« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه

46/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

إختلاف النظريات الأربع في الإيجاب والقبول والرضا

الموضوع: إختلاف النظريات الأربع في الإيجاب والقبول والرضا

 

المسألة اللي مرت بنا للسيد اليزدي في كتاب النكاح ان الاقوى كفاية الايجاب اذا اراد السيد المالك ان يزوج امته من عبده فيقول انكحتك فلانة من دون الحاجة لقبول العبد فكأنما هذا ايقاع فهل هو عقد ينشأ بانشاء واحد؟ او هو ايقاع ؟ يعني انشاء واحد لمنشئ واحد ، فيقول الاقوى كفاية ان يقول له انكحتك فلانة ولا يحتاج الى القبول من العبد لاطلاق الاخبار ولان الامر بيده فايجابه مغن عن القبول .

بعد ذلك السيد اليزدي يعمم البحث ويقول بل لا يبعد ان يكون الامر كذلك في سائر المقامات كما في الولي فيكفي فقط الايجاب من دون القبول وكذلك الوكيل من الطرفين وكذا اذا وكل غيره في التزويج فيكفي قول الوكيل انكحتك امة موكلي لعبدي فلان فهو وكيل من الطرفين او وكيل عن الولي او انكحت عبد موكلي امته .

ثم يقول السيد اليزدي واما لو اذن للعبد والامة في التزويج بينهما يعني يوجب احدهما ويقبل الاخر فالظاهر الحاجة الى الايجاب والقبول من الطرفين والروايات المستند اليها في ابواب نكاح العبيد باب ثلاثة واربعين صحيحة محمد ابن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل كيف ينكح امته؟ قال عليه السلام يجزيه ان يقول قد انكحتك فلانة ويعطيها شيئا من قبله او من مولاه ولو مدا من الطعام او درهما او نحو ذلك .

وكذلك مصحح الحلبي قلت لابي عبدالله : الرجل كيف كان ينكح عبده امته؟ قال عليه السلام يقول قد انكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله او من قبل مولاه ولو مدا من الطعام او درهم او نحو ذلك .

البعض قال الرواية ليست في صدد الايجاب والقبول وانما هي في صدد عدم اشكالية تزويج العبد المملوك بمالك الامة فهذا الملك ليس نسب كي يقال كيف ينكح بعضه بعضا ولكن الاخرين قالوا بانه يقول قد انكحتك فلانة صريح في صيغة الايجاب ولم يذكر القبول او حتى صحيحة محمد بن مسلم اينكحه نكاحا؟ يعني ايجاب وقبول او يجزيه ان يقول انكحتك فلانة ؟ الصحيح هكذا تقول في المملوك يكون لمولاه او لمولاة الامة فيريد ان يجمع بينهما اينكحه نكاحا او يجزيه ان يجمع بينهما او يجزيه ان يقول قد انكحتك فلانة ويعطي من قبله فينكحه نكاحا يعني ايجاب وقبول .

البعض قال لعله تحمل انكحتك امتي يعني حللت لك اياها فالتحليل ايقاع وليس المراد منه النكاح فاما تحليل او هو عقد نكاح فكيف ينكح عبده امته هل المراد به عقد النكاح؟ او ينكح بمعنى انه يحلل الوطء ؟ فهناك خلاف بين الاعلام لا سيما ان هناك مسألة في باب العبيد والاماء ان السيد يستطيع ان يفصل بين العبد او الحر حتى والامة يفصل امته فيستطيع ان يفصل بينهما بدون طلاق فيقول هذه معزولة عنك فلا يحتاج الى طلاق ، فلانه ولي فبالتالي تلقائيا ينفسخ النكاح طبعا في باب العبيد والاماء بحوث علمية كثيرة يعني فيه بحوث صناعية جدا عميقة تفيد لابواب اخرى كثيرة .

ان سيد الانبياء في اخر خطبها قبل استشهاده استدل على ولاية وصاية وامامة امير المؤمنين بهذا الاستدلال الفقهي : انا وانت يا علي سيدا او وليا هذه الامة فمن ابق عن طاعتنا عليه لعنة الله فالنبي اولى بالمؤمنين من انفسهم فباب العبيد والاماء لا كما يهرج العلمانيون او الحداثويون او المستشرقون ، نعم هو صورته عبيد واماء اما حقيقته عبارة عن مسؤولية تربية الاجانب الداخلين للتو في مجتمع الاسلام فتربيتهم تكون على الثقافة الاسلامية فمقابل هذه التربية والمسؤولية والرعاية والحضانة الشارع يعطي لهذا المسؤول المسلم اجرة خدمة فصورة كانما هو اماء وعبيد لكن حقيقة هي عبارة عن نوع كفالة ورعاية وتربية .

الان الغرب المهاجر لهم يزجون به في معسكرات ويعاملونهم كالاغنام فهم يرون انه لابد من فلترة معينة لاي وارد في المجتمع ثم يستقبله المجتمع كذلك في الاسلام حقيقة العبيد ليست عبودية وانما بمعنى ان الاسلام ابقى عنوانها ولكن جوهرها استبدله وهذه نكتة جدا مهمة في باب المعاملات انه كيف يبقى العنوان ولكن يحور الماهية عما هي عليه من خلال جملة من الاحكام فهذه نكتة جدا مهمة ان الشارع ربما يمضي عناوين معاملية هي في اساسها ظلم او عنصرية او عصبية لكن يهذبها ويحورها فلا ننغر بعناوين الماهيات التي كانت قبل الشارع في الجاهلية وقد امضاها الشارع فهو ليس امضاء للفساد السابق وانما نوع تحوير ، فالشريعة تبقي الاحكام وهذه الاحكام ظاهره فيه ما فيه لكن اذا ندقق في الاحكام التي بدلها وغيرها الاسلام هو تحوير لما لها من مظلمة او فساد فتحويرها الى ماهية اخرى صالحة اي صلاح .

الان بحث الحيل الشرعية في الربا صورة تجدها كذا ولكن حقيقة الشارع حور الماهية فمن ثم الحيل الربوية مبعدة عن الربا فهذا البحث مهم جدا في باب المعاملات الان مثلا قضية ولاء دية العاقلة البعض يفكر انها عصبية جاهلية ولكن لها عدة اغراض حكيمة رآها الشارع وهذب العصبية العشائرية الى تكافل نسيج في شجرة اجتماعية كي يربي بعضهم البعض ففي المنهاج ذكرنا ان الارحام سيما القريبين عندهم مسؤولية الرعاية الاخلاقية لبعضهم البعض فكما ان المؤمنون يأمر بعضهم بعضا الاقربون اولى بهذه الولاية في النهي عن المنكر والامر بالمعروف الاقرب فالاقرب قوله تعالى قوا انفسكم واهليكم نارا .

فهذه نقاط جدا مهمة نستطيع ان نأخذ بقاعدة صناعية منهجية ان لا نغتر بالعناوين التي كانت قبل الاسلام هي عناوين فاسدة او ظالمة ولكن الاسلام لم يبقها على ما هي عليها انما الاحكام التي يرتبها الشارع عليها هو يشذبها ويهذبها فتتبدل هذه الظاهرة الاجتماعية سواء معاملية او على صعيد البيئة العشرة العلاقات الاجتماعية يبدلها من ماهية فاسدة او ظالمة الى ماهية مثمرة حكيمة فقضية العبيد والاماء الاحكام التي انشأها الشارع عليها هو شيء مؤقت لكي ينطلق بعد ذلك هذا الفرد في المجتمع اذا اسلم .

نرجع الى ما كنا عليه فالسيد اليزدي استظهر من هذه الروايات انه نكاح وليس تحليل وتحليل الامة موجود حتى عند العامة فهم يستشكلون في المتعة والمتعة اشد ارتباطا من تحليل الامة فهل تحليل الامة جائز والمتعة ليست بجائزة ؟ هذا نقض على العامة وقد نقل لي احد المتتبعين عن ابن حزم عن احمد ابن حنبل انه لا يحرم المتعة او متوقف فيها وفي نصوصهم ان النبي امر بها ولو لمقطع معين فمن الاخطاء التي يقع فيه العامة حتى كبارهم انه اذا كانت ماهية المتعة فجور فكيف يرخص فيها رسول الله ولو لفترة ؟ او يعقل هذا ؟ فهذا كلام ترهات بدون ميزان صناعي وعلمي .

فالسيد اليزدي ذهب الى انه ايقاع فهل هذا الايقاع يعني انشاء الايجاب هو انشاء للقبول وانشاء للرضا ام ماذا؟ نقلنا امس كلام الشهيد الثاني في المسالك ظاهره ان القبول في العقود يحصر مفاده في انشاء الرضا اذن العقد الذي ينشأ من كلا الطرفين بمعنى هو الموجب ومر بنا البحث ان العقد لم سمي عقد فالعقد له ثلاث معاني وله معنى رابع يتبناه السيد الحكيم :

المعنى الاول العقد هو ربط الايجاب بالقبول

والثاني ان العقد لاجل ان تمليك احد الطرفين في جهة فاعلية يحتاج الى مطاوعة من الطرف الاخر يستقبل هذا التمليك فعندنا عقد في نفس المبيع لذلك بعوض واحد مع ذلك هو عقد لانه تمليك فاعلي من الواهب ومطاوعة من الموهوب يعني الموهوب لا بد يستقبل هذا الملك واذا ما استقبله لا يدخل في ملكه مثل الوصية بالملك لابد الموصى له يستقبل الملك من الموصي فمن المشتري ايضا فيه تمليك وتملك وثلاثة : ربط هذين العقدين مع بعضهما البعض هذا عقد ثالث معنويا فماهويا لدينا في البيع والمعاوضات عموما ذلك ولكن في العقود التي معاوضية بالدقة ثلاثة عقود وثلاث ربطات فيه .

ومعنى ثالث : ان ما هو محور في البيع او في النكاح المحور يعني يقصد غير القصد فهناك قاصد ومقصود فبالاصالة في البيع المبيع مقصود وفي النكاح المرأة مقصودة وهذا معنى ثالث وهذا لا يتبدل ، ففي المعنى الاول يتبدل ويمكن ان يكون الموجب بائع ويمكن ان يكون المشتري وهذا الذي ذكرناه مهم كي نصحح الايجاب من المشتري سواء الايجاب بالمعنى الاول او الثاني فبالمعنى الثاني مر بنا ان المشتري يملك الثمن فاعليا والبائع مطاوع في تملك الثمن ففي المعنى الثاني كل من البائع والمشتري موجبان وكل منهما مطاوعان ومنشئآن القبول .

ففي المعنى الاول يمكن ان يكون الموجب هو البائع فيقول بعت ويمكن ان يكون المشتري فيقول اشتريت فبالمعنى الاول اللفظي للعقد يمكن ان يكون البائع موجب ويمكن ان يكون المشتري موجب ويمكن ان يكون البائع مطاوع ويمكن ان يكون المشتري صاحب قبول ففي الايجاب والقبول الثاني او الماهوي بالدقة كل من البائع موجب والمشتري موجب غاية الامر البائع موجب بلحاظ المبيع والمشتري موجب بلحاظ الثمن ، موجب يعني فاعل او ينقل الملك لانه مالك الثمن والا لا يمكن ان يتحول الثمن بدونه فهو مالك الثمن .

فالمشتري جهة فاعلية في نقل ملكية الثمن فهو موجب وليس البائع موجب في الثمن البائع موجب في المبيع وكل منهما مطاوع يطاوع في اخذ الثمن والمشتري مطاوع في تملك المبيع فعندنا في المعنى الثاني موجبان ومطاوعان وكذلك في المعنى الاول يمكن ان يكون كل منهما موجب وكل منهما قابل اما المعنى الثالث للايجاب والقبول هذا ما يمكن ان يتبدل .

فالمقصود الاصلي في البيع هو المبيع والثمن طريق وفي النكاح المقصود الاصلي المرأة والمهر والزوج طريق فصاحب الكفاية والسيد اليزدي يقولون المؤاخذة على المشهور انهم لم يميزوا بين المعاني الثلاثة للايجاب والقبول فالمعنى الثالث لا يتبدل اما المعنى الاول والثاني يتبدل وهذا اشكال متين فالاصرار على ان الموجب هو البائع دون المشتري والمشتري لابد ان يكون هو القابل هذا في المعنى الثالث لا في المعنى الثاني والاول والبحث دقيق وتترتب عليه اثار كثيرة .

هناك تصوير اخر للعقد غير ما ذكرناه الثلاث يعني الايجاب ثلاث معاني والقبول ثلاث معاني معنيين مهويين ومعنى ايجاب وقبول لفظي والمعنى الثاني بمفرده فيه تركيب فيه تركيب .

هناك تصوير اخر يقول الموجب سواء كان بائع او مشتري سواء افترضته زوجة او زوج فالموجب ما هو معناه؟ الموجب هو الذي ينشئ ويوجد الماهية برمتها من كلا الطرفين وتمليك البيع للمشتري وتمليك المشتري الثمن للبائع وهذا التركيب مرة في المعنى الثاني كله يوجده الموجب فالموجب موجد كالعقد الفضولي فالعقد الفضولي ينقصه الرضا لانه المفروض في العقد الفضولي ايجاب موجود وقبول موجود ولكن الرضا والاجازة غير موجودين فمعنى الايجاب يعني ايجاد العقد برمته عدا الرضا .

الشهيد الثاني في المسالك يرى معنى اخر للايجاب هو ايجاد العقد برمته فعلى كلام الشهيد الثاني فالايجاب هو يوجد الماهية من الطرفين كأنما مثل العقد الفضولي فقط يحتاج الى الرضا من الطرف الاخر سواء الذي اوجب البائع او المشتري او الموجب هو المرأة او الرجل في النكاح ولكن الموجب يوجد العقد برمته فقط ينقصه انشاء الرضا والاجازة .

هناك نظرية خامسة ذكرها السيد محسن الحكيم وهذه النظريات تحليل مجهري للعقد ويثمر ثمرات كثيرة على اي منهم يرسو؟ هل على المجموع؟ او على بعضها .

 

logo