« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (21)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (21)/

 

قوله: (نعم، يشترط ضبطه بما لا يحتمل التَّفاوت)

المعروف بين الأعلام أنَّه يشترط تعيين المدَّة المشترطة بما لا يحتمل الزِّيادة والنُّقصان.

وفي الجواهر: (لا يجوز أن يُناط بما يحتمل الزِّيادة والنُّقصان، كقدوم الحاج ونحوه، قولاً واحداً)[1]

أقول: يقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: في صحَّة الشَّرط وفساده.

الثَّاني: في صحَّة البيع وفساده.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام بطلان الشَّرط لو شرطه بما يحتمل الزِّيادة والنُّقصان، كقدوم الحاجّ، ونزول المطر.

وقدِ استدلّ لذلك بجملة من الأدلَّة:

منها: الإجماع المدَّعى من بعض الأعلام.

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد لا تشمله أدلَّة حجيَّة خبر الواحد، لاسيَّما أنَّه هنا مدركيّ أو أنَّه محتمل المدركيَّة، فلا يكون إجماعاً تعبُّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام).

ومنها: أنَّ هذا الشَّرط غرريّ؛ لعدم تعيُّنه؛ لأنَّ المفروض أنَّه يحتمل الزِّيادة والنَّقيصة، والشَّرط الغرريّ باطل؛ وذلك للمرويّ عن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) (أنَّه نهى عن الغرر).

وفيه: أنَّه لم تثبت هذه الرِّواية.

نعم، المشهور بين الأعلام أنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) (نهى عن بيع الغرر).

وهذه الرِّواية النَّبويّة، وإن كانت ضعيفة سنداً بالإرسال، كما لا يخفى، إلَّا أنَّنا ذكرنا سابقاً أنَّ الكلّ عمل بها، وعمل الجميع جابر لضعف السَّند، بخلاف عمل المشهور، فإنَّه لا يجبر ضعف السَّند.

والخلاصة: أنَّه لم يثبت نهي النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) عن مطلق الغرر.

وعليه، فالشَّرط الغرريّ لا دليل على بطلانه، كما لا دليل على بطلان الصُّلح الغرريّ.

وأمَّا الأمر الثَّاني: فقد يُقال: ببطلان البيع عند بطلان الشَّرط، كما ذهب إليه جماعة من الأعلام؛ باعتبار أنَّ جهالة الشَّرط تُوجب جهالة العوضَيْن.

ويرد عليه: أنَّ جهالة الشَّرط لا تُوجب جهالة العوضَيْن؛ لأنَّ العلم بالثَّمن والمثمن حاصل، ولا جهالة فيهما.

وبالجملة، فجهالة الشَّرط لا توجب جهالة الثَّمن والمثمن.

هذا، وقد ذكرنا سابقاً أنَّ الجهالة بما هي جهالة لا توجب بطلان المعاملة إذا لم تكن غرريّةً، فالمحذور هو المعاملة الغرريَّة.

وقد عرفت سابقاً أنَّ كون الشَّرط غرريّاً لا يوجب الغرر في المعاملة؛ لأنَّ الشَّرط ليس له قسط من الثَّمن كي يوجب غرريَّته غرريَّة الثَّمن.

نعم، الشَّرط ممَّا يوجب زيادة الثَّمن أو نُقصانه، إلَّا أنَّه لا يُقابل بالمال، فكون الشَّرط مجهولاً وغرريّاً لا يوجب الجهالة والغرر في المعاملة.

والخلاصة: أنَّه قد ذكرنا سابقاً في مبحث الشَّرط أنَّ بطلان الشَّرط لا يوجب بطلان المشروط، فلا يسري فساده إلى البيع، وقد ذكرنا هناك أدلَّة الطّرفَيْن بالتَّفصيل، فراجع[2]

 

قوله: (ويجوز اشتراطه لأجنبيّ منفرداً، فلا اعتراض عليه)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز لكلٍّ منهما جعل الخيار للأجنبيّ، فإذا اختار الفسخ أو الإمضاء فلا اعتراض على قوله؛ لأنَّ الخيار له.

وحكى العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة الإجماع منَّا على جواز جعل الخيار للأجنبيّ، ونُسب الخلاف إلى الشَّافعي في أحد قولَيْه، فقال: (هل يجوز جعل الخيار للأجنبيّ؟ ذهب علماؤنا أجمع إلى جوازه، وأنَّه يصحّ البيع والشَّرط، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أصحّ القولين...)[3]

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسمَيْه عليه...)[4]

أقول: لا يخفى أنَّ المراد من جعل الخيار للأجنبيّ هو أن يكون له الخيار على نحو الاستقلال، نظير الخيار للبائع والمشتري، وليس المراد من جعل الخيار للأجنبيّ هو أن يكون وكيلاً من قبل أحدهما، أو من كليهما، فإنَّ هذا لا إشكال في جوازه، ويكون الفسخ والإمضاء في الواقع فيما لو فسخ أو أمضى هو فسخ الموكِّل.

وبالجملة، فإنَّ المراد ما عرفته، فيكون له الخيار مستقلّاً، نظير الخيار للبائع والمشتري.

ويدلُّ على جواز الخيار للأجنبيّ -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، بل بين المسلمين، ما عدا الشَّافعي في أحد قولَيْه-: عموم الأدلَّة الدَّالّة على لُزوم الوفاء بالعقود.

وكذا يدلُّ عليه أيضاً: الرِّوايات المستفيضة الدَّالّة على أنَّ المسلمين عند شروطهم، وقد تقدَّم بعضها.

ثمَّ إنَّه قد يُقال: إنَّه لا يصحُّ جَعْل الخيار للأجنبيّ.

وقد يُستدلّ لذلك: ببعض الأدلَّة، أهمُّها ما ذكره الميرزا النَّائينيّ (رحمه الله) من أنَّه (عبارة عن ردِّ كلِّ مالٍ إلى مالكه الأصليّ، أو إبقائه وإقراره في ملك مالكه الفِعْليّ، وهذا ينفذ ممَّنْ كان زِمام المال بيده، وأمَّا الأجنبيّ فأجنبيّ عنه)[5] .

ويرد عليه: أنَّ الخيار عبارة عن حلِّ العقد، ولازمه ردّ كلِّ مالٍ إلى مالكه الأصليّ، فلا إشكال من هذه الجهة.

هذا، وقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يجب على الأجنبيّ المجعول له الخيار مراعاة المصلحة للجاعل، وينظر ما هو الأصلح في حقِّ الجاعل، فإن كان الأصلح هو الفسخ فيختار الفسخ، وإن كان الأصلح هو الإمضاء فيختار الإمضاء، وإذا اختار غير الأصلح فلا يكون نافذاً؛ لأنَّه خلاف الأمانة.

ويظهر من الأدلَّة أنَّ اشتراط الخيار للأجنبيّ إن كان من أحد المتعاقدَيْن فقط، دون الآخر، فلا إشكال حينئذٍ في وجوب مراعاة الأصلح له من الفسخ أو الإمضاء؛ لأنَّ هذا معنى جعل الخيار له من أحدهما فقط.

وأمَّا إذا اشترط كلا المتعاقدَيْن الخيار للأجنبيّ، فالخيار حينئذٍ غير مقيّدٍ بمراعاة المصلحة؛ لأنَّ الغالب أنَّ المعاملة المبنيَّة على المغابنة والمرابحة إذا كانت رابحةً للبائع فهي خاسرة للمشتري، وإذا كانت رابحةً للمشتري فهي خاسرة للبائع.

 


[1] الجواهر: ج23، ص32.
[2] مسالك النُّفوس (كتاب البيع): ج2، ص164.
[3] التَّذكرة -ط ق-: ج1، ص521.
[4] الجواهر: ج23، ص34.
[5] منية الطَّالب: ج3، ص77.
logo