46/11/09
/ كتاب الخيارات (15)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (15)/
إذا عرفت ذلك، فقدِ استدلّ لعدم الخيار بجملة من الأدلَّة:
منها: ما ذكره العلَّامة (رحمه الله) من أنَّه لا خيار لمن انتقل إليه؛ لأنَّه وطّن نفسه على الغبن الماليّ.
والمقصود من الخيار: أن ينظر لدفع الغبن عن نفسه، ولا لمن انتقل عنه لما ذكر، ولتغليب جانب العتق.
ويرد عليه: أنَّ التَّوطين على شرائه عالماً بانعتاقه عليه ليس توطيناً على الغبن من حيث المعاملة، بل هو توطين النَّفس على انعتاق مَنْ يشتريه بإزاء قيمته الواقعيَّة.
وأمَّا تغليب جانب العتق بالنِّسبة لمن انتقل عنه -أي البائع- فإنَّه يكون مانعاً عن دفع العين؛ لأنَّ العتق يقتضي عدم رجوع الحرّ عبداً، ولا يكون مانعاً عن دفع القيمة، فيمكن أخذ القيمة من المشتري، ويعطيه البائع الثَّمن.
والخلاصة: أنَّ ما ذكره العلَّامة (رحمه الله) ليس تامّاً.
ومنها: ما ذكره الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله)، حيث قال: (لكنَّ الإنصاف: أنَّه لا وجه للخيار لمَنِ انتقل إليه؛ لأنَّ شراءه إتلافٌ له في الحقيقة، وإخراجٌ له عن الماليّة، وسيجيء سقوط الخيار بالإتلاف، بل بأدنى تصرُّف، فعدم ثبوته به أولى، ومنه يظهر عدم ثبوت الخيار لمَنِ انتقل عنه؛ لأنَّ بيعه ممَّنْ ينعتق عليه إقدامٌ على إتلافه وإخراجه عن الماليّة، والحاصل: أنَّا إذا قلنا: إنَّ الملك في مَنْ ينعتق عليه تقديريٌّ لا تحقيقيّ، فالمعاملة عليه من المتبايعَيْن مواطاةٌ على إخراجه عن الماليَّة، وسلكه في سلك ما لا يتموّل، لكنّه حسنٌ مع علمهما، فتأمَّل)[1] .
وقوله: (ولكنَّه حسن مع علمهما)، أي مع علمهما بأنَّ بيع العبد الَّذي هو الأب يوجب الانعتاق.
ومهما يكن، فيشكل على ما ذكره بأنَّ التّصرُّف الموجب لسقوط الخيار هو التّصرُّف بعد الملك الكاشف عن رضاه الموجب لسقوط الخيار، كما في التّصرُّف بالأمة، بأن لامس أو قبّل، كما هو مقتضى الرِّواية الواردة في خيار الحيوان، وهي صحيحة عليّ بن رئاب المتقدِّمة[2] .
وأمَّا التّصرُّف المقارن للبيع، والملازم لتحقُّق البيع، فهو لا يكشف عن رضاه ببقاء المال، وإسقاط الخيار.
نعم، هو كاشف عن رضاه بأصل العقد الَّذي لابُدّ منه في صحَّة المعاملة.
وبالجملة، فإنَّ العبد إنَّما يخرج عن الماليَّة بقبول المشتري العقد الواقع عليه.
والتّصرُّف الكاشف عن الرِّضا ببقاء المعاملة، والموجب لسقوط الخيار، هو ما كان بعد تحقُّق المعاملة لا المقارن لها.
وعليه، فالبيع الَّذي هو إتلاف للمبيع لا يوجب سقوط الخيار.
ثمَّ إنَّ معنى قوله: (إنَّ الملك فيمَنْ ينعتق عليه عليه تقديريّ لا تحقيقيّ)، أنَّه لا بيع حقيقة، وإنَّما هو مواطاة من المتبايعَيْن على إخراجه عن الماليَّة، أي في الواقع هو عتق وليس بيعاً.
وفيه: ما لا يخفى، بل هو بيع حقيقة والمشتري يملك المبيع في زمان قليل، بحيث لا يترتَّب عليه سوى الانعتاق فهو بيع حقيقةً، والانعتاق حكم شرعيّ قهريّ.
وبالجملة، فالعقود تابعة للقصود، وقد قصدا البيع، ولم يقصدا في المعاملة العتق، بل هو حاصل بعد البيع قهراً.
والخلاصة: أنَّ ما ذكره الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله) ليس تامّاً.