« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

46/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان العلمي الأكبر في الفرق والمذاهب والملل والنحل

الموضوع: الميزان العلمي الأكبر في الفرق والمذاهب والملل والنحل

 

الكلام في رواية كفاية الاثر في النص على الائمة الاثني عشر في هذه الرواية تعرض الامام الى المدارس المختلفة المتعددة في الرياضات الروحية ومر ان الامام لا يذم هذه المدارس ولا يطعن فيها هناك كتاب الفه الحر العاملي كله في ذم الصوفية وهذه الروايات هي من مصادر وصلت للحر العاملي وليست في المصادر الموجودة لدينا لكن مضامينها معتد بها ولعل هناك اثنى عشر رواية ذامة للصوفية والدروشة والرقص ، هذه الروايات وان لم تكن من الكتب الاربعة وليست حتى في المصادر الاخرى الواصلة لدينا بل رواها عن مصادر اخرى وصلته ولم تصلنا ولا مانع منه فمضامينها على الموازين والمحكمات لكن اذا دققنا فيها هي تطعن في انحرافات الصوفية والسلبيات الموجودة عندهم وليست تطعن في اصل الروحية يجب ان نفكك بين الامرين .

بينما الروايات الكثيرة التي استعرضناها العام الماضي في الحث والترغيب على الرياضة الروحية والرياضة القلبية لا تتعارض وهذه الروايات البعض يلتبس عليه الامر يظن ان التي جمعها صاحب الوسائل في هذه الرسالة الاثني عشرية هو اثنى عشر رواية في الرد على الصوفية معناها انها تخطئة للرياضة من رأس او تخطئ للغة المعنوية واللغة القلبية وفقه القلوب كلا ليس هكذا انما هذه الروايات الطاعنة في الصوفية هي في البعد الدروشي فيهم وتخليهم عن ائمة اهل البيت في فقه الفروع او عدم تقيدهم في المعارف بائمة اهل البيت وهذا انحراف اما انه نقول اللغة القلبية واللغة الروحية والمعنوية والرياضة الروحية هذه الرواية في صدد ذمها والطعن فيها ليس هكذا يجب ان تفكك الملفات والاوراق عن بعضها البعض .

سبق ان ذكرنا مثل هذا البحث في كلام امير المؤمنين الخوارج عليهم من الانحراف لكن الشعار الذي يرفعونه شعار حق يراد به باطل فامير المؤمنين يفكك بين الخطأ والصح بكل فرقة لانه البحث في استكشاف المنهج بغض النظر حتى عن الفرق في نفسها فاي منهج منحرف واي منهج صحيح ؟ ما هي نسبة الصحة وما هي نسبة الخطأ؟ وقول امير المؤمنين بالتفاوت بين الخوارج والامويين ليس مدحا للخوارج ولا تصحيحا لانحرافاتهم ولكنه تمييز الجهات الصحيحة في نفسها كمنهجية عن الجهات الباطلة المنحرفة في نفس الفرقة الواحدة ، فلا موضوعية للفرق في نفسها وانما الموضوعية في استكشاف المنهج الصحيح عن الخطأ فاي مقدار من المنهج صحيح واي مقدار خاطئ ؟

ولذلك مقولته الشهيرة ع يقول : ليس من طلب الحق فاخطأه كمن طلب الباطل فاصابه يعني تفعيله باليات منحرفة يراد بها باطل فلا حكم شيء ولا حاكم شيء اخر واللطيف ان الخوارج ارادوا ان يقولوا بان التوحيد في الحكم او في الحاكمية ولكن هل هذا معناه ان في الوسيلة والواسطة للحاكم الالهي يعني كأنما يريدون ان يقولوا التوحيد ينفي الوساطة والواسطة والوسيلة والحال ان التوحيد على حاله وضرورة الواسطة والوسيلة على حالها .

احد علوم علم الكلام علم الملل والنحل وعلم الفرق والمذاهب ففي موازين علم الفرق اي مقدار صح واي خطأ؟ من ثم لاحظوا نفس منطق القرآن والوحي بالنسبة الى النصارى واليهود لماذا لم يساو الباري بينهما؟ والمشركين مع انه يتوعد الباري النصارى واليهود اذا كانوا معاندين بالعذاب مع ذلك يميز بينهم حتى القرآن الكريم يميز بين المشركين وبين الدهريين يعني امير المؤمنين يقول المشركين هم نوع ديانة غالبها منحرف نسبة يسيرة منها صحيح ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله هذه النسبة صحيحة من المشركين فلا جهة الخطأ والتخطية في الفرق المعينة تحجب عنه جهة الصح فيها ولاالعكس بل لا بد ان كل شيء يقدر بقدره لئلا تعمى علينا الصورة الواضحة للنهج الصحيح فلا نعمم الصح ولا نعمم الخطأ بل نوازن بدقة اين مساحة الخطأ؟ واين مساحة الباطل؟

لذلك ربما كثير من الشباب ينغرون بفرق الصوفية انهم يحبون اهل البيت صح يحبون اهل البيت لكن انحرافهم في الفروع عن اهل البيت يعني الدروشة الموجودة لديهم والرقص والغناء هذا كله حرام وتركهم لفروع الدين على نهج فقه ائمة اهل البيت والفقه الجعفري هذا انحراف بل عدم تقيدهم بقول مطلق بمعارف اهل البيت هذي كلها انحراف في حين اقرارهم بامامة اهل البيت الملكوتية وقراءتهم لجملة من الفضائل لاهل البيت قراءة وتفسير قلبي او عقلي رائق فائق صحيح ، ولكن هذا الصح لا يصحح الخطأ ولا الخطأ يخطأ الصحيح .

صاحب العبقات في موارد عديدة في الاحاديث النبوية المتواترة في امير المؤمنين يستشهد بتفاسير دقيقة فائقة لبعض الصوفية هذا ليس ترويجا لهم وانما هذه القراءة عميقة عقلية برهانية دقيقة ، مثلا الشيخ الطوسي في المبسوط او في الخلاف او العلامة الحلي في التذكرة او السيد المرتضى في الانتصار لهم كتب مبنية على استدلال بالفقه المقارن وعندما يستعرض استدلالات الطرف الاخر يصحح بعضها ويخطئ كثير منها فهل تصحيحه يعني ترويج للطرف الاخر؟ كلا كما ان تخطئته الكثيرة لذلك الطرف لا يعني انه لا يصحح الاستدلال الصحيح ، حيث اذا استدل باية وفي محله كان الاستدلال فلا بأس .

مثلا يستدل بحديث نبوي مشترك يؤخذ به ولربما الشيخ الطوسي وافق هذا الاستدلال من الطرف الاخر مع انه خالف جملة من العلماء الامامية في ذلك لانه مثلا لم يولوا عناية لهذه الاية او لهذا الحديث فهناك ضوابط مشتركة في عالم الفرق ومساحتها تختلف من فرق لاخرى حتى بيننا وبين عقلاء البشر او الاديان الاخرى مشتركات الان مثلا ما هي اللغة المشتركة بيننا وبين البوذية؟ فلدى كل البشر مساحة محدودة مشتركة وهي القيم الاخلاقية الفطرية ومبادئ العقل العملي في الحسن والقبح ويشير لها امير المؤمنين في عهده لمالك الاشتر ان هذه اللغة المشتركة بين البشر وبين جميع اهل الملل والنحل ،

فكون الملل والنحل فرق اخرى منحرفة لا يمكن ان نقول لا نقبل اللغة المشتركة بيننا او كون هذه اللغة مشتركة موجودة نتعامى عن مساحات الانحراف عندهم كلا ، فلا هذا يعمي لنا تلك المساحة الاولى ولا المساحة الاولى تعمي لنا ابصار المساحة الاخرى وربما هناك من الباحثين والعلماء هم من يندرجون في الفرقة الامامية لكن غافلين عن اللغة المشتركة وعن هذه القاعدة وهذي نقطة جدا مهمة وحتى القرآن الكريم يشير لهذا الكلام ويعاتب اهل الكتاب والنصارى واليهود كيف انتم تفضلون مشركي قريش على سيد الانبياء واتباعه فهؤلاء موحدون وقريش مشركون فما بالكم يا اهل الكتاب تمدحون قريش وتتضامنون معهم ضد الموحدين سيد الانبياء واتباعه ؟ يعني هناك قاسم مشترك موجود بينكم وبين النبي ولكن غير موجود بينكم وبين قريش فكيف ترفعون يدكم عنه؟

فاللغة المشتركة بين الفرق والملل والمذاهب لا يعني نسفها كما ان تقريرها واثباتها لا يعني تصحيح المساحة الخاطئة الان مثلا ترى تفسير عظيم دقيق عقلي لحديث نبوي متواتر انا مدينة العلم علي بابها ذكرها صاحب العبقات ربما لم يلتفت لها علماء الكلام عندنا هذا لا يعني ان الصوفية مساحتهم كلها صحيحة ولا يعني ان مساحتهم كلها ليست بصحيحة وانما يعني هذا التفسير الرائع الرائق الذي لم يذكره علماء الامامية لم نرفضه؟ فهذه عملية تحكيم الموازين لاقصى حد بدون تعصب .

مثلا السيد شرف الدين رأى في قراءة الزمخشري لاية المودة ابداع مع انه معتزلي حنفي لكنه صوفي ورائد من رواد علم البلاغة واللغة فهو اشار في اية المودة عظمة لولاية اهل البيت لم يتفطن اليها علماء الكلام الامامية فلا يمكن ان نقول هذا باطل لانه صوفي فالاية هي حق في نفسها فحنفية الزمخشري لا نرتضيها لا انه قراءته لاية في شأن اهل البيت وهي حق نرفضها ، البعض يقول لان علماء الامامية لم يذكروها فلا نقبلها وهل نحن محبوسون على المستوى العلمي لعلماء الامامية او نحن منفتحون على الوحي والثقلين ؟ فنحن منفتحون على الموازين في نفسها ومن ثم لا يفتأ السيد عبد الحسين شرف الدين يشيد بهذه القراءة لاية المودة التي لم يتفطن لها مفسروا الامامية ولا السنة ولا متكلمي الطرفين لكن الزمخشري التفت اليها يعني شيء اعظم من كون المودة فريضة معنى جدا عظيم في اية المودة .

هذا جانب وقاسم مشترك وهو يحب اهل البيت فهذا جانب مشترك ولا يجحد الايات الكريمة التي فيها علو اصطفائي في المواقع الدينية الخطيرة لاهل البيت وهذا جانب مشترك وان لم يدرك هذا المقام من الاية علماء الامامية في علم الكلام كيف علماء الامامية في علم الكلام يخطئ بعضهم بعضا؟ او المجتهدين في الفقه يخطئ بعضهم بعضا لان المدار على الموازين وليس الاشخاص طبعا الفرقة الحق هي حقة بلا شك لكن نهج الفرقة الحقة هي الحق او اتباع الفرقة الحقة هوالميزان ؟

ان الميزان هو نهج فرقة الحق فاي شخص يلتزم بهذه الموازين سواء كان من اتباع هذه الفرقة او تلك يؤخذ به وهو موقف اهل البيت وبمقدار ما لا يلتزم واخفق وان كان هو من منسوبي اتباع اهل البيت لايؤخذ به ، من باب المثال كوفي عنان المسيحي اقر بان عهد مالك الاشتر ليس لدى البشر مثله هذا نموذج قممي وترى عالم من علماء الامامية يتوقف فيه ويقول اعتباره ظني بينما كوفي عنان يقول اعتباره قطعي بديهي فاي الموقفين اصح؟ انا لا اقول نصحح كوفي عنان في كل مجالاته ولكن هذا الموقف العلمي منه صحيح بل الامم المتحدة في سنة الفين قالت ان عهد مالك الاشتر قطعي الصحة مضمونا بينما جملة من علماء الامامية يخفقون في ادراك هذه الحقيقة .

فالصحة مع منهج اهل البيت لا مع علماء الامامية ولا مع كوفي عنان فالصحة ترتبط بنهج اهل البيت ونهج الثقلين وبلا شك علماء الامامية جاهدوا علميا وكابدوا ولكن الميزان فوق علماء الامامية الميزان هو نهج اهل البيت .

هناك جهة دولية اخرى قالت بان رسالة الحقوق لزين العابدين مفادها قطعي عقلي بينما ترى بعض علماء الامامية يقولون صحة هذا الرسالة ظنية فاي الموقفين اصح؟ فنحن وراء الموازين ولسنا نريد ان نساوي بين شأن علماء الامامية مع كو في عنان او مع الصوفية الكلام ليس في تقييم الاشخاص وانما شيء اعظم من ذلك ، فتقييم الاشخاص بيد الله ورسوله واهل البيت نحن دورنا في اصل المنهج واصل الموازين وتطبيقها في كل مورد مورد .

نعم بلا شك نعظم ونفضل علمائنا الابرار على غيرهم ولكن تفضيلنا شيء وتفضيل الائمة فوق ذلك ومن ثم باب الاجتهاد مفتوح في كل العلوم الدينية فهذه الرسالة التي جمعها الحر العاملي في ذم الصوفية هذا امر صحيح لكن ندقق الذم اين للصوفية ؟ فهل في قراءتهم العقلية والقلبية الرائعة لفضائل اهل البيت ؟ كلا وانما في انحرافاتهم في الفروع والدروشة ومن ثم على المثقفين او الباحثين او الفضلاء انه اذا كانت هناك بعض القضايا الصحيحة موجودة في التصوف النظري تعمينا عن انحرافاتهم كلا يجب ان نتحذر ولا انحرافاتهم تدعونا الى رفض امور دقيقة وان تفردوا بها فاذا كانت على موازين نأخذ بها .

كما ان الصوفية مثلا اعترفوا ان الانبياء نبواتهم بوساطة سيد الانبياء فهم انبياء سيد الانبياء وانبياء نور سيد الانبياء وهذا معنى حقيقي والمهيمن على ذلك كله وهذا نقبله وهو موجود في بيانات القرآن واهل البيت وكذا قولهم اوصياء سيد الانبياء يفوقون نورا وعلما جميع الانبياء وهذا كلام صحيح نتفق معهم وان لم يبلوره جملة من علماء الكلامية الامامية ولكن هذا على الموازين ولا مانع في ذلك المقصود الانسان لا تأخذه التعميمات في الخطأ ولا في الصحة التعميم في الصحة خطأ والتعميم في الخطأ غلط ، كل شي بقدره يجب ان يقدر وهذا ناموس مهم في مبحث الفرق والملل والمذاهب والاديان وفي مبحث الاجتهاد سيما في العقائد هناك من يهرج من الخوائيين ليس كلامنا معهم وانما كلامنا مع الموازين الثابتة.

logo