46/11/21
/ كتاب الخيارات (19)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (19)/
قول الماتن: (الثَّامن: لو تنازعا في التّفرُّق حلف المنكر)
المعروف بين الأعلام أنَّه لو تنازعا في التّفرُّق حلف المنكر؛ لأصل عدم التّفرُّق، فيحتاج مدّعيه إلى البيّنة، ومع عدمها فله إحلاف المنكر، وهكذا لو جاءا مصطحبَيْن، فقال أحدهما: تفرَّقنا ولزم البيع، وأنكر الآخر، فعلى المدَّعي البيِّنة، إن لم يطل وقت اصطحابهما؛ لأنَّ الأصل عدم التّفرُّق.
وأمَّا لو طال وقت اصطحابهما، فعلى المدَّعي أيضاً البيِّنة ترجيحاً لأصل عدم التّفرُّق على ما يظهر من العادات من عدم بقاء البائعَيْن مصطحبَيْن مدَّة طويلة.
ثمَّ إنَّه لا يخفى عليك أنَّ المعروف بين الأعلام هو تقديم الأصل مطلقاً على الظَّاهر، سواء اشتدّ ظهوره أم لا؛ لأنَّ الظَّاهر إنَّما هو حجَّة في باب الألفاظ دون غيرها، إلَّا في مواضح محصورة، حيث يكون الظَّاهر مقدّماً للدَّليل، كما لو خرج البلل المشتبه إذا لم يبل قبل الغسل، فإنَّه يجب عليه إعادة الغسل؛ لأنَّ الظَّاهر لمّا كان يقتضي تخلُّف شيءٍ من رطوبات المنيّ في المجرى، وهي قد تجتمع وتخرج بعد الغسل حكم الشَّارع بناقضيّتها للغسل تقديماً للظَّاهر على الأصل، أي استصحاب الطَّهارة أو استصحاب عدم خروج المنيّ.
وكما فيما لو خرج البلل المشتبه بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات، فإنَّه أيضاً يحكم بناقضيَّة الرُّطوبة للوضوء تقديماً للظَّاهر على الأصل، أي أصل الطَّهارة أو أصل عدم خروج البول، فراجع ما ذكرناه في مبحث الطَّهارة[1]
وأيضاً هنا يمكن تقديم الظَّاهر، كما لو أفضى الظُّهور إلى الاطمئنان بالتّفرُّق بحسب العادة نظراً إلى شدَّة استبعاد بقاء الشّخصَيْن مجتمعَيْن مدَّة طويلة، فيقدَّم حينئذٍ على الأصل، ولعلّ هناك بعض الموارد أيضاً يقدَّم فيها الظَّاهر على الأصل.
قول الماتن: (ولو تنازعا في الفسخ، وكانا قد تفرّقا، قُدِّم منكره)
المعروف بين الأعلام أنَّه لو اتَّفقا على التّفرُّق، واختلفا في الفسخ، فالقول قول منكر الفسخ مع يمينه؛ لأنَّ الأصل عدم الفسخ، ولعموم البيِّنة على المدَّعي، واليمين على مَنْ أنكر.
قول الماتن: (ولو قال أحدهما: تفرَّقنا قبل الفسخ، وقال الآخر: فسخنا قبل التّفرُّق، احتمل تقديم الأوَّل؛ لأصالة بقاء العقد، وتقديم الثَّاني؛ لأنَّه يوافقه عليه ويدَّعي فساده، والأصل صحَّته؛ ولأنَّ الفسخ فعله)
لو قال أحدهما: تفرَّقنا قبل الفسخ، وقال الآخر: فسخنا قبل التّفرُّق، فاستصحاب عدم الفسخ قبل التّفرُّق يعارضه استصحاب عدم التّفرُّق قبل الفسخ فيتساقطان.
وأمَّا استصحاب الحكم -أي استصحاب الخيار حتَّى يتحقَّق الافتراق-: فهو من استصحاب الحكم الكلِّيّ، وقد عرفت ما فيه.
وعليه، فيحتمل هنا تقديم قول مَنْ قال: تفرَّقنا قبل الفسخ؛ لأصالة بقاء العقد، أي أصالة اللُّزوم.
ويحتمل تقديم قول مَنْ قال: فسخنا قبل التّفرُّق، بل هو الأقوى؛ لأنَّهما اتَّفقا على الفسخ، لكن الأوَّل يدَّعي فساده، وأنَّه حصل بعد التّفرُّق، فلا أثر للفسخ، وأنَّه فاسد، والآخر يدَّعي صحَّته، وأنَّه حصل قبل التّفرُّق، وأصالة الصِّحّة مقدَّمة، فالقول قول مدَّعي الصِّحّة مع يمينه، والله العالم بحقائق أحكامه.