« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (14)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (14)/

 

قول الماتن: (فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزَّوال بطوله عند الشَّيخ)

 

ذكرنا فيما سبق أنَّه إذا أكرها على التّفرُّق، ولم يمكنهما التَّخاير، فإنَّ الخيار يسقط، كما لو أمكنهما التَّخاير.

ولكن على فرض عدم سقوطه -كما ذهب إليه المشهور- فإذا زال الإكراه، فالمعروف بين الأعلام أنَّ لهما الخيار، ولكن اختلفوا في أمد الخيار على أقوال ثلاثةٍ:

الأوَّل: ما عن الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط أنَّ الخيار يمتدّ بامتداد مجلس الزَّوال.

قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: (فإذا زال الإكراه كان لهما الخيار في مجلس زواله عنه ما لم يفترقا...)[1]

وقد يستدلّ له: بأنَّ الافتراق الحاصل بينهما عن إكراه كالمعدوم، فكأنَّهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باقٍ.

ولكن يرد عليه: أنَّ التفرُّق حاصل قطعاً، وغاية ما هناك أنَّ الحكم باقٍ، وهو الخيار.

وعليه، فلا دليل يدل على أنَّ مجلس زوال الإكراه جُعل بمنزلة مجلس العقد.

والخلاصة: أنَّ هذا القول ليس تامّاً.

القول الثَّاني: ما عن العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة، وهو أنَّه لو زال الإكراه، وهو مارّ، انقطع خياره ببقائه سائراً.

قال: (وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الآخر إن طال الزَّمان، وإن لم يطل ففيه احتمال عند الجوينيّ...)[2]

ويرد عليه: أنَّه لا دليل على سقوطه ببقائه سائراً.

القول الثَّالث: هو بقاء الخيار إلى أن يحصل أحد المُسقِطات الآخر.

ذهب إليه كثير من الأعلام -وهو الإنصاف، بناءً على عدم سقوط الخيار فيما إذا أكرها على التّفرُّق، ولم يتمكنا من التَّخاير-.

وقدِ استدلّ لهذا القول: بالاستصحاب، حيث إنَّه كنَّا على يقين من الخيار، ونشكّ في بقائه بعد زوال الإكراه، فنستصحب بقاءه.

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ الاستصحاب لا يجري في الأحكام الكليَّة؛ لأنَّه معارض باستصحاب عدم الجعل، كما بيّناه سابقاً.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه يستدلّ للبقاء بعد زوال الإكراه بإطلاقات أدلَّة الخيار (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا)، حيث دلّت على أنَّ الخيار باقٍ إلى أن يحصل الافتراق الاختياريّ، وبما أنَّ الافتراق الاختياريّ غير متحقّقٍ في المقام، وبما أنَّهما فعلاً بعد زوال الإكراه مفترّقان بالحسّ من جهة الإكراه، فلا يعقل أن يتَّصفا بالافتراق بعد ذلك.

وعليه، فالخيار مستمرّ -بإطلاق أدلّته- إلى أن يطرأ عليه أحد المُسقِطات الأخر.

قول الماتن: (ولو لم يمنعا من التَّخاير بطل الخيار، ولزم العقد)

 

لو لم يمنعا من التَّخاير بطل الخيار، ولزم العقد، كما ذكرناه سابقاً، فلا حاجة للإعادة.

 

قول الماتن: (فروع:

الأوَّل: أسقط الفاضل الخيار في شراء القريب، أمَّا المشتري؛ فلعِتقه عليه، ولأنَّه وطَّن نفسه على الغُبْن؛ إذِ المراد به العتق، وأمَّا البائع؛ فلما ذكر، ولتغليب العتق.

ويحتمل ثبوت الخيار لهما؛ بناءً على أنَّ الملك بانقضاء الخيار، وثبوته للبائع؛ لأنَّ نفوذ العتق لا يزيل حقَّه السَّابق، وحينئذٍ يمكن وقوف العتق ونفوذه، فيغرم المشتري القيمة لو فسخ البائع، ويجري مجرى التَّلف الَّذي لا يمنع من الخيار)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه لو اشترى مَنْ ينعتق عليه، كالأب مثلاً، ونحوه، فإنَّه لا خيار مطلقاً لا للبائع ولا للمشتري، بل ظاهر الشَّهيد (رحمه الله) في المسالك أنَّه محلُّ وفاقٍ.

واحتمل المصنِّف (رحمه الله) هنا ثبوت الخيار لهما، كما أنَّه احتمل ثبوته لخصوص البائع.

وعلى كلِّ حالٍ، فظاهره التّوقُّف في المسألة، حيث نُسِب الإسقاط إلى الفاضل، ثمَّ ذكر الاحتمال، ولم يتعرَّض للقدح فيه.

وحاصل ما ذكره المصنِّف (رحمه الله): هو تخصيص أدلَّة العتق بأدلَّة الخيار، بأن يقال: إنَّه يحتمل ثبوت الخيار لهما، بناءً على أنَّ الانعتاق يتوقَّف على الملك، والملك النَّافذ الَّذي يترتَّب عليه العتق إنَّما يحصل بانقضاء الخيار، وإسقاطه بأحد المسقطات المتقدِّمة منهما معاً.

ويحتمل ثبوت الخيار للبائع خاصَّة.

أمَّا المشتري، فإنَّه ينعتق عليه بمجرَّد الشِّراء، وانعتاقه على المشتري لا يزيد حقّ البائع الحاصل بمجرَّد العقد السَّابق على الانعتاق، وحينئذٍ يمكن وقوف العتق على انقضاء الخيار، كما هو الاحتمال الأوَّل.

ويمكن نفوذه بناءً على الاحتمال الثَّاني، بأن ينعتق على المشتري، ويبقى خيار البائع فإن اختار الفسخ فليس له تسلُّط على العبد لانعتاقه، وإنَّما يرجع بقيمته إجراء للعبد هنا مجرى المبيع التَّالف، هذا حاصل ما ذكره (رحمه الله).

وتوقَّف صاحب الحدائق (رحمه الله) في سقوط خيار المشتري فضلاً عن البائع؛ لأنَّ التَّعارض بين ما دلّ على العتق، وعلى الخيار تعارض العموم من وجه، ولا ترجيح.

أقول: محلُّ النِّزاع في المقام مبنيّ على عدم توقُّف الملك على انقضاء الخيار -كما هو الصَّحيح؛ إذ الإنصاف عدم توقُّف الملك على انقضاء الخيار- وإلَّا فلا إشكال في ثبوت الخيار.


[1] المبسوط: ج2، ص84.
[2] التَّذكرة: ج1، ص518.
logo