« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

خیار التاخیر

 

الموضوع: خیار التاخیر

وخالف أبو المكارم (رحمه الله) في الغُنية، فقال: بأنَّ الخيار (في الأمة مدَّة استبرائها؛ بدليل الإجماع المتكرِّر)، وحُكي الخلاف أيضاً عن أبي الصَّلاح (رحمه الله).

ولعلَّه أيضاً ظاهر المقنعة والنِّهاية والمراسم والوسيلة، حيث حكموا بضمان البائع مدَّة الاستبراء، وليس إلَّا لأنَّها مدَّة الخيار المضمون ما يحدث فيها على البائع؛ لأنَّه لا خيار له، فيكون الخيار حينئذٍ للمشتري؛ للقاعدة المعروفة من أنَّ التَّلف في زمان الخيار ممَّنْ لا خيار له.

وفيه: أنَّ الحكم بضمان البائع في تلك المدَّة لا يلازم الحكم بثبوت الخيار للمشتري في زمان استبرائها، فلعلّ الضَّمان مستند إلى آمر آخر، ولم تثبت ملازمة بين ضمان البائع، وثبوت الخيار للمشتري.

وأمَّا إجماع الغُنية، فليس تامّاً؛ لما عرفت في أكثر من مناسبة، لاسيّما أنَّه في قبال تلك الرِّوايات المطلقة أو العامة، والله العالم.

 

قول الماتن: (ورابعها: خيار التَّأخير، فمَنْ باع من غير تقابضٍ لكمال العوضَيْن، ولا اشتراط أجل، فللبائع الخيار بعد ثلاثة في فسخ البيع)

 

الرَّابع: خيار التَّأخير.

المشهور بين الأعلام شهرةً عظيمةً ثبوت خيار التَّأخير.

قال العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة: (مَنْ باع شيئاً، ولم يسلمه إلى المشتري، ولا قبض الثَّمن، ولا شرط تأخير الثَّمن ولو ساعة لزمه البيع ثلاثة أيامٍ، فإن جاءه المشتري بالثَّمن في هذه الثَّلاثة فهو أحقّ بالعين، ولا خيار للبايع وإن مضت الثَّلاثة ولم يأتِ بالثَّمن تخيّر البائع بين فسخ العقد (والصَّبر صحّ)، والمطالبة بالثَّمن عند علمائنا أجمع...)[1]

وفي الجواهر: (بلا خلاف محقّق معتدّ به أجده فيه، بل حُكي الإجماع عليه مستفيضاً أو متواتراً...).[2]

وبالمقابل، ذهب جماعة من الأعلام إلى بطلان البيع بعد الثَّلاثة إذا لم يسلمه المبيع أو يقبض الثمن قبل مضيّ الثَّلاثة، منهم أبو عليّ ابن الجنيد الأسكافيّ (رحمه الله).

وظاهر الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، حيث نسب بطلان البيع إلى رواية أصحابنا.

وفي الكفاية أنَّه قرّب ذلك ونفى عنه البُعد صاحب مجمع البرهان، وجزم بالبطلان صاحب الحدائق (رحمه الله)، كما جزم به السّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه الله)، وإن كان رجع عنه في الفتوى.

وقدِ استدلّ للمشهور القائل بالخيار بثلاثة أدلَّةٍ:

الأوَّل: الإجماع المحكيّ ما يقرب عن عشرة علماء، فقدِ ادَّعوا الإجماع.

وعليه، فنقله مستفيض جدّاً، إلَّا أنَّه لم يبلغ مرتبة التَّواتر، فيبقى داخلاً في الخبر الواحد، أي: أنَّه منقول بالخبر الواحد لا بالتَّواتر.

ويؤيِّده: الشُّهرة الفتوائيَّة.

وقد أشكل في المقام: بأنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد -وإنِ استفاض نقله- غير مشمولٍ لأدلَّة حجيَّة خبر الواحد.

مع احتمال كونه مدركيّاً، فلا يكون إجماعاً تعبُّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام).

وأمَّا الشُّهرة الفتوائيَّة، فقد عرفت حالها.

نعم، هي مؤيِّدة للإجماع المنقول لو كان حجّةً.

وأمَّا مع عدم حجيَّة فلا ينفع التَّأييد.

اللَّهمّ إلَّا أن يُقال: إنَّ الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط غير مخالفٍ؛ إذ يحتمل أن يكون مراده من بطلان البيع هو بطلان اللُّزوم؛ بقرينة ما ذهب إليه في باقي كتبه، لاسيَّما الخلاف.

وعليه، فينحصر الخلاف في المتقدِّمين بابن الجنيد (رحمه الله)، ومخالفته لا تضرّ.

وعليه، فإذا ضممنا إلى ذلك شهرة المتأخِّرين فيفيد ذلك الاطمئنان بالحكم، كما هو الصَّحيح.

وعليه، فهذا الدَّليل تامّ.

الدَّليل الثَّاني: ما أشار إليه العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة من أنَّ الصَّبر أبداً مظنَّة الضَّرر المنفيّ بالخبر.

وتوضيحه: أنَّ في صبر البائع ضرراً عظيماً، بل الضَّرر هنا أشدّ وآكد من الضَّرر في الغبن؛ لأنَّ الضَّرر هنا من جهات ثلاثةٍ:

الجهة الأُولى: صبره عن الثَّمن، وعدم تصرُّفه في المبيع؛ لأنَّه ملك غيره.

الجهة الثَّانية: أنَّ تلفه في تلك المدَّة يكون على البائع؛ لأنَّ كلّ مبيعٍ تُلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، وهو ضرر.

الجهة الثَّالثة: أنَّه يجب عليه حفظ المبيع في تلك المدَّة للمشتري، وحفظ مال الغير بلا عوض ضرر، ومقتضى حديث لا ضرر عدم لُزوم المعاملة، وكون البائع مخيّراً بين الفسخ وعدمه.

وفيه: أنَّ حديث لا ضرر لا يقتضي الخيار في المقام.

أمَّا بالنِّسبة للجهة الأُولى: فلأنَّ الضَّرر لم ينشأ من لُزوم المعاملة حتَّى نرفعه بالحديث، وإنَّما نشأ من صبره عن الثَّمن.

وهذا لا يرفع اللُّزوم، بل يرفع وجوب الصَّبر عليه، فله أن يطالب المشتري بالثَّمن، فإنِ امتنع يرفع أمره إلى الحاكم الشَّرعيّ، وإلَّا فيأخذ المثمن من باب المقاصَّة.

 


logo