك في بعض الاحبان تعليق أو تقييد وأو تعليق لمتعلق البيع وليس للبيع نفسه، تعليق لمتعلق المعاملة وليس للمعاملة نفسها، ولعله يقال في الوصية - فقد مر أمس أن الوصية من العقود التي ذاتيها التعليق - أنَّ الوصية غير معلقة فهو الآن أوصى ولكن متعلق الوصية هو المعلق على الموت وهو التمليك مثلاً، كذلك قد يقال في الجعالة إن الجعالة إناء الجعالة ليس معلقاً، وإنما المعلق هو متعلق الجعالة، مثلاً من يأتيني بالدابة الضالة فله كذا.

ولو قلت إن كلامنا في شرط النتيجة قلت إن كلامنا ليس في شرط النتيجة وإنما كلامنا فيمن يأتي بكذا، فأولاً أصلاً أن البحث التعليق هو هذا وهو أن المسبب أنشئ بنحو شرط النتيجة ولكنه أنشئ معلقاً فهنا معلقاً يصح أو لا يصح، فقد يقال في الجعالة أن المعلق ليس ماهية الجعالة وإنما المعلق هو متعلق الجعالة، فما مرَّ أمس من التساؤل بأن الوصية والضمان والجعالة والمضاربة وما شاكل ذلك هذه العقود ليست التعليق فيها في نفس العقد وإنما التعليق هو في متعلق العقد، فالوصية والإيصاء هو تعهد واعلام واخبار بتمليك المعلق على الموت لو كانت وصية تمليكية أو التولية التي هي الوصية العهدية فإن الوية العهدية هي نوع من التولية وإعطاء الولاية والصلاحية، فالتولية معلقة والتمليك معلق وأما اصل الوصية وهي الاعلام أو الالتزام بالإعلام بكذا هي في نفسها ليس فيها تعليق بل بالفعل، مثلاً الآن الطلاق الرجعي فهو إن لم يكن مشهوراً فهو الأكثر بل لعل المشهور شهرة كبيرة فيه بيان القرآن الكريم أن انقضاء الاجل في العدّة الرجعية شرط في حصول البينونة من الرجل المطلِّق وزوجته، فلاحظ الآية فإنَّ فيها هذا التعبير إذا انقضى الاجل في التعبير في سورة البقرة ﴿ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾ هذا تسريح بإحسان أو امساك بمعروف ذكر في آيات الطلاق أي في سورة البقرة ذكر قبل الطلاق مثلاً أن الطلاق إما تسريح أو إمساك وذكر ايضاً في نهاية العدة، فلاحظ ﴿ الطلاق مرتان ﴾ هو الرجعي وليس البائن، وفي سورة الطلاق ﴿ فإذا بلغن أجلهن ﴾ أي في العدة الرجعية وهذا دليل على أن المطلقة الرجعية هي زوجة وليس بزوجة، ولويل ما دور الطلاق في العدة الرجعية؟ يقولون دوره أن ينشئ البينونة معلقة على انقضاء الاجل، ولماذا نحن ندخل هذه التفاصيل؟ لأنَّ بحوث التعليق صور وقوق وأنواع عديدة يلزم الالتفات إليها ففي الطلاق الرجعي في الحقيقة هو طلاق تعليقي بخلاف الطلاق البائن فإن الطلاق البائن هو طلاق بات لا يستطيع أن يرجع فيه أما الطلاق الرجعي فهو طلاق تعليقي يعني هو الآن ليس فعلياً وإنما أنت أنشأته فقط وتستطيع أن تفسخه بأن ترجع عنه فهو معلق على انقضاء العدة لها أنه طلاق فعلي ولذلك النظر إلى الزوجة المطلقة رجعية ليس بحرام لأنها لازالت زوجة وهذا النظر الحلال لها لا يستدعي أنه رجوع بل حتى لو بشهوة لا يستدعي الرجوع لأنه ليس قاصداً للرجوع، بل قال بعضهم كأن يقبلها ويعانقها بشهوة وقصده عدم الرجوع فهذا جائز، ولا نقول إنه لا يوجد اختلاف في هاذ المورد بل هو محل اختلاف وأن هذا رجوع أو لا ولكن ليس اختلافهم في الحلّية وإنما اختلافهم في الرجوع، نعم الشيء الذي يعدَّ رجوعاً قهراً او إذا جامعها، فحت لو كان ق قاربها ولم يكن قاصداً الرجوع فهنا يحكم الشارع بكونه رجوعاً أما بقية الاستمتاعات فلا تعد رجوعاً عند كثيرين إلا أن يرتكبها بقصد الرجوع وليست حليتها متوقفة على قصد الرجوع بل هي زوجة، وأنا استفتت قبل ربما ثلاثين سنة وكان ابتلاء أحد المشايخ فهي إما أن ترغبه حتى يرجع عن طلاقها فهما تحت وهي من دون كذا فتراصفت معه فهذا يحل لأنها زوجة وليس أجنبية ولا تماس بدنه ببدنها متوقف على قصد الرجوع، الطلاق الرجعي لازال انشائي تعليقي، وانقضاء الاجل من قبيل كما هو في الهبة كأن يكون واهب وهب هبة للموهوم فما لم يُقبضه لا تتحقق الهبة مع أن الموهوب ربما هي زوجة والزوجة على الصحيح هبتها لازمه أو وهبت الزوجة للزوج أو هبة الارحام فإنَّ الهبة إلى الرحم لا يستطيع الرجوع فإنها لازم ولكن بشرط القبض أما قبل القبض فكأنما توجد صحة تأهلية، والطلاق الرجعي - لكي نبين التعليق - كما أنه ها يوجد تعليق فإن الهبة إيجاب وقبول علق الشارع الصحة الفعلية على القبض علاوة على القبول وزيادة عليه، وربما هذا الموهوب أنا القبول ولكن حين القبض يتركاها فهنا سوف لا تتحقق الهبة، أو أنَّ نفس الواهب ندم ولم يقبض الموهوب الهبة فهنا لا تتحقق الهبة، وهكذا الحال في بيع الصرف.

إذً بالدقة أخذ الشارع قيداً متأخرا كانقضاء الاجل في العدّة الرجعية أو القبض - بالتالي يمكن أن يكون متأخراً - أخذ الشارع قيداً متأخرا عن العقد فهذا تلقائياً هو تعليق وهو تعليق شرعي طبعاً، فالقصود أنَّ التعليق مقابل التنجيز أو التنجيز في مقابل التعليق هل هو في أصل العقد وفي متعلقات العقد أو في توابع العقد فإنَّ هذا يجب الالتفات إليه، وكلامهم في أصل العقد وليس في توابعه وإن كان البعض بعمم.

وهنا توجد نكتة صناعية معاملية يجب أن نلتفت إليها قبل الدخول في التفاصيل والأدلة

فإن نفس فهرست البحث مهمة وهي خارطة صناعية كما مرَّ بنا مرارا:- لاحظ الآن في الجعالة أو في المضاربة أو في الوصية كيف نفكك بين التمليك في الوصية وبين نفس الوصية؟، فإن التمليك أيضاً هو ماهية معاملية فيعلق، أن الوصية هي الماهية معاملية غير التمليك والحال أن البعض عرف الوصية التمليكية بأنه تمليك معلَّق على الموت فإذاً ليس التمليك المعلق على الموت شيء مباين لماهية الوصية، هكذا قال البعض، كما أنَّ الوصية العهدية ليس فيها تمليك وإنما فيها إعطاء صلاحيات يعني تولية كما لو أنت تولي شخصا الوقف فهنا توليه شؤونك كتجهيزك أو رعاية القاصرين من أولادك أو ما شكل ذلك ويعبر عن هذه الوصية بالوصية العهدية والمراد من الوصية العهدية يعني تعطيه تولي وولاية، فالوصية العهدية هي تولية وليتك هذا الشأن من شؤوني أنا الموصي بعد موتي، فإذاً التولية أو التمليك شيء وراء الوصية بل هو نفس الوصية، قد يقال هكذا، وهذا القول موجود ولعل الكثير يذهب إليه، ولكن يوجد قول آخر وهو أن الوصية هو عهد التزام بالتمليك المعلق والتزام وعهد بالتولية المعلقة لا أن الوصية هي نفس التولية أو هي نفس التمليك.

ولتوضيح ذلك أكثر: - البيع اختلف في ماهيته هل البيع هو تمليك عين بمال - وهذا مثل بحث الوصية - أو أن البيع هو تبديل مال بمال، أي التبديل في الملكية، والتبديل شيء فوقاني ومن متعلقاته التمليك وتغيير الملكية، مبادلة مال بمال، نقل مال بمال مثلاً، والبعض هكذا تصور، وللتوضيح أكثر الصلح ما الفرق بين الصلح على عين بمال أو بيع العين بالمال؟ الصلح ايضاً هو تمليك عين بمال ولذلك يقولون الصلح كالطماطم يجري في كل الطبقات فيوجد صلح بديل عن البيع وصلح بديل عن الاجارة وصلح بديل عن الهدية، ما الفرق بين الصلح والعقود إذا كان ينتج نتيجة العقود؟ إنَّ هذه معركة آراء عند الاعلام، وهذا ليس في البيع فقط بل يوجد صلح على البيع وصلح المضاربة وصلح على الاجارة ما الفرق بين إنشاء الصلح على مورد البيع وبين إنشاء البيع في مورد البيع؟ قال الكثير إن الفرق هو أن البيع تمليك فهو أولاً وبالذات هو تمليك عين بمال أما الصح فهو تراضي متعلقه تمليك عين بمال تبعاً ومنطويا وضمنا – ما شئت فعبر – فأصالة الصلح هو انشاء التراضي والالتزام والتعهد ولكن متعلق التعهد والتراضي والالتزام هو التمليك وإلا فمما هو الفرق بين صالح على عين بمال وبين بيع عين بمال فغنه لابد من جود فرق بينهما، نعم توجد فروق كثيرة ولكن هذا أحدها، وفي الوصية أيضا هناك تعريفين ، بغض النظر عن خصوص الوصية بل وصية أو الجعالة أو معاملات أخرى.

إذاً هناك تارة الماهية الاصلية للمعاملة ليست معلقة بل فعلية ولكن متعلقها معلق، والتدقيق في هذا أمر مهم، فبالتالي البحث هنا في هذا المورد وهو أنه كل هذه الشقوق هي محل بحث؟ نعم كلها محل بحث، ولا أقول كلها لا يوجد فيها اختلاف بن بعضها محل اختلاف شديد وبعضها محل اختلاف قليل وتفاصيل اقوال الاعلام أيضاً هنا مختلفة، مثلاً بعضهم فصّل بين التعليق فبعض قال التعليق في صورة الانشاء مخل مطلقا حتى على الشروط الشرعية، بالعض عنده هكذا تشد في مبطلية التعليق، فالبعض قال سواء كانت معلومة أو غير معلومة شرعية أو شرعية فابدًأ لا تعلّق في الانشاء، فالبعض ذهب إلى أن الانشاء المعلَّق هو مبطل للإنشاء، وأما البعض الآخر ذهب إلى التفصيل بين الشروط الشرعية والشروط غير الشرعية فإن كان المعلَّق عليه هو من شروط الصحة مثل ملكية العوضين فهذا للمتعاقدين وهذا من شروط الصحة، مثلاً بلوغ ورشد الطرفين فإنَّ هذا من شروط الصحة، أو حلية العوضين ومالية العوضين فهذه كلها شروط الشروط كثيرة فإنها قالوا التعليق على الشروط الشرعية فلا مانع منه أما التعليق على الشروط غير الشرعية فهذا مخل وهذا هو قول ثاني، وهناك قول ثالث بالتفصيل وهو إذا كان المعلق عليه أمر معلوم فهذا التعليق لا يضر وأما إذا كان المعلق عليه غير معلوم فهو يضر، وهناك قول رابع وهو أنَّ التعليق على أمرٍ راهن أو ماضي لا مانع من منه وأما إذا كان مستقبلاً فهو يضر، والبعض قال إذا كان ماضياً يصح وأما راهن ومستقبل فلا يضح، والبعض قال معلوم وعدم معلوم اذلي مر بنا علوم حتى لو شروط شرعية إذا كانت غير شرعية فهو يخل وأما إذا كانت معلومة الخصول فهذا لا يخل، يعني صاحب هذا القول مزج بين الشروط الشرعية والمعلومية، والبعض قال إذا علّق في صورة الانشاء بأداة شرط فهذا يخل وأما إذا علّق لبّاً بقيد مثل يوم الجمعة وليس إن جاء يوم الجمعة فإنه إذا قال إن جاء يوم الجمعة فهذا لا يصح لأن تعليق التعليق في اللفظ لا يصح أما التعليق في المعنى يصح، وقال البعض إن التعليق مطلقاً يضر، والبعض عندهم افراد في شرطية التنجيز حيث قال إذا التعليق موجود صورة أو لبّاً فهذا يضر وإن كان لا يوجد تعليق صورة، والبعض قال اللب إنما يضر في غير الشروط الشرعية، فعلى كل توجد تفاصيل كثيرة عند الاعلام، فالبعض قال التعليق يضر في أصل العقد وفي متعلقه، والبعض قال يضر قال يضر في الاصل دون متعلقه وهذا مرَّ بنا الآن، منشأ هذه الاقوال هو أنَّ الدليل على لزوم التنجيز وعدم التعليق هو عدة مناشئ فبحسبها تأتي هذه التفاصيل في النتائج، إذا لابد وأن سنتعرض وجوه هاذ الشرط ما هو الوجه أو الوجوه التي استدل بها لهذا الشرط وهو التنجيز وعدم التعليق، قال العلمة الحلي إن الوجه في ذلك هو أن الترديد في الانشاء مبطل يعني لا يعتد به بل لابد في الانشاء قصد المنشئ وإنشاءه بنحو الجزم لا بنحو التردد - كأن يقول لعلي أبيعك - يعني لابد وأن يكون هناك ابرام، وما هو دلليه في لزوم الجزم في الانشاء؟ لا يبعد دليله هو أن العقد مفاده الابرام المؤكد المغلّظ فهناك عدم معاني متقاربة لمعاني العقد ابرام والعهد المغلّظ والعهد المؤكد والاحكام وكل هذه تقريباً عناوين متقاربة، الإبرام والإحكام يناسبه الجزم لا الترديد، والتعليق هو نوع من الترديد وعدم الجزم سيما في صورة اللفظ وهذا الوجه تبناه الأكثر أو الكثير وهل هذا الوجه تام أو نعم أصله تام ولكن هل يعتمد عيه في المقام أو فيه تفصيل فهذا ما سنواصله بعد التعطيل.

logo