« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

47/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصفات الإلهية وتعدد المذاهب

كنا في الرواية الثانية في هذا الباب و ﴿هو الاول والاخر والظاهر والباطن﴾[1] فلا اول لاوليته وكذلك لا اخر لاخريته وهذا ما يؤكد عليه دوما اهل البيت ان صفات الباري يجب تصفية معانيها عن شوائب صفات المخلوقين بل حتى عن شوائب الاسماء لان الاسماء فيها كثرة والباري ليس فيه كثرة فبالتالي اذن حتى هذا المقدار من الكثرة ينافي التوحيد وليس في الباري ولعل احد مغازي او غايات دعاء البهاء للامام الباقر هو نوع من التبيين ان الاسماء الالهية والصفات الالهية يجب ان ننزه ذات الباري عن الكثرة الموجودة في الاسماء لان هذه الكثرة تناسب المخلوقين ولا تناسب توحيد الخالق مع ان هذه الكثرة لا يلتفت اليها ولكن بالرغم من ذلك ان التسبيح والتنزيه الاعظم للباري تعالى ان نبعد عنه حتى هذا المقدار من الصفات التي تليق بالمخلوق .

مر بنا ان تنزيه الباري وتسبيحه درجات وليسا درجة واحدة كما ان تحميده عز وجل درجات وليس درجة واحدة وهذا امر يصر عليه اهل البيت حيث طبيعة ذهن البشر مشبهة وفي بيانات لهم عليهم السلام يبينون انه كيف المخلوقات عموما وليس فقط البشر عندهم جبلة التشبيه وهذا خلاف التوحيد فحتى النملة تشبه ، وفي الروايات ورد ما يدل على ان النملة تدرك المعارف ، وفي القرآن ورد انه قالت نملة كذا كذا مع ان النملة ليست لها نفس سائلة لا انه ليس لها روح ولكن ليس لها نفس سائلة .

اجمالا التسبيح درجات والتشبيه درجات والتعطيل والتحميد درجات والتوحيد درجات والتنزيه والتسبيح درجات فبالتالي يصر اهل البيت على ان ذهنية المخلوق تدعو الى التشبيه ﴿والله من ورائهم محيط﴾[2] ولاتكتنهه العقول يعني اي تدرك كنهه ولا يدركه بصر يعني يناله، ادرك الشيء اذا وصل اليه وناله ، ﴿لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار﴾[3] حتى في بيانات القرآن ورد هذا المعنى ففي حين ان اهل البيت لا يدعون الى التعطيل اي تعطيل معرفة في الصفات او تعطيل المعرفة باصل وجود الباري او تعطيل المعرفة في الافعال ولكن يشترطون بحسب قدرة الانسان ان يثني على الله ويحمده بصفاته وينزهه عن صفات المخلوقين مع مراعاة عدم التشبيه بحسب وسعه يعني كأنما التشبيه الخارج عن الوسع معفو عنه لانه ﴿لا يكلف الله نفسا الا وسعها﴾[4] فنفي الشرك او نفي الجبر او نفي التعطيل او ما تعتنقه المذاهب الباطلة هناك درجات جلية او خفية ممكنة بحسب قدرة الانسان لكن درجات منها لا تقوى عليها عقول البشر او عقول المخلوقات ﴿وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون﴾[5] .

البعض في محاولته لنفي الحلول في الوحدة الشخصية او وحدة الوجود يؤدي بك الى ان المخلوق كيان مستقل في قبال كيان الباري فالمخلوق كيان مستقل وهذا هو الشرك فنفي الشرك يؤدي الى الحلول والوحدة الشخصية ومن جانب اخر نفي الحلول هناك استقلال للمخلوق في اصل الوجود او في الابعاد فهو لكي ينفي هذا الشرك يقع في محظور الوحدة الشخصية او وحدة الوجود او ان المخلوقات اصلا غير موجودة فبعض الفلاسفة او العرفاء لكي ينفي الشرك يقع في الحلول او الوحدة الشخصية هو ان المخلوق لا واقعية له ، ليس في الدار غيره ديار فمنهج الحق وسطية الحق على طبقات ودرجات لذلك الفقهاء ومنهم السيد اليزدي مثلا في العروة والمحشين وافقوا ان العقائد الباطلة في الشرك والكفر والتشبيه والتجسيم التي هذه فبمناسبة البحث عن اسباب الطهارة او النجاسة بحثوا بتنقيح رائع مباحث الكفر والاسلام والايمان ودرجاتها الى درجة ان الشهيد الثاني شارح اللمعة الدمشقية عنده كتاب مستقل في هذا المجال باسم حقائق الايمان والمجلسي صاحب البحار تعرض الى هذا الكتاب كله لكنه بشكل موزع متناثر في البحار وهو بحث حساس والمتكلمون لم ينقحوا هذا البحث كما نقحه الفقهاء واي فقيه لا يغوص في هذا الباب سوف يكون بحثه سطحيا ولا يكون له تنظير قوي حول المذاهب والتمذهب والمذاهب العقائدية والفقهية هذه بحوث بحثها الفقهاء في كتاب الطهارة وفي باب الارتداد في الحدود وفي باب الجهاد لكن هذا الباب له زوايا متعددة وفصول كثيرة .

سبق ان مر بنا ان في علم الفقه فصول كثيرة مرتبطة بالعقيدة والعقائد والمتكلمون لم ينقحوا هذه المباحث بسبب او باخر وانما نقحها بعض الفقهاء الذين لهم تضلع في علم الكلام ولذلك تجد بعض الفقهاء او كثير منهم سهمهم في هذه الابحاث سطحي جدا وليس عميقا نعم ربما هو في العقليات قوي جدا لكن في هذه المباحث التي تعتمد على تنقيحات فقهية تجده متوسطا جدا والعلم لا يرحم فبقدر ما تعطيه من جهد يعطيك من ثماره ولذلك هناك قائمة في المسائل العقائدية في الفقه وقد تجد فقيها بحث باب الطهارة او باب الحدود ولكنه لم يغص غوصا كافيا في هذه المباحث ومر عليها مرورا سطحيا فهناك سلسلة من المسائل والقواعد الكلامية المرتبطة بنظام المذاهب والاديان والملل والنحل تجد تنقيحها فقط في علم الفقه .

فالسيد اليزدي يقول المذهبية والتمذهب لا تقم على المباحث النظرية ويعني من النظرية في مقابل البديهية وليست النظرية في مقابل العملية وهذا بحث معقد فالذي يدعي الحوار مع المذاهب هل عنده تظلع في هذه الابحاث? وكذلك الدعوى للتقريب او لاخماد التوتر والتشنج بين مذاهب المسلمين التي يستفيد منها الاعداء ولكن التشنج شيء والحوار الهادئ شيء اخر فلا افراط ولا تفريط فهذه المباحث تحتاج الى تضلع فقهي للمباحث العقائدية والكلامية فالكلام لا يفيدك بمفرده وكذلك علم التفسير وعلم الاصول وانما يجب ان تكون لديك المام بالبحوث الفقهية في هذه المسائل.

هناك شعار يطلقونه حتى الكبار انه كلما اختلف فيه مذاهب المسلمين فليس من اصول الدين وكلما اتفقوا عليه فهو من اصول الدين وهذه ضابطة لا يقبلها اي مذهب من مذاهب المسلمين وهي خاطئة باطلة وخلاف ضرورة المذاهب الاسلامية فانت يجب ان تفهم ما معنى فروع الدين وما معنى اصول الدين? هذا ايضا مبحث ينقحه الفقهاء ولا ينقحه المتكلمون فالفقيه والمجتهد اذا لم يغص في هذه الابحاث فهو يخلط ويخبط بين معنى الفروع ومعنى الاصول فلاحظ بحث الصفات الى اين يقودنا? .

لذلك من يتصدى للمذاهب الباطلة كالغلو والجبر والتشبيه اذا تصدى ولم يكن فقيها ومتضلعا في هذه الابحاث فتصديه باطل فهو تقحم فيما ليس باهل وما عنده شرائط التصدي في هذا المجال حتى لو كان عنده شمة من علم الكلام او شمة من علم التفسير فانه لايكفي وانما يجب ان يكون فقيها لان هذه الابواب والمسائل غاصوا فيها الفقهاء بالتنقيح والتضلع فهي مسائل حساسة فانت باي ميزان ترسم خارطة المذاهب والتمذهب وما هو الفرق بين المذاهب الفقهية والمذاهب الستة كمذهب فقهي ؟ فما الضابطة بين التمذهب الفقهي والتمذهب العقائدي? كثير ربما فاضل او حتى مجتهد او فقيه او حتى مرجع من الطبقات السابقة ولكنه يخلط في هذا البحث من ثم المذاهب الحقة او الباطلة لها درجات خفية في الجانب النظري فمن يستطيع ان يميزها فضلا عن ان يرتب عليها اثار ؟

نعم ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا﴾[6] يعني عقلا لا يكلفهم الا بقدر ما اتاهم من العقول فهو يظنه توحيد وهو تشبيه وقد يظنه تنزيها وهو تعطيل لذلك التنزيه والتسبيح درجات وليس الكل يقدر عليه وهذه وصية منهجية من اهل البيت في كل رواياتهم ان الانسان يلزم الحذر العلمي دائما ان النظرية الحقة بين نظريتين باطليتين متناقضتين وليست درجة واحدة .

 


[1] السورة الحدید، الآیة 3.
[2] السورة البروج، الآیة 20.
[3] سورة الانعام، الآیة 103.
[4] السورة البقرة، الآیة 286.
[5] السورة الیوسف، الآیة 106.
[6] السورة البقرة، الآیة 286.
logo