« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (13)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (13)/

 

ثمَّ إنَّه بعد ثبوت الخيار للوارث والوليّ، فلا فرق حينئذٍ بين كون الوارث والوليّ حاضرَيْن مجلس البيع أم لا؛ لأنَّ هذا الخيار يثبت لهما مطلقاً بعد تعذُّر حصول الافتراق الاختياريّ بين البيِّعَيْن بسبب موت أحدهما أو كليهما أو جنون أحدهما أو كليهما، ويبقى هذا الخيار إلى أن يسقط بأحد المُسقِطات غير التّفرُّق.

 

قول الماتن: (ولو خرس اعتمد على الإشارة أو الكتابة المفهمة، وإن تعذّر الاستعلام فالأقرب: تخيّر الحاكم ما فيه المصلحة، وعبارة الشَّيخ تخيّر الوليّ)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا خرس أحد البيِّعين أو كلاهما، فإنَّ الحاكم الشَّرعيّ يقوم مقامه أو وليّه، كما عن الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط.

ولكنَّ الظَّاهر أنَّ الحاكم الشَّرعيّ هو الَّذي يقوم مقامه حسبةً.

نعم، لا يشترط أن يُراعى ما فيه المصلحة، بل يكفي عدم المفسدة.

هذا، إذا كان الأخرس لا تُعرف إشارته، فإن عرفت إشارته أو كان يحسن أن يكتب كان خياره باقياً.

 

قول الماتن: (ولو تخيّر الولي، ثمَّ زال العذر، فلا نقض)

 

إذا تخيّر الوليّ أو الحاكم الشَّرعيّ، ثمَّ زال العذر، فلا خيار له، ولا اعتراض له فيما فعله الوليّ أو الحاكم الشَّرعيّ.

وقد عرفت أنَّه لا يشترط عندنا مراعاة الغبطة والمصلحة، بل يكفي عدم المفسدة.

 

قول الماتن: (ولا عبرة بالتّفرُّق كُرْهاً مع منعهما من التَّخاير)

 

هل يسقط الخيار إذا كرها على التّفرُّق، ولم يتمكّنا من التَّخاير -بمعنى اختيار الفسخ أو العمل على مقتضى الخيار-.

ومعنى عدم تمكُّنهما من التَّخاير: هو سدّ أفواههما، أو هُدِّدا عليه، وإلَّا فإذا أمكنهما التَّخاير -ولو أكرها على التّفرُّق- فلا إشكال في سقوط الخيار مع التّمكُّن من الفسخ.

وقد صرَّح الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة، وكذا المصنِّف (رحمه الله) هنا، بلزوم العقد مع تمكُّنهما منه، ولم يختارا، وإن أكرها على التّفرُّق.

وعليه، فمحلُّ الكلام بين الأعلام هو فيما إذا أكرها على التّفرُّق، ولم يتمكّنا من التَّخاير، فهل يسقط الخيار أم لا؟

المعروف بينهم أنَّه لا يسقط، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده، بل في الغنية، وعن تعليق الشَّرائع الإجماع عليه...)[1] .

أقول: قدِ استدلّ لعدم سقوط الخيار بجملة من الأدلَّة:

منها: الإجماع المنقول بخبر الواحد.

وفيه: ما عرفت في أكثر من مناسبة من أنَّه غير حجّةٍ مع كونه مدركيّاً أو محتمل المدركيَّة، فلا يكون إجماعاً تعبُّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام).

ومنها: أنَّ المتبادر من قوله (صلى الله عليه وآله): (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا)، هو الافتراق الاختياريّ، فلو أكرها على التّفرُّق فلا يصدق عليهما أنَّهما افترقا بل فُرّقا.

وأشكل على هذا الدَّليل: جملة من الأعلام، منهم الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله).

وحاصل هذا الإشكال: أنَّ التَّبادر ممنوع؛ لأنَّ التَّبادر إنَّما هو في الاختيار المقابل للاضطرار لا في الاختيار المقابل للإكراه.

وتوضيحه: أنَّ المتبادر من مثل (افترق عن المجلس) هو أنَّ الفاعل يخرج بنفسه عن المجلس، ويغيب عنه.

وأمَّا إذا أخرجه غيره اضطراراً -بأنْ حمله وأخرجه عن المجلس- فلا يصدق عليه حينئذٍ أنَّه افترق؛ لأنَّ المتبادر منه هو الخروج بنفسه عن المجلس.

وأمَّا إذا افترق عن المجلس باختياره، ولكن من دون رضاه، بل بداعي الخوف من شخص، حيث هدَّده بالقتل أو هتك عرضه إن لم يخرج من المجلس، فلا وجه لدعوى التَّبادر حينئذٍ؛ لأنَّ المفروض أنَّه افترق عن المجلس باختياره وإرادته، غاية الأمر لا بداعي الرِّضا بل الخوف والإكراه.

وهذا الكلام متين.

أضف إلى ذلك: أنَّه لو تمّ التَّبادر للزم الالتزام بعدم سقوط الخيار فيما إذا أمكنهما التَّخاير، وأكرها على التّفرُّق، مع أنَّهم اتَّفقوا على سقوط الخيار في هذه الحالة، ولم يقل أحد بعدم سقوطه بدعوى أنَّ التَّفرُّق صدر بالإكراه.

والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل أيضاً ليس تامّاً.

ومنها: حديث الرَّفع، كما في صحيحة حريز المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن أمَّتي تسعة الخطأ والنِّسيان، وما أكرهوا عليه...)[2] .

بدعوى: أنَّه يدلّ على أنَّ الافتراق عن إكراهٍ غير معتبرٍ، ولا يترتَّب عليه أثر، بل وجوده كعدمه.

وأُجيب عن هذا الاستدلال بعدّة أجوبةٍ، أهمُّها جوابان:

أحدهما: عن الميرزا النَّائينيّ (رحمه الله)، وحاصله: أنَّ هذا الحديث الشَّريف، كما دلّ على رفع (ما استكرهوا عليه) دلّ أيضاً على رفع (النِّسيان)، فلو أخذنا بهذا الحديث لكان معناه عدم سقوط الخيار فيما إذا تفرَّقا نسياناً، مع أنَّ الأصحاب لم يلتزموا بذلك، حيث ذهبوا إلى السُّقوط في هذه الحالة، فيستكشف عن ذلك أنَّ ذات الافتراق بما هو فعل دالّ على الإسقاط، لا بما هو صادر عن اختيار.

وهو جواب متين، لا مهرب منه.

ثانيهما: أنَّ هذا الحديث امتنانيّ -كحديث نفي الضَّرر- فهو يرفع الأحكام إذا كان في رفعها امتنان على الأمَّة الإسلاميَّة، وأيّ امتنانٍ في سلب سلطنة البائع عن التّصرُّف في الثَّمن بجعل الخيار للمشتري مثلاً، فإنَّ الحكم بجواز رجوع المشتري في المعاملة ينافي سلطنة البائع على الثَّمن، وهذا ينافي الامتنان.

وعليه، فلا يجري هذا الحديث هنا.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه المشهور من أنَّه إذا أكرها على التّفرُّق، ولم يمكنهما التَّخاير، فلا يسقط الخيار، ليس تامّاً، بل الخيار يسقط، كما لو أمكنهما التَّخاير، والله العالم.

 


[1] الجواهر: ج23، ص9.
[2] الوسائل: ج15، ص369، باب56 من أبواب جهاد النَّفس ح1.
logo