47/03/22
/ كتاب الخيارات (26)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (26)/
قول الماتن: (وجوَّز في المبسوط والقاضي وابن إدريس دخوله، ودخول خيار المجلس في الوكالة والعارية والوديعة والجُعالة والقراض، وفي الخلاف يدخل فيها خيار الشَّرط، ولا يدخل خيار المجلس إجماعاً، والفاضل لا يرى للخيارَيْن معنى، لأنَّهما عقود جائزة على الإطلاق، ويُدفع باحتمال إرادتهم منع التّصرُّف مع الخيار)
أقول: قد ذكرنا سابقاً في خيار المجلس أنَّ هذا الخيار -أي: خيار المجلس- مختصٌّ بالبيع.
وفي الخلاف الإجماع عليه، قال: (الوكالة، والعارية، والقراض، والجعالة، والوديعة، لا خيار فيها في المجلس، ولا يمتنع دخول خيار الشَّرط فيها، دليلنا على الأوَّل: الإجماع، فإنَّه لا اختلاف أنَّه لا يدخلها خيار المجلس)[1]
وقد ذكرنا الدَّليل هناك على اختصاصه بالبيع، فراجع، ولسنا بحاجة للإعادة.
وأمَّا دخول خيار الشَّرط في العقود الجائزة، مثلاً الوكالة والعارية والوديعة والجعالة والمضاربة، فقد نُسب إلى الأكثر جوازه فيها، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، وابن إدريس والقاضي(رحمهما الله).
وذهب جماعة من الأعلام إلى المنع من دخوله في العقود الجائزة، منهم العلَّامة (رحمه الله) في التَّحرير والمختلف، والمحقِّق الثَّاني (رحمه الله) في جامع المقاصد، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك.
أقول: مقتضى الدَّليل الَّذي ذكرناه وهو (المسلمون عند شروطهم)، وغيره، جواز دخوله في كلِّ عقدٍ حتَّى العقود الجائزة؛ لأنَّه عامّ، والعموم يقتضي شموله لكلِّ عقدٍ جائزٍ.
نعم، مَنْ ذهب إلى المنع، فيحتاج إلى دليل على إخراجه من تحت العموم.
وقد ذكروا جملةً من الأدلَّة، وأحسن دليل لهم هو أنَّ العقود الجائزة يكون الخيار فيها عامّ لا يقبل السُّقوط؛ لأنَّها جائزة بذاتها، فجعل الخيار فيها يكون لغواً غير مؤثّرٍ.
ويُشكل عليه: بعدم اشتراط التَّأثير في الشُّروط، فإنَّ منها ما يؤكِّد مقتضى العقد.
على أنَّه قد يؤثِّر فيما لو لزم الجائز -كالهبة- بالتّصرُّف مثلاً، فإنَّ له الفسخ حينئذٍ بالشَّرط.
وأمَّا قول المصنِّف -عند قولهم: لا تأثير لخيار المجلس في العقود الجائزة- أنَّه يحتمل إرادتهم منع التصرُّف مع الخيار في المجلس، ففي غير محلِّه؛ إذ لا دليل عليه.
والخلاصة: أنَّه لا يوجد دليل قويّ على إخراج العقود الجائزة من تحت العموم، والله العالم.
قول الماتن: (ومنع في الخلاف من دخول خيار الشَّرط في الصُّلح، وهو بعيد)
وقع الكلام بين الأعلام في أنَّ الصُّلح الَّذي هو من العقود، هل يدخله خيار الشَّرط، أم لا؟
صرَّح جماعة من الأعلام -منهم العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة- دخول الخيار فيه مطلقاً، بل عن المهذّب البارع في باب الصُّلح الإجماع على دخوله فيه بقول مطلق.
وظاهر الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف والمبسوط عدم دخوله فيه مطلقاً.
وعن العلَّامة (رحمه الله) في التَّحرير وجامع المقاصد أنَّه لا يدخل في الصُّلح إذا كان الصُّلح يفيد فائدة الإبراء؛ لأنَّه، وإن كان عقداً، إلَّا أنَّه يتضمَّن الإيقاع؛ لأنَّه يفيد فائدة الإبراء.
وفي غاية المرام: (والصُّلح إن وقع معاوضةً دخله خيار الشَّرط، وإن وقع على ما في الذِّمم مع جهالته أو على إسقاط الدَّعوى، قبل ثبوتها لم يثبت فيه خيار الشَّرط؛ لأنَّ مشروعيَّته لقطع المنازعة فقط، واشتراط الخيار لعَوْد الخصومة ينافي مشروعيَّته، وكلّ شرطٍ ينافي مشروعيَّة العقد غير جائزٍ)[2] .
أقول: أمَّا ما ذُكر في وجه المنع من أنَّ مشروعيَّته لقطع المنازعة فقط، واشتراط الخيار لعَوْد الخصومة ينافي المشروعيَّة.
فيرد عليه: ما هو المعروف بين الأعلام -ويأتي في بابه- وهو أنَّ مشروعيَّة الصُّلح لا تختصّ بقطع المنازعة فقط.
ومن هنا، جاز الصُّلح غير المنازعات.
وأمَّا القول: بأنَّه يتضمَّن الإيقاع فيما لو أفاد الإبراء.
ففيه أوَّلاً: أنَّ الصُّلح من العقود، وإن تتضمَّن الإيقاع فيما لو أفاد فائدة الإبراء.
وثانياً: أنَّه ذكرنا سابقاً أنَّ خيار الشَّرط يدخل في الإيقاعات، إلَّا ما استُثني، كما عرفت، وهذا ليس فيه.
والخلاصة: أنَّ خيار الشَّرط يدخل في الصُّلح مطلقاً؛ وذلك لعموم المقتضي، وعدم صلاحيَّة المخصِّص، والله العالم بحقائق أحكامه.
* * *
قول الماتن: (وجوَّز اشتراطه في القسمة)
جوَّز الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف والمبسوط دخول خيار الشَّرط في القسمة، وإن لم يكن فيها ردّ.
وتبعه العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة.
قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: (وأمَّا القسمة، فعلى ضربَيْن: قسمة لا ردّ فيها، وقسمة فيها ردّ، وعلى الوجهَيْن معاً لا خيار فيها في المجلس؛ لأنَّها ليست ببيع، وأمَّا خيار الشَّرط فلا يمتنع دخوله؛ للخبر، ولا فرق بين أن يكون القاسم الحاكم أو الشَّريكان أو غيرهما ممَّنْ يرضيان به...)[3]
وذكر بعض الأعلام أنَّه لا يتصوَّر دخول خيار الشَّرط فيها، إلَّا بأن يشترط الخيار في التَّراضي القوليّ بالسِّهام.
وأمَّا التَّراضي الفعليّ، فلا يتصوَّر دخول خيار الشَّرط فيه، بناءً على وجوب ذكر الشَّرط في حين العقد.
ولكن هذا الكلام ليس تامّاً؛ لأنَّ الخيار من أفعال القلب.
كما أنَّ المعاملات من البيع والإجارة ونحوهما من الأمور الاعتباريَّة، ومن أفعال القلب أيضاً.
وعليه، فكليهما من أفعال القلب.
نعم، تارةً: يكون المُظهر لهذا الأمر النَّفسانيّ هو اللَّفظ.
وأُخرى: هو العمل.
وإذا كان الأمر كذلك فلا مانع أن يقول مقارناً للفعل: بشرط كذا، فيكون قوله مرتبطاً بفعله.
قول الماتن: (والكتابة)
قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: (وأمَّا الكتابة، فعلى ضربَيْن مشروطة ومطلقة، فالمشروطة ليس للمولى فيها خيار المجلس، ولا مانع من دخول خيار الشَّرط فيه، وأمَّا العبد فله الخياران معاً؛ لأنَّه إن عجّز نفسه كان الفسخ حاصلاً، وإن كانت مطلقةً، وأدَّى من مكاتبته شيئاً، فقد انعتق بحسبه، ولا خيار لواحد منهما فيها؛ لأنَّ الحُرّ لا يمكن ردّه في الرِّق)[4]
وفيه: أنَّ دعوى أنَّ الحُرّ لا يعود رقّاً لا دليل عليها على الإطلاق، بحيث يشمل الحريّة المتزلزلة.
وعليه، فمقتضى الصِّناعة العلميَّة دخول الخيار فيها؛ لعموم المقتضى.