« قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

45/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

 -الإنشاءات المعاملية في الأنشاء الواحد.

الموضوع: - الإنشاءات المعاملية في الأنشاء الواحد.

 

كنا في هذه المسألة في المعاطاة البيعية أو غير البيعية فيما لو كان من قصد المتعاطيين الرضا بالتبادل أو بتصرف كل منهما في مال الآخر كيفما اتفق – هذا هو تعبير الاعلام - يعني بيعاً كان أو غيره، وكأنما المتعاطيين والمتعاقدين قصدا جنس المعاملة، أما أنه هل قصد جنس المعاملة يخلّ من دون قصد النوع - يعني من دون وحدة المطلوب في النوع -، فهل هو من قبيل وحدة المطلوب، وهذا هو التوجيه الذي يذكرونه في الوقف أو الوصية فإنهم يقولون في الوصية حينما يقول الواقف ( أوقف هذه الأرض مدرسةً ) فهنا العرف يفهم من ذلك انشاءان انشا كلي وانشاء خاص، انشاءٌ كلي هو أنَّ هذه الأرض رفلتها محبوسة ومنفعتها مسبّلة وبالتالي حبّس الأصل وسبّل المنفعة، وسبيل يعني كالنهر الجاري، فنفس رقبة العين محبوسة، فإذاً الواقف كأنما أنشأ الجنس في الوقف، وهكذا الحال في الوصية فحينما يقول هذا المال لليتامى أو لكذا فئة من الفقراء فيقولون إذا أردنا أن نستوعب بالدقة فهنا يوجد انشاءان انشاء كلي لخيرية الخير أو وقفية الوقف وانشاء آخر من باب تعدد المطلوب هو أن تكون مدرسة أو يصرف مال الوصية للفئة المعينة من الفقراء ولكن إذا انتفى الخاص لا ينتفي العام لأنه أنشأ العام أيضاً وهذا هو بنحو توليفي تفيقي توافقي بين الانشاءين ولا يوجد تناقض ومن ثم يراعى الأقرب فالقرب، لأن تطبيق هذا الكلي أخذ فيه مثلاً الأقرب فالأقرب، يعني نفس انشاء الخاص هو دال على أنَّ الخصوصية هي مطلوب ثانٍ فإن لم تحصل فالأقرب منها فالأقرب وهلم جرا، وهذا تصوير جيد في الانشاء.

ومادام الأمر في الانشاء هكذا فهل يمكن تصوير ذلك في غير الوقف والوصية كما في موارد المعاطاة وفي المعاملات مثلاً؟، ومن الواضح أنه في بعض المعاملات هذا ممنوعٌ للدليل الخاص، ولكن إذا لم يكن في البين دليل خاص فهل يمكن الالتزام بذلك؟، وهذا ليس فقط في المعاطاة كما ذكر الاعلام المحققين بل بعض الأحيان يأتي حتى في العقد اللفظي فمع أن الطرف يقول للآخر بعتك ولكن غرض المتبايعين ليس هو فقط البيع بنحو وحدة المطلوب بل غرضهم هو البيع بنحو تعدد المطلوب، وهذا باب واسع إذا أريد فتحه، أما الآن فبغض النظر عن الجهة الحكمية التي سنأتي إليها وإنما كلامنا في تصوير أصل الموضوع - ثبت العرش ثم انقش - فمورد السؤال أنه هل يمكن تقريره وفرض وجوه ووقوعه ثم اسأل عن حكمه، أما إذا كان نفس فرض السؤال خيالياً فلا مجال حينئذٍ لبحث حكمه لأنه فرضٌ خيالي، ولكن إذا امكن أن يقع فحينئذٍ تصل النوبة إلى حكمة.

فإذاً الكلام في تصويره - في الموضوع - فإذاً هذا التصوير يبتني على هذه الطريقة انشاءٌ كلي وانشاءٌ خاص، وهذا ليس بنحو التعليق وإنما بحو المنجّز كلا الانشاءين، فهل هذا يرتضى كما ارتضاه الاعلام في الوصية والوقف أو لا؟، فلاحظ أنَّ هذا البحث مهم بغض النظر عن الوصية والمعاطاة وغير ذلك فإنه هل يمكن أن تصير الانشاءات في انشاءٍ واحد أو لا فإنَّ هذا بحث مهم جداً.

لنأخذ مثالاً آخر ذكره الاعلام: - وهو منجّزات المريض سواء كان مريضاً بمرض موت أو غيره فهل تصرفات المريض مرض الموت نافذة وصحيحة ومنجزة أو أنها معلقة وحكمها يعتبر حكم الوصية؟ وهذا محل ابتلاء أكثر البشر حينما تقع الواقعة - والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق - هنا الانسان ينبري فيريد أن يتصدق ويريد أموراً أخرى وعندنا في الروايات أنَّ فعل الانسان وهو حي صحيح ثوابه اكثر اضعافاً من الوصية، هذا إذا نُفِّذت الوصية ولم يعطّلها الورثة ولكن مع ذلك ثوابها شيء آخر، وحتى إذا لم تبلغ الحلقوم وإنما كانت تأتي إلى الحلقوم وترجع فهو مريض فهنا توجد معركة آراء فأيّ تصرفاته تكون صحيحة ونافذة وأيها غير صحيحة؟، وكلامنا ليس في هذا الباب ولا في احكامه، والبحث من حيث الأدلة والمعالجات فيه غموض والغموض، وفي الحقيقة فيه غموض موضوعي، فهو غموض في الأدلة ولكن بالدقة هي أدلة ناظرة إلى الموضوع، فيوجد تضارب أدلة وتعارض أدلة في تصرفات المريض مرض الموت، وهذا يبحث عادةً في الوصية أو البعض جعله في الصدقات.

وهناك مطلب ذكره الاعلام:- وهو أنَّ المريض مرض الموت لو اعطى هدية لأحد ارحامه أو اصدقاه أو قام بإيقاف شيء فالمهم أنه قام بتصرفٍ من التصرفات الاعتبارية ولكن بسبب وآخر الشارع لم يُنفذ هذا التصرف ولم يصححه شبيه ما ذكرناه من أنَّ الأب حتى لو كان صحيحاً وليس بمريض ووهب عقاراً لأحد أصدقائه أو ارحامه ولكنه لم يسجله باسمه في الطابو فنحن عندنا أن التسجل في الطابو يعدّ قبضاً فهذه هبة من دون قبض فتكون هبة معلقة ولكن الواهب يظن أنها منجّزة فالكلام يقع أنَّ هذه الهبة وهذا الوقف وهذا التصرف الناقل عندما لم يصححه الشارع هل هو باطل من رأس كالعدم أو أنه يتبدَّل؟ قالوا إنه يتبدل إلى الوصية بالوقف أو الوصية بالهبة أو الوصية بالبيع ... وهكذا حسب تصرفه، يعني نفس التصرف حيث لم يصححه الشرع فإنه يتبدل إلى الوصية بذلك الفعل ولكن كيف يحصل ذلك فإنه لم ينشئ الوصية وإنما أنشأ الوقف أو الهدية أو الصدقة أو البيع ولم ينشئ الوصية بالفعل بذلك التصرف فكيف انقلب هذا الانشاء من انشاءٍ معين بعنوانٍ معين إلى إنشاء الوصية بذلك الفعل؟، فلاحظ هذا غير الوقف وغير الوصية التبديل فيها، تبدّل التصرف المنجّز فهو أراد الهبة منجّزة والوقف منجّز، فهو نوى الصدقة وأنشأها ولكن هذا التصرف الانشائي لم ينجَّز يعني لم يتحقق بالفعل فبدلاً من أن يكون التصرف منجّز - أي متحقق ناجز - أصبح تصرفاً معلّقاً، فالوصية ما هي؟ الوصية هي نفس التصرف ولكنه معلق، فلاحظ أنَّ هذا دمج بين انشاء الوصية وبين انشاء العقود أو الايقاعات، فإذا عرّفنا الوصية بأنها هي نفس التصرفات لكنها معلّقة فالوصية هي أي شيء؟ الوصية هل هي بيع أو اجارة أو جعالة أو وقف أو هبة؟ إنَّ الوصية مثل الصلح فهي كل هذه الأمور ولكن بنحو التعليق، وبهذا يصير تقارب ماهوي في الانشاء بين الوصية وبين انشاءات تلك العقود، فلاحظ هذا هو دور صناعة التحليل والفقيه إذا لم يكن عنده صناعة التحليل فهذا مشكل جداً بأن يجمد على حرفية العناوين وسطحيتها من دون أن يذهب إلى عمق المعنى، ودأب المحقق الحلي والعلامة الحلي والمحقق الكركي والشهيد الأول هؤلاء الكبار دابهم التحليل، ومن احد المؤاخذات العلمية على بعض متأخري الاعصار أنهم بسرعة يسارع إلى الأصول العملية والحال أنه يجب عليه أن ينقح الأدلة الاجتهادية ولكنه يقول الأصل في المسألة كذا والقدر المتيقن كذا والاحتياط كذا ولكن هذا غير صحيح، وبتعبير الاغا ضياء الدين العراقي حسب ما ينقل عنه تلميذه الميرزا هاشم الآملي أنَّ الأصول العملية هي دار العجزة، فلا يصح أن يذهب إليها بسرعة، فالتمسك المفرط بالأصول العملية قبل تنقيح الأصول الاجتهادية أمرٌ مشكل، فالجهود التي تبذل في الأصول العملية يا ليتها تبذل على الدلائل والقرائن الاجتهادية، فأين الأدلة الاجتهادية من الاصول العملية، وهذا ليس قصة أن يكون الانسان عاجزاً عن هذه المداقات في الأصول العملية ولكن هذا الجهد الذي يبذل في الأصول العلمية ليبذل في الأدلة الاجتهادية والقرائن اللغوية والقرائن الروائية، والشيخ المجلسي بارع في فنون دلالة الروايات وحتى صاحب الجواهر يضاهيه في فنون دلالة الرواية، نعم بعد مرحلة فنون دلالة الرواية يأتي دور صاحب الجواهر وهو هندسة القواعد والأدلة، ولصاحب الجواهر دور مشهود فهو متميز فيه ولكن أيضاً توجد مراحل في الاستنباط.

كما المحقق العراقي يوصي بذلك رغم أنه عملاً لم يلتزم بذلك - يعني هذه دورته الفقهية المختصرة المطبوعة - وهذه نكتة مهمة، فمثلاً ترى بعض الأعلام يذهب بسرعة إلى الأصل العملي وكان اللازم عليه أن يبذل جهوداً في الجانب الآخر، فهذا الطابع العلمي موجود، وأما بعضهم فهو يلاحظ الدلالة والشواهد والفذلكة، وحتى الأدلة الاجتهادية لها مراحل كثيرة.

فإذاً حقيقة الوصية ليست عقد انشاء في مقابل العقود بالدقة، فلاحظ هذا هو نخاع باب الوصية فإنَّ بحث الوصية من الكتب المهمة وهو محل ابتلاء فالوصية هي نفس انشاء العقود ولكن بشكلٍ معلق، كما أنَّ هذه الاثارة والعقود أن الصلح هو العقود أو غير العقود أو ماذا؟ الصحيح أن الصلح صحيح أنه عقدُ مستقل ولكنه ليس مستقلاً هويةً وماهيةً تماماً، فصحيح أنه عقد مستقل في نفسه ولكنه مثل الوصية فهو ناظر إلى العقود الأخرى، فمن ثم يسهل دمج انشاء الوصية في اشاء العقود وكأنما هذه العقود أنشأ البيع أو أنشا الهبة، يعني يفهم منه أنَّ هذا الانشاء يريده فإن يتحقق منجّزاً ويتحقق معلقاً، شبيه انشاء الفضولي في البيع الفضولي أو الاجارة الفضولية أو النكاح الفضولي فالفضولي ليس ناوياً التعليق فكيف يتبدّل إلى التعليق؟، فهنا التعليق لا مانع منه مثلاً، وكيف أنَّ هذا التعليق لا مانع منه في الانشاء؟ إنَّ هذا بحث طويل عريض وسيأتينا في البحث اللاحق بعد المعاطاة وهو بيع الفضولي وبيع الفضولي ليس المقصود منه بيع الفضولي فقط وإنما يشمل بيع الغاصب والنكاح الفضولي والاجارة الفضولية أيضاً، ولماذا سمي فضولياً؟ أنَّ المقصود هو أن الانشاء الناقص كيف يتمم؟، فهذا هو لبّ البيع الفضولي، كيف أنَّ الانشاء غير التام على القاعدة يمكن أن يصحح إذا تُمِّم؟، فأصل البحث الدقيق في البيع الفضولي هو هذا وليس قصَّة نفس البيع أو فضولية البيع أو بيعية الفضولي وإنما البحث الأصلي فيه وسره ولبّه ولباب البحث الآتي هو هذا، ومن الواضح أنه توجد معركة آراء هنا ولكن هذا النخاع الأصلي هو في هذا البحث وهو أنه هل يمكن لإنشاء لم يستكمل أن تبقى له صحة تأهلية ويتم أو لا يتم؟، فلاحظ أن هذه كلها بحوث عامة في كيفيات الانشاء وهي مهمة جداً يجب الالتفات إليها، وهذا بحث مفصّل في الانشاء.

وهنا يوجد هذا البحث والذي هو حل ابتلاء: - وهو أنَّ المتعاقدين المتعاطيين المتعاوضين ينشئان جنس المعاوضة وينشئان الخاص فهل هذا يمكن أو لا يمكن وبأيّ نحو من التقريبات، وهذا ينفع في موارد عديدة، فهم عندهم رضا بذلك كيفما اتفق.

وهنا توجد نقطة دعونا نكملها قبل المغادرة إلى الجهة الحكمية وأيضاً الجهة الحكمية أيضاً هي غامضة ومعقدة ولكن توجد نقطة أخرى في هذا البحث الموضوعي في الجهة الموضوعية وإلا فبحثنا الآن جهة موضوعية: - وهي أنه ما الفرق بين الجهة الموضوعية والشبهة الموضوعية؟

الجهة الموضوعية قد تكون حتى في الشبهة الحكمية والجهة الموضوعية قد تكون في الشبهة الموضوعية، اصطلاح الشبهة الموضوعية بالدقة يختلف عن الجهة الموضوعية، فالموضوع إن كان كلياً فهذا حكم تنظيري في الشبهة الحكمية، وإن كان البحث ليس في الموضوع الكلي غالباً فهذا شبهة موضوعية، وأما الجهة الموضوعية يعني جانب الموضوع سواء كان في القضية الكلية أو القضية الجزية، فتشخيص هذا المائز مهم وجملة من المعاصرين عندهم هذه الغفلة، يعني يمكن أن تسجل عليهم ذلك، فماء الشعير هل البحث فيه هو في الشبهة الموضوعية كي تجرى البراءة أو ماذا؟، فإن الإشكالية في ماء الشعير هل هو فقاّع حرام أو لا؟ فهل البحث هو في شبهة موضوعية أو البحث هو في جهة موضوعية؟ فإنه إذا كان جهة موضوعية في التنظير الكلي هذا يصير شبهة حكمية وليست موضوعية، والأعلام تارةً بنوا على أنه شبهة موضوعية واخرى بنوا على أنه جهة موضوعية، وما الفرق بين الشبهة الموضوعية والجهة الموضوعية الكلية؟ إنه إذا كان البحث في الجهة الموضوعية الكلية تنظيراً فكل مسألة لم يستتم عند الفقيه استنباطها تماماً لا يجوز له أن يستعمل البراءة أو الطهارة بل عليه الاحتياط.

فلاحظ كيف هو الفرق بين الجهة الموضوعية الكلية إن لم يستتم تنقيحها ولازالت مجملة لديه، أو حتى لدى المكلف فإنه يلزم الاحتياط لا البراءة، نعم لو كانت الشبهة موضوعية فسوف تجري البراءة، فهناك فرق بين الشبهة الموضوعية والجهة الموضوعية يجب أن نلتفت إليه فإنَّ الجهة الموضوعية شيء والشبهة الموضوعية شيء آخر، والبحث الآن في الجهة الموضوعية في الانشاء.

وهنا تبقى نقطة في البحث في الجهة الموضوعية في هذا الانشاء وهي مرتبطة بوحدة المطلوب وتعدده:- وهي قاعدة القصد ( العقود تابعة للقصود ) فإنه مر بنا مراراً أنَّ الاعلام يبينون على أنَّ هذه القاعدة غامضة ومعقدة وحساسة وأحد بنود وفصول هذه القاعدة هو قضية وحدة المطلوب وتعدد المطلوب، فأحد فصول هذه القاعدة أو حلحلة هذه القاعدة قضية معانٍ ثلاث لتعدد المطلوب مرت بنا في الأصول - فنحن فصلناها إلى ثلاثة معاني - ولكن لا مانع من أن نبيّنه هنا، وسبق أن مر بنا في الأصول أن هذه الثلاثة معاني لتعدد المطلوب وعندنا ثلاثة معاني لوحدة المطلوب - فتوجد ثلاث معاني لكلا التقسيمين - هذه المعاني الثلاث ليست ثلاثاً فقط وإنما هي أربع أو خمس أو ست أو أكثر فهناك معانٍ كثيرة لتعدد المطلوب ووحدة المطلوب، والمطلوب يعني المقصود، فيوجد معنىً رابع وخامس، وهذه المعاني مؤثرة في بحث الانشاء في العقود والايقاعات وحتى في نية العبادات، ففي أغلب زيارات النبي وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين يوجد أدب في أنَّ المقصود الأصلي من الزيارة هو الله عز وجل، يعني أنَّ الذي يزار والذي يقصد هو الله عزَّ وجل عبر زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو زيارة الامام الوصي عليه السلام، وهذا مبحثٌ وهو أنه يكون هناك تداخل للقصود والمعاني.

فالمهم أن مبحث وحدة المطلوب وتعدد المطلوب له عدَّة معاني، وله معنى لم نذكره مع المعاني الثلاثة التي ذكرناها في الأصول وهو معنىً رابع وهو النية بنحو الداعي أو النية بنحو التقييد، وهذا الاصطلاح عادةً هو نفس وحدة المطلوب وتعدد المطلوب ولكن الفقهاء عادة يذكرونه في باب العبادات ولكنه بنفسه يتأتى في المعاملات، وهذا المبحث وهو أنه كيف نميز القصد والنية والمقصود بنحو الداعي أو بحو التقييد هو مبحث معقّد ومهم وغامض، فمثلاً في صلاة الجماعة اختلف الفقهاء فيما إذا نوى المأموم الائتمام بزيد فظهر أنه قاسم فهل تصح الجماعة أو لا تصح فهل هذا كان بنحو الداعي أو بنحو التقييد أو أنه من باب تعدد المطلوب، ويقحمون في هذا البحث في مسألة الاشتباه في التطبيق.

فلاحظ أنه عندنا اصطلاح وحدة المطلوب وتعدد المطلوب وهذا يكون بعدة معاني تندمج معها النية بنحو الداعي أو بنحو التقييد ويندمج مع هذه البحوث والتقسيمات والاعداد عنوان الاشتباه في التطبيق، يعني في مقابل بنحو التقييد الداعي يسمَّى الاشتباه في التطبيق في مقابل التقييد، فهذه الاصطلاحات يجب أن نلتفت إليها وستبين كيف ربطها بالإنشاء هنا وأنه كيف يمكن انشاء كلي وانشاء خاص لأنه يقوم على القصد، فالأمر يكون حساساً ويجب أن نلتفت إليه.

وهناك اصطلاح آخر في نفس هذه النقطة:- وهو أن النية ما هي - سوا ء كانت في العبادات أو المعاملات أو الايقاعات - وكم ركن يوجد في النية سواء كانت نية معاملية أو ايقاعية أو نية عبادات، فما هي النية وكم ركن يوجد في النية؟، ولماذا نبحث عن عدد اركان النية؟ كي نستوضح القصد، فحتى الاكاديميين في علم القانون عندهم هذه القاعدة - وهي العقود تابعة للقصود – من أصعب القواعد، فهل هي تابعة للإرادة وإذا كانت تابعة للإرادة فأيُّ إرادةٍ هي فإنَّ هذا محل نقاش عندهم، فهل هي الإرادة الباطنة أو هي الإرادة الظاهرة؟، وهذه زاوية أخرى من البحث أيضا، وهذا بحث جحفلي.

ونحن نبين هذه النقطة ونواصلها في الجلسة اللاحقة:- وهو أنَّ النية لها ثلاث اركان سواء كانت في باب العبادات أو المعاملات الغايات والدواعي، والدواعي هي التي يكون الانطلاق منها، والغايات ونفس النية كفعل قلبي يتوسط بين الداعي وبين الغايات، هذه الثلاثة أركان للنية لها اسماء عديدة داعي وغايات ونية وقصد ومفصود وتقصّد، فتارةً يقال قصد بمعنى المقصد مثل مصدر بمعنى المفعول أو مصدر بمعنى اسم المصدر فالغايات تكون مثل اسم المصدر، فنفس النية كفعل هي مصدر حدث وأما الدواعي فهي أسباب، وهذه الأركان الثلاثة في النية غامضة جداً سواء كانت النية عبادية أو نية معاملية أو نية ايقاعية، والنية يعني القصد من نوى ينوي، فالنية بمعنى المنوي أو النية بمعنى نفس النية أو النية بمعنى أسباب النية، فالنية تطلق على أسبابها فيقال رياء وتطلق على الغايات وتطلق كمصدر على نفس الفعل القلبي الذي يقوم به القلب، فالقصد يطلق على المقصود ويطلق على السبب ويطلق على الفعل كحدث، وهذه الاصطلاحات موجودة في الآيات والروايات وفي فتاوى الاعلام، فالترديد الثلاثي موجود فيها ويحب الالتفات إليه وهو أنَّ النية لها ثلاثة اركان، ولماذا سحبنا البحث إلى هذا المطلب؟ لأنك أنت تقول داعي أو نية بنحو التقييد فبهذا رجعنا إلى ما هو القصد الأصلي في الانشاء وهل يمكن أن تكون القصود بنحو الداعي أو بنحو التقييد أو بنحو الاشتباه في التطبيق؟، ومثل ما مر بنا في أنَّ المريض يهب هذه الدار ويعتقد أن هبته صحيحة متحققة ولكنه مشتبه لأنَّ الهبة لم تتحقق لأنه لم ينقل الطابو باسم الموهوب له، أما كيف أنها تتحقق وصيةً تلقائياً بعد موت الواهب فكيف يتبدل هذا الانشاء من الهبة إلى وصية بالهبة؟، فلاحظ أنَّ هذا نوع من التحوير والتبديل والتغيير في القصود والانشاءات ولذلك نحن مضطرون إلى بحث النية والقصد من هذا الباب.

logo