« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (27)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (27)/

 

قول الماتن: (والسَّبْق)

قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: (وأمَّا السَّبْق والرِّماية فلا يدخلهما خيار المجلس، ولا يمتنع دخول خيار الشَّرط فيه)[1] .

وهو جيِّد؛ وذلك لعموم المقتضى وعدم المانع، والله العالم بحقائق أحكامه.

 

قول الماتن: (فروع:

[الأوَّل]: لو شرطا الخيار، ولم يعيِّنا مُدّةً، ففي فساد العقد، أو الحمل على الثَّلاثة، قولان، ونقل في الخلاف الإجماع على انصرافه إلى الثَّلاثة)

 

إذا أطلق الخيار من غير ذكر مُدّةٍ أصلاً، كأن يقول: بعتك بكذا ولي الخيار، فالمشهور بين العلماء المتقدِّمين هو الصِّحّة؛ للانصراف عرفاً إلى الثَّلاثة الأيام، بل في الانتصار والغنية ومحكيّ الجواهر والخلاف الإجماع عليه، بل نسبه في الخلاف إلى أخبار الفرقة أيضاً، ومال إليه المصنِّف (رحمه الله) هنا.

وفي المقابل، حُكي عن ظاهر المبسوط والمراسم والتَّحرير والتَّذكرة وغاية المرام والمسالك والكفاية أنَّه يبطل الشَّرط فيها، كما لو أناط المدَّة بما لا ينضبط، بل هذا أولى؛ لأنَّ الإطلاق أعرق في الجهالة.

وفي الكفاية نسبة هذا القول إلى الأشهر، وفي الرِّياض أنَّه أشهر بين المتأخِّرين.

وذهب بعضهم إلى فساد العقد أيضاً بفساد الشَّرط.

أقول: أمَّا مَنْ ذهب إلى الصِّحّة، فقدِ استُدلّ بجملة من الأدلَّة:

منها: الإجماع، أي: إجماعات الأربعة المتقدِّمين: (إجماع الانتصار والخلاف والجواهر والغُنية).

وفيه: ما عرفت في أكثر من مناسبة، من أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجّةٍ، وإنِ استفاض نقله.

أضف إلى ذلك: أنَّه إجماع مدركيّ أو محتمل المدركيَّة، فلا يكون إجماعاً تعبُّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام).

ومنها: ما أشار إليه في الخلاف من نسبة ذلك إلى أخبار الفرقة، ولا شكَّ في أنَّ هذه النِّسبة بمنزلة إرسال أخبار، فيكفي في انجبارها الإجماعات المنقولة.

وبالجملة، فلا تقصر هذه المراسيل عن المراسيل الموجودة في كتب الحديث.

وفيه: أنَّ ما حكي عن الشَّيخ (رحمه الله) من وجود أخبار الفرقة، ففيه ما فيه؛ إذ لم نجد بذلك رواية دلَّت على ما ذكروه من الصِّحّة.

وعليه، فلا معنى لانجبارها؛ إذ لم تنقل لنا بعينها، حتَّى ينقل: إنَّ الإجماعات جابرة لها.

وبالجملة، فالانجبار -على القول به؛ إذ قد عرفت مبنانا في ذلك- إنَّما يصحُّ فيما إذا وردت رواية لها دلالة على حكم، ولكن سندها ضعيف، فيُقال حينئذٍ: إنَّ الإجماعات جابرة لها.

وأمَّا مجرَّد نقل روايةٍ لم ترد بعينها ولا دلالتها، فلا يكفي ذلك في الانجبار، وبالأخصّ أنَّ الشَّيخ (رحمه الله) لم يذكرها في كتب الأحاديث، ولا غيره ذكرها أيضاً في كتب الأحاديث.

ولعلَّه أراد روايات أخبار خيار الحيوان، فاستفاد منها حكم المقام.

ومهما يكن، فهذا الدَّليل ليس تامّاً.

ومنها: الرِّوايات الواردة في خيار الحيوان، مثل صحيحة عليّ بن رئاب عن الصَّادق (عليه السلام) (الشَّرط في الحيوان ثلاثة أيامٍ للمشتري اشترط فيها، أم لم يشترط...)[2] .

حيث تدلّ بالفحوى على أنَّ الشَّرط في غيره ثلاثة مع اشتراط الخيار، لا اشتراطها؛ لعدم اختصاصه بها؛ ضرورة صحَّة اشتراط أيّ عددٍ، فالمختصّ بها حينئذٍ إطلاق اشتراط الخيار.

وفيه: أنَّه لا مفهوم لتلك الرِّوايات أصلاً، فتأمَّل.

ومنها: النَّبويّان المرويَّان في كتب العامَّة[3]

الأُولى: (أنَّ حنَّان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجَّة أصابته في رأسه، فقال له النَّبيّ (صلى الله عليه وآله): إذا بعت فقل: لا خلابة، وجعل له الخيار ثلاثاً).

وفي الرِّواية الثَّانية: (ولك الخيار ثلاثاً).

والخلابة: الخديعة.

وفيه: أنَّهما ضعيفتان جدّاً، بل قد عرفت أنَّهما لم يردا من طرقنا، بل ذكرهما العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة[4] .

هذا أوَّلاً.

وثانياً: لا دلالة فيهما لما في التَّذكرة من أنَّ قول (لا خلابة) عبارة في الشَّرع عن اشتراط الخيار ثلاثاً، فإطلاقها مع العلم بمعناها كالتَّصريح.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى بطلان شرط الخيار، فقدِ استدلّ: بأنَّه غرريّ، بل الإطلاق أعرق بالجهالة فيما لو أناط المدَّة بما لا ينضبط.

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة، أنَّه لا يوجد عندنا دليل على بطلان مطلق الغرر، بل المنهيّ عنه فقط هو البيع الغرريّ.

هذا لو سلَّمنا أنَّه غرريّ هنا.

والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه مشهور بين المتقدِّمين من الصِّحّة هو الصَّحيح؛ لعموم المقتضي، فيشمله قوله (عليه السلام) في الصَّحيح المتقدِّم: (المسلمون عند شروطهم)، ولا مانع من ذلك.

وعليه، فبعد القول بصحَّة الشَّرط، فإمَّا أن يردّ إلى معيَّن، أو يدوم إلى آخر العمر، وبما أنَّه لم يذهب أحد في هذه المسألة إلى بقائه إلى آخر العُمر، بل العلماء في هذه المسألة على قولَيْن: إمَّا البطلان، وإمَّا الصِّحّة، والانصراف إلى ثلاثة أيام.

وبما أنَّه لم يذهب أحد هنا إلى الصِّحّة إلى آخر العمر، فيتعيَّن الآخر، وهو الصِّحّة إلى ثلاثة أيام.

ووجه التَّخصيص بالثَّلاثة: هو انصراف الإطلاق إليها عرفاً؛ لكونها أوَّل مدّةٍ يتروَّى بها في مثله، والله العالم بحقائق أحكامه.

 


[1] المبسوط: ج2، ص81.
[2] الوسائل باب4 من أبواب الخيار ح1.
[3] را: معرفة الصَّحابة للأصبهانيّ: ج2، ص884.
[4] التَّذكرة: ج11، ص46-47.
logo