الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه
45/11/03
بسم الله الرحمن الرحيم
وجوه لماهية المعطاة وآثارها
الموضوع: وجوه لماهية المعطاة وآثارها
كنا في التنبيه الأول وهو أنه هل بقية الشروط المأخوذة في البيع أو قل أيضاً هل بقية الاحكام التي تترتب على البيع تترتب على المعاطاة - غير الشروط - فتوجد عندنا شروط مأخوذة في البيع وتوجد احكام أيضاً تترتب على البيع كحرمة الربا أو الربا المعاوضي كما مر بنا، فهل تترتب الشروط على المعاطاة البيعية أو لا؟ قد مر بنا أنه على القول بإفادتها الملك فمن الواضح ذلك لأن المعاطاة هي بيع عرفي وشرعي قد التزم فيها بالملك وبالتالي سوف تترتب عليها شروط البيع وتترتب عليها أحكام البيع أيضاً، يعني توجد عندنا جهتان في هذا التنبيه الجهة الأولى شروط صحة البيع المأخوذة في المعاطاة البيعية أو لا، فشروط في الصحة شروط في الموضوع، والجهة الثانية هي أنه هل تترتب احكام البيع كحرمة الربا وحرمة الربا المعاوضي عليها أو لا تترتب؟، فبناءً على القول بالملك فمن الواضح أنها تترتب لأنه بيع عرفي وشرعي، وأما بناءً على الاباحة فهل تترتب الشروط وتتقرر وكيف تصوير ذلك؟ إنه قد ذكرنا شيئاً من التقريب على ذلك وقبل أن نواصل الحديث عن ذلك نذكر نكتة ذكرناها أمس أيضاً وهي أنَّه إذا تصفح الباحث كلام الشيخ الانصاري في التنبيه الثاني والثالث والرابع ... إلى التنبيه الثامن يجد أنَّ هذه التنبيهات الثمانية هي بالدقة رجوعٌ إلى البحث الأصلي الصميمي في المعاطاة، وكأنما الشيخ يريد أن ينقح أصل البحث بتقريبات مختلفة وبزوايا متعددة وبهندسات نمطية معينة، وهذا جيد ويدل على التدقيق، ووجدت هذا التوجيه ايضاً عند السيد اليزدي والآخوند حيث ذكرا له تقريباً له في بحث أنَّ المعاطاة تفيد الاباحة وأنها تصير لازمة بالملزمات وتكون بيعاً، وقد مرت إشكالات كاشف الغطاء وأنَّ المعاطاة كيف تفيد الاباحة ولكن بالتصرفات يتحقق الملك؟، فالإشكالات الثمانية التي ذكرها كاشف الغطاء منصبة على قول المشهور وقد وقفنا على توجيهٍ للسيد اليزدي والآخوند وقد اتضح أنّ هذا التوجيه مأخوذ من الشهيد الثاني صاحب المسالك وقد ذكره الشيخ عن المسالك لعله في التنبيه السابع.
فالمهم هو هذه النقطة التي أردنا أن نذكرها: - وهي أنَّ الشيخ في هذه التنبيهات الثمانية يدور ويحوم ويذهب إلى المركز بصياغات مختلفة، وهذا جيد ويدل على أنَّ هذه المباحث ليست تذييلاً وذيولاً بقدر ما هي بحوث صميمة لأنّ البحث ليس بتلك السهولة. هذه الفاتة معترضة.
نرجع إلى جهتي التنبيه الأول: - فالجهة الأولى هي أنه هل تعتبر بقية شروط البيع في المعاطاة؟، والجهة الثانية هل تترتب احكام البيع عليها أيضاً أو لا تترتب بناءً على قول المشهور؟
ونلخص ما نريد الخوض فيه فنقول:- إنه بناءً على التوجيه الذي ذكره صاحب المسالك والذي تبنيناه وهذا هو التوجيه الصناعي القواعدي وإلا فالذي اعتمده السيد اليزدي والآخوند من أنَّ المعاطاة حتى على القول بإفادتها الاباحة قول المشهور هي بيع ولكن تمامية السبب فيه تكون بالتصرفات الملزمة وأما الانشاء بمفرده فلا يكفي وإنما يفيد الاباحة فقط فهو عرفي وسيؤول إلى البيع العرفي بعد التصرفات الملزمة والتصرفات هي بمثابة القبض، فكيف أنَّ القبض في الهبة يكون متمماً لسببية السبب في الهبة أو متمماً لسببية السبب في الوقف أو الصدقات كذلك الحال في التصرفات الملزمة في المعاطاة. هذا هو عمدة التوجيه لكلام المشهور والذي ذكره الشهيد الثاني في المسالك ثم بلوره السيد اليزدي والآخوند أكثر. أما الاباحة فمن اين أتت؟ إما أننا نعتبرها مالية أو نعتبرها شرعية، وما الفرق بين ما إذا كانت اباحة مالكية أو اباحة شرعية؟ إنه على القول بالاباحة الشرعية فهي تعبد خاص والتعبد الخاص يجب أن تؤخذ شروطه من دليل التعبّد، وأما على القول بأنها مالكية فليس هو تعبّد خاص وإنما يكون على مقتضى الضوابط والقواعد في المعاملات، فالهم على هذا التوجيه الذي اعتمده الاعلام الثلاثة المعاطاة هي بيع ولو من باب الصحة التأهلية ولكن تصير صحة فعلية ولزوم بالتصرفات وعليه فيشترط فيها كل ما يشترط في البيع، وأيضا تترتب عليها احكام البيع مثل حرمة الربا وما شاكل ذلك التي هي الجهة الثانية لأنه مر بنا أنَّ هذا التنبيه منطوي على جهتين جهة شروط صحة البيع وجهة احكام البيع مثل الربا وغيره، مثلاً هل يترتب عليها الخيار ؟ نعم إنه يترتب بناءً على كونها بيعاً وأنَّ المعاطاة تأوَّل إلى البيع الفعلي واللزوم فهنا سوف تترتب عليها بقية الخيارات، وكذلك الحال ففي بقية الاحكام، وكذلك يترتب عليها الجهة الأولى وهي الشروط فإنَّ شروط صحة البيع تترتب عليها لأنه بيع عرفي وسوف يؤول إلى البيع الشرعي ولا يصير بيعاً إلا أن توفرت فيه الشروط الشرعية.
فإذاً سياق البحث على قول المشهور بأنَّ المعاطاة هي اباحة تؤول إلى البيع بالتصرفات الملزمة تنقيح البحث اجمالاً يصير واضحاً عليها ونكون قد انتهينا من التنبيه الأول.
ولكن دعونا نتعرض أكثر إلى شقوق في البحث أو اقوال وتوجيهات في البحث فإنها مفيدة:- فمثلاً الشيخ الأنصاري يميل في توجيهه لقول المشهور - وهو لا يتبناه ولكن يتبنى هذا التوجيه لقول المشهور في أكثر التنبيهات أو قبل التنبيهات - بأنه يقول هناك سيرة متشرعية في بيع المعاطاة ثمرتها الاباحة الشرعية وأنها تعبد خاص من الشارع للسيرة، وهو لا يتبنى هذا القول وإنما يختار قول الملكية ولكنه يقول في التوجيه الصناعي أو الاستنباطي لكلام المشهور ذلك وكأنما الشيخ يستصعب توليف القواعد والحال أنه ممكن كما بينا على توجيه الاعلام الثلاثة وهو الصحيح، ونحن تماشينا مع الشيخ فالشيخ يرى أنَّ هذه القواعد الصناعية لا يمكن أن تفسر كلام المشهور ولا يفسر كلامهم إلا دعوى وجود سيرة متشرعية تفيد الاباحة لا أنها تفيد الملك، فالشيخ يقول مادام المستند هو سيرة فلابد وأن نأخذ دائماً بالقدر المتيقن منها، وهذه نكتة مهمة جداً وهي أنه دائماً يكون الاعتماد على السير والتمسك بها عقلائيةً كانت أو متشرعية النتيجة هو بمقدار القدر المتيقن لأنه لا يوجد فيها اطلاق، وخالف في ذلك الكمباني حيث يوجد عنده رأي آخر في هذا المبحث الأصولي ليس من الضروري التعرض له وسنتعرض له بمناسبة أخرى، وأما كلام مشهور الأصوليين فهو أنَّ السيرة هي دليل لبّي وفي الأدلة اللبية لا يتمسك بالإطلاق لأنها ليست لفظية، ومادام دليل لبياً ليس لفظياً فحينئذٍ لابد من اشتراط جميع شرائط البيع لأنَّ الدليل هو السيرة وهي دليل لبي والقدر المتيقن منها ما إذا كانت المعاطاة واجدة لشرائط البيع. هذا هو توجيه الشيخ في الجهة الأولى من التنبيه.
أما الجهة الثانية وهي الاحكام فيقول:- أما بالنسبة إلى حرمة الربا فنعم تثبت لأنه المعاطاة هي بالتالي معاوضة فتأتي فيها حرمة الربا، وأما الخيارات بعد تحقق البيعية بالملزمات فتثبت أيضاً وأما قبلها فلا تثبت. هذه خلاصة توجيه الشيخ.
ودعونا نذكر وجوهاً أو اقوالاً أخرى لأجل المترس والتمرين في النكات الصناعية فنقول:- ماذا لو التزم بإفادتها للإباحة - وهذه التزمنا بها أيضا وهذا وجه آخر أو قل هو قولٌ آخر - ثم تصير ملزمة بالتصرف وإنما التزم بأنَّ المعاطاة في بعض صورها ليس فيها انشاء التمليك وانشاء للبيع ومرَّ بنا في التنبيه الرابع وقد خضنا في التنبيه الرابع مرتين قبل أن يأتي حيث تعرض الشيخ الانصاري إلى أنَّ المعاطاة تقع على أربع صور ومن الصور التي يقع عليها المعاطاة أنه من الابتداء ينشئ المتعاطيين الاباحة أو المعاوضة بالاباحة، يعني أصلاً هما قصدا الاباحة وكانت تعاوضاً في الاباحة، فإذا قصدا التعاوض في الاباحة فهذا ليس بيعاً وإنما هو معاوضة أخرى مستقلة عرفاً بغض النظر عن الشرع.
نعيد:- الصور الأربع التي ذكرها الشيخ يمكن تكثيرها إلى أكثر من أربع صور، في الصورة الثالثة والرابعة بل وحتى الثانية هكذا، فالصورة الأولى هي انشاء مثل انشاء البيع تمليك مالٍ بمال فالتقابل يكون بين المالين، فالصورة الاولى هي بيع، وأما الصورة الثانية ليس التقابل فيها بين المالين وإنما يكون بين التمليكين قد اطلنا الحديث عنها سابقاً فهذه الصورة الثانية بالدقة هي معاملة جديدة فهي ليست بيعاً وإنما هي تمليك مقابل تمليك لأنَّه في البيع طرفي المعاوضة الفوقية هو تمليك مالٍ بمال أما هنا فهي معاوضة أخرى فوقية وطرفي المعاوضة الفوقية هنا هو هبة في مقابل هبة ولكن في ضمن المعاوضة ولكن ليست هي هبة معاوضية، ولماذا؟ لأنَّ الهبة المعاوضية لها ثلاث صور كما ذكر الفقهاء وأيضاً ما كان من الهبة المعاوضية التي هي بثلاث صور انشاء اللهبة الأولى هو الأصل وأما الثانية فهي تبع وشرط. هذه خلاصة الصور الثلاث في الهبة المعاوضية وهي أنَّ انشاء الهبة أصل والهبة الثانية هي تبع كشرط، أما إذا أنشئت تمليك وتمليك في ضمن معاوضة فالمعاوضة الفوقية هي الأصل التي هي الصورة الثانية من الصور الأربعة للمعاطاة، فإن الشيخ الأنصاري في التنبيه الرابع ذكر أربع صور للمعاطاة في باب البيع والصورة الأولى منها هي بيع وهي تمليك مال بمال، فالتمليك هو شيء فوقي وطريفي التمليك هو مال بمال فهذه الصورة هي بيع، وأما الصورة الثانية فهي معاوضة تراضٍ وتعهد والتزام بأن أتملك منك تمليكاً وتتملك مني تمليكاً فالتقابل هنا يكون بين تمليكين وهذا ليس بيعاً وإنما هو معاوضة أخرى، وليس ه هبة معاوضية أيضاً لأنه في الهبة المعاوضية تكون الهبة الأولى قد أنشئت اصالةً وأما الثانية فقد انشئت تبعاً، أما ف قمامنا كلا التمليكين قد انشئا أصالةً في ضمن معاوضةٍ فوقية، ولذلك الصورة الثانية في التنبيه الرابع للشيخ ليست بيعاً، وأما الصورة الثالثة فهي اباحة في مقابل اباحة فهي أما باحة في مقابل مال أو اباحة في مقابل اباحة وأيضاً هي ليست بيعاً.
فإذاً الشيخ الأنصاري في التنبيه الرابع ذكر اربع صور الأولى منها فقط هي بيع وأما البقية فهي معاوضات أخرى كما يقول الشهيد الأول وكذلك الشهيد الثاني في كتبهم فإنها قالوا يحتمل على الاباحة أن تكون المعاطاة معاوضة مستقلة وليست بيعاً وإنما هي ماهية جديدة، وهذه الشقوق لابد أن تستوفى في القوق.
وعلى هذا الكلام في المعاطاة كيف ننقح التنبيه الأول نفسه بجهتيه على هذه الشقوق؟ إنه إذا أنشأ الصورة الأولى في المعاطاة - وهي ( تمليك مال بمال ) - فهنا ستأتي نفس الوجوه المتعددة التي مرت، أما إذا انشئا الصورة الثانية أو الثالثة أو الرابعة التي ذكرت في التنبيه الرابع فهنا كيف يتم تنقيح التنبيه الأول؟، إنَّ هذه المسألة هي من العمليات الرياضية الصناعية في الفقه هو أنه في التنبيهات أنت تحاول أن تقارن بين التنبيهات وتمازج بينها حتى تتنقح عندك التنبيهات بشكلٍ جيد.
إذاً في التنبيه الأول توجد جهتان جهة شرائط البيع وجهة احكام البيع، وإذا قارنا بين التنبيه الأول والتنبيه الرابع كيف يتنقح التنبيه الأول لأنه في التنبيه الرابع الصورة الثانية والثالثة والرابعة ليست بيعاً لأنه لا تفرض فيه شرائط ولا تفرض فيه أحكام البيع، لأنه في التنبيه الرابع الشيخ ذكر اربع صور وذكر عن المشهور أربع صور ايضاً، يعني كل هذا التنبيه الأول هو بناء على الصورة الأولى في التنبيه الرابع لا الصور الأخرى، نعم أحكام البيع التي لا تختص بالبيع بل تعم كل المعاوضات مثل الربا المعاوضي فإنَّ الربا المعاوضي يجري حتى في المعاوضات المستقلة الجديدة وأنه يحرم وكذلك غسيل الأموال فإنَّ هذه المحرمات المعاملية تجري في كل المعاوضات وهذا صحيح، أما الأحكام الخاصة بالبيع كخيار العيب أو كخيار خاص فإنَّ هذا خاص بالبيع ولا يجري في المعاوضات الأخرى إلا إذا عمّمنا الخيارات فتلك الخيارات التي تعمم سوف تعم المعاوضات الجديدة، وأما شروط البيع فهي لا تؤخذ أيضاً لأنَّ هذه معاوضة مستقلة بناءً على الصورة الثانية والثالثة والرابعة المذكورة في التنبيه الرابع، وهذه نكتة لطيفة يلزم الالتفات إليها.
وهنا يوجد مبحث جديد وهو بحث معقد نخوض فيه تتميماً لشقوق التنبيه الأول: - وهو مبحث سيّال في التنبيهات الثمان التي ذكرها الشيخ، والشيخ يلاحق هذا المبحث ملاحقة علمية جيدة، وهذا البحث نحن نعونه ولكن قبل الخوض فيه فهو يحتاج إلى مقدمات وتوضيحات.
أما البحث فعنوانه هو هكذا:- وهو السؤال المطروح، وهو وبحث كلي في المعاملات وهو مفيد جداً، فالعنوان لهذا المبحث والذي هو مرتبط بالتنبيه الأول والنبيهات الأخرى وهو أنه هل فساد البيع أو المعاوضات الأخرى هو فساد وضعي لخللٍ فيه أو الفساد تكليفي؟، فهل الفساد للبيع هو تكليفي ووضعي معاً أو هو وضعي مجرد، فهل الفساد الوضعي المجرد للبيع أو المعاوضات الأخرى هو سواءٌ مع الفساد المقترن بين الوضعي والتكليفي أو ليس بسواء؟، وبعبارة سهلة:- إنَّ حرمة الربا هي فسادان فساد تكليفي وفساد وضعي وأما (نهى النبي عن بيع الغرر) فالفساد هنا وضعي فقط، وهذا بحث حساس جداً في كل المعاملات، فيا ترى هل الفساد الوضعي المجرد احكامه كأحكام الفساد الوضعي والتكليفي معاً أو يختلف عنه؟
ونعيد هذا المطلب بعبارة أخرى:- سبق وأن مرّ بنا وقلنا إنَّ هذا البحث من نواميس باب المعاملات وحتى من نواميس باب العبادات وهو تعقيد صناعة المركبّات، فسبق وأن مر بنا الفرق بين بيع الفضولي مثلاً وبين البيع الغرري وبين البيع الربوي، أو مثلاً الفرق بيع الغاصب والبيع الغرري، ولدينا أيضاً البيع الربوي، وهذه ثلاثة أبواب أو ثلاثة اسناخ أو أنماط من عدم الصحة فهل هذه الأبواب الثلاثة - وهذا الكلام ليس في الربا أو بيع الفضولي أو البيع الغرري ولا البيع حصراً وإنما هذه أمثلة بل الكلام يأتي في كل المعاملات - لا يثبت فيها الصحة الفعلية وإنما توجد صحة تأهلية فإنَّ بيع الفضولي مثلاً صحته تأهلية وفساده هو بمعنى عدم تمامية البيع وأما في البيع الغرري أصلاً يوجد فساد وضعي أما في حرمة الربا فيوجد فسادٌ تكليفي ووضعي معاً، فيوجد عندنا ثلاثة أنماط، فيا ترى هذه الأبواب الثلاثة هل شاكلة احكامها واحدة أو لا.، ولماذا يثار هذا البحث؟ لأنه بحث مهم جداً وقد مرَّ بنا أنَّه هل الشارع والشريعة والدين أتى ليتحكم في الأعراف الاجتماعية والعقلائية المعاملية أو غيرها ويتدخل فيها أو أنه لا يتدخل وإنما هو ناظر على الضفة الجانبية بمنأىً عن مسير الأعراف؟ وقد قلنا إن الشريعة جزماً جاء ت للتدخل فهل يا ترى تدخل الشارع في الأبواب الثلاثة هو على السواء أو أنه مختلف؟ إنَّه في الحرمتين الوضعية والتكليفية واضح أنَّ هذا تدخل شديد من قبله فإن الربا يقول عنه الشارع ﴿ فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾[1] فهذا التدخل سمّاه الشارع حرباً، وأما النهي عن البيع الغرري لم يسمّه حرباً وإنما تدخل أيضاً بشكل آخر فهو تدخل في الأعراف كذلك في الأول يوجد تدخل باعتبار انه اشترط أن تكون تجارة عن تراض، فهل تدخل الشارع في هذه الأبواب الثلاثة على مستوىً واحد أو لا؟
وهنا السؤال الذي نريد الوصول إليه - ولم ندخل بعد في تفصيل البحث: هو أنه هل - وهذه العبارة ذكرها مفتاح الكرامة والمالك في التنبيهات اللاحقة - تراضي الطرفين يمكن أن يقفز عن تدخل الشارع في هذه الأقسام الثلاثة سواء أو يمكن أن يقفز في القسم الأول والثاني فقط وأما القسم الثالث فلا يمكنه أن يقفز أو أنه لا يمكن في الثلاثة بأجمعها فلا يمكن لتراضي المتعاقدين أن يقفز على تحديدات الشارع إنَّ وهذا بحثٌ معقد سنخوض فيه غداً إن شاء الله تعالى.