47/03/30
/ كتاب الخيارات (30)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (30)/
قول الماتن: (ولو شرط اللُّزوم وقتاً، والخيار وقتاً متعاقبَيْن في مدَّة معيّنة، احتُمل الجواز)
ذكر جماعة من الأعلام، منهم العلَّامة (رحمه الله)، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، أنَّه يجوز أن يجعل الخيار لنفسه مدَّةً معيّنةً، فإذا انقضت فأُخرى.
وأمَّا المصنِّف (رحمه الله) هنا، فقدِ احتمل الجواز.
والإنصاف: هو الجواز؛ لأنَّ المقتضي لجواز الانفصال مدّةً معيّنةً مقتضى لجوازه متعاقباً.
ومن هنا، لو شرط الخيار شرطاً -يثبت يوماً ولا يثبت يوماً- صحَّ، بناءً على إرادة خمسة عشر من الشَّهر العدديّ، ومع التَّصريح بالشَّهر العددي فلا إشكال في الصِّحّة، واليوم المتَّصل بالعقد أوَّل الأيام.
وأمَّا إذا لم يصرِّح بالشَّهر العدديّ، فلابُدّ من قصده عند قوله: (ولي الخيار في شهر يوماً ويوماً لا).
وقد ذكر بعض الأعلام أنَّه لو قصد الشَّهر الهلاليّ، فالأشبه: البطلان؛ لجهالة الشَّرط، إذ قد ينقص.
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ جهالة الشَّرط، وإن أدَّت إلى كونه غرريّاً، إلَّا أنَّه لا دليل على بطلان الشَّرط الغرريّ.
ومن هنا، يصحُّ ذلك عندنا، وإن لم يقصد الشَّهر العدديّ، والله العالم بحقائق أحكامه.
قول الماتن: (وهنا مسائل:
[الأُولى]: يجوز اشتراط ارتجاع المبيع عند ردّ الثَّمن مع تعيين المدَّة)
المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز للبائع أن يشترط ردّ المبيع من المشتري عند ردِّ الثَّمن عليه في مدّة معيّنة.
وهذا ما يصطلح عليه عند الفقهاء ببيع الخيار، أي: البيع الَّذي فيه الخيار، وهو ما عرفته.
وقدِ ادَّعى جماعة من الأعلام الإجماع على ذلك.
وفي الجواهر: (إجماعاً في أصل المسألة بقسمَيْه، ونصوصاً عموماً وخصوصاً، فيه الصَّحيح وغيره ...)[1]
أقول: يدلّ على ذلك -مضافاً لعدم الخلاف في أصل المسألة، ولما تقدَّم من أدلَّة الشُّروط، فإنَّها تشمل هذه المسألة؛ لأنَّه شرط في ضمن المعاملة، فيشمله عموم: (المسلمون عند شروطهم)- جملة من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة:
منها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار (قال: حدَّثني مَنْ سمع أبا عبد الله (عليهالسلام)، وسأله رجل وأنا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه، فقال: أبيعك داري هذه، وتكون لك أحبُّ إليَّ من أن تكون لغيرك، على أن تشترط لي إنْ أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليَّ؟ فقال: لا بأس بهذا، إنْ جاء بثمنها إلى سنة ردَّها عليه، قلتُ: فإنَّها كانت فيها غلّة كثيرة، فأخذ الغلّة، لمن تكون الغلّة؟ فقال: الغلّة للمشتري، ألا ترى أنَّه لو احترقت لكانت من ماله)[2]
هذه الرِّواية رواها الشَّيخ (رحمه الله) بطريقَيْن:
أحدهما: مرسل.
وثانيهما: موثَّق، حيث قال إسحاق: (وسأله رجلٌ وأنا عنده).
كما أنَّها موثَّقة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، حيث رواها بإسناده عن إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سأله رجلٌ وأنا عنده)، وذكر الحديث.
ولكنَّ ظاهر هذه الموثَّقة أنَّ الشَّارط هو المشتري، والمشروط له هو البائع، والمشروط ردّ المبيع، إلَّا أنَّه معلَّق على ردِّ الثَّمن.
ومنها: رواية معاوية بن ميسرة (قال: سمعتُ أبا الجارود يسأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع داراً له من رجل، وكان بينه وبين الرَّجل الَّذي اشترى منه الدَّار حاصر، فشرط: أنَّك إنْ اتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدَّار دارك، فأتاه بماله، قال: له شرطه، قال أبو الجارود: فإن ذلك الرَّجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، قال: هو ماله، وقال أبو عبد الله (عليهالسلام): أرأيت لو أنَّ الدَّار احترقت من مال مَنْ كانت؟ تكون الدَّار دار المشتري)[3]
وهي ضعيفة بعدم وثاقة معاوية بن ميسرة.
وهي ظاهرة أيضاً في أنَّ الشَّارط هو المشتري، والمشروط له هو البائع، والمشروط هو ردّ الدَّار معلَّق على ردِّ الثَّمن.
ومنها: صحيحة سعيد بن يسار (قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليهالسلام): إنَّا نُخالط أُناساً من أهل السَّواد وغيرهم فنبيعهم ونربح عليهم للعشرة اثني عشر، والعشرة ثلاثة عشر، ونؤخِّر ذلك فيما بيننا وبين السَّنة، ونحوها، ويكتب لنا الرَّجل على داره، أو على أرضه بذلك المال الَّذي فيه الفضل الَّذي أخذ منَّا شراءًا قد باع وقبض الثَّمن منه، فنعده إنْ هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نردّ عليه الشِّراء، فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدَّراهم فهو لنا، فما ترى في الشِّراء؟ فقال: أرى أنَّه لك إن لم يفعل، وإن جاء بالمال للوقت فردّ عليه)[4]