47/03/08
/ كتاب الخيارات (20)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (20)/
قوله: ((درس 256)
وثانيها: خيار الشَّرط، وهو جائز لهما، ولأحدهما)
المراد بخيار الشَّرط: هو اشتراط الخيار في البيع.
نعم، قد يحصل الخيار من اشتراط شيءٍ في البيع، أو في غيره، إذا لم يلتزم المشروط عليه بالشَّرط.
كما لو باع زيد عَمْراً شيئاً بثمن كذا، واشترط عليه في ضمن العقد أن يقرأ سورة البقرة مثلاً، فإذا لم يلتزم عَمْرو بالشَّرط، فيجوز للبائع -وهو زيد- الفسخ أو الإمضاء، أي: هو مخيّر بينهما، فهذا الخيار ثابت له؛ لعدم التزام المشروط عليه بالشَّرط.
وأمَّا ما نحن فيه، فالمراد: هو اشتراط الخيار في ضمن البيع.
إذا عرفت ذلك، فالمعروف بين الأعلام هو جواز اشتراط الخيار في البيع، بل عن العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة: (لا خلاف بين العلماء في جواز اشتراط الخيار في البيع...)[1]
وفي الجواهر: أنَّه يجوز ذلك (بالضَّرورة بين علماء المذهب، والكتاب والسُّنّة عموماً، وخصوصاً في بعض أفراده...)[2] .
أقول: يدلُّ على ذلك -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار- الرِّوايات العامَّة المجوِّزة لاشتراط كلِّ شرطٍ، إلَّا ما خالف كتاب الله عزَّوجلّ، أو إلَّا شرطاً حرَّم حلالاً، أو حلَّل حراماً.
والرِّوايات الخاصَّة الواردة في بعض أفراد المسألة.
ومن تلك الرِّوايات العامَّة: ما استفاض نقله عن الأئمَّة (عليهم السلام) من أنَّ المسلمين عند شروطهم:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: المسلمون عند شروطهم، إلَّا كلّ شرطٍ خالف كتاب الله عزَّوجل فلا يجوز)[3] .
ومنها: صحيحة الأُخرى في الكافي بإحدى طريقَيْه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سمعته يقول: مَنِ اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الَّذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم ممَّا وافق كتاب الله عزَّوجلّ)[4]
ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) (إنَّ عليَّ بن أبى طالبٍ (عليهالسلام) كان يقول: مَنْ شرط لامرأته شرطاً فَلْيفِ لها به، فإنَّ المسلمين عند شروطهم، إلَّا شرطاً حَّرم حلالاً أو أحلَّ حراماً)[5]
وكذا غيرها.
وقد تقدَّم الكلام عنها بالتَّفصيل في باب الشَّرط في ضمن العقد عند قول المصنِّف (رحمه الله): (يجوز اشتراط سائغٍ في عقد البيع...)، فراجع[6]
وأمَّا الرِّوايات الخاصَّة الواردة في بعض أفراد المسألة: فكثيرة أيضاً، نذكر منها روايةً واحدةً.
وهي موثَّقة إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) -كما في الفقيه- (قال: حدَّثني مَنْ سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) -وسأله رجل وأنا عنده-، فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فجاء إلى أخيه، فقال: أبيعك داري هذه، وتكون لك أحبّ إليَّ من أن تكون لغيرك، على أن تشترط لي: إنْ أنا جئتُك بثمنها إلى سنة أن تردَّ عليَّ؟ فقال: لا بأس بهذا، إنْ جاء بثمنها إلى سنة ردَّها عليه، قلتُ: فإنَّها كانت فيها غلَّة كثيرة، فأخذ الغلَّة، لمَنْ تكون الغلَّة؟ فقال: الغلَّة للمشتري، ألا ترى أنَّه لوِ احترقت لكانت من ماله)[7]
وهي، وإن كانت مرسلةً في الكافي والتَّهذيب، إلَّا أنَّها موثَّقة في الفقيه.
وهي دالَّة على جواز بعض أفراد شرط الخيار، وهو ما يُضاف إليه، ويُقال له: بيع الخيار، وهو اشتراط مدَّةٍ يردّ فيها البائع الثَّمن، ويرتجع المبيع.
وظاهرها: أنَّ الشَّارط هو المشتري، والمشروط له هو البائع، والمعلَّق عليه هو ردّ الثَّمن، والمشروط ردّ المبيع.
وأمَّا باقي الرِّوايات، فتأتي ضمن البحوث الآتية -إن شاء الله تعالى-.
وقد ذكر النَّراقي (رحمه الله) في مستنده: (أنَّ هذه الموثَّقة وغيرها من الرِّوايات الآتية تخصِّص عمومات لُزوم البيع، وعموم ما يدلّ على عدم وجوب الوفاء بشرط خالف السُّنّة، حيث إنَّه مخالف لما يدلّ على لُزوم البيع مطلقاً، أو مع الافتراق مطلقاً، ومن هذا يظهر ضعف الاستدلال بعمومات وجوب الوفاء بالشَّرط...)[8] .
وحاصل ما ذكره: أنَّ اشتراط الخيار في العقود من الشُّروط المخالفة للكتاب والسُّنّة؛ وذلك لأنَّ مقتضى قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1]، وقول النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) في روايات خيار المجلس: (فإذا افترقا وجب البيع)، أنَّ كلّ عقدٍ من العقود لازم، ومنه عقد البيع، فاشتراط الخيار في البيع -الَّذي معناه: جواز الفسخ أو الإمضاء- يخالف الكتاب والسُّنّة الدّالَّيْن على لُزوم البيع.
والجواب: هو ما أشار إليه صاحب المستند (رحمه الله)، وذكره كثير من الأعلام، هو أنَّ أدلَّة اشتراط الخيار، وإن كانت مخالفة للكتاب والسُّنّة النَّبويّة الشَّريفة، إلَّا أنَّه تخالفه بالعموم والخصوص المطلق، وتكون أدلَّة اشتراط الخيار مخصِّصة لما دلَّ على اشتراط عدم المُخالِف للكتاب والسُّنّة، أي: أنَّ كلّ شرطٍ خالف كتاب الله وسنَّة نبيَّه (صلى الله عليه وآله) فهو باطل، إلَّا إذا كان الشَّرط هو اشتراط الخيار.
وممَّا يؤكِّد ذلك: أنَّه لو لم نلتزم بالتَّخصيص لما كان لاشتراط الخيار موردٌ أصلاً، ولكانت الأدلَّة الكثيرة الدَّالّة على اشتراط الخيار لَغْواً؛ إذ لا مورد لها.
ولكن قد يُستشكل: بما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من أنَّ الأدلَّة الدَّالّة على أنَّ كلّ شرطٍ خالف كتاب الله تعالى فهو باطل وزخرف، هي آبية عن التَّخصيص.
والإنصاف: أنَّ الرِّوايات الدَّالّة على أنَّ ما خالف كتاب ربِّنا لم نقله، أو هو زخرف، أو هو باطل، موردها المخالفة بالتَّباين، أو العموم والخصوص من وجه، فلا تشمل ما نحن فيه.
ولكن الَّذي يُهوِّن الخطب في المقام: أنَّ كلّ الأعلام قديماً وحديثاً جوَّزوا اشتراط الخيار في البيع، ولعلَّه لبعض الوجوه الأُخرى الَّتي ذُكرت في المقام.
ومَنْ أراد التَّفصيل، فَلْيرجع إلى المطوّلات، والله العالم.
قوله: (ولا يتقدَّر بالثَّلاثة)
المعروف بين الأعلام أنَّ اشتراط الخيار هو بحسب ما يشترط كلاهما، أو أحدهما، وأنَّه لا يتقدَّر بحدٍّ معيَّن لا يتخطّاه.
وقدِ ادَّعى جماعة من الأعلام الإجماع على ذلك.
وفي الخلاف: أنَّ أخبارنا به متواترة.
ويقصد بذلك: صحيحة عبد الله بن سنان، وحسنة الحلبيّ، وصحيحة سعيد بن يسار الآتية، وموثَّقة إسحاق بن عمَّار المتقدِّمة، فإنَّ هذه الرِّوايات مطلقة من هذه الجهة، أي: لم تقدِّره بحدٍّ معيَّن لا يتخطَّاه.
وخالف في ذلك فقهاء العامَّة، ما عدى مالك، فمنعوا من الزِّيادة على الثَّلاثة، وجوَّزوا اشتراطها فما دونها.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في أنَّه لا يتقدَّر بمدَّة مخصوصة.
ومن هنا، جاز اشتراطه إلى آخر العمر على نحو الإطلاق.
نعم، استشكل الميرزا النَّائينيّ (رحمه الله)، بل ذهب إلى بطلان جعل الخيار لنفسه إلى آخر الحياة.
وقدِ استدلّ لذلك: بوجهَيْن، نذكر المهمّ منهما، وهو أنَّ جعل الخيار إلى آخر الحياة معناه: كون المدَّة مجهولةً؛ لعدم العلم بزمان حياته ومقداره، فقد يموت الآن، وقد يأتيه الأجل بعد شهرٍ أو شهرَيْن، أو بعد سنة، أو أكثر، والجهل بالمدَّة مستلزم للغرر -وهو الخطر-، وهو يوجب البطلان.
وفيه: أنَّه مع التَّسليم بأنَّ ذلك موجب للغرر -كما لا يبعد- إلَّا أنَّه لا دليل على بطلان الشَّرط الغرريّ، والثَّابت عندنا هو بطلان بيع الغرريّ.
وأمَّا الشَّرط الغرريّ، فلا دليل على بطلانه، كالصُّلح الغرريّ، فإنَّه لا دليل على بطلانه.
وسيأتي أيضاً أنَّه لو قلنا: ببطلان الشَّرط الغرريّ، فإنَّ بطلانه لا يسري إلى المشروط.
وتقدَّم أيضاً بالتَّفصيل في مبحث الشَّرط: أنَّ بطلان الشَّرط لا يوجب بطلان المشروط، فراجع ما ذكرناه عند قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً (بطل، وأبطل)[9]