الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه
45/11/21
بسم الله الرحمن الرحيم
العناوين الخاصة والعامة في العقود شروطاً واحكاماً.
الموضوع: العناوين الخاصة والعامة في العقود شروطاً واحكاماً.
كنا في التنبيه الثالث وهو تمييز البائع عن المشتري، ولماذا يبحث في تتميز البائع عن المشتري؟ إنه إما لأجل أنَّ البيع متقوم بذلك أو فأيّ ماهية معاوضية لم يتميز فيها طرف عن طرف هي معاوضة تمليكية ومبادلة ولكنها ليست بيعاً، لأنه في البحث الفقهي المعاملات والمعاوضات الخاصة لها أحكام خاصة بيع أو اجارة أو هبة أو وقف أو رهن أو جعالة أو مضاربة أو مزارعة وهلم جرا، فالعناوين الخاصة لها أحكام، ففي البيع يقال ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ) وليس المتعاقدان بالخيار ما لم يفترقا، فليس مطلق العقد، وفي النكاح خيار المجلس ليس بموجود بل ما أن تقرأ الصيغة فسوف يبرم العقد في النكاح ولو كان طرفي التعاقد جالسين في مجلس العقد لأنَّ خيار المجلس مختص بالبيع، وكذلك في الاجارة فالموجر والمستأجر إذا ابرمت الاجارة بينهما ليس لهما أن يفسخان وإن كانا بعدُ في مجلس التعاقد وذلك لأنَّ خيار المجلس حكم خاص بالبيع لا بالإجارة ولا بالنكاح ولا بعقودٍ أخرى، وغيرها من أحكام البيع.
فإذاً هناك أحكام خاصة للبيع تختلف عن احكام العقود الأخرى أما عموم عقد المعاوضة فله احكام عامة كما أنَّ العقود الخاصة لها شروط خاصة يعني بعبارة أخرى البيع لابد وأن تتوفر فيه الشروط العامة للعقود علاوة على ذلك لابد وأن تتوفر فهي الشروط الخاصة للبيع، هذا من جهة الموضوع، ومن جهة المحمول عقد البيع تترتب عليه الاحكام العامة للعقود وتترتب الاحكام الخاصة للعقود، أما العقد العام معاوضة بناءً على ما هو الصحيح من أنه عندنا عمومات في العقود والمعاوضات غير منحصرة في العناوين الخاصة المعهودة، مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فـ( ال ) في كلمة ( العقود ) هل هي عهدية أو جنسية؟، وجنسية يعني كلية ولا تختص بالعناوين الخاصة وهذا هو الصحيح في ﴿ أوفوا بالعقود﴾ ، كذلك الحال في قوله تعالى ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ فأي تجارة هي؟، وطبعاً يوجد جدل لغوي وفقهي في أنّ التجارة هل هي نفس البيع والبيع هو نفس التجارة أو أنَّ التجارة أعم من البيع؟، وبناء على أنَّ التجارة هي مطلق الاستثمار فسوف تكون أعم من البيع، كذلك لدينا عموم ﴿ وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسؤولا ﴾ هذا عموم ثالث، ويوجد عموم رابع وهو ( المؤمنون عند شروطهم )، فتوجد عمومات عديدة هذه العمومات الصحيح فهيا عند متأخري الأعصار وحتى جملة من المتقدمين أن الألف فيها ليست عهدية للعناوين الخاصة المعهود وهذا بحث نوكله إلى موطن آخر وربما أثرناه شيئاً ما في المكاسب المحرمة ولكن نوكله إلى بحث آخر سيما في أول الخيار فإنها ملحمة صناعية كبيرة، أسمه باب الخيارات ولكنه ملحمة مهمة في العقود والمعاوضات.
فإذاً عندنا عقود عامة وهل من الضروري أن يكون لها اسم خاص في الأدلة؟ إنه ليس من الضروري أن يكون لها اسم خاص بل اسمها العام كافٍ.
وقد يقول قائل: - إنَّ لها اسم عرفي خاص.
ولكن نقول: - وليكن لها اسم عرفي فإنَّ الأسماء العرفية تبتكر وتنشأ على مدار السوق، فحتى البيع قد يصنَّف إلى أسماء عديدة فإنَّ العرف السوقي والمالي يفعل ذلك ولكن هذا ليس هو المدار بل المدار على خصوصية العنوان أو عموميته وليست صرف الاطلاق العرفي بل المدار على العناوين الواردة في الأدلة فإنَّ هذا هو المهم.
فإذاً تخلّف الشرط الخاص هو هذا الذي كان البحث فيه في التنبيه الأول ومرَّ بنا في التنبيه الأول وهو أن تخلف شروط الصحة الخاصة للبيع لا يستلزم تخلف الشروط العامة لعموم المعاوضة أو المعاقدة، تتوفر الشروط العامة للصحة للعقد والمعاوضة وإن لم تتوفر الشروط الخاصة فإن هذا يمكن تصويره وهذا بحث يرتبط بالتنبيه الثالث ويرتبط بالتنبيه ألأول وهو بحث قواعدي فوقاني هيمني في كل المعاملات والعقود وقد مرَّ بنا مراراً، والمهم أنه في التنبيه الثالث هل يتقوم البيع بالتمييز بين البائع والمشتري أو لا؟ قال قسم من المحققين في حواشيهم على المكاسب أنه لا يبعد أنه لغةً البيع يصدق وإن لم يميز البائع عن المشتري أو قل وإن كان في البيع بيّعان ومشتريان، منهم الآخوند الخراساني في حاشيه وغيره من الاعلام، ومبادلة مال بمال الآن من هو أصلي وهل كليهما أصلي أو كليهما تبعي من جهة فإنَّ هذا كله لا مانع منه، وقد مر بنا تقريب وتوجيه لهذا القول وهو أنَّ كلّاً من صاحب المبيع وصاحب المال النقد مثلاً هو فاعل في التمليك وهو منفعل فمالك العين يملك العين والطرف الآخر يتملك العين وأما النقد والثمن فالذي يملك والفاعل هو المشتري والمنفعل هو صاحب العين فالمنفعل قابل ماهوي والفاعل موجب ماهوي ، البعض يقول الامر في النكاح ايضاً الأمر هكذا فلماذا يقال زوجين ولا يقال زوج وزوجة فإنه في اللغة العربية الأفصح لا يقال زوج وزجته وإنما يقال زوج وزوج فإن هذا افصح ولماذا الزوج زوج؟ يعني كل منهما كذا وكذا وهذا التعبير موجود في القرآن الكريم فهو يقول زوجاً وليس زوجته، فكلامي في أنَّ الزوجة لا يقال له زوجة بالتاء المربوطة وهنا لا يوجد تاء لا مربوطة ولا مفتوحة فإن الهاء في اللغة العربية هي ضمير ولا توجد تاء مربوطة ولا تاء مفتوحة في كلمة الزوج المذكورة في القرآن الكريم والتي يراد منها الزوجة، فيوجد في القرآن الكريم مورد اطلق فيه على الانثى بأنها زوج ولا يوجد اطلاق بلفظ زوجة بالتاء المربوطة، فالقرآن الكريم يبين هذا في الآية الكريمة، ﴿ وقد افضى بعضكم لبعض ﴾ يعني فاعل ومنفعل من كلا الطرفين، فهم زوجان زوج وزوجة. فإذاً لا يوجد في القرآن الكريم مورد يطلق على الانثى زوجة بالتاء المربوطة أو بالتاء المفتوحة، ونحن لا نثير هذا البحث كشعر ولغة وأدب واثارة شعرية وإنما لبيان أن النكاح ايضاً هو فيه ايجاب وقبول من الطرفين، فهذا بح صناعي معاملي مثل قوله تعالى: - ﴿ وقد أفضى بعضكم إلى بعض ﴾ فهناك قول في البيع أيضاً هكذا وهذا لعلم هذا ليس بحثه في البيع كما مر أمس بل الأمر هكذا في الاجارة والجعالة وهلم جرا، فإذاً كان عقداً معاوضياً فكل منهما فاعل من جهة منفعل من جهة أخرى.
فبالتالي تاء مربوطة وتاء مفتوحة ليست بموجودة بل الموجود في القرآن الكريم كلمة زوجين اثنين، ولعل البعض يقول لعل هذا غلط لغوي، ولكن نقول سواء كان غلطاً لغوياً أو لا ولكن بالتالي الأفصح والسديد هو أن يكون لفظ الزوج من دون تاء مفتوحة ولا مربوطة ولذلك في ماهية النكاح قيل إنه اقتران والاقتران يعني الاثنية وهذه الاثنينية على علاقة استواء من الطرفين ولذلك بعض الأوامر الموجودة في القرآن الكريم قد نتخيل أنها اوامر موجهة للذكر واستحقاق للأنثى أو العكس والحال أنَّ هذا غير صحيح بل هذه أوامر لكل من الطرفين كاستحقاق لكل من الطرفين لأن كلمة زوج في القرآن الكريم ليس المراد به خصوص الذكر ولا خصوص الانثى بل هو أعم إلا أن تقوم قرينة، وهذه نكتة مهمة، حينئذٍ احمام الزوج التي ذكرت في القرآن الكريم يعني أنها أحكام تعم الذكر والانثى إلا أن تقوم قرينة في البين وهذه بحوث لها ثمرات فقهية فهي قضية ماهوية صناعي، كذلك الحال قيل في البيع وقيل في الاجارة وفي كل العقود المعاوضية لأنه في العقود المعاوية يوجد تعاوض فكل فاعل من جهة والآخر قابل منفعل من جهة أخرة فقبلت يعني متفعل وهلم جرا وهذا قد مرَّ بنا أمس، وهذا مبنى يذهب إليه الأعلام، وتنقيح هذه المباحث أمس ربما مرت علينا سبع جهات أو عشر جهات ونحن استعرضناها فهرسياً ولم نتوغل فهيا ولكنها بحوث صناعية جداً غامضة في المعاملات اثارها الاعلام في حواشيهم على المكاسب وهي مهمة، فالمهم أن الجهات التي أثيرت هي امور هامة وغامضة ومهمة جداً. اجمالاً فإذاً هذا قول.
وطبعاً هذه الاثارة الموجود في البيع وغيره من المعاوضات والعقود أيضاً أثيرت في البيع فيما لو كان كلا العوضين عيناً قالوا تمليك عين بمال ومال يعني كأنما نقد وقد يسأل قائل ويقول قديماً أين كان النقد؟ نعم كان النقد لجملة آلاف السنين ولكن قبل بداية في بداية البشرية لم تكن هناك نقو د وإنما كانت توجد مقايضات وفي المقايضات أو التقايض الذي يقع إما أنك محتاج إلى الرز والثاني محتاج إلى الزيت فأصحاب الحاجات يتبادلون الاعيان والاعواض كل بحسب حاجته حينئذٍ ليس هناك عين هي أصلية والأخرى تبعية بل كل منهما مطلوب فهذا يريد الزيت وذاك يريد الرز أو هذا يريد الدابة وذاك يريد الدار، ولذلك البعض الذي يصر على أنَّ البيع لابد وأن يكون فيه عوض أصلي وعوض تبعي قال بأن هذه المقايضات ليست ببيع وإنما هي معاوضات عامة، نعم في موارد تبادل الاعيان عين بعين أحد العينين لا تلاحظ بما هي عين وإنما تلاحظ بما هي مال فتلاحظ الجهة المالية وهذا بحث اثرناه في المكاسب المحرمة أو في البيع عدة مرات ولكنه لمداقته ينسى بسرعة ونحن نثيره هنا فإنه لا مانع من ذلك، فالعين فيها منافع خاصة فهذه الدار مثلاً تقع في جغرافياً خاصة في المدينة المعينة باتجاه المال أو الشرق أو الغرب وفي محلة كذا فهذه يقال لها صفات خاصة الآن هي دار أو دابة أو عقار أو أي شيء، فالعين لها صفات خاصة بها وهذا صعيد معين في العين وهناك صعيد آخر وجهة أخرى في العين وهي الصفات النوعية بأنها أرض أو أنها وسبلة تنقل أو أنها كذا وقد يعبر عنها بالصفات النوعية ويعبر عنها بالصفات التي ترتبط بالمثلي في مقابل القيمي وقيمي يعني يلحظ فيها مجموع الصفات النوعية والصفات الخاصة، وهذا نظام في عالم المال يحب أن نلتفت إليه وتترتب عليه العقود الاحكام الشرعية وغيرها، فمعنى القيمي أو القيمة يعني مجموع الصفات الخاصة والنوعية وهذه درجة أولى في العين، وتوجد درجة ثانية في العين هي الصفات النوعية ويقال لها الجانب المثلي أي النوعي في العين يعني كما أن هذه الأرض تسكن كذلك هذه الأرض تسكن أيضا وكما أن هذه وسيلة نقل كذلك تلك وسيلة نقل وتلك الأخرى وسيلة نقل فدائماً الأمر هكذا.
فعلى كلٍّ يوجد في حكم أهل البيت عليهم السلام الجانب النوعي جانب لطيف ونحن لا نريد الخروج عن البحث الفقهي، أما البعد الثالث وإن كان حِكمة فهنا موطنها يعني للتربية النفسية والأخلاقية مهمة جداً ولكني لا اريد الدخول فيها أيضاً، يعني هذه قضية الصفات الخاصة والصفات النوعية، فالبعد الثالث في العين هو قيمتها المال، المالية صفة في العين ثالثة، وهذه المالية التي هي صفة ثالثة في العين تختلف عن القسم الأول من الصفات وتختلف عن القسم الثاني من الصفات وإنما هي صفة أخرى، نعم المالية تارة هي مالية بلحاظ القسم الأول والثاني وتارة تكون بلحاظ القسم الثاني فقط، فالصفة الثالثة تنقسم إلى قسمين وهذه ليست اموراً ليست حقيقية هي أمور حقيقية، فعندنا صفات خاصة وصفات نوعية - المثلي - وصفة المالية والمالية قسمان، وما الثمرة في هذا البحث ولماذا يقسم الفقهاء وعلماء القانون هذا التقسيم؟ إنه هذا التقسيم ليس عبطاً وإنما له ثمرات، فمثلاً الخمس والزكاة مرَّ بنا - في المكاسب المحرمة أو البيع - هل يتعلق بمالية العين أو يتعلق برقبة العين؟، فلاحظ أن له ثمرات كثير ففي المضاربة له ثمرات وفي الخمس وفي الزكاة وفي موارد أخرى، فهذه الاقسام الثلاثة لها ثمرات عديدة ونحن لا نفصل هذا البحث وإنما مر تفصيله في مواطن عديدة، وهناك مثال آخر وهو أنه قديماً جعل المال بين الزوج والزوجة الدينار السويسري أما الآن الدينار تبدل سيما أيام الحصار انخفضت قيمته كثيرا فلو كالبت الزوجة بعد خمسين أو ستين سنة لو طالبت بالمهر فأيَّ دينار يدفع لها؟
والشيخ محمد علي الاراكي العراقي وهو من تلاميذ النجف وسامراء أيضاً وهو التلميذ الأول تقريباً سناً للشيخ عبد الكريم الحائري وكليهما من مدرسة سامراء والنجف وشيئاً ما لعله كربلاء أيضاً فهو عنده تعبير دقيق ولطيف وعنده صناعة فقهية لطيفة يقول إنه في بع الأحيان العين لا يلاحظ فيها لا القسم الأول من الصفات ولا القسم الثاني من الصفات بل يلاحظ فيها صفتها المالية - وقديما هذا - فمثلاً الآن أي بلد تتوفر فيه سلعة من السلع بوفرة كثيرة جداً زائدة عن حاجة البلد بأضعاف فهذه السلعة في البلد صفاتها الخاصة غير مطلوبة وصفاتها النوعية غير مطلوبة أيضا وإنما المطلوب فيها هو القسم الثالث وهو صفتها المالية فهذه السلعة وهذه العين تصير حينئذٍ كأنها ورقة نقدية ويتعاوض عليها بما هي كأنها مال وهنا الشيخ محمد علي العراقي يقول هنا بالدقة الصفة المالية في العين أخذت عوضاً، مثلاً بلد يتوفر فيه الشاي قديما أو الرز أو الدواب بكثرة زائدة عن حاجة البلد وهم يصدرون إلى البلدان المجاورة فأي سلعة تتوفر بكثرة وسوقها خارج البلد تلقائياً هذه السلعة ينظر إليها كمعيار ومقياس مالي - اتندر مالي - مثل البترول عند الدول النفطية فالآخرين قد ينظرون إليه كونه من القسم الأول أو الثاني ولكن احب البترول ينظر إلى الجهة المالية فيه.
ونحن ذكرنا هذا المطلب لأجل مطلب آخر وهو أن طرف التعاوض بين عيني قد يقع على أنماط وأنحاء، فإذا وقعت عين مقابل عين بلحاظ القسم الأول من الصفات أو الثاني فهذا تقايضاً وإلا إذا وقع بلحاظ القسم الثاني فهذا عين بمال.
ونقول كلمة ونختم: - إنَّ الذي عرّف البيع بأنه تبادل مال بمال يعني هل في البيع ملحوظ الصفة الثالثة ولا تلحظ الأولى والثاني فإذا ان الأمر هكذا فهذا شيء آخر في تعريف البيع، بخلاف من قال البيع هو تمليك عين بمال فحينما قال (عين) يعني لوحظت صفات القسم الأول أو الثاني بخلاف الطرف الآخر فإن الملحوظ هو القسم الثالث من الصفات أي المالية، وهذا البحث يلزم أن ينقح كي نختم هذا التنبيه ونواصل بقية التنبيهات إن شاء الله تعالى.