47/05/05
خیار الحیوان
الموضوع:خیار الحیوان
وأمَّا الأمر الثَّاني: فالكلام فيه في ثبوت الخيار في بيع كلِّ حيوانٍ حتَّى مثل الجراد والسَّمك ودود القزّ، والحيوان المُشْرِف على الموت، أم أنَّه يختصُّ بما يقصد حياته، فلا يشمل المقصود لحمه؟
قال الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله): (ولا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته في الجملة، فمثل السَّمك المخرج من الماء والجراد المحرز في الإناء، وشبه ذلك خارج؛ لأنَّه لا يباع من حيث إنَّه حيوان، بل من حيث إنَّه لحم، ويشكل فيما صار كذلك لعارض، كالصَّيد المشرف على الموت بإصابة السَّهم، أو بجرح الكلب المعلَّم...)[1] .
والإنصاف: هو العموم لكلّ ذي حياةٍ، فإنَّ الخيار إنَّما يثبت لعنوان بيع الحيوان، سواء قُصد منه الحياة أو لحمه، ولا دليل على تقييده بكونه ممَّا قُصد منه الحياة.
وبالجملة، فإنَّ أدلَّة الخيار عامّة أو مطلقة، وليست مقيّدةً بما قُصد حياته.
ومن هنا، تعلم شمولها للحيوان المُشْرِف على الموت، أي: غير المستقرَّة حياته؛ لعموم الأدلَّة أو إطلاقها الدَّالّة على ثبوته في كلِّ حيوانٍ.
وأمَّا القول: بعدم ثبوت الخيار لمكان موته.
ففيه: أنَّ هذا لا يمنع من ثبوت الخيار، وذلك لإمكان اختيار الفسخ قبل الموت، ولو لم يفسخ كان تلفه من مال بائعه، كما هو الشَّأن في خيار الحيوان.
بقي شيء في المقام، وهو أنَّ الحيوان الَّذي لا يبقى إلى ثلاثة أيامٍ، فهل أنَّ أمد الخيار فيه إلى زمان تلفه، أو إلى ثلاثة أيامٍ، أو أنَّه لا أمد له حتَّى يسقط بمسقط آخر؟
والإنصاف: أنَّ الخيار فيه إلى ثلاثة أيام؛ وذلك لما دلّ على أنَّ الخيار في بيع الحيوان إلى ثلاثة أيام.
وأمَّا القول: بأنَّ منتهاه وأمده إلى التَّلف، فهو مبنيّ على أنَّ الخيار متعلّق بالعين، أي: الحيوان، فمع تلفه يزول الخيار.
ولكنَّك عرفت فيما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ الخيار بشكل عامّ متعلِّق بالعقد، والله العالم.
وأمَّا الأمر الثَّالث: فلا إشكال في دخول اللَّيلتَيْن المتوسطتَيْن في الثَّلاثة أيام، لا لدخول اللَّيل في مفهوم اليوم -إذِ اليوم لغةً وشرعاً وعرفاً عبارة عن البياض المقابل للَّيل، أي: هو من طلوع الفجر إلى الغروب-، بل للاستمرار المستفاد من الخارج، حيث فُهم من الأدلَّة اتِّصال الخيار بالعقد في جميع أزمنة وقوعه ليلاً أو نهاراً إلى أن يتحقَّق مصداق مضيّ ثلاثة أيامٍ.
وبالجملة، فاللَّيالي خارجة عن الأيام اسماً.
نعم، لا إشكال في دخول اللَّيلتَيْن المتوسطتَيْن في الخيار من جهة أنَّ الخيار مستمرّ ثلاثة أيامٍ، ولا يمكن معه إخراج اللَّيلتَيْن المتوسطتَيْن عن الخيار؛ لاسلتزامه انقطاع الخيار.
كما أنَّه إذا عقد في أوَّل اللَّيل، أو في أثنائه، لابُدّ من أن يحكم عليه بالخيار في ذلك الزَّمان، فتكون اللَّيلة الأُولى بأجمعها، أو بنصفها أيضاً، داخلةً في الحكم بالخيار.
وهذا من جهة العلم الخارجيّ بعدم انفكاك الخيار عن العقد، ففي أيّ زمانٍ حصل فيه البيع والعقد فلابُدّ من أن يحكم عليه بالخيار من ذلك الزَّمان؛ إذ لو حكمنا عليه بالخيار من طلوع الفجر للزم انفكاك الخيار عن العقد بمقدار ليلٍ أو نصف ليلٍ.
وعليه، فلابُدّ في مفروض المثال من الالتزام بدخول اللَّيلة الأُولى كما اللَّيلتَيْن المتوسطتَيْن لا من جهة أنَّ اللَّيل داخل في مفهوم اليوم، بل من جهة الاستمرار في اللَّيلتَيْن، ومن جهة عدم الانفكاك في اللَّيلة الأُولى.
ومن هنا، لو وقع البيع في أوَّل ليلة الخميس مثلاً فالخيار فيه إلى مضيّ الثَّلاثة، فتدخل اللَّيلة الأُولى في الحكم -لأجل عدم انفكاك الخيار عن العقد- لا في اسم اليوم.
ثمَّ إنَّ صاحب مفتاح الكرامة (رحمه الله) ذهب إلى دخول اللَّيلة الثَّالثة أيضاً، قال: (والمراد بالأیّام الثلاثة ما کانت مع اللَّیالي الثَّلاثة، لدخول اللَّیلتَیْن أصالة فتدخل الثَّالثة، وإلّا لاختلفت مفردات الجمع فی استعمال واحد...)[2] .
وفيه: ما لا يخفى؛ لأنَّ دخول اللَّيلتَيْن المتوسطتَيْن إنَّما هو في الحكم دون الاسم؛ لما عرفت أنَّ اليوم لغةً وشرعاً وعرفاً ليس إلَّا البياض المقابل للَّيل.
وعليه، فلا يلزم من خروج اللَّيلة الأخيرة اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد؛ إذ لا نقول: باستعمال اليومَيْن الأوَّلَيْن في اليوم واللَّيلة، واستعمال اليوم الثَّالث في خصوص النَّهار.
بل نقول: إنَّ اليوم مستعمل في خصوص النَّهار، أو مقداره من نهارَيْن، ودخول اللَّيلتَيْن المتوسطتَيْن إنَّما كان حكماً لأجل الاستمرار المفهوم من الأدلَّة.
ثمَّ إنَّه يكفي التَّلفيق في اليوم، فإذا عقد في ظهر يوم الخميس مثلاً فالخيار متَّصل إلى أن يتحقَّق مصداق مضيّ ثلاثة أيامٍ، ولا يكون ذلك إلَّا في ظهر يوم الأحد.
وبالجملة، فتنتهي الثَّلاثة في ظهر يوم الرَّابع حتَّى يتلفّق النِّصف من هذا اليوم -كالخميس في مفروض المثال- والنِّصف من اليوم الرَّابع -أي: يوم الأحد في مفروض المثال- ويصير يوماً، وبانضمامه إلى اليومَيْن المتوسطَيْن يتمّ الثَّلاثة.
وقد عرفت أنَّ مسألة التَّلفيق لا تختصُّ بالمقام، بل هي جارية في مسألة الحيض، وقصد الإقامة، ونحوهما.
وأيضاً كما أنَّ التَّلفيق يكون في الأيام يكون أيضاً في الشُّهور والسِّنين، والله العالم.
قول الماتن: (ويسقط بما تقدَّم)
ذكرنا المُسْقِطات للخيار في خيار المجلس، وخيار الشَّرط، فراجع فلا حاجة للإعادة.
قول الماتن: (ولا فرق بين الأمة وغيرها، وقال الحلبيّ: الخيار في الأمة مدته الاستبراء)
المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق بين الأمة وغيرها في مدَّة الخيار؛ وذلك لإطلاق الرِّوايات المتقدِّمة أو عمومها.
ففي صحيحة الحلبيّ المتقدِّمة (الخيار في الحيوان كلّه).
وفي صحيحة ابن رئاب (الشُّروط في الحيوانات).
وأظهر من ذلك كلّه صحيحة قُرب الإسناد المتقدِّمة الواردة في الجارية بخصوصها، وقد حكم (عليه السلام) فيها بأنَّ الخيار فيها ثلاثة أيامٍ للمشتري، وأنَّه إذا مضت الثَّلاثة فقد وجب الشِّراء.