« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (17)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (17)/

 

قول الماتن: (الرَّابع: لا خيار في الإجارة والإقالة، لأنَّهما ليستا بيعاً عندنا، وكذا الحوالة والصُّلح على الأصحّ، والهبة بشرط الثَّواب، واقتضاء العين عن الدَّين، والقسمة والشُّفعة)

 

المعروف بين الأعلام أنَّ خيار المجلس لا يثبت في شيءٍ من العقود عدا البيع.

وفي التَّذكرة: (عند علمائنا)، وعن الغنية، ومحكي الخلاف: (الإجماع عليه)، وفي تعليق الإرشاد نسبته إلى علمائنا، وفي المسالك: (أنَّه خلاف فيه بين علمائنا).

ولكن عن المبسوط والسَّرائر -كما حكي عن القاضي- أنَّه يدخل في الوكالة والعارية والوديعة والجعالة والقراض.

والإنصاف: أنَّه لا مقتضي لثبوت خيار المجلس في غير المبيع؛ لاختصاص أدلَّته بالبيع، وتعديته إلى غيره من العقود يحتاج إلى دليل، وهو مفقود.

أضف إلى ذلك: أنَّ في العقود الجائزة، مثل الوكالة والعارية والمضاربة ونحوها، مانعاً من ثبوت خيار المجلس فيها، وهو أنَّها بحسب ذاتها جائزة فيفسخ متى شاء، بل الجواز فيها حكم شرعيّ لا تقبل الإسقاط.

وعليه، فجعل الخيار فيها يصبح لغواً.

وبالجملة، الخيار في تلك العقود بحسب ذاتها عامّ لا يقبل السُّقوط، فلا تأثير لخيار المجلس، وتأوّل كلامهم المصنِّف فيما سيأتي -إن شاء الله تعالى- باحتمال إرادتهم منع التّصرُّف مع الخيار في المجلس.

وقال الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله): (واحتمل في الدُّروس أن يراد بذلك عدم جواز التّصرُّف قبل انقضاء الخيار، ولعلّ مراده التّصرُّف المرخّص فيه شرعاً للقابل في هذه العقود لا الموجب؛ إذ لا معنى لتوقُّف جواز تصرُّف المالك‌ في هذه العقود على انقضاء الخيار؛ لأنَّ أثر هذه العقود تمكُّن غير المالك من التّصرُّف فهو الَّذي يمكن توقُّفه على انقضاء الخيار الَّذي جعل الشَّيخ (قدِّس‌سرُّه) أثر البيع متوقِّفاً عليه...)[1] .

أقول: ومع ذلك يبقى هذا التَّأويل غير تامٍّ؛ لأنَّه لا يصحّ في الوديعة؛ لامتناعه فيها مطلقاً، ولا في غيرها؛ لوجود الإذن المسوِّغ له مطلقاً.

ثمَّ قال الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله): (والَّذي يخطر بالبال أنَّ مراده -أي مراد الشَّيخ الطوسي (رحمه الله)-: دخول الخيارَيْن في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع، فتنفسخ بفسخه في المجلس، وهذا المعنى، وإن كان بعيداً في نفسه، إلَّا أنَّ ملاحظة كلام الشَّيخ في المقام يقرِّبه إلى الذِّهن...)[2]

أقول: هذه التَّأويلات البعيدة جدّاً عن المراد لا حاجة لها، ولا موجب لإيجاد هذه التَّبريرات، فإنَّ كلامه في المبسوط، ومَنْ وافقه من الأعلام، غير صحيحٍ؛ لما ذكرناه، والعصمة لأهلها.

 

قول الماتن: (الخامس: يثبت في بيع خيار الرُّؤية، ولا يمنعه اجتماع الخيارَيْن، وكذا بيع خيار الشَّرط والحيوان)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه لا مانع من اجتماع خيارَيْن، أو أكثر، كما في اجتماع المجلس والعيب، وخيار الرُّؤية، وخيار الغبن.

وقد يُقال: إنَّه لا يصحّ اجتماع خيارَيْن أو أكثر؛ لأنَّه يلزم منه اجتماع المثلَيْن.

ويمكن الجواب عن ذلك: بأنَّ الخيار واحد بالذَّات مختلف بالاعتبار، فلا يجتمع المثلان.

وفائدته: البقاء بأحد الاعتبارَيْن مع سقوط الآخر.

إن قلت: إذا كان الخيار واحداً فيلزم تداخل الأسباب، أي اجتماع السَّببَيْن على مسبّب واحد.

وأجاب جماعة من الأعلام: بأنَّ الأسباب الشَّرعيّة معرِّفات لا مؤثِّرات، فلا استحالة في اجتماعها.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ الأسباب لا معرِّفات ولا مؤثِّرات، بل المؤثِّر في جعل الأحكام الشَّرعيّة إرادة المولى، والأسباب الشَّرعيّة في الواقع هي موضوعات الأحكام، فلا إشكال من هذه الجهة.

وعليه، فالخيار واحد، ولكن الجهة متعدِّدة، أي التّعدُّد بالإضافة إلى السَّبب، كالقتل بالنِّسبة إلى أسبابه، فإنَّه واحد، والأسباب متعدِّدة.

 


[1] المكاسب: ج2، ص319و320.
[2] المكاسب: ج2، ص320.
logo