« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (28)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (28)/

 

قول الماتن: (الثَّاني: لو شرط الاستئمار صحّ، ولم يحتج إلى مدَّة عند الشَّيخ، ويشكل بالغرر)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز اشتراط المؤامرة، يعني: اشتراطهما أو أحدهما استيمار من سمَّياه، والرُّجوع إلى أمره مدَّةً مضبوطةً.

وبعبارة أخرى: يجوز أن يشترطا أو أحدهما مشاورة فلانٍ مثلاً، أبا كان أو ابناً، أو غيرهما، واستئماره والرَّجوع إلى أمره مدّةً مضبوطةً.

أقول: لا إشكال في جوازها مع تعيين المدَّة، بل هو إجماعيّ، كما عن العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة، وكما في جامع المقاصد.

وفي الجواهر: (بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسمَيْه عليه...)[1]

ويدلُّ عليه -مضافاً للتَّسالم بينهم-: عموم (المسلمون عند شروطهم)، وهذا من الشُّروط الجائزة، وحكمها أنَّه يلزم العقد من جهتهما، ويتوقَّف على أمره، فإنَّ أمره بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخ، ولا يتعيَّن عليه قبوله؛ لانتفاء المقتضي، ولو أراد الفسخ لم يكن له إلَّا بأمره، ولو أمره بالالتزام فليس له الفسخ بلا إشكال، كما صرَّح بذلك كثير من الأعلام.

بل قالوا: إنَّه لو أمره بالالتزام، وكان الأصلح له الفسخ، فليس له الفسخ، خلافاً لما عن جامع المقاصد (رحمه الله)، من أنَّه (يجب على المشروط استئماره اعتماد المصلحة، لأنهَّ مؤتمن، فلو أمره بخلاف ما فيه مصلحة لم يجب عليه امتثاله)[2]

وفيه: ما لا يخفى، بل لا محلّ لهذا الكلام؛ لأنَّه لو أمره بالالتزام وجب عليه، سواء أكان فيه مصلحة أم لا، وإن أمره بالفسخ لا يجب عليه امتثاله أمره، سواء أكان فيه مصلحة أم لا؛ لأنَّ هذا هو مقتضى الاستئمار.

وحاصل الكلام: أنَّ المستشار إذا أمر المستشير بالفسخ فهو مخيَّر بين أن يفسخ وعدمه، اشتمل على مصلحة أم لا؛ لأنَّ المستشير لا يلزمه موافقة المستشار؛ لأنَّ الشَّرط إنَّما هو مجرَّد استيماره لا الالتزام بقوله.

وإن أمره بالالتزام الَّذي هو مقتضى العقد، فليس له المخالفة، وإن كانت أصلح؛ لأنَّه لا تسلُّط له عليها إلَّا بالشَّرط، وهو لم يشترط لنفسه خياراً.

وإن سكت، فالأقرب: اللُّزوم أيضاً؛ لأنَّه مقتضى العقد.

ثمَّ إنَّ الفرق بين المؤامرة للأجنبيّ، وجعل الخيار له: أنَّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره، فليس للمستشار فسخ ولا التزام، وإنَّما إليه الأمر والرَّأي خاصَّة، وهذا بخلاف مَنْ جعل له الخيار.

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام أنَّه لابُدّ من ضبط مدَّةٍ للاستئمار تحرُّزاً من الغرر.

خلافاً للشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط والخلاف، فإنَّه ليس للاستئمار حدّ، فيثبت إلى آخر العُمر.

وقد يظهر ذلك من إطلاق الشَّرائع والإرشاد، وهو الإنصاف عندنا؛ لما عرفت أنَّه لا دليل على بطلان الشَّرط الغرريّ، ولا تسالم هنا على بطلان الاستئمار إذا لم يكن له حدّ.

وهذا بخلاف المسألة السَّابقة -أي: فيما لو أطلق الخيار من غير ذكره مدَّة معلومة-، حيث لم يذهب أحد إلى الصِّحّة إلى آخر العُمر، فراجع.

 

قول الماتن: (الثَّالث: مبدؤه مِنَ العقد عند الفاضلَيْن؛ لأنَّه قضيَّة اللَّفظ، ولئلَّا يلزم الغرر، ومِنَ التّفرُّق عند الشَّيخ وابن إدريس؛ حملًا على التَّأسيس، وتفادياً منِ اجتماع المثلَيْن)

 

المعروف بين الأعلام أنَّ أوَّل وقت هذا الخيار عند الإطلاق هو من حين العقد، لا التّفرُّق، ولا خروج الثَّلاثة أيام في الحيوان.

ومنهم المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، والعلَّامة (رحمه الله) في جملة من كتبه، ومنهم المحقِّق الميسيّ (رحمه الله)، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك.

وبالجملة، فإنَّ المشهور بينهم هو ما ذكرناه.

وخالف في ذلك الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف والمبسوط، وابن زُهرة (رحمه الله) في الغُنية، وابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر، فقالوا: من حين التّفرُّق.

وتوقَّف المصنِّف (رحمه الله) هنا، كما توقَّف في خيار الحيوان، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

ثمَّ إنَّه بما أنَّ خيار الشَّرط متَّحد مع خيار الحيوان في الحكم من هذه الجهة؛ إذِ الحكم فيهما واحد، والدَّليل هو الدَّليل، والنَّقض هو النَّقض، فلا حاجة حينئذٍ للتّكلُّم عن أنَّ مبدأ الخيار هو من حين العقد، أو من حين التّفرُّق عند الكلام عن خيار الحيوان، بل حكمه يتَّضح من خلال ما سنذكره هنا؛ لما عرفت من أنَّ الحجَّة هنا هي ما سيأتي هناك حرفاً بحرف، والنَّقض هو النَّقض.

إذا عرفت ذلك، فنقول: أمَّا مَنْ ذهب إلى أنَّ مبدأه من حين العقد، فقدِ استدلّ: بأنَّ ذلك هو الظَّاهر، والمتبادر من الرِّوايات، فإنَّ المتبادر منها اتِّصال الخيار بالعقد، كخيار المجلس.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى أنَّ مبدأه من حين التّفرُّق، فقدِ استُدلّ له بعدَّة أدلَّةٍ:

منها: الاستصحاب.

وقد يُقرَّر بوجهَيْن:

الأوَّل: استصحاب بقاء الخيار، وعدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة أيامٍ في الحيوان، واستصحاب بقاؤه بعد التّفرُّق في خيار الشَّرط.

وفيه أوّلاً: أنَّه من استصحاب الحكم الكُلِّيّ، وقد عرفت الإشكال في جريانه، فإنَّه معارض باستصحاب عدم الجعل، أي: أنَّ استصحابه إلى ما بعد الثَّلاثة، أو ما بعد التّفرُّق معارض باستصحاب عدم جعله بأكثر من القدر المتيقَّن.

وبعبارة أخرى: هو معارض باستصحاب عدم جعل الخيار بعد الثَّلاثة في الحيوان، وبعد التّفرُّق في خيار الشَّرط.

وثانيا: أنَّ الاستصحاب لا يجري مع وجود الأمارة، وقد عرفت أنَّ المتبادر من الرِّوايات هو من حين العقد.

الوجه الثَّاني: هو استصحاب عدم حدوث الخيار قبل انقضاء المجلس بالنِّسبة لخيار الحيوان، أو استصحاب عدم حدوثه قبل التّفرُّق بالنِّسبة لخيار الشَّرط.

ويرد عليه أوّلاً: أنَّه لا أثر شرعيّ لاستصحاب عدمه قبل انقضاء المجلس أو قبل التّفرُّق، والأثر الشَّرعيّ هو كون مبدئه زمان التّفرُّق، واستصحاب عدم حدوثه قبل التّفرُّق، أو قبل انقضاء المجلس لإثبات كونه حين التّفرُّق، أو حين انقضاء المجلس، من الأصل المثبت؛ لأنَّه لازم عقليّ لعدم جعل الخيار قبله.

وثانياً: قد عرفت أنَّ الأصل العمليّ لا يجري مع وجود الأمارة.

وقد ذكرنا أنَّ المتبادر من الرِّوايات هو الاتِّصال بالعقد.


[1] الجواهر: ج23، ص35.
[2] جامع المقاصد: ج4، ص292.
logo